طرائف عربية

طرائف عربية

زمن العز واللؤلؤ
جهل العامة يأتي بالغمة

لما تولى حكم مصر أحمد بن طولون واستقل بها عن الخلافة العباسية, وبنى مدينة القطائع على جبل يشكر, ابتدأ في بناء مسجده الهائل, وبلغت نفقته على بنائه مائة ألف دينار وعشرين ألفا, ولما ضاقت الحال بابن طولون, وشعر بكلفة البناء, وأنه لن يقدر على إكماله, فخرج على سبيل النزهة فتوجه نحو الأهرام فبينما هو راكب إذ غاصت قوائم فرسه في الأرض, فـأمر بكشف ذلك المكان, فلما كشف, فإذا هو كنز فيه دنانير ذهبا, ثم إن الأمير أحمد نقل المال إلى خزائنه وباشر بناء الجامع حتى اكتمل. وكان المسجد من الأعاجيب, ولما فرغ من بنائه لم يصل فيه أحد من الناس, وقالوا: هذا بني من مال حرام, ولا يجوز فيه الصلاة والغريب في الأمر أن السنوات تنقضي, والسنين تتتابع, وكلما زرت هذا البناء الهائل غير المسبوق, سواء بالليل أو النهار وجدته مهجورا لاصلاة فيه, تزوبع بأركانه وبصحنه الريح في الشتاء وصوت الصمت في بقية الفصول.

الكنز والفسقية

لما استقر عمرو بن العاص بمصر وبنى مدينة الفسطاط جمع القبط وقال لهم: (من كان عنده كنز وكتمه عني, ضربت عنقه), فقيل له: (إن شخصا من الأقباط, يقال له بطرس, عنده كنز عظيم, وعندما أحضره أنكر بطرس ذلك فأمر بسجنه أياما. ثم أمر عمرو الموكلين به أن يخبروه إن كان يتصل بأحد فأخبروه أنه دائما يسأل عن راهب في الطور, فأرسل عمرو إلى بطرس, وهو في السجن, وأمره بأن ينزع خاتمه من إصبعه ويرسله إليه, فلما فعل أرسل عمرو الخاتم إلى الراهب في الطور باسم بطرس ومعه رسالة: (ارسل لي الوديعة التي عندك صحبة حامل هذا الخاتم), فلما رأى الراهب خاتم بطرس عرفه, فلم يشك وأرسل على يد حامل الخاتم خفة مختومة بالرصاص, فلما فتحها عمرو وجد فيها صحيفة مكتوبا فيها: إن الأموال التي وجدت من كنوز فرعون, تحت الفسقية الكبيرة, التي في قصر الشمع.

فتوجه عمرو إلى قصر الشمع, فوجد الفسقية المذكورة ملأى بالماء فأفرغه منها وفك رخامها فوجد كنزا من ذهب فنقله بالقفاف إلى داره وعندما اكتاله بالمكاييل فإذا هو اثنان وخمسون إردبا.

المأمون وسيدة الدار

بعد أن أخمد المأمون الفتنة في ربوع مصر سرح في ضواحيها, فكان يقيم في كل قرية يوما وليلة ثم يرحل عنها, فلم يزل حتى مر بقرية من قرى مصر, يقال لها (طاه النمل) فمر عليها ولم ينزل بها, فلما جاوزها خرجت له عجوز وهي ترعش بين خادمين, وكانت تعرف بمارية القبطية فوقفت بين يديه وبكت وصاحت, فظن المأمون أنها مظلومة, فوقف, وكان لا يسير إلا والتراجمة بين يديه من كل جنس فسألها بعض التراجمة عن أمرها, فقالت: (إن أمير المؤمنين ينزل بكل قرية, ويقيم بها يوما وليلة وقد حاد عن قريتي حتى أصير معيرة بين أهل مصر). فلما ترجم له الترجمان ما قالته المرأة, قال له المأمون: (إن قريتها صغيرة لا تحمل العسكر, ولا تطيق هذه العجوز كلفتنا) فرد عليها الترجمان الخبر فصاحت: (لاسبيل أن يتجاوز أمير المؤمنين قريتي). ثني المأمون عن فرسه وضرب بالقرية خيامه. فلما استقر ومن معه من العساكر جاء ولد المرأة إلى صاحب المطبخ وقال له: (اذكر ما تحتاج إليه من غنم, وبقر, ودجاج, وأفراخ, وسمك, وأوز, وسكر, وعسل, وفستق, ولوز, وفاكهة, وحلوى, ومسك, وماورد, وشمع, وبقولات, وغير ذلك مما جرت به عادة الخلفاء). وأقام المأمون يوما وليلة, فلما أراد الانصراف أقبلت العجوز ومعها عشرة من الوصائف وعلى رأس كل واحدة طبق فلما كشفها فإذا فيها دنانير من الذهب فشكرها وقال لها (فيما صنعته كفاية), فبكت وقالت (لا تشمت بي أعدائي برده إلي). وعندما تأمل المأمون الذهب, فإذا هو ضرب (سك) عام واحد جميعه فتعجب وقال (ربما يعجز بيت مالنا عن مثل ذلك), وسألها (أظفرت بكنز?), قالت: (لا والله, وإنما هو من زرع الأرض ومن عدل أمير المؤمنين). أجابها المأمون (بارك الله في مروءتك وفيما صنعت) وأنعم عليها بقرية طاه النمل, وهناك قنطرة اسمها قنطرة العجوز حتى الآن.

الذهب والموت

أشرف عمرو بن العاص على الموت فقال لولده عبدالله وكان يقاربه في السن: (إذا أنا مت فاردد هذه الأموال التي جمعتها إلى أصحابها). فلما مات عمرو سمع بها معاوية أرسل فأخذها وقال: (نحن أحق بهذه الأموال لدفع العدو, ولما قيل لعبد الله بن عمرو (ما كان قدر ذلك المال?) قال (كان سبعين جرابا من جلد ثور كاملة).

جردة ما بعد الموت فسبحان مالك الملك

لما مات الأمير سيلار من الجوع في محبسه في ولاية الناصر محمد, وعندما جردوا أمواله وجدوا: مائتي ألف دينار من الذهب وأربعمائة ألف درهم من الفضة, وصناديق مصفحة بنحاس ضمنها فصوص ياقوت برطلين, وفصوص زمرد زياني عشرين رطلا, وفصوص ماس وعين الهر ثلاثمائة قطعة, لؤلؤ مائة وخمسين حبة, وظهر له مصاغ من ذهب خلاخيل وسوار أربعة قناطير وخيول وضياع ومعاصر إلخ.. إلخ.. إلخ..