إسرائيل ونفق المسجد الأقصى... استفزاز الحاضر وفشل التاريخ

إسرائيل ونفق المسجد الأقصى... استفزاز الحاضر وفشل التاريخ

ليست عمليات البحث عن الهيكل المزعوم فى القدس حديثة ، بل هى قديمة ترجع إلى القرن الماضى ، ولم تستطع الحفريات الأثرية النظامية المشروعة ، أو حتى غير النظامية السرية ، أن تكشف أى أثر للهيكل ، ايا كان هو ، هيكل سليمان أم هيكل هيرودوس ، بل لم تستطع الحفريات أن تؤكد أى وجود لآثار ترجع إلى ما قبل العهد الرومانى " بداية عهد المسيح " .

لابد أن نعيد إلى الذاكرة عملاً مماثلاً قام به ضابط إنجليزي هو " شارلزوارن " بين عامى 1867 - 1870 ، عندما حفر نفقا شاقولياً وافقياً سرياً باحثاً عن آثار عمارة إسرائيلية دون أية نتيجة .

لقد غذى أعمال وارن صندوق التنقيب الفلسطينى الإنجليزية اليهودى ، ولقد اكتشف هذا المغامر وهو يحفر تحت الحرم القدسى الشريف فى الجهة الغربية ، أن ثمة طريقا مفروشا بالحجر يتجه نحو الزاوية الشمالية الغربية للحرم ، حيث وجد خزان مياه حفر فى الصخر ، ويتصل هذا الخزان بقناة الخزان الكبير الذى يقع تحت طريق الآلام .

وقريباً من حائط المبكى ، اكتشف وران صالة كبيرة هى من إنشاءات الصليبيين "القرن 11م" ، تتصل بممر مغطى بقبوة ، تتجه من الشرق إلى الغرب ، وكان هذا ما أطلق عليه اسم " الممر السرى " الذى كان يستعمله الصليبيون ولا شك ، إذ أنه اكتشف أيضا بناء " كنيسة سان جيل " التى أنشأها الصليبيون أنفسهم فى ذلك الوقت ، حسبما ورد فى وثائق تعود إلى عهدهم .

كما اكتشف بوابة تقع فوق هزان مياه متهدم ومغمور ، ولقد أطلق على هذه البوابة اسمه " وارن " لعدم التعرف على تاريخها .

ولقد اعترف وارن بأنه اكتشف كنيساً صغيراً يهودياً يعود تاريخ إنشائه إلى ما بعد تحرير القدس من القائد صلاح الدين الأيوبى ، الذى سمح بإنشائه بعد أن وافق على دخول أقلية من اليهود ، وكانوا ممنوعين من دخول القدس فى عهد الصليبيين . وكانت إقامتهم فى حى المغاربة الذى يقع فى منطقة جدار المبكى .

جدار المبكى

كان اليهود يعتقدون أن جدار المبكى أو ما يسمى بالجدار الغربى ، هو جزء من الهيكل ، ولكن اللجنة الدولية فى الثلاثينيات أكدت أن هذا الجدار إسلامى البنية ، وأطلق عليه اسم جدار البرق ، قام على أساس جدران رومانية داعمة .

إن الصخرة الضخمة التى تحمل صفة القداسة منذ أن هم النبى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه فداء ، هذه الصخرة تقع فى ذروة جبل موريا فى القدس ، وكانت تشغل مكاناً ضيقاً ثم تم تعريضها - كما يقال خطأ منذ عهد داود - وذلك بغمر أطرافها بالتراب من جهتى الشرق والغرب .

وهناك زعم أن هيكل سليمان أنشئ على هذه الصخرة ، ثم أن مسجد القبة أنشى فوق هذه الصخرة التى كانت مهبط الإسراء عند المسلمين .

ولكن ليس ما يثبت وجود الهيكل أو ما يؤكد أن هذا المضمار الواسع قد أعد ومهد قبل عهد الرومان وبالتحخديد قبل عهد هيرودوس الذى حكم من 37 ق. م حتى عام 6 م و " استمرت سلالته حتى عام 100 م " ، وجميع الأبحاث تؤكد أن أقدم الآثار فى هذه المنطقة إنما تعود إلى هذه العهد ، وأن هذا المضمار كان بمساحة 13 هكتاراً وكانت أبعاده 574 × 278 م وعليه تم إنشاء أهم المبانى الرومانية . لقد تبين أيضا أن جميع الجدران التى تدعم هذا المضمار الرومانى ، قد أنشئت فى العهد الرومانى على شكل أروقة يصل ارتفاعها فى المنطقة الشرقية إلى ستين متراً ، ويبلغ وزن بعض أركان هذه الأروقة مئات الأطنان .

ولقد أعيد أنشاؤها وترميمها فى العهود العربية قبل وبعد الاحتلال الصليبى وحتى العهد العثمانى . على أن جدران العهد الرومانى الهيرودوى " نسبة إلى هيرودوس " لاتزال واضحة من جهة الشرق . أما فى الجهة الجنوبية فلقد ابتدأت الحفريات التى قامت بها السيدة كنيون وأتمها الإسرائيلي " ما زار " بدعم من الجامعة العبرية، وأعلن منذئذ أن هذه الآثار المكتشفة تعود إلى عهد عبدالملك بن مروان ، وفى الجهة الغربية ، حيث يقع جدار المبكى أو جدار البراق - كما ذكرنا - لا يزال الشك قائماً عند اليهود المتشددين ، ان هذا الجدار قد يكون من بقايا الهيكل بالرغم من جميع الأبحاث والآراء المنافية ، والتى تثبت أن هذا الجدار جدد فى العهود العربية وأصله رومانى هيرودى . وأن المدينة العربية لا تزال قائمة على أعتابه .

فى هذا المكان تم سراً 1967 حفر النفق موضوع حديثنا . لم يكن حفر هذا النفق عملاً علمياً " أركيولوجيا " ، بل كان مغامرة المتعصبين للبحث عن أساسات الجدار الغربى للتأكد من أصول العمارة فيه ، والبحث الإسلامى الشريف . والواقع أن هذا النفق الذى أنشئ تحت البيوت العربية ، كان واسعاً وكان يشكل رواقاً بطول 380 متراً وارتفاع يصل إلى 6 أمتار وبعرض وسطى 3 أمتار ، يتجه نحو الشمال بمحاذاة الجدار الغربى ، ولقد حفر فى شروط صعبة وخطرة على المبانى السكنية التى فوقه وقد تشقق أكثرها ، ثم هو يؤثر فى الجدار الداعم لمضمار الحرم الشريف . ولظروف مباحثات السلام مع العرب ، قام اسحق شامير بتهدئة الخواطر وبالتعهد بعدم فتح أبواب هذا الرواق للجمهور . ولكن من المؤكد أن هذا النفق لا يزال يشكل خطراً على أبنية الحرم الشريف . وبخاصة بناء مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى . وعندما تسلمت حكومة الليكود الحكم فى بداية 1996 نقضت جميع الاتفاقات السلمية ، وأفسحت المجال أمام المتشددين - وهى منهم - أن يفتحوا هذا الرواق للجماهير التى قامت بزيارته بمئات الألوف ، وكان ذلك استفزاز للعرب ، وتهديدا مباشر البنية الحرم الشريف ، وكما ذكرنا فإن هذا النفق لم يكن عملاً أثرياً علمياً ، بل كانت الجهات الأثرية لا ترى مبرراً له ، ولكن وقد اكتشف أمر هذا النفق السرى عام 1985 ، فقد تدخل بعض العلماء وأهمهم " دان باحات " لكى يعلن ملاحظاته العلمية حول بنية الجدار السفلى ، التى أصبحت أوضح بعد حفر النفق .

الهوية الرومانية

لقد أعلن هذا الأثرى الإسرائيلي أن جميع الآثار تدل على هويتها الرومانية فى عهد أسرة هيرودوي ، وليس من اثر يعود إلى قبل هذا التاريخ " بداية الميلاد " ، ويدخل فى ذلك ما سمى بقوس العالم ويلسون ، والجسر المؤدى إلى المضمار ، صالة الحشمونيين " قبل هيرودوس " وفوقها منشآت تعود إلى العهد الصليبى ، أما الممر السرى ، فيعود إلى العهد الإسلامى المملوكى " القرن الخامس عشر " وكذلك المدارس ، التنكزية والبلدية والمساجد وغيرها من المنشآت الإسلامية التى استعمل بعضها فيما بعد خزانات للمياه.

وثمة صالة كبيرة تقع تحت المدرسة البلدية ، كانت مغمورة بالأنقاض ، ولقد فرغت ورممت وأصبحت متحفاً .

وقال جان بيرو رئيس بعثة النقيب الفرنسى فى إسرائيل " إن نتائج هذا العمل لم تقدم شيئاً جديداً مختلفاَ عن الأبحاث التى تؤكد الأصل الرومانى لهذا المضمار ولجدرانه وأروقته الداعمة حوله " . وشدد قائلاً :" إن هذه المغامرة الخطر على الحرم القدسى الشريف ، والمكلفة جداً لم يكن لها أى هدف علمى ، بل إنها آلت إلى وضع حد حاسم للأساطير ، وإلى كشف الحقيقة التاريخية للحرم الشريف ".

 

عفيف البهنسي

 
  




المسجد الأقصى ويظهر النفق الإسرائيلي الذي يبدأ من حائط المبكى