السلوك المؤدي للمرض

السلوك المؤدي للمرض

لقد كان لتحديد الأنماط السلوكية المرضية فائدتها الصحية سواء على صعيد الوقاية قبل الإصابة بالمرض أو على صعيد العلاج, خاصة بشقه النفسي, بعد الإصابة بالمرض, لذلك فإن عرض هذه الأنماط السلوكية على الجمهور بات خطوة تثقيفية ـ صحية ضرورية يمكنها أن تنبه الشخص إلى أخطار السلوك الذي يعتمده وتشجعه على تغييره كخطوة وقائية للحفاظ على صحته. ونبدأ بـ: السلوك المؤدي للإصابة بالذبحة القلبية فقد نشرت الـ W.C.G.S. دراسة متابعة لـ 3154 شخصا (كلهم من الذكور) تراوحت أعمارهم ما بين 39 و59 سنة. وكانت بداية هذه الدراسة في العام 1960 وتضمنت دراسة متابعة متعمقة للعوامل التي تعتبر نذير خطر للإصابة بانسداد الشرايين التاجية (ذبحة واحتشاء قلبي). ومن هذه العوامل: الكولسترول, والسكري, والضغط, والعوامل النفسية.. إلخ. وبعد مرور ثماني سنوات ونصف السنة على بداية الدراسة أصيب 257 شخصا (من أصل 3154) بانسداد الشرايين التاجية. ومن بين هؤلاء كان هناك 181 شخصا من الذين يتبعون نمطا سلوكيا مشتركا هو النمط السلوكي من نوع (أ) ـ S.C.T.A. وبناء عليه فإن (71%) من المصابين بهذه الأمراض هم من متتبعي هذا النمط السلوكي. وهذا ما دفع بالباحثين إلى القول إنه وبمعزل عن بقية عوامل الخطر (التي قد تؤدي للإصابة بالذبحة) فإن عامل الاضطراب النفسي (الناجم عن اتباع النمط السلوكي أ) يؤلف بمفرده عاملا أساسيا في الإصابة ليس بالذبحة وحدها وإنما بشتى أنواع الانسداد الشرياني التاجي. فما هو هذا النمط وما هي علائمه?.

النمط السلوكي من نوع (أ) أو اختصارا للتعبير الفرنسي (S.C.T.A.) هو عبارة عن علاقة بين الفعل والانفعال التي نلاحظها لدى بعض الأشخاص الذين يخوضون صراعا دائما بهدف الحصول وبأقل وقت ممكن على عدد معين من الأشياء والأهداف. ويختلف النمط أ عن حالات القلق العادية إذ إن الشخص الذي يعاني القلق العادي يتراجع ويطلب النصح إذا ما أحس أن نصاب الأمور قد أفلت من يده وهذا يشرح لنا الفارق بين شخصية القلق العادي المعرضة للإصابة بالانهيار وبين النمط الذي يؤدي به قلقه إلى إصابته باضطرابات القلب الشريانية إذ إن هذا الأخير يواجه الحواجز التي تعرض له بثقة واعتزاز. وفي سبيل فهم أوضح للنمط السلوكي أ (ن.س.أ.) لنستعرض معا الصفات التي يتسم بها هذا النمط وهي:

1ـ منظم, مرتب, يتعامل ويتفاعل مع محيطه بشكل جيد.

2ـ متحكم في ذاته واثق منها ومن كفاءته وهو مستعد لأن يعمل وحيدا إذا اقتضت ذلك الظروف لأنه لا يتراجع عن أهدافه.

3ـ عدائي يمارس عداوته في مختلف المجالات وتتراوح عدائيته بين الحادة والمريضة. وهذه العدائية هي المسئولة عن رغبته الشديدة بالمنافسة.

4ـ صاحب طموح متعدد الأهداف أو غير محدود الأهداف مما يجعله دائما متشنجا لا يقوى على الاسترخاء, فهو إذا ما حقق هدفا ما, لا يترك لنفسه فرصة للراحة وإنما تراه يخلق هدفا جديدا ويبدأ بالركض نحوه من جديد.

5ـ يدرك مفهوم الوقت ويعي مروره ولذلك فهو لا يريد مروره دون أن يحقق شيئا ولذلك نراه دائما نافد الصبر وعديمه ومستعجلا من أجل تحقيق طموحاته.

6ـ يظهر الوداعة أمام العراقيل التي تعرض له ولكنه لا يتراجع.

7ـ يرفض الهزيمة ولا يعترف بها ويقوم بمحاولات جديدة.

8ـ يهمل تعبه ويقلل من شأن آلامه ويرفض فكرة إصابته بالمرض, خاصة بمرض القلب فإذا حذرته سخر منك في أعماقه.

9ـ إن اعتماده الزائد على نفسه وعدائيته تجعلانه ميالا للسيطرة خاصة إذا كانت هذه السيطرة تساعده على التخلص من عدد من العقبات التي قد تعرض له.

ويقابل هذا النمط نمط آخر هو النمط (ب) (S.C.T.B.). وهذا الأخير هو أقل تعرضا للإصابة بالذبحة, فبحسب الدراسة المشار إليها أعلاه فإن نسبة متبعي النمط (ب) بين مرضى الذبحة لا تتجاوز الـ 29% في حين تصل نسبة متبعي النمط (أ) إلى 71% من مرضى الذبحة القلبية والأمراض الانسدادية إجمالا.

إلا أن دراسات لاحقة أثبتت أن إقبال متبعي النمط (أ) على الحياة ورغبتهم في تحقيق الإنجازات هي عوامل تزيد من تعلقهم بالحياة وتدعم غريزة الحياة لديهم. وهذا ما تبرره نتائج الدراسات الحديثة التي تشير إلى ارتفاع نسبة الناجين من الموت, بسبب انسداد الشرايين التاجية, في فئة متبعي النمط (أ), وذلك بالمقارنة مع متبعي النمط (ب).

النمط السلوكي لمريض القرحة

يمتاز متبع هذا النمط السلوكي بدماثة الخلق وبتعلق محيطه به وهو إنسان ناجح ومحبوب يتمتع باحترام الآخرين ومحبتهم, وهو بالإضافة إلى كونه محبوبا أو بالأحرى يعرف كيف يجعل نفسه محبوبا نرى أن هذا الشخص نشيط وطموح, كما أنه ذو رغبة شديدة في القيادة وإن كان يخفي هذه الرغبة تحت ستار التفهم والعطف على الآخرين إذ إنه لا يتورع في أحيان كثيرة عن تقديم الخدمات للآخرين على حساب راحته وأحيانا على حساب مصلحته الشخصية, ولعل أهم أسباب توتره النفسي الشديد هو أنه يحس بأنه لا يقابل بنفس الاندفاع وبنفس الرعاية والعطف اللذين يقدمهما. ومتبع هذا النمط السلوكي هو إنسان شديد الحرص على مبادئه ومثالياته متطرف في الدفاع عنها. ولا يوقفه عن تقديم تضحياته في سبيلها إلا شعوره بأن هذه التضحيات غير جديرة بأن تؤمن له الاستقرار والرعاية التي كان يأمل في إيجادها, أو بأنها لا تؤمن له ولو الحد الأدنى من رغباته القيادية. إذ إن متبع هذا النمط قائد ليس بطبعه وإنما بظروفه وبتجربته وبتربيته.

وحاجة متبع هذا النمط للرعاية والعطف تبقى مستترة ويصعب عليه الإفصاح عنها, وذلك لأنه في موقع القيادي ولذلك فهو ينتظر أن تأتي الرعاية والتفهم دون تدخل ويعتمد على إحساس الآخرين, ونادرا ما يحدث ذلك كما أشرنا. ولكن في حال حدوثه فإن المريض يصبح أقل توترا وأكثر عطاء واتكالية وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى الحد من توتره وبالتالي إلى الحد من الآلام المصاحبة لقرحته.

وأخيرا نشير إلى أن هذا الإنسان يخفي ميولا سادية مكبوتة يختلف ظهورها وحدتها باختلاف بيئته العائلية (موقف الأم أمام الأب وكلما كانت الأم أميل للسيطرة على الأب كانت الميول السادية لدى المريض أقوى).

السلوك المؤدي للإصابة بمرض الربو

الأم المتسببة بإصابة ابنها بالربو:

نود أن نبدأ تعريف هذه العلاقة بقول للكاتب (بروست): (من الأفضل لي أن أعاني اختناق نوبة الربو وأحظى باهتمام أمي على أن أشفى منها وأفقد هذا الاهتمام). وهذا التصريح ـ وأمثاله ـ الصادر عن مرضى الربو, يجب ألا يفاجئنا بعد ما هو معروف عن دور الصورة الأمومية وأثرها في ظهور المرض ونوباته. حتى أن هنالك تيارا طبيا ـ نفسيا في أمريكا يؤكد على دور الأم في إحداث الربو ويتكلم عن الأم المتسببة بالربو (الربوية) لولد أو أكثر من أبنائها. وتتزعم هذا التيار الباحثة Melitta Beerling. وفي نفس هذا الاتجاه تجري أبحاث المدارس النفس ـ جسمية التي تعتبر أن للطفل, ومنذ ساعة ولادته, جهازه النفسي البدائي المعتمد على نرجسية أولية غير متمايزة. وهكذا فإن دور الأم يتعدى دور الرعاية الصحية إلى دور القيام بشحن نرجسي لهذه النرجسية الأولية. فإذا ما قصرت الأم, لسبب أو لآخر, في تقديم هذه الشحنات فإن ذلك ينعكس اختلالا في تنظيم الجهاز النفسي ـ الجسدي للوليد, مما يعرضه للإصابة بالأمراض والاضطرابات النفسية والربو في مقدمتها, وكما سنلاحظ فإن مريض الربو يمتاز بالتبعية للأم أو لبديلتها وهو يخشى دوما فقدان الحب والعطف والحماية وهذه المخاوف تنعكس على الصعيد الجسدي من خلال (نوبة الربو) ويرى Jones أن هذه النوبة إنما تعكس قلقا بالغا لشخص يحس بالضعف وبالحاجة إلى الرأفة والحنان ويطلب من الحياة أن تقدم له أكثر من اللازم. كما يرى البعض أن هذه المطالب إنما توجه للأم بحيث يعتبرون نوبة الربو بمثابة صرخة استغاثة موجهة للأم أو لبديلتها بهدف استرداد المريض للرعاية والحماية العاطفتين اللتين يحس بهما في وجود أمه أو بديلتها. ونسرد هنا حالة ذكرها البروفسور سامي علي للطفلة ناتالي المولودة مبكرا والتي قضت شهرين في الحضانة وخرجت منها دون أية إعاقة إلا الحساسية التي يرى د. علي أنها مرتبطة بتثبيت الرضيعة لأمها وبتثبيت الأم لرضيعتها. وهذا التثبيت نشأ منذ لحظة الولادة, ومنه تنبع التبعية المبالغة لناتالي نحو أمها. مثل هذه الحالات (التثبيت) تتكرر لدى الأطفال الذين يتعرضون لحوادث أو لأمراض مزمنة, والربو بحد ذاته يساعد على هذا التثبيت (لكونه مرضا مزمنا يتكرر على شكل نوبات يمكن لأي منها أن تشكل صدمة للمريض).

ونلاحظ مما تقدم أن بعض المدارس النفس ـ جسمية تربط بين الربو وبين التثبيت ـ النكوص. وهذه المدارس إذ تعتمد التحليل النفسي فإنها ترفض مبدأ النمط السلوكي وتتخطاه للحديث عن شخصية (أو بالأحرى عن بنية عصابية للشخصية) خاصة بمرضى الحساسية. وعلى عكس الذبحة والقرحة فإن السلوكيين فشلوا في تحديد نمط سلوكي محدد يمكن الافتراض بأنه مؤد للإصابة بالربو. لذلك فإننا سنعرض فيما يلي آراء مدرسة باريس للأمراض النفس ـ جسمية حول الاضطرابات العصابية التي يمكنها أن تؤدي للإصابة بالربو وأن تكمن خلفه. وهذه الاضطرابات بحسب (مارتي) هي التالية:

ـ الربو الأساسي:

وينشأ عن عدم كفاية تنظيم الجهاز النفسي (عصاب سلوكي). مما يعني أن هذا المريض يمارس نزواته ورغباته دون إخضاعها لرقابة الجهاز العقلي. وهذا النوع من الربو يكون أكثر التصاقا بالأسباب النفسية من الأنواع الأخرى للربو.

ـ الربو المتراوح

ويضم غالبية مرضى الربو وفيه تتراوح شخصية المريض بين الهيستيريا وبين العصاب السلوكي.

ـ الربو الطبائعي

وهذا المريض يكون مصابا بالعصاب الطبائعي. أي أنه نقص في تنظيم وظائفه مما يؤدي إلى انخفاض فعاليتها (أي نقص القدرة على التفكير وعلى التركيز وعلى وعي الذات والآخرين وعلى التماهي..إلخ).

وتختلف انعكاسات الربو على سلوك المريض باختلاف حدة المرض وباختلاف نسبة تكرار نوباته, ففي دراسة لـ Tessier يؤكد الباحث أن المصابين بالربو الخفيف هم أكثر تفوقا من أقرانهم الأصحاء, أما المصابون بحالات ربو متقدمة فيكونون أقل إنتاجا من الأصحاء. كما أن حدة الربو هي التي تقرر قدرة الربوي على التكيف الاجتماعي. فمن خلال متابعة الأطفال الربويين المشتركين في المخيمات العلاجية (المخصصة لهم) يمكننا أن نلاحظ ما يلي:

ـ إن الأطفال دون الخامسة يتعرضون لزيادة حدة مرضهم في بداية المخيم (مما يعكس ردة فعلهم على فراق أهلهم وبالتالي مما يعكس صعوبة تكيفهم), ولكنهم لا يلبثون أن يتحسنوا لاحقا مع توصلهم إلى التكيف مع ظروف المخيم.

ـ إن الأطفال الكبار يسجلون تحسنا في حالتهم الصحية منذ بداية المخيم (دليل قدرة على التكيف).

ـ يلاحظ لدى المراهقين تدخل مجموعة من العوامل في تحديد قدراتهم التكيفية وهذه العوامل هي: حدة المرض, درجة إصابتهم بالقلق, درجة الميول العصابية المصاحبة لمرضهم.

وهذه العوامل عينها هي التي تحدد قدرة البالغ الربوي على التكيف كما تحدد سلوكه الاجتماعي.. ومن مظاهر الاضطرابات السلوكية لمرض الربو نذكر التالية:

1ـ صعوبة التركيز والإدراك الانتقائي الناجمين عن القلق المصاحب للربو.

2ـ هوام لحظة النوبة (أي الخوف من تكرار النوبة) مما يزيد حدة القلق والرغبة بالعزلة الاجتماعية وبالتحفظ.

3ـ صعوبة التخاطب مع الآخرين والاتصال بهم. وبالتالي صعوبة إعراب الربوي عن حقيقة مشاعره.

4ـ سلوك يمتاز بالتبعية سواء للأم أو للأب أو لبدائلهما, وهذه التبعية تدفع بالمريض إلى التقوقع ضمن إطار اجتماعي ضيق.

5ـ القساوة النفسية, بمعنى نقص المرونة, الناجمة عن محاولات الربوي الدائبة لتخطي شعوره بفقدان الأمان العاطفي والخوف من هذا الفقدان.

6ـ العلائم العصابية المميزة لمريض الربو (ولكل نوع من أنواعه الثلاثة المشروحة أعلاه على حدة). خاصة العلائم الهيستيرية التي تدفع بالربوي إلى التقرب من الأشخاص أو النفور منهم دون أي مبرر منطقي خلال المقارنات اللاواعية التي يعقدها المريض بين هؤلاء الأشخاص وبين أناس يحبهم أو يكرههم.

وفي النهاية نشير إلى إمكان حدوث النوبة الربوية بشكل هيستيري يهدف إلى توجيه صرخة استغاثة إلى الحاضرين أو بعضهم. وهذه العلائم مجتمعة تساهم في الحد من قدرة الربوي على الاتصال وهذا ما يفسر محدودية العلاقات الاجتماعية لمريض الربو. كما يفسر ميله للتعلق (لغاية التبعية) بأشخاص معينين (بدلاء للأم أو للأب) وفي مقدمتهم الطبيب المعالج.

إدمان الطعام

توصل الباحثون البسيكوسوماتيون إلى تحديد عدد من العلائم المشتركة لدى مرضى البدانة (تختلف حدتها باختلاف تطور البدانة) وهذه العلائم هي:

أـ الطعام مادة إدمان:

ينظر البدين للطعام على أنه موضوع مغر وجذاب تصعب مقاومته. ولكنه موضوع مخيف في الوقت نفسه, وهكذا فإن البدين يتصور الطعام بطريقة ساحرة وفاتنة ولكن فاحشة, مما يجعل تفكير البدين واهتمامه محصورا بالغذاء ولا شيء غير الغذاء, وذلك بحيث يحس البدين أن في جسمه فراغا لابد له من سده حتى ولو أزعجه ذلك وجعله يشمئز من جسده, ولكنه يواظب على الطعام لأنه يحس بأنه (أي الطعام) بمثابة حل سحري قادر على تخليصه من قلقه النفسي وتعويضه عن الشعور بالفراغ. ومن هنا ينشأ التعلق النفسي بالطعام (المحبوب والمكروه في آن معا) لدى البدين حتى أنه يعاني مما يمكننا تسميته بـ (إدمان الطعام).

على أن مادة الإدمان هنا هي سهلة ومتوافرة وغير محرمة إذ تكفي بعض النقود لشراء الحلوى, الشوكولاته واللحم.. إلخ. وهكذا يجد البدين نفسه, بسهولة أمام مواد إدمانه اللذيذة والجاهزة دوما لأن تكون ملتهمة, والبدين قد يقوم بهذا الالتهام بشراهة أو بتردد, بحب أو بكره, بقرف أو باشتهاء, ولكنه في النهاية يلتهمها. وهكذا فإن علاقة البدين بالطعام هي علاقة إدمانية تمثل نكوصا طفوليا نحو الغذاء الذي يشكل التهامه كفاية نرجسية للبدين, لا تلبث أن تتحول إلى جرح نرجسي لمجرد ملاحظته لزيادة وزنه. ومدمن الطعام على غرار بقية المدمنين يلجأ إلى مادة إدمانه لدى تعرضه للضغوط النفسية والصراعات والنزوات الداخلية والعوامل الخارجية الضاغطة..إلخ.

ب ـ اضطراب الإرادة لدى البدين:

يمثل إدمان الطعام وجها من وجوه فقدان البدين لسيطرته على نفسه أمام الطعام الذي يسلبه إرادته, وكما سبقت الإشارة فإن هذا الإدمان (والإرادة المسلوبة) هو انعكاس لنكوص طفولي يكون فيه البدين ملكا لأمه ومن هنا تبعيته المطلقة وإرادته الضعيفة والمسلوبة.

ج ـ الطعام معادل للتعويض

يلجأ البدين إلى الطعام لدى إحساسه بالحاجة للأمان العاطفي وللدعم المعنوي (حاجة يمكن ردها إلى الضغوطات والصراعات النفسية التي يتعرض لها). وهذا اللجوء هو في نظر المحللين بمثابة دعوة يوجهها البدين (المعاني من نكوص طفولي) إلى أمه كي تؤمن له الدعم والأمان.

د ـ غياب الهوية الذاتية لدى البدين

إن مظاهر النكوص الطفولي والتبعية للأم والإدمان كلها تشير إلى اضطراب الهوية الذاتية لدى البدين. حتى أن بعض البسيكوسوماتيين يتكلمون عن وجود علاقة ذوبانية بين البدين وأمه (يتمنى لو أنه لم يولد ولم يترك بطن أمه بحسب تعابير المحللين), ولكن ثنائية العواطف تدفع بالبدين إلى الخوف من أمه والهرب منها وخاصة عندما يحس بأنها لا تهتم به بشكل كاف وعندها يلجأ للطعام كي يدعوها للاهتمام به. وفي هذه الحالة يكون الطعام بمثابة كفاية نرجسية للبدين.

تعساء الدرن

لقد تراجع الاهتمام بدراسة السل بعد توصل العلاج الدوائي إلى علاجه علاجا فعالا دفع بالأطباء إلى التفاؤل بإمكان القضاء الكلي على هذا المرض, ولكن موجات السل التي شهدتها الولايات المتحدة المرافقة لمرض الإيدز أعادت للسل مكانته السابقة في ميادين البحث ونجاحه في الميدان البسيكوسوماتي, فبالرغم من اكتشاف تلك الجرثومة المسببة للسل فإن الأسباب النفسية لهذا المرض لاتزال بارزة ومؤكدة. فالعالم Lereboulet يؤكد أن الجرثومة وحدها لا تستطيع إحداث المرض ما لم تتوافر بها الشروط الملائمة في جسد المريض. كما أن (علم نفس المناعة) يثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك بارتباط الجهاز المنعي (وبالتالي قابلية الإصابة بالسل) بالحالة النفسية للشخص. وكان Laenec قد أكد ذلك بالقول: (لم أعرف سببا للإصابة بالسل أكثر انتشارا وترددا, بين المرضى المسلولين, من مشاعر التعاسة والحزن, خاصة عندما تكون هذه المشاعر عميقة ومزمنة).

ومن خلال دراستنا المعنونة (إعادة التأهيل النفسي لمريض السل) المجراة عام 4891 في كرايوفا نستخلص معاناة مريض السل, بعد إصابته, لمشكلتين رئيسيتين نوجزهما على النحو التالي:

أـ عنف مشاعر الخسارة, لدى المسلول, بسبب طول فترة العلاج, وكثيرا ما يعتقد المريض جازما أن هذا الغياب الطويل سيؤدي إلى إخلال توازن حياته (أمام هذه الوضعية العظامية, حيث يشعر المريض بظلم الصدف والظروف, تتفجر لدى المسلول مشاعر الظلم والشك. فنراه يشك في خيانة زوجته له وسرقة شركائه لنصيبه, وكذلك فإن جميع أوضاعه المهنية والعائلية تصبح مواضيع ظلم واضطهاد وخيانة) فإذا ما أضفنا إلى هذه المشاعر إمكان الحدوث الفعلي لبعضها, فإننا ندرك صعوبة المهمة الملقاة على عاتق المعالج النفسي الذي يتولى عملية إعادة تأهيل المسلول.

ب ـ عندما يقترب علاج المسلول (في المصح) من نهايته, ويتهيأ للعودة إلى محيطه, يفترض هذا المريض أن من واجب معارفه أن يعاملوه معاملة تتسم بالحنان الفائق وبمنتهى التعاطف والتنازل, فهو يعتبر نفسه وكأنه عائد من الموت في حين أن الآخرين لا يعتبرونه كذلك بل وربما عمدوا إلى تجنبه مخافة أن ينقل إليهم عدوى السل, وبهذا فإن عودة مريض السل إلى مجتمعه تجابه صعوبات معقدة وعديدة وهذه الصعوبات مشتركة بين مرضى السل ومرضى سائر الأمراض الخطرة المعدية مثل السفلس والإيدز.. إلخ.

في النهاية فإن التعرف إلى السلوك المؤدي للمرض يصب في إطار فرع علم نفس الصحة وموضوعه تحليل السلوك والمعرفة والدوافع في سياق إجراءات الوقاية والمخاطر الصحية والأمراض. وهو ينطلق من مفهوم إيجابي للصحة فهي لا تعرف بأنها غياب الأعراض المرضية بل هي جملة خطوات صحية تشكل سلوكا يواجه ظهور الأعراض.

 

محمد أحمد النابلسي