سليمان فياض وشمس الدين موسى

سليمان فياض وشمس الدين موسى

سليمان فياض كاتب قصة عربي مصري، له عشر مجموعات قصصية، ورواية قصيرة هي رواية "أصوات". وقد ترجمت روايته هذه إلى اللغات الكردية والفرنسية والألمانية والإنجليزية والإيطالية، ونال جائزة الدولة التشجيعية في مصر عن مجموعته الثانية "وبعدنا الطوفان"عام 1970، وجائزة الشاعر سلطان العويس بالإمارات العربية المتحدة عام 1994، ووصلت روايته "أصوات" في ترجمتها الفرنسية إلى الترشيح الأول لجائزة "فيمينا" الفرنسية الخاصة بالأعمال الروائية العالمية التي تعالج قضاياً المرأة. وفياض أيضاً باحث لغة له فيها معاجم نوعية موضوعية، وكتاب في "النحو العصري"، ونشر له على مدى أثني عشر عاما ثلاثون كتابا في سلسلة "علماء العرب" وهي من أدب السيرة عن العلماء العرب الذين عاشوا في العصور الوسطى، والذين أضافوا جديدا إلى علوم الطبيعيات والرياضيات وسواها من العلوم غير الدينية. وأسهم سليمان فياض في الكتابة الإذاعية والتلفزيونية والصحفية في مصر والعالم العربي على مدى أربعين عاما. ومع سليمان فياض كانت هذه المواجهة التي أجراها الأديب والناقد المصري شمس الدين موسى.

  • قل الدخول بهذا الحوار، في عملك كمبدع، كانت القصة. ألا ترى معي أن اشتغالك بالكتابة للإذاعة والتلفزيون والصحافة والبحث اللغوي، ومعالجة السير العلمية للعلماء العرب معالجة تاريخية وأدبية، قد أثر في عملك كمبدع في مجال وأدبية، كما وكيفا؟

- لا أعتقد ذلك. فالكتابة للإذاعة والتلفزيون، والدرامية منها خاصة، قد علمتني في القص: فن الحوار الدرامي، ودربتني على إحكام البناء، وإتقان إدارة الصراع بين الشخصيات، والقدرة على المحافظة على الإثارة والتشويق، والاعتماد غالباً في لغة القص، على اختيار الألفاظ والصور الحسية، ككاتب يؤثر التعبير القصصي من الخارج، لا من الداخل، ويتوقف عن الجزء العائم من جبل الثلج، في التجارب القصصية، ويحرص على الاقتصاد قدر المستطاع في التعبير القصصي، والبعد عن لغة الفكر الجافة والباردة، وكذلك الحدة العاطفية.

وكان تأثير كتابتي للصحافة هائلاً، في بساطة العرض، واختيار الألفاظ والتراكيب المستعملة والمأنوسة، بين عامة القارئين. وهي أمور لاحظها الكثيرون من النقاد الذين تعرضوا بالنقد لأعمالي القصصية منذ مجموعتي الأولى "عطشان يا صبيا".

والبحث اللغوي، وكذلك الكتابة للسير العلمية، للناشئين، لم يؤثرا كثيرا في كتابتي القصصية، لا من ناحية الكم، ولا من ناحية الكيف، خاصة أن هذين اللونين من الكتابة بدآ معي منذ خمسة عشر عاما فقط اي بعد أن استوى عودي في الكتابة القصصية. ثم إنني كاتب قصة "مقل"، يؤثر أن يكون في كتابة القصة هاويا لا محترفا، ويؤثر اختيار التجارب القصصية الجديدة، التي أظن أنها لم تطرق من قبل محليا، وهو اختيار صعب أن يفرضه كاتب على نفسه، ويلتزم به، طلبا للجودة على الأقل، فالعدد في الليمون كما يقولون، ولاتنس أنني في السير العلمية التي كتبتها، لم أبتعد كثيرا عن لغة القص، وإن اقتربت بها كثيرا من اللغة الكلاسيكية والتعليمية. ثم لا ينبغي أن ننسى أيضاً، أن ثقافتي الأساسية تراثية وأزهرية تقريبا، على الأقل إلى العام الذي تخرجت فيه، عام 1956، من كلية اللغة العربية "الدراسات العربية العليا حاليا" بجامعة الأزهر.

  • إجابتك هذه تحمل كثيرا من التبريرات، بقدر ما تحمل كثيرا من الإضافة لعلاقة حياتك بعملك. فأعمالك القصصية كمبدع.، في هذه السنوات الخمس عشرة الأخيرة، قليلة، فم تصدر خلالها سوى مجموعتي: "الذئبة"، و"ذات العيون العسلية"، وقصة قصيرة طويلة بعنوان "الشرنقة" وكتاب من كتب البورتريهات عنوانه "كتاب النميمة" نبلاء وأوباش"، عن الظواهر الثقافية، والشخصيات المثقفة، التي التقيتها خلال نصف قرن. وهي هذه السنوات الأخيرة زاد إنتاجك في اللغة والسير الأدبية. وفي رأيي أنك أضعت على القصة هذه السنوات؟

- تروقني حاق صراحتك. لكن أرجو أن تتذكر أمرين، أنني بطبيعتي الخاصة مع الإبداع: كاتب مقل. فأنا لم أكتب خلال أربعين عاما أكثر من ستين قصة، بين قصص قصيرة، وقصص قصيرة طويلة، وأنني حين بدأت الكتابة في اللغة، وفي السير كنت قد جاوزت الخمسين من عمري. ولم يعد باقيا من تجاربي القصصية التي أحلم بكتابتها سوى أعمال قليلة، من بينا القصص التي نشرتها في مجموعتي الأخيرتين، وقصة الشرنقة، وأتمنى أن أنجز مذاكراتي، وبورتويهات أخرى، لا أظنها بعيدة عن القص، ورواية عن الفترة التي عشتها بمدينة الطائف عام 1962، ورواية عن المجاورين في فترة دراستي بالمعهد الديني بالزقازيق، في سنوات الأربعينيات، سنوات الحرب العالمية الثانية. وكفاح الشعب المصري ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر. ونضالة طلبا لتحقيق العدل الاجتماعي بين الفقراء والأغنياء. ثم لا ينبغي لنا، أن ننسى، أنا وأنت، أمرين آخرين هما: أن الكتابة القصصية في العالم النامي كله، ينفق عليها كتابتها من أعمال أخرى، مثل التدريس، والكتابة للإذاعة والتلفزيون والصحافة، واستثمار الخبرات الأخرى للكتابة مثل اللغة والسير الأدبية. والكتاب في العالم النامي خاصة، مطالب بأن يكون له دور ورسالة ككاتب في قضايا شعبة وأمته، ولا أعتقد أن أعمالي اللغوية، وسيري التاريخية العلمية بعيدة عن هذه القضايا. وأنا أعتقد أخيراً أن الحياة أهم من الفن، فلكي تبدع لابنأن تحيا أولا، وتخبر الدنيا، وتجد ما تنفقه على نفسك وأسرتك، وما تدفعه ثمنا لكتاب، أو مجلة أو صحيفة، أو لمشاهدة فيلم جميل.

سباحة في مياه متعددة

  • قرأت أعمالك القصصية، مفردة. في سنوات صدورها، في مجالات، أو في مجموعات ثم أعدت قراءتها مجتمعة، في ثلاثة مجلدات، أصدرتها لك هيئة الكتاب المصرية. وبدأت أقترب من عالمك القصصي، أو بعبارة أخرى. رؤيتك لعالمك، عبر تجارب قصصك القصيرة والطويلة. ولاحظت أن طرائقك في القص ليست واحدة، فمن مجموعة إلى مجموعة في هذه الأعمال الكاملة، بل من قصة إلى قصة تتغير طريقتك في المعالجة القصصية. هل يرجع ذلك إلى بعد المدة، بين كتابة قصة، وكتابة قصة تالية؟ قلت لنفسي: ربما. أم يرجع ذلك إلى أنك كإنسان تزداد تجاربك لحياتيه، وكاتب تزداد خبرتك القصصية؟ قلت لنفسي: ربما. ما رأيك أنت، في هذه السباحة ففي مياه متعددة؟!، بصراحة لقد شعرت، برغم الوحدة العامة، والأسلوب الخاص بك، أنك خلال رحلة حياتك القصصية، تكاد تكون عدداً من الكتاب، بين أول مجموعة لك، وآخر مجموعة؟

- ملاحظتك مهمة للغاية، وأراها لم تجانب الصدق، وحسن التشخيص. لقد شعرت أنا نفسي بتلك التغيرات، في المعالجة القصصية، من قصة إلى قصة، ومن مجموعة إلى مجموعة. وتزايد هذا الشعور عندي، عندما كانت تنشر أعمالي القصصية كاملة، أثناء مراجعتها. وفي رأيي أن كل تعليلاتك لهذه الظاهرة صحيحة، فكل الاحتمالات الاستفهامية التي طرحتها واردة. لكنني أتوقف من بينها عند ما أثرته من تنوع التجارب، أكثر من تزايد الخبرة لحياتيه والقصصية. أو من بعد المدة بين قصة وقصة، ومجموعة أو مجموعة. فحين أتحمس لتجربة قصصية، وأقرر المغامرة بكتابتها، وأنا وحظي مع النجاح في هذا الكتاب أو الفشل، أو تحقيق الجودة، أو الوقوف عند درجة التوسط، تستوقفني رؤيتي لهذه التجربة، في سياق وسط ريفي معين، أو حي بمدينة، وفي سياق شخصيات بعينها في قصة هذه التجربة. وطبيعة الموقف، والحدث، إلى بناء معين للقصة لا أجدل ه في نفسي بديلاً، بل وإلى اللغة خاصة تقترب أو تبتعد كثيراً أو قليلا، من عالم شخصيات هذه التجربة القصصية. أريد القول بالتحديد، أن كل رؤية لكاتب لتجربته، تفرض عليه، اللحظة نفسها، نقطة البدء والانتهاء، وطريقة السير والمعالجة، ولغة القص، وأعتقد أنه بسبب اختلاف رؤى الكتاب وأمزجتهم، وبالتالي اختلاف اختيارهم لتجاربهم للتعبير عن هذه الرؤى، يتغير استخدامهم لوسائل القص من سرد ووصف وحور، وتعامل مع المكان والزمن، والداخل والخارج. ولا أنكر هنا أن رحلة الكاتب خلال مراحل عمره، ونموه الفكري، وتغير أحواله النفسية، بل والاجتماعية والسياسة، لها دور في هذه السباحة قصصيا في مياه متعددة. ولا أعتقد أن ذلك كله يصدق على وحدي، وإنما يصدق على كثيرين من كتاب القصة في العالم، وهذا لا ينفي في الوقت نفسه، وحدة مزاجهم العام في القص، كخط أساسي ملازم لشخصية الكاتب المبدع وأسلوبه.

مناطق محرمة

  • دعنا الآن ننتقل إلى نقطة أخرى في هذا الحوار. في قصصك قصص يمكن أن نقول إنها قصص ذات رؤى سياسية، بقدر ما هي رؤى اجتماعية. وأظنك تسلم معي بأن القصص التي ترتبط في مراحل كتابتها بمتغيرات السياسة، تتعرض بدورها لأن تفقد دورها وتأثيرها عندما ينقضي دور هذا المتغير السياسي. سأضرب مثلا بارزاً لذلك من بين قصصك، بل في قصص مجموعة بأكملها، هي قصص مجموعتك "أحزان حزيران"، التي كتبت بعد نكسة 1967؟

- قصص هذه المجموعة، كتبته أولا لأطهر نفسي من آثار النكسة في نفسي ولكي أستنفر روح المقاومة في شعب وأمة. وأظنك ترى معي أن تأثير العمل الإبداعي في هذا التطهير، وذلك الاستنفار أقوى بما لا يقاس من كل ما قد يكتب من مقالات وتحليلات. وأذكر هنا أن قصص هذه المجموعة قد لعبت دورها في حينها، بين الشباب القارئ للقصة، في فلسطين، وفي العالم العربي، بل إنني سأتزيد هنا وأذكر أن ذلك الاستنفار لا يزال مطلوبا إلى يومنا، فالصراع العربي - الإسرائيلي لا يزال قائما، ولا أظنه سينتهي قبل عقدين من الزمان. ثم إنه في ذلك الحين كانت هناك مساحات فارغة، في معالجة كتاب المقال السياسي، من الصحفيين والمعلقين والمحللين لقضية النكسة خاصة، وللصراع العربي - الإسرائيلي بحكم مناطق المحرمات في الكتابة السياسية، التي تفرضها الأنظمة العربية على كتابها، أو يفرضونها هم أنفسهم على أنفسهم. ولقد رجوت بقصص "أحزان حزيران" أن أعطي بالرؤية والتنوير هذه المساحات الفارغة. إن جوهر تجارب أحزان حزيران لا يزال قائما، لكنني أسجل هنا على نفسي، أنني قد وقعت في معالجتها فيما أتجنبه دائما في معالجتي القصصية لتجاربي الاجتماعية الأخرى، وأعني بذلك الحدة العاطفية وما تؤدي إلهي من عبارات انفعالية وخطابية، ولجوء إلى المنولوجات الداخلية المتوترة والمضطربة.

  • لك قصص أخرى، انفاعلية إلى حد ما، لأنها سياسية، مثل قصتيك القصيرتين الطويلتين "الصورة والظل" و"الفلاح الفصيح"، أو لا،ها كانت تجربة ذاتية، ومغرقة في الذاتية، مثل قصتك: "صرخة في واد"ن مثلما لك قصص وقعت في برودة الفكر، التي تتجنبها في قصك، مثل قصتك "على الحدود" وقصتك "اللص والحارس". وهذان اللونان بين قصصك، يكادان يكونان نتوءين شاردين من السياق العالم طريقتك في القص؟

- مرة أخرى سنعود إلى الأحوال النفسية والفكرية التي يمر بها الكاتب خلال رحلة عمره، وإلى الأحوال الاجتماعية - السياسية في مجتمع هذا الكاتب، لأقدمها تبريرا أولا: لكتابة هذه القصص، وثانيا: للاستسلام لبرودة الفكر، أو للحدة العاطفية، ومع ذلك فثمة جوهر باق في القصص التي أشرت إليها، هو جوهر العلاقة المتوترة في حياة زوجية في قصة "صرخة في واد"، وجوهر الرفض للاستبداد، في القصتين الأخيرين اللتين وممتد التأثير، بين قراء قصصي. وأظن أننا مازلنا نسبح معا في مناقشة السباحة في مياه متعددة، وهي قضية كما قلت مطروحة عند النظر في إنتاج أي من قصصي، متنوع التجارب، واسمح لي أن أذكر أن أي كاتب، مهما كان خطة الأساسي الذي اختاره لنفسه في القص لأبد له أن يخرج عنه أحيانا فيكون رومانسيا، أو كلاسيكيا، أو حتى واقعيا اشتراكيا فيما هو يلتزم مثلاً في راسلته ككاتب بالواقعية النقدية. أو يقع في الحدة العاطفية أو برودة الفكر، فيما هو يلزم نفسه بل أن يكون محايدا في طرائق قصة، ومعالجته لشخوصه. أو يعبر عن الداخل، على حين أن ملزم لنفسه بالتعبير من الخارج. أو يستخدم ألفاظ المعاني، ويلجأ إلى المجازيات فيما هو يلزم نفسه بالحسيات، والحقيقيات الدلالية.

مطامح صغيرة

  • تحدث ناقد في صحيفة من الصحف المسائية، قبل سنين، أن قصصك يشيع فيها العنف، في المواقف والنهايات. وقد أثار بهاء طاهر هذه القضية معك في حوار أجراه معك برنامج "مع الأدباء"، قبل أكثر من عشرين سنة. ما رأيك؟

- لعلك تذكر أيضا ما قلته لبهاء طاهر في هذا الحوار: لكل كاتب عالمه، ورؤيته للعالم، وأنا أرى عالمي الرازح تحت الثالوث الرهيب: الجهل والفقر والمرض، عالما نم العنف في العلاقات بين الأقوياء والضعفاء، والأغنياء والفقراء، خاصة حين تكون هذه العلاقات خارج دوائر الأسر الصغيرة، بين تاجر وعامل، أو رئيس ومرءوس، أو مجرد شخصين لا تجمع بينهما صفة ولا علاقة مشتركة سوى علاقة المواطنة. فالكل تحت وطأة المعاناة اليومية، والمطامع الفردية، والمطامع الصغيرة وقلة العرض، وكثرة الطلب، وعدم التساوي والتوازي بين الدخل والنفقات، يمارس مع الآخر لونا من ألوان العنف. وبوسعك أنت أن تضرب لي آلاف الأمثلة على ذلك من حياتنا الراهنة، بل إن هذه العلاقات داخل الأسرة الصغيرة، تتعرض لهذا العنف، بالقهر من ا لرجل للمرأة ومن الوالدين للأبناء والبنات، حتى عند رغبة أحدهم في إقامة علاقة زوجية بآخر، يكون للأبوين رأي قد يصل إلى مستوى القهر. أنا أؤثر في قصصي إثارة هذا العنف، والبحث عن تجاربها، وتفجيرها بكشفها أملا في وصول القارئ إلى المعرفة، والفهم للآخر، وإقامة جسور إنسانية معه، في الحياة اليومية القاسية. وأظن أن العنف الآن هو القضية السائدة في مجتمعات عربية متدهورة داخليا وخارجيا. هل أعتبر اهتمامي بالعنف، وإيثاري له، نبوءة؟!

  • روايتك "أصوات"، مع التسليم بنضجها فنا ولغة، أثارت تجربتها ضجة، حين نشرت كاملة على صفحات مجلة "الآداب" سنة 1970، بين مؤيد لك في فضحك لواقع وطني، وتعريتك لأحد جراحة، ومهاجم لك لجرأتك على هذا الاقتحام، وإد انة مجتمع بأسره، بسبب تجربة فردية وشاذة، ونادرة الحدوث، ثم إثارة ضجة أخرى حين ترجمت إلى الفرنسية واتهم الغرب بعدائه للعرب حين اختار هذه الرواية لترجمتها، واتهمت أنت بالتواطؤ حين وافقت دور نشر فرنسية على ترجمتها. ما رأيك في هذا كله؟

- مرة أخرى تروق لي صراحتك. أولا: نحن العرب لم نتهم من الغرب بالعداء للغرب، حين ترجمنا إلى العربية "الأمريكي القبيح"، و"عناقيد الغضب". زوربا اليوناني، وسواها كثير، فهذه الأعمال قد صدرت في الغرب بلغات العرب، وحق لكل اللغات أن تترجمها مادامت قد صدرت هناك. الأمر نفسه ينطبق على "أصوات"، وخاصة أنني نشرتها بالعربية ثلاث مرات، قبل ترجمتها، وصار واردا إمكان ترجمتها في أي وقت، ولا أظن أنه من حق أحد أن يسألني، مادمت قد نشرتها بالعربية عن مشروعية موافتقي "وطنيا" على ترجمتها، ثانياً: هذه الرواية كتبت ونشرت لأول مرةعام 1970 في "الآداب". ولم يكن الغرب آنذاك مهتما بترجمة أية أعمال عربية إلى لغاته، إلى درجة أن بعض كتابنا كانوا يدفعون لترجمة أعمالهم، وينشرونها بالخارج، في فرنسا مثلا، أو إنجلترا، بغية أن يطلوا بأدبهم على الغرب، فالاتهام لي بأنني كتبتها توددا أو بصبصة للغرب اتهام ظالم وجائر لذا السبب، خاصة أن موقفي معروف حيال السياسة الغربية نحو العرب، والمسلمين، وحيال هذا التالي الغربي على شعوب العالم النامي، والقسوة البالغة في التعامل معه اقتصاديا بصفة خاصة. ثالثا: أنا لم أكتب تجربة "أصوات"، لأفضح عورة، أو أكشف سوءه. لقد كتبتها لأحدث صدمة اجتماعية عامة، ضد هذا الختان الجائر. وغير الشرعي، وغير الإنساني للبنت المصرية. وأعتقد أنني في ذلك على حق، وإن تمت هذه الصدمة من خلال إجراء ختان لسيدة أجنبية، في غفلة منها، ودون رضاها، ورشدها. فالأمر نفسه يحدث مع بناتنا. واخترت أن تكون الصدمة أكبر وعلى مستوى حضاري متعدد الأبعاد والقراءات، بختان هذه السيدة الأجنبية، على أيدي نساء قرويات هن أيضا سدنة التقاليد المحلية، وحن أيضا كن ضحايا اللختان، ولم يعد يعنيهن أن يكون غيرهان ضحايا مثلهن، من بناتهن، وغير بناتهن، مصريات كن أو أجنبيات.

وأعتقد أن الموقف ضد الختان الآن صار موقفا قوميا، تتبناه الدولة، ويتبناه مشروع تنظيم الأسرة، ويتبناه العلماء، والأدباء والمتنورون. ولسوف تنحسر هذه العادة الرديئة، وغير الشرعية، من القارة الإفريقية بأسرها يوما ما.

  • سؤال أخير في هذا الحوار معك. ما القصص التي ستبقى منك، فيما تراه؟ وما تقويمك الآن لأبحاثك اللغوية، وكتب سلسلتك "علماء العرب"؟

- من كل مجموعة قصصية لي، ستبقى قصة أو قصتان، مثل "وبعدنا الطوفان" و"الغريب" و"امرأة وحيدة" و"القرين" و"وفاة عامل مطبعة" و"الشرنقة" (لم تنشر بعد في كتاب)، و"لا أحد"، وأيضاً رواية "أصوات"، ولا أدري كيف سيكون فعل الزمن من جهة، وتقدير النقاد من جهة أخرى في أجيال تالية. وأعتقد أنني أنجزت مشروعا مهما للغة، بكتابتي لكتيبات سير العلماء العرب في العصور الوسطى، الذين أضافوا جديدا في الفلسفة والعلوم الدنيوية والمعارف الاجتماعية، للحضارة الحديثة، التي تنشر الآن كحضارة إنسانية عالمية. وحقيقة لست عالم لغة، بالرغم من تخصصي لكنني باتباع منهج إحصائي، ووصفي، وتصنيفي قدمت عدة خدمات معلوماتية للغة العربية عن لا أفعال العربية الشاذة، ومعاني المصادر العربية في المعجم العربي، والحقول الدلالية الصرفية للأفعال العربية، وأنظمة التصريف "النسقية" للأفعال العربية المجردة والمزيدة، وقدمت كذلك دليلا لغويا عن المفردات والتراكيب والمهارات الكتابية، وكتابا في النحو العصري، من منظور فكرة المسندات والمكملات والقوانين لا صوتية التي تحكم التصريف العربيين وأنا مستغرق الآن في إنجاز أو معجم عن الحقول الدلالية للمعجم العربي، وعمدتي في ذلك المعجم الوسيط. فاللغة العربية بحاجة حقيقية الآن إلى مزيد من الجهد اللغوي نحو وتصريفا وأصواتا، خاصة أنها معجمة من أبناء العصر الحديث فقد انقطع جديدها في حركة التطور منذ قرون.

 



 
  




سليمان فياض





شمس الدين موسى





من مؤلفاته - الخازن





من مؤلفاته - ذات العيون العسلية





من مؤلفاته - دليل مبسط لقواعد اللغة العربية