عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

قليل من التفاؤل

عزيزي القارىء..

لا شك في أننا نعيش في زمن صعب. لكن ـ والكلمة للأديب الروسي أنطون تشيخوف ـ "متى لم تكن الإنسانية في زمن صعب"?! هذا الاستدراك, بالطبع, لا ينفى عسر الواقع البشري عبر مسيرة الإنسانية الطويلة, ولا يخففه, لكنه يوضح أن الشدة كانت سمة ملازمة لحياة الإنسان على الأرض. وهي شدة لم تنف استمرار الحياة, مما يعني أن عناصر الكفاية والخير كانت دائما موجودة. وحتى في لحظتنا الراهنة, التي لا شك في كثرة أزماتها, فإن استمرار الحياة, وبهذا الزخم, يدل على أن حوافز الوجود لاتزال أوفر من إحباطات الوجود. وعلى المستوى البيئي اللافت للنظر بشدة, تحولت التقارير الشائعة والمقالات والتحقيقات والتصريحات إلى سرادق عزاء كبير لتأبين بيئة الأرض, رغم بداهة أننا مازلنا نواصل الحياة على ظهرها. هذا التناقض الواضح بين تأبين البيئة, واستمرار الحياة, لابد أن يوجه الأنظار العادلة لتقصي الأمر بدقة أكبر, أي بعلمية أكثر أمانة, فالعلم لا يخلو من الافتئات وإخفاء الحقائق أو تضخيمها. خاصة إذا ارتبط العلم بمآرب سياسية ومصالح اقتصادية. لهذا كله تلقفت العربي مقالة الدكتور أحمد مستجير عالم الهندسة الوراثية المعروف والمثقف الجاد وعضو مجمع اللغة العربية, عن "الواقعية الإيكولوجية" بتلهف, لتنشر رأيا يمضي في نهر الحياة عكس التيار السائد إعلاميا, لا افتعالا للتفاؤل, ولكن لتقليب الأمر على جميع أوجهه, إدراكا لمساحة أكبر من الحقيقة, دعما لمزيد من ثبات خطواتنا على هذه الأرض.

القليل من التفاؤل ليس مطلبا لذاته, بل هو إقرار بجدارة النور حيثما كان في ثنايا الظلام, وتكريسا لمزيد من النور المأمول. وهذا الاتجاه ليس وقفا على مقالة البيئة في هذا العدد, فمعظم المساهمات تكتنفها هذه الروح. في مقالة "نحو منطقة عربية للتجارة الحرة" حديث عن أمل عربي اقتصادي كبير, وفي استطلاع "بيروت تحتضن الثقافة الكويتية" إشارة لاحتفاء مركز ثقافي عربي بمساهمات طرف, تتميز في حقل الثقافة العربية إسهاماته. وفي ملف القصة السورية احتفال بوضاءة فن جميل, صغير الحيز كبير الأثر. وفي استطلاع "جامعة السلطان قابوس وعقد من العطاء" تقدير لهذا الإنجاز المعرفي عند أقصى تخوم الشرق العربي. وفي مقال "وجوه بارزة في السينما الجزائرية" إحياء لقيمة جمالية تقاوم الدهس الدموي في هذا الجزء العزيز من وطننا العربي. وباختصار, تكاد كل مادة في هذا العدد لا تخلو من ملمح للتفاؤل مهما صغر. لأن الخير موجود في استمرار وجود الحياة.

وإلى لقاء متجدد

 

المحرر