الرجال من كوكب المريخ والنساء من كوكب الزهرة

الرجال من كوكب المريخ والنساء من كوكب الزهرة

حديث الشهر

العنوان السابق هو عنوان كتاب أضحى لمدة عام كامل على رأس قائمة المبيعات من الكتب فى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. عندما قلبته لأول مرة وجدت أن عنوانه غريب بعض الشئ، فلم أهتم به ولكننى عندما وجدت هذا العنوان يعود للظهور أسبوعا وراء أسبوع وشهرا وراء شهر كأفضل اكتب مبيعا فى الأسواق ( ومعنى ذلك أن القارئ العادى والمتسوط يقبل عليه ) فلا بد أن به شيئا خاصا يبرر هذا الإقبال، فقرأته.

فكرة الكتاب بسيطة بل غاية فى البساطة، ولكنها ككل الأفكار البسيطة تحتاج أولا إلى من يكشف أهميتها، وثانيا إلى من يقدمها للناس بمعناها الجديد.

الفكرة هى معرفة الرجال بالنساء، ومعرفى النساء بالرجال، فالرجل عادة ما يتصرف ويتكلم ويتعامل مع الآخرين - والمرأة من بينهم - بناء على ما يتوقع وما يعرف. والمرأة عادة ما تتعامل مع الرجل أيضا وتتصرف بناء على ما تتوقع لا على حاجة ومتطلبات الرجل. وما بين التوقع وما تريده المرأة وتحبه وتهواه أو ما يريده الرجل ويحبه ويهواه فرق شاسع كالمسافة بين كوكبى المريخ والزهرة.

مؤلف الكتاب جون جرى John Gary هو أستاذ فى التحليل النفسى قضى ربع قرن من حياته يحاضر فى دروس خاصة للجنسين، الرجال والنساء، ويضع تجربته الكثيفة فى أسلوب بسيط يقول عنه :" ليس بالضرورة أن التجارب التى أسردها فى هذا الكتاب هى أحداث نمر بها جميعا، ولكن البعض منها عندما تقرؤه تقول : آه أنا ذلك الشخص الذى يتصرف بهذه الطريقة ". جرى يضع كتابه تحت شعار :" ما تشعر به يمكن أن تعالجه "، وفى عنوان آخر : " علاقة الرجال بالنساء، السلام بين الجنسين ".

حقيقة السلام الذى يقصده الكاتب يمكن مقارنته بذلك السلام المعنى بين الدول، أو فى قطاعات المجتمع الواحد، أو بين الرجل والمرأة. وكما هو واضح لا سلام دون معرفة الآخر.

مدخل شخصى

مدخل الكتاب مدخل شخصى بحت، إذ يقول المؤلف إنه بعد أن وضعت زوجته الثانية ( فشل زواجه الأول ) طفلتها، كانت ضعيفة ومريضة، فاضطر إلى البقاء معها بضعة أيام إلى أن تعافت نسبيا، فذهب هو إلى عمله، وفى يوم عاود الزوجة المرض ونفدت حصيلتها من الأدوية، وكان أخوه قد مر على المنزل فأوصته الزوجة بأن يجلب لها الدواء.. فذهب ولم يعد، وعندما عاد صاحبنا إلى المنزل وجد الزوجة فى حالة صحية سيئة، وقابلته بالصياح والشكوى واتهمته بأنه ناكر للجميل، تركها مع المرض والطفلة الصغيرة، وليس لديها دواء، وأن كل ذلك إهمال فى حقها وعدم اكتراث. حاول أن يفسر لها أنه كان فى المكتب وكان يمكن أن تتصل له ليحضر الدواء، ولكنها لم تسمع كلماته فحدث الشجار، وهم بأن يترك المنزل وهو متوجه إلى الباب، لكنها صاحت به : " لا تفعل أرجوك لا تترك المنزل إننى أحتاج إليك.. أحتاج فقط إلى أن تحتضننى وأن تلمنى وتشعرنى بالأمان " فرجع وفعل ذلك فإذا بالدموع تنهمر من عينى الزوجة وتعتذر عما بدر منها ثم تقول : " أنا لا أحتاج إلى الدواء الآن فقط، أحتاج إلى الحنان والتفهم وأحتاج إلى أن أشهر أننى لست وحيدة فى هذا العالم " ويقول المؤلف : " بمعرفة هذه الحاجات استطعت أن أتوصل مع زوجتى ". ويضيف أن تلك الحادثة البسيطة والتى قد تحدث يوميا فى كل المنازل وكل الثقافات قد أرجعته إلى صوابه وقدمت له فكرة فهم حاجات الآخرين خاصة الجنس الآخر، فلو كانت المشادة بين رجل ورجل لكان المتوقع من الطرفين الشد باتجاهين معاكسين يوصلان إلى حد القطيعة، ولكنها تختلف مع الجنس الآخر. عليك أن تفهم حاجاته النفسية التى تختلف عن حاجتك أنت.

قضى المؤلف سبع سنوات - كما يقول - فى البحث والاستقصاء لكتابه هذا الكتاب، تعلم كيف تختلف النساء عن الرجال وبالعكس، وعن طريق هذه المعرفة أنقذ أسرا كثيرة من التحكم والطلاق والافتراق، كما أنه أنقذ فوق ذلك الأطفال الذين سوف يعانون أكثر من غيرهم من انفصال الأبوين.

يكاد الجميع أن يعرفوا أن الرجال والنساء مختلفون، ولكن السؤال ما هو هذا الاختلاف وكيف يختلفون ؟ لا يزال هذا السؤال معلقا، لم يجب عنه بعد معظم الناس. عندما تسأل هذا السؤال سوف تجد أن الإجابة لا تخرج عن أن هناك طرفا هو ضحية للطرف الآخر، رجال يعتقدون أنهم ضحية النساء، فالرجل يعمل ويكد لينفق على العائلة، والزوجة تبذر وتتصرف وكأنه يملك مال قارون، ونساء يعتقدون أنهن يكددن ويكدحن فى المنزل، فى الغسيل والطبخ والعناية بالأطفال ومتابعة تحصيلهم الدراسى، والرجل لا يقيم وزنا لا لحاجات الزوجة ولا لمتطلباتها الإنسانية. حيقيقة الأمر - يقول المؤلف - أنهم جميعا ضحايا لعدم الفهم المتبادل.. فهم الآخر. كى يفهم الرجل المرأة وتفهم المرأة الرجل فإن الخطوة الأولى التى ينصح بها الكاتب قراءة هى " فتح القلوب "، عندما قرأت هذا الفصل تذكرت كلمات الفيلسوف العربى اللبنانى ميخائيل نعيمة : " فتحت باب بيتى وأغلقت باب قلبى فلم يزرنى أحد، وفتحت باب قلبى وأغلقت باب بيتى فامتلأ منزلى بالزوار ".

فتح القلوب هو الذى يقود إلى تسامح أكثر ودافع أكبر يستقبل الحب والمساندة. مع هذا الوعى بفتح القلب والمصارحة تتداعى المشاعر الطيبة بين الجنسين، ومع غلق القلب تتراكم المشاعر السلبية، وتفس الكلمات والإيماءات فى غير محلها بل تفسر سلبيا، بالمصارحة تنخفض درجة الإحباط، ويتبين الناس أن العلاقة السوية ليست بالعلاقة الصراعية وليست قذف الأعباء والمصاعب وأسباب المشكلات على الآخر، ولكن فتح القلوب لن يأتى بثمار طيبة إلا إذا كانت هناك قناعة سابقة بأن الرجال والنساء مخلوقات بشرية مختلفة، مختلفة فى كيفية التفكير، وكيفية الاتصال والتعبير عن المشاعر، وفى كيفية التصرف فى المواقف المتباينة،، بل مختلفون فى فهمهم للأحداث والعلاقات، وحاجتهم للحب والعطف كما أن طريقة تعبيرهم عن المشاعر مختلفة، وفى هذا الأمر يكادون أن يكونوا من كوكبين مختلفين.

بالتأكيد فإن رحلة علاقات الحب بين رجل وامرأة فى منزل واحد، رحلة ليست خالية من الهزات والمطبات، وهذه الهزات يمكن أن تكون مصدر للمقاومة والرفض، بل والعداء المتحكم.

فى المجتمعات الحديثة تبدو الظاهرة الاجتماعية الأكبر والأخطر هى ارتفاع نسبة الطلاق، خاصة فى الزيجات الجديد وبالأخص بين الجيل الجديد. سبب هذه الظاهرة الأساسية عدم التدريب الكافى فى الأسرة على توقعات الحياة الجديدة، الرجل كما المرأة - فى حالة الزواج الجديد - يتوقعان أن يعيش كل منهما كما عاش فى أسرته السابقة دون مسئولية ودون أعباء، وما إن تصدمهم الحياة بالأعباء حتى تتداعى الأسرة الجديدة.

تذكر الاختلاف

دائما تذكر الاختلاف فى القاعدة التى تقول : " إن كان الشريك يحبنا فإنه سوف يتصرف بالطريقة التى نتصرف بها لأننا نحبه ". هذه القاعدة خاطئة، فالقيم الاجتماعية والسلوكية التى ترثها المرأة وتشب عليها تختلف عن القيم التى يشب عليها الرجل، فالأخير يعتقد أنه هو الذى يقدم النصائح ويحل المشكلات، وأن المرأة لا تقدر على تقديم وجهة نظر، إنها فقط الطرف المستقبل، وكذلك فى طريقة مواجهة الضغوط والمشكلات، فالرجل ينسحب ويصمت ويغرق فى التفكير، يغوص فى المشكلة التى هو بصددها، أما النساء فلديهن دافع قوى للحديث عن المشكلات التى تواجههن، وفى الكثير من الأوقات، فإن المرأة تفشى أدق أسرار زوجها دون إرادة أو قصد.

أما أكثر مشكلات المرأة مع الرجل فإن المرأة دائمة الشكوى. إن الرجال لا يتحدثون. المرأة تحب الحديث فى المعقول واللامعقول، وفى التفاصيل وفى القضايا الجانبية، وعندما تهم بكل ذلك وينصرف الزوج عن السماع تظن أنه لا يريد الاستماع وليس رفض الاستماع من حيث المبدأ. خطأ الرجل فى عدم الاستماع إلى المرأة لأنه يعتقد أنها تحتاج إلى حلول للمشكلات التى تعرضها، حقيقة الأمر أنها فقط تحتاج إلى تعاطف وموافقة على رأيها الذى قالته للجارة أو لبنت الأخت أو لبائع الخضراوات. هى تحتاج إلى تفهم وموافقة على تصرف ولا تحتاج إلى حلول.

المشكلات المتكررة فى شكوى الرجل من النساء أن المرأة دائما تحاول تغيير سلوك الرجل وتصرفاته وعلاقاته بالآخرين. عندما تحب المراة رجلا، فإنها تشعر بأنها مسئولة عن مساعدته فى النمو وتحاول مساعدته فى تطوير طرق عمله، إنها تشكل " لجنة منزلة للتطوير "، ويكون هو محور عملها الأول، وبصرف النظر عن مقاومته لمساعدتها فإنها تصر على اقتناص الفرص لتقول له ماذا يجب عليه أن يفعل، تشعر أنها تربيه تربية جديدة فى حين أنه يشعر أنها تريد أن تسيطر عليه.

هذه المشكلة يمكن فهمها إن عرفنا لماذا الرجال يقدمون الحلول والنساء يسعين إلى التطوير.

الرجال يتمنون القوة، الثقة، الإنجاز، فهم يقومون بفعل الأشياء لتطوير أنفسهم وسلطتهم وقدراتهم وإحساسهم بأنفسهم، يستخدمون قدرتهم لتحقيق نتائج ويشعرون بالإنجاز عبر النجاح وتحقيق المقصود، كل شئ فى عالم الرجل هو مرآة لهذه القيم، رجال الشرطة العسكريون، رجال الأعمال، سائقو التاكسى، الأساتذة، معظمهم مهتمون بالنشاطات خارج المنزل، يهتمون بالأخبار والرياضة، ولكنهم لا يهتمون كثيرا " بروايات الحب " لأنهم أكثر اهتماما بالأشياء بدلا من العواطف، بينما النساء يذبن تأثرا مع مسلسلات الحب وتتسمر بعضهن أمام التلفزيون ليعرفن ماذا حدث للبطلة بعد هجرها البطل. تحقيق الأهداف شئ مهم بالنسبة للرجل، وحتى يشعر بالامتنان والرضا عن نفسه لابد أن يحقق تلك الأهداف أن يعلم أو يؤمر بماذا يفعل، أن تقدم للرجل نصيحة لم يطلبها من امرأة يعنى الافتراض أنه لا يعرف كيف يتصرف، أو أنه يتصرف خطأ. الرجال حساسون لهذا الموضوع لأن قضية الثقة قضية مركزية فى بنائهم النفسى، لأن الرجل يقوم بحل مشكلاته بنفسه ومن النادر أن يتحدث فيها مع الآخرين، إلا إذا كان يريد نصيحة من محترفين - أطباء، محاسبين، محامين، ولسان حاله يقول : ( لماذا أشرك آخرين فى الوقت الذى فيه أستطيع أن أحل مشكلتى بنفسى ). ولكن إذا أراد الرجل مساعدة حقيقة - وهى من علامات الحكمة فى هذه الحالة - فسوف يجد شخصا أولا يحترمه ثم بعد ذلك يحدثه عن مشكلته، هذا المكون النفسى فى الرجل هو أحد الأسباب التى تدفعه لتقديم الحلول عندما تتحدث المرأة عن مشكلة، يريد أن يجعلها تشعر شعورا طيبا عندما يقترح حلا للمشكلة، ومجرد أن يقدم الحل وتظل هى فى ثرثرتها حول المشكلة عندها ينتابه الغضب، وينفجر : " لقد قلت لك ألا تذهبى إلى جارتك هذه حتى لا تغمر وتلمز من طرفك، هذا هو الحل لا أريد أن أسمع المزيد ".

النساء لهن قيم أخرى. إنهن يتمنين الحب، والتواصل، والجمال، والعلاقات الإنسانية. إنهن يصرفن وقتا طويلا لتعضيد وطمأنة ومساعدة بعضهن بعضا.

إحساسهن بأنفسهم يمر عبر مشاعرهن ومستوى وعمق علاقاتهن، إنهن يصلن إلى الإنجاز من خلال المشاركة والتساند، كل شئ فى عالم المرأة يؤكد ذلك، الحياة فى اتصال متواز، وحب وتعاون أهم ليديهم من العمل والقتنية فى معظم الأحوال.حياتهن متعاكسة مع حياة الرجال، لا يرتدين نفس الملابس فى أيام متعاقبة بل يفضلن أن يرتدين كل يوم شيئا مختلفا حسب حالتهن النفسية، التعبير عن الذات " خاصة العواطف " مهم بالنسبة لهن، بل ربما يغيرن ملابسهن أكثر من مرة فى اليوم تبعا لتغير حالتهن النفسية.

التواصل بالسنبة لهن عملية أساسية، أن يشاركهن أحد فى شعورهن الشخصى أكثر أهمية لهن من تحقيق الأهداف أو الحصول على النجاح. الأحاديث والاتصال فيما بينهن مصدر ارتياح عظيم لهن. ذلك صعب على الرجل فهمه وتصوره. يمكن أن يفهم حاجة المرأة للمشاركة والتواصل عندما يقارن ذلك بشعوره بالراحة الذى يشعر به يماثله الشعور بالرحة عند المرأة عندما يستمع إليها ويتواصل معها.

بدلا من التوجه السلبى الغالب فى إنشاء علاقات عند الرجل، المرأة لديها توجه إيجابى فى هذا الشأن على عكس التصور السائد.

النساء مهتمات أكثر بالتعبير عن طبيعتهن وحبهن وعنايتهن. عندما يذهب رجلان إلى عداء عمل فإن هدفهما الوصول إلى نتائج، وحل مشكلات عالقة بجانب التلذذ بالأكل. بالنسبة للمرأة الذهاب إلى اقداء تعتبره فرصة لتنمية علاقة وتعضيدا لصداقة أو أخد المساندة، الحديث النسائى فى معظمة يمكن أن يكون مفتوحا، مقاربا للحوار الذى يحدث بين معالج نفسى ومريض. النساء يهتممن بالقراءة النفسية بأساليب التنمية النفسية والمعالجة.

المرأة مداخلاتها حميمة، لقد طورت هذه القدرة خلال قرون من الاحتجاج إلى الاخرين، والنساء يفخرن بأنهن يتفهمن حاجات وشعور الآخرين، وكمظهر للحب الكبير أن تعرض الماعدة والعاية عقا الآخرين.

وحيث إن تأكيد الثقة بالذات ليس مهما للمرأة فإن تقديم المساعدة ليس بالأمر السلبى والاحتجاج إلى المساعدة ليس مظهرا من كظاهر الضعف، الرجل ربما يشعر بالإهانة عندما تقدم له المرأة المشورة. إنه يشعر بأنها لا تثق بقدرته على عمل الأشياء. وبالمثل عندما لا يعرف الرجل كيف تشعر المرأة، فإنه يجعل الأمر اسوأ، فالمرأة لا تفرض وصاية بل تريد أن تشاطر الرجل شعوره ويشاطرها شعورها، إنه يفترض أنه يساعدها عندما يقدم لها سلسلة من الحلول للمشكلات.

بوح وصمت

تقاوم المرأة الرجل ويقاوم الرجل المرأة فى الكثير من القضايا، ليس بسبب اختلاف فى النظرة إلى المشكلة المطروحة بل بسبب أو هى وأضعف، إنه اختيار التوقيت وطريقة العرض. المرأة تحتاج إلى نصيحة ولكن ليس وهى غاضبة من شئ ما، تحتاج أولا ممن يستمع إليها إلى فهم أسباب الغضب والتعاطف مع هذه الأسباب، كما أن الرجل يكره أن تقدم المرأة النصيحة عندما يخطئ فى نفس الوقت دون أن يطلب منها ذلك، وخصوصا أمام الآخرين.

فى هذه الحالات يقاوم كل منهما الآخر. عندما تقاوم المرأة حلولاً قدمها الرجل فإنه يشعر بأن قدرته على الحكم على الأشياء فقد خضعت للتسأول، وبالنتيجة فإنه يشعر بعدم الثفة وعدم التقدير ويتوقف عن إبداء الاهتمام بالأمر. وعندما يرفض الرجل اقتراح المرأة تشعر أن حاجتها لا تحترم وشعورها غير مقدر، عندها تتوقف عن الثفة به لكنها لو تدرك أن للرجل حاجات مختلفة تستطيع أن تفهم لماذا هو يقاومها، ربما لأنها أعطته نصائح غير مطلوبة، أو نقده بدلاً من مشاركته.

أحد الفروق الكبيرة بين الرجل والمرأة هو كيفية التصرف أمام الضغوط، الرجال يتوجهون إلى الانسحاب والتركيز والنساء يتوجهن إلى التدخل العاطفى، فى مثل هذه الأوقات حاجات الرجل - كى يشعر بالراحة - تختلف عن حاجات المرأة، هو يشعر بالتحسن عن طريق حل المشكلة وهى تشعر بالتحسن عن طريق الحديث عن المشكلة.

عدم فهم وقبول هذه الاختلافات بين نمط تفكير وشعور كل من الرجل والمرأة ينتج عن خلافات فى علاقاتنا الاجتماعية. فى عالم الرجال عادة لا يتحدثون عن مشكلاتهم إلا إذا كان المشارك فى الحديث يستطيع أن يساهم فى حل المشكلة، ويميل الرجل، فيما عدا ذلك، إلى الصمت. لكنه عندما يصل إلى الحل يشعر بالثقة ويخرج من عزلته. عندما تثور المرأة وتشعر بعدم الرضا عن موضوع ما فإنها تلجأ إلى من تثق به وتتحدث، وعندما تفرغ هذه الشحنة تشعر بالارتياح بصرف النظر عما إذا كان المشكلة قد حلت أم لا.

عندما ينسحب الرجل بسبب مشكلة تواجهة فإنه لا يستطيع أن يقدم الدعم والرعاية لشريكته بالمستوى والسوية اللذين تتوقعهما، وينتج عن ذلك أن تتشكل لديه صعوبات فى قبولها، لأنها لاتعرف مستو الضغوط التى يواجهها، لو عاد إلى المنزل وتحدث عن كل المشكلات التى تواجهه فإنها ستكون فى وضع أفضل لشماركته والتعاطف معه، هو لا يتحدث عن مشكلاته وهى تشعر بأنه يهملها.

إنها تعرف أنه متوتر ولكنها، خطأ، تفترض أنه لا يهتم بها لأنه لا يتحدث إليها. النساء عموما لا يعرفن كيف يتعامل الرجال مع الضعوط، إنهن يتوقعن أن الرجال يتحدث عن مشكلاته بإسهاب توقع غير واقعى، مثل توقع الرجل للمراة أن تناقش مشكلاتها بعقلانية أو تصمت عن الحديث عن هذه المشكلات كلما أتيحت الفرصة. وكذلك انسحاب الرجل وصمته والإفراط فى ذلك عندما يواجه مشكلة هو عدم تقدير لحاجات المرأة النفسية، ودون فهم أسباب ردود فعلها فى مثل هذه الحالة فإن الأمر قد يتفاقم.

عندما تتحدث المرأة عن مشكلة فإن الرجل يقاوم الإنصات عادة، الرجل يفترض أن المرأة تتحدث عن مشكلاتها لأنها تعتقد أنه السبب فى تلك المشكلات، وكلما كثرت المشكلات شعر بأنه الملوم، لا يعرف الرجل أنها سوف تكون ممتنة فقط لو أنصت لها.

كيف تدفع الجنس الآخر للتفاعل ؟

حوافز الرجل النفسية تختلف عن حوافز المرأة، الرجال يشعرون بالأهمية عندما يتحققون من حاجة الآخرين إليهم، والنساء يشعرون بالأهمية والتفاعل عندما يجدن الرعاية، عندما يشعر الرجل بأنه لا حاجة إليه فى العلاقة يتحول إلى السلبية، وكل يوم يمر يبقى لدية القليل لتقديمه لشريكه، وعلى العكس عندما يشعر بأنه موثوق به للقيام بعمل ما يستطيع تحفيز رغبات الطرف الآخر ويتفاعل معه، وكلما يظهر هذا الطرف تقديره ولهذا المجهود تزداد الفاعلية ويكون لديه أشياء أكثر لتقديمها. وعتدما تشعر المرأة بعدم الرعاية فإنها تشعر بأنها مجهدة بسبب تقديمها كل شئ دون ثناء، وعلى العكس عندما تشعر بالرعاية والاهتمام فإنها تشعر بالأشباع وتقديم المزيد.

عندما يقع الرجل فى حب امرآة فإنه يعجز عن تفسير سبب أضطرابه، وكأنه ضرب لتوه بعاصفة، فى الحظة ما يشعر بالانقلاب فى حياته العاطفية، لقد اكتشف امرأة، جسمة يتقد بالحرارة وذهنة يشتعل، إنه يبدأ بالاهتمام والعناية بشخص ما خارج نفسه لأول مرة. من نظرة واحدة تصبح حياته لها معنى، واكتئابه ينفرج، ويتغير الكثير من أركان فلسفته السابقة فبعد شعار : " أريد أن أنجح، ولا يهم إن خسرت أنت " تتغير الأمور، لقد كانت هذه الفلسفة " الرجالية " ناجحو عبر القرون، ما دام الرجل يعتنى بنفسه فقط، ولكن فى حالة الحب يتحول الشعار إلى : " أريد أن أنجح ولكن أريد أن ينجح معى، من أحب، لأن نجاحى على حساب الآخر يؤدى إلى التعاسة والصراع "، سر إقامة علاقة ناجحة هو أن كلا الشريكين يربح بمشاركة نجاح الآخر أيضا.

الاختلاف بين الجنسين يشكل عامل جذب للرجل، هو قاس وهى مرنة، هو ذو زوايا حادة وهى مستديرة الزوايا " بالمعنى النفسى "، هو بارد وهى ساخنة، بشكل سحرى فإن اختلافهما يبدو وكانه متكامل. وبطريقة غير محكية فإن المرأة تتواصل بصوت عال ووضوح، وكأنها تقول نحن نحتاج إليكم، كثير من النساء يرسلن هذه الرسالة، فى بداية العلاقة تعطى المرأة نظرة سريعة للرجل مفادها : " يمكن أن تجعلنى سعيدة ". وبهذه الطريقة الغامضة فإنها تبادر بخلق العلاقة وإن بدا العكس.

إنها نظرة تشجع الرجل على الاقتراب. شعور الرجل بعدم الحاجة إليه أو الاهتمام به هو بدء تراجعه وعودته إلى كهف نفسه.

عندما تحب المرأة فإنها تطلب العناية والاهتمام والحماية، والعاطفة، والفهم، والرعاية.. هذه هى العناصر التى تتوقعها المرأة فى الرجل الذى تحب، وعندما تشعر بها تقدم هى ما تستطيع من اهتمام

ما يقتل الحب هو شعور أحد أطرافه بأنه أعطى الكثير دون أن يشاركه العطاء شريكه الآخر. العطاء خارج حدود المعقول هو ذوبان شخص وخسارته وانتصار آخر، المعادلة المطلوبة تتلخص فى معرفة درجة العطاء والأخذ، بمقدار يسد حاجة الشريك.

الحديث باللغة نفسها

للرجال والنساء لغة تحمل نفس الكلمات ولكن طريقة استخدام هذه الكلمات تعطى معانى مختلفة، لغة الاتصال بين الاثنين مختلفة إلى درجة أن المرء يلاحظ وكأن هناك نصفين مختلفين، حيث عدم الفهم والتفسير الخاطئ هما الأكثر شيوعا، من النادر أن تعنى الكلمات المتناولة بين الطرفين نفس المعنى، وإن كانت نفس الكلمات، مثلا عندما تقول المرأة : " أنا أشعر أنك لا تنصت أبدا إلى "، فإنها لا تتوقع واللحظة والرمز، ويأخذ الرجال خطأ هذه المفردات بما تعنية مباشرة، ولأنهم يخطئون فى فهم المعنى المراد من الكلمات التى تقال لهم فإنهم يستجيبون فى الغالب بطريقة لا تتوقعها المرأة.

فعندما تقول المرأة :" نحن لا ننفرد ببعضنا أبدا " تتعنى أن تقول : " لا بد من التخلس من الأولاد أو الرفاق عندما نخرج معا ".

أو عندما تقول : " الجميع يتجاهلوننى " تعنى أن تقول لا يتحدث ولا يهتم بى الآن أحد.. وعندما تقول : " نحن دائما فى عجلة من أمرنا " تقصد بالقول دعى أتمهل كى أنظر فيما تعرضه المحلات من أزياء، دعنى أراقب ماذ تشترى سيدة أخرى أعرفها تقف فى آخر المحل ! عندما يفهم الرجل ماذا تقصد المرأة بجوهر حديثها فإن ردة فعلة تكون أقل حدة، ولكن لأن الكثير من الرجال لا يفهمون ماذا تقصد المرأة او يأخذون الكلام على ظواهرة فإنهم يشعرون بالضيق وربما بالغضب.

عندما تقول المرأة : " أنا متعبة لا أستطيع أن أقوم بأى شئ آخر "، يترجم ذلك الكلام إلى : إننى عملت كثيرا اليوم، أنا أحتاج إلى بعض الراحة قبل أن أقوم بعمل شئ آخر، وأنا محظوظة أن تكون بجانبى.. هلا ضممتنى، فإننى أقوم بعمل طيب لك وللأولاد وأحتاج إلى قليل من الراحة ".

دون هذه الترجمة ربما يسمع الرجل : أنا متعبة أن أقوم بكل العمل فى المنزل وأنت لا تفعل شيئا غير مشاهدة التلفيزيون، عليك أن تقوم ببعض الواجبات المنزلية فأنا لست عبدة لك، أنا أحتاج إلى رجل حقيقى أعيش معه، اختيارى لك كان خطأ فادحا.

هذا المعنى الذى تستقبله أذن الرجل يثير عاصفة من الخلاف والمشادات. واحد من التحديات الكبيرة فى علاقة الرجل بالمرأة أن يفهم الرجل على الوجه الصحيح ماذا تقصد المرأة فى تعليقاتها، ليس مفردات اللغة ولكن معناها المبطن وغير الظاهر.

أما التحدى الكبير للمرأة فليس عندما يتحدث الرجل، ولكن عندما يصمت، فى كثير من الأوقات يتوقف الرجل عن الحديث ويصمت، هذه العادة ليست موجودة عند المرأة ولا تعرف كيف تتصرف إزاءها.

الرجال والنساء يتعاملون مع المعلومة بشكل مختلف. النساء يفكرن بصوت عال ( بالمعنى المجازى طبعا )، ويشاركن بمشاعرهن الخاصة مع مستمع متجاوب، وحتى اليوم فإن المرأة تكشف ماذا تريد أن تقول عندما تبدأ الحديث، ولا تفكر فيما تريد أن تقول قبل أن تتحدث، هذه العملية، أى إخراج الأفكار بسهولة والتعبير عنها بصوت عال، يساعد المرأة على الغوص فى داخلها، هذا التصرف طبيعى بل ومطلوب فى بعض الآوقات. ولكن الرجال يتعاملون مع المعلومة بشكل مختلف، قبل أن يتحدثوا أو يستجيبوا يتأملون ويفكرون مليا، فيما سمعوا أو فيما ظهر لهم.

داخليا يفكر الرجال فى أفضل السبل للاستجابة، فى أول الأمر يشكلون ردهم داخليا ثم يتفوهون به، هذه العملية قد تأخذ من الوقت ثوانى أو ساعات أو أياما، ولتعقيد المشكلة أمام المرأة إن لم يكن لدى الرجل عندما يصمت فإن ذلك يعنى : " أنا لا أعرف ماذا أقول حتى الأن، ولكننى أفكر فيه "، ولكن المرأة تفسر ذلك على معنى آخر : أنا لا أستجيب لك لأننى لا أهتم بما تقولين، لذلك فإننى أتجاهله، فما قلته ليس مهما بالنسبة لى ". هذا ما تسمعه المرأة من صمت الرجل.

تستجيب المرأة لصمت الرجل بناء على ما تشعر به فى تلك اللحظة أو ما مر بها من خبرة فى ذلك اليوم، فى بعض الأوقات تفسره بالقول : إنه يكرهنى، لا يحبنى سوف يهجرنى إلى الأبد. أو لا بد أن فى حياته امرأة أخرى. إنه لا يهتم بما أقوله. فى صمت الرجل تتصور المرأة فى معظم الأحوال الاحتمال الأسواء.

عندما تستمع المرأة لحديث امرأة أخرى، فإنها تكون دائمة المقاطعة لتأكيد أنها تنصت إلى الحديث، وتهتم به، بل وقد تسبقها فى وضع بعض الكلمات والأفكار. كل ذلك لإفهام المرأة الأخرى أ،ها مهتمة بما تقول، وعندما تصمت للحظة تشجعها فى الحديث بالتأكيد على بعض المخاوف، لذلك عندما يصمت الرجل فإن صمته يخيف المرأة. المرأة لابد أن تعرف أن الرجل عندما يكون قد مر بتجربة سيئة فإنه يصمت، يتوقع من المرأة أن تعرف كيف تحترم هذا الصمت وتتركه لفترة، بعدها سوف يخرج من صمته طواعية. الخطأ الآخر الذى ترتكبه المرأة هو اعتقادها أنها كلما سألت الرجل أسئلة عديدة وكثيرة وملحة فى كيف يشعر تستطيع أن تحصل على إجابات، لأن ذلك هو طريقها فى إظهار الاهتمام، هذا فقط يزيد من ثورة الرجل، أهدافها صحيحة ولكن نتائج المحاولة عكسية.

كل من الرجال والنساء عليهم التوقف عن استخدام طرق الاهتمام التى يفضلونها هم أنفسهم، على الطرف الآخر أن يعرف كيف يفكر شريكه، كيف يشعر وكيف يستجيب.

من المهم أن تعرف المرأة ألا تجبر الرجل على الكلام قبل أن يكون مستعدا لذلك، كثير من الصراعات العائلية وتدهور العلاقات تنتد من تلك المحاولات، عندما يوجز الرجل فيقول : " كل شئ على ما يرام " فإن معناها " أن المشكلة التى أنا بصددها أستطيع أن أتعامل معها وحدى ولا أحتاج إلى مساعدة ". عندما تحاول المرأة المساعدة بطرح الأسئلة وعرض بعض النصائح أو اللوم، فإنها تعقد الموضوع ولا تقوم بحله. الرجل يريد من المرأة التى يفضلها أن تثق بأنه يستطيع أن يحل المشكلة التى تواجهه، ذلك مهم لكرامته ونظرته إلى نفسه. ولكن المشكلة أن المرأة ستظل قلقة عليه، ولكن هذا القلق يجب ألا يظهر أكثر من الحد الطبيعى، كذلك يجب ألا تظهر المرأة السرور والرجل فى مشكلة، فلذلك علامة عدم الاهتمام، ولكنه يريد أن تكون عادية لأن ذلك يزيح حملا آخر عن كاهله. من المفارقات أن الرجال يظهرون حبهم فى إبداء عدم القلق على الشريك فالرجال يخفى قلقه تبعا لمنطق : كف تقلق على شخص تحبه وتحترمه وتثق فيه ؟ الرجال يطمئن بعضهم بعضا بالقول مثلا : " لا تهتم، أنت تستطيع أن تتغلب على الصعوبات "، أو " إنها مشكلتهم هم وليست مشكلتك أنت "، أو " أنا متأكد من أن الأمور ستكون على ما يرام ".

الرجال يعضد بعضهم بعضا عن طريق إظهار عدم القلق إن كانت منزعجة من شئ وأن انزعاجها بحد ذاته هو استجابة للمشكلة.

تصاب المرأة بإحباط عندما تنظر إلى رجلها وهو يتصرف بشكل خاطى، سواء فى مظهره الخارجى، أو طريقة تصرفه فى الأكل، أو الشرب أو فى تعامله مع الآخرين، بعضهم يتعامل بصلافة أو بترفع أو بتبعية لا ترضاها المرأة لرجلها، فكيف يمكن أن تقدم له النصيحة ؟ بالتأكيد عليها ألا تقدم له الحب والقبول هذا ما يحتاج إليه وليس محاضرة سلوكية، عندما يبدأ يشعر تدريحيا بهذا القبول والألفة يسألها عن وجهة نظرها عند ذلك تستجيب وبرفق، إن شعر بأنها تريد منه تغيير سلوكه فإنه سيتوقف عن سؤالها عن وجهة نظرها. الرجال يحتاجون إلى أن يشعروا بالأمان التام قبل أن يتقبلوا سماع أية ملاحظات أو نصيحة من الآخرين أو الخطر. يمكن للمرأة أن تقدم ملاحظاتها للرجل من بعيد، فمثلا توجهه بنقد آخرين فى ملابسهم. أو عندما يبدأ باللبس تقول له : " أنا لا أحب عليك هذا اللون، إنما تبدو فى هذا أفضل "، وإن انزعج من الملاحظة الأخيرة تقدم الاعتذار، وتقول آسفة لم أكن أريد أن أفرض عليك ذوقى، أنت ذواق أصلا ". فى حضور الآخرين فى تجمع أو على طاولة الأكل أو حتى بين الأقارب أو الأولاد، فإن خطأ الزوج يجب ألا يلاحظ، وعليها تجاهله مهما كان واضحا، الرجل لا يعرف كثيرا الفرق بين العطف والمشاركة الوجدانية والنقد القاسى.

يتحدث أحد الأزواج وهو أستاذ جامعى فيقول : " عندما تزوجت كان على السفر لإلقاء محاضرة فى مدينة أخرى، فكانت زوجتى تسألنى : متى ستصحو من النوم ؟ ومتى ستغادر الطائرة ؟، وكيف هو حال الطريق إلى المطار ؟ فأجيبها عن ذلك ثم تقوم ببعض الحساب وتقول : عليك أن تصحوا أبكر من الموعد الذى ضربته. هى تعتقد أنها تقدم لى المعونة والدعم، وأنا أتضايق من ذلك لأننى معتاد على هذه الأسفار وأعرف بالضبط كيف أتصرف ".

تغيرات طفيفة

من الضرورى أن يتغير سلوك الرجل وسلوك المرأة ولو تغيرات طفيفة لضبط العلاقة، الرجل يستطيع أن يقوم ببعض الأعمال كالعناية بالأطفال وتسخين الحليب، وربما تحضير وجبة خفيفة، هذه أدوات يحتاج إليها للضرورة، والمرأة عليها أن تعرف كيف تغير لمبات النور، وتتعامل مع جهاز الفاكس مثلا.

يقول المؤلف : مرة سنى أحدهم سفره فى المنزل وذهب إلى المطار فى مدينة أخرى، وكان يحتاج إلى صورة من هذا الجواز بالفاكس كى يستطيع إكمال سفره، ولكن الزوجة لم تكن تعرف التعامل مع هذه الآلة فاضطر إلى إلغاء الرحلة والعودة، وفى ذلك المساء دعا زوجته إلى العشاء خارج المنزل.

إلقاء اللوم على الآخر من الأسباب المدمرة للعلاقة، العلاقات غير الناضجة دائما تميل إلى لوم الآخر عن كل الأخطاء.

يكره الرجل أن يهاجم أو يلام من المرأة، خاصة إن كانت غاضبة، ولا يعرف كيف يستجيب لهذا اللوم، والمرأة تقوم بهذا اللوم لنها فى الحقيقة تريد أن تناقش الموضوع، لا لأنها تعتقد أنه مسئول عما حدث.

كثير من الرجال لا يفمهون أن المرأة تريد أن تشارك الرجل دوافع الغضب دون أن يكون بالضرورة هو محط اللوم. مع التجربة تتعلم المرأة كيف تعبر عن نفسها وعن غضبها دون إلقاء اللوم على الرجل، عليها بعد أن تتحدث لفترة أن تتوقف لتقول له كم هى سعيدة أنه يستمع إليها، ويترك الفرصة لها فى التعبير عما يضايقها، هذه الإشارة يمكن أن تمثل الفارق بين الشجار والغضب والفهم والتقبل.

الاتصال الجيد يتطلب المشاركة من الجانبين، على الرجل أن يتذكر أن الشكوى من مشكلة ما لاتعنى وضع اللوم عليه وعندما تشكى المرأة، فإنها فقط تعبر عن إحباط بالحديث فى المشكلة. الكلمات السحرية لتعضيد الرجل هى : أنها ليست غلطتك، أنا ممتنة بأنك تنصت إلى. فالرجل لا تنحصر مشكلاته فى المنزل فقط، بل هو يحمل مشكلات أخرى فى حياته العامة، وإن أرادت المرأة ان يستمع إليها الرجل يتعاطف فعليها أن تتوقف عن لومه أو نقده على كل صغيرة وكبيرة تحدث. المشكلة أن الرجل دائما يلوم المرأة على أنها لوامة حتى لو كانت تعبر له عن مشكلاتها، وهذا موقف سلبى فى العلاقة، ويشير إلى توقف الاتصال النشط والصحى بين الجانبين.

فى العلاقة الصحية فإن الرجل إن أحب امرأة فهو يحتاج إلى الابتعاد لفترة قبل الاقتراب من جديد. يبتعد الرجل لأسباب مختلفة، وكذلك تحتاج المرأة إلى الابتعاد أيضا. ولكن سبب الابتعاد يخلف. تبتعد المرأة عندما لا تثق فى أن الرجل يفهم شعورها، عندما تجرح ولا تريد أن تجرح من جديد أو عندما يقوم بشئ خاطئ وتفشل توقعاتها فيه.

بالطبع الرجل يبتعد لأسباب أخرى، هو يحب ويثق فى المرأة ولكن فجأة يبتعد مثل شريط المطاط، سوف يبتعد ثم يعود من جديد. ابتعاد الرجل يحقق طموحه فى الاستقلال، عندما يعود الرجل إلى العلاقة فإنه يعود إليها فى المنطقة التى تركها، بينما المرأة فى هذا الوقت تريد أن تختره من جديد. إن لم تكن هناك فرصة للرجل للابتعاد، فلن تتهيأ له الظروف للعودة من جديد بشكل أقرب وأكر صحة، من الضرورى للمرأة أن تعرف أن إصرارها على عدم ترك الرجل للانسحاب يقلل من احتمال إكمال حياتهما معا.

كلما ارادت المرأة أن تتحدث مع زوجها فإنه يقاوم ويبتعد، لذلك فإن إدخاله فى حديث بشكل مباشر طريقة خاطئة لبدء حوار، خاصة إن كان هو فى حالة الابتعاد. وبدلا من التحايل على طريقة فتح الحديث عليها بالمبادرة بفتح موضوعات تهم الزوج عن عمله، عن اهتماماته، وبدلا من إمطاره بالأسئلة أو الأصرار على أن يتحدث، تقوم هى بالحديث وتشعره بالامتنان لتقب حديثها ".

النساء كالأمواج

النساء كمياه البحار والأنهار إن شعرن بأنهن محبوبات فإن اعتدادهن بأنفسهن يرتفع وينخفض كالموج، عندما تشعر شعور طيبا تصل إلى الأعالى ولكن فجأة.. قد يتغير مزاجها وتتكسر أمواجها - تكسر مؤقتا - وبعد أن تصل إلى القاع فجأة يتغير مزاجها وتشعر بالرضا عن نفسها، وتلقائيا فإن موجها يرتفع من جديد. عندما ترتفع موجات المرأة فإنها تشعر بأن لديها حبا كثيرا يمكن أن تعطيه، ولكن عندما تتراجع الموجة فإنها تحتاج إلى من يعطيها الحب. فترة الهبوط هى فترة تنظيف عاطفى للبيت.

إن كانت تضغط على كل شعور سلبى وتنكر ذاتها فى حالة ارتفاع الموجة لإعطاء حب أكثر ففى حالة الانحسار يظهر هذا الشعور لها الرجل ويتفهم. وقد تظهر مجموعة من التصرفات العاطفية غير المتوقع مع شعور مبهم، ربما تشعر باتعدام الأمل، وأنها وحيدة ولا أحد يعضدها، ولكن سرعان ما تصل إلى القاع فتعاود الصعود.

مظاهر موجات الانحسار يمكن ملاحظتها عندما تكون المرأة مرتبكة ومقهورة غير آمنه، معارضة، قلقة مشوشة، غير واثقة، مناوشة، إلى غير ذلك من المظاهر السلبية، وكلما شعرت بالمعاونة والحب فى مثل هذه الأوقات الصعبة استطاعت أن تخرج من قاع الموجة إلى السطح. المساعدة هنا تحتاج من الرجل إلى مواهب خاصة، أهمها التسامح والتقدير وكثير من الحب.

اثنا عشر نوعا من الحب

يفرد الكاتب فصلا كاملا للاحتياجات العاطفية لكلا الجنسين، الرجل والمرأة فيقول إن هناك احتياجات عاطفية مختلفة للرجل والمرأة، ولعدم معرفة هذه الفروق فإن البعض يفشل فى فهم احتياجات الآخر، عادة الرجال يعطون فى العلاقة العاطفية ما يظنون أنهم بحاجة إليه، مثلما النساء يعطين ما يعتقدن أنهن بحاجة إليه، ولكن الحاجتين مختلفتان، كلاهما يشعر أنه يعطى ولكن لا يحصل على ما يريد. يشعر بأن حبه غير مقدر. الحقيقة أن كليهما يعطى الحب ولكن ليس بالطريقة والمحتوى اللذين يتطلبهما الشريك الآخر. مثلا المرأة تعتقد أنها تعطى الحب عندما تسأل أسئلة عديدة لها علاقة بالاهتمام والرعاية. وكما ناقشنا سابقا فإن ذلك العطاء يمكن أن يكون مزعجا لنسبة للرجل، ريما يشعر بأنه مسيطر عليه ويحتاج إلى مساحة من الحرية، ويختلط الأمر على المرأة فهى تعتقد إن هى قدمت هذا النوع من الرعاية والاهتمام فإن عاطفتها سوف تقدر، جهودها لتوفير الرعاية يمكن أن تتجاهل، وعلى المستوى الأسوأ تكون مقلقة للشريك. وفى الوقت نفسه فإن الرجل يبدو محبا، ولكن طريقة التعبير عن حبه قد تجعل المرأة تشعر بأنها ليست ذات قيمة، فعندما تغضب المرأة يعتقد أنه يخفف عنها عن طريق الإيحاء بأن مشكلاتها بسيطة لا تستحق الانزعاج.

قد يقول : لا تقلقى فالأمر ليس مهما. وربما يقدم حلا كليا على افتراض أنه يعطيها مساحة للراحة كى تهدئ من قلقها، ما يعتقد أنه معاونة ودعم يعنى لها تقليلا من أهمية مشكلاتها، وعدم حب وتجاهلا. المرأة تحتاج إلى ستة أشكال من الاحتاجات العاطفية هى : الاهتمام، والرعاية، والفهم، والاحترام، والاخلاص، والدعم. أما احتياجات الرجل العاطفية فهى ستة أخرى مختلفة وهى : الثقة، والقبول، والإعجاب، والامتنان، والموافقة، والتشجيع.

وهذا لا يعنى أن الاحتياجات غير متداخلة ولكن الأمر هنا هو تأكيد الاحتاجات الأساسية لكل جنس، والمقدمة على الاحتياجات الأخرى، فالرجال يحتاجون مثلا إلى الاحترام، والإخلاص، والنساء يحتجن إلى الإعجاب والتشجيع، ولكن الحديث هنا عن الأولويات، لابد من إشباع الأولويات فى الاحتياجات العاطفية حتى يمكن إشباع الاحتياجات الأخرى، فهى الحاجات الأساسية للعواطف بالنسبة للشريك، هى سلاح قوى لتجويد العلاقة. من السهل على المرأة أن تعطى ما تحتاج إليه وتنسى ما يحتاج إليه شريكها، وكذلك الرجل. قوة فهم الاحتياجات المخالفة تتبدى فى أنه فور أن تبدأ تقدير تلك الاحتياجات فى الشريك فسرعان ما يقدر الشريك احتياجاتك، فإن بدأ الرجل بتقديم الرعاية والتفهم لشريكته، تعود حواء لتقديم الثقة والقبول. فى الوقت نفسه إن قدمت المرأة الثقة والقبول عاملها الشريك الرجل بالرعاية والتفاهم.

داخل كل رجل هناك فارس متمنطق بالرمح والدرع يريد أن يدافع عن حواء. دائما هناك عنتر وهناك عبلة. عندما يشعر بالثقة، فإنه يخرج ما فى نفسه من أشياء جميلة، وعندما يشعر بأنه غير موثوق به يخسر بعض احترامه لنفسه، ويكن أقل رعاية لشريكته.

دون فهم ما يحتاج إليه الشريك الآخر. لا يعرف الرجال والنساء إلى أى درجة يجرحون الشريك، الرجال والنساء يجرح شعورهم بسهولة عندما لا يحصلون على نوع العاطفة الأساسية التى يحتاجون إليها. خلال عملية الاتصال الإنسانى يمكن إنجاح العلاقة بين الرجل والمرأة، فالاتصال خاصة للمرأة موضوع أساسى ومهم أن يتعلم الرجل كيف ينصت لشعور المرأة. إحدى أهم مشكلات الرجال أنهم لا ينصتون. قد يصبحون محبطين أو غاضبين عندما تتحدث المرأة.

كيف تتجنب المشاحنة ؟

واحد من التحديات الصعبة فى العلاقة بين الرجل والمرأة هو كيف نتعامل مع الاختلاف وعدم التطابق فى وجهات النظر وإذا اختلف الشريكان فإن نقاشهما يتحول إلى مشاحنة ثم إلى عراك دون إنذار أو تمهيد، فجأة يتوقفان عن الحديث بطريقة طبيعية، وبشكل تلقائى يبدأ كلاهما بتجريح الآخر، واللوم، والشكوى والمطالبات، والمقاومة والشكوك.

عندما يحدث كل هذا فإن الرجل والمرأة لا يجرحان شعور بعضهما البعض فقط وإنما يجرحان العلاقة بينهما. ومثلما أن التواصل هو أهم ما فى العلاقات، فإن المشاحنة قد تكون أسوا ما فى العلاقة، لأنه كلما كنا قريبين من شخص ما كان التجريح أكثر تأثيرا وعمقا.

لأسباب عملية فإن الكاتب ينصح الشريكين بألا يتشاحنا، إن كانا شخصين لا تربطهما علاقة عاطفية فإن المناقشة والخلاف يكونان أسهل من مناقشة وخلاف بين شخصين تربطهما علاقة عاطفية.

فهذان الأخيران بسرعة وسهولة يأخذان الموضوع بشكل شخصى. عند كثرة المشاحنة يموت الحب. الخلاف وعدم الاتفاق لا يضران، ما يضر هو طريقة تناولهما، واللغة المستخدمة، إن ما يؤلم ليس ما نقول ولكن طريقة قولنا له.

المجتمع الصناعى

الكتاب موجة للأسرة الحديثة فى المجتمع الصناعى، وهو دليل على نسق : " افعل كذا ولا تفعل كذا "، قل ولا تقل، وبه الكثير من التفاسير والمعطيات التى لا يتسع المقام لسردها، إلا أن العلاقات الإنسانية فى نهاية المطاف علاقات إنسانية عامة قد يلونها البعد الثقافى الخاص بمجتمع ما، ولكنها تتصف أيضا بالعمومية والمشاركة.

قد يكون للأسرة العربية فى عرضنا بعض الهوامش المشتركة، إلا أن رسالة الكتاب الحقيقة هى أن تفهم الشريك الذى تعيش معه، وتتفهم احتياجاته لا المادية فقط، بل العاطفية أيضا بكل المعنى الواسع ومتعدد الصور للعواطف الإنسانية. وهى بالتأكيد تختلف عن احتياجاتك، وقد لا يكون فيما ذكرناه سابقا شئ مماثل فى حياتك اليومية ولكن المتماثل هو أنك تعيش مع شخص آخر، هذا الشخص له - مثل ما لك - حياة وآمال وعواطف عليك بالتفكير فيها.

محمد الرميحى

 

محمد الرميحي

 
  




غلاف الكتاب