مساحة ود

مساحة ود

انتظار

برغم كوننا في عالمين مختلفين فإننا سنحتفل هذا الأسبوع بعيد زواجنا العاشر. وياله من يوم! أذكر كم خططنا له, وكم حلمنا به وانتظرناه. كنا نقلق من ألا يأتي حين تنفجر بيننا خلافات عابرة, ونفرح بقرب قدومه حين يعود الصفاء, وحين تتوالى الأيام وتزيد من التحامنا. كنا نرى أن عيد الزواج العاشر سيؤكد متانة حبنا وحكمتنا في الاختيار الذي واجه اعتراضات عنيفة عصفت بنا وأجبرتنا على خوض معارك من التحدي, تحملت أنا جلها لكوني امرأة, الطرف الأضعف في مواجهة قوانين القبيلة. المهم أننا تزوجنا برغم اختلاف مذهبينا, وبرغم المقاطعة, وبرغم, وبرغم, ومضت بنا الحياة حلوة عذبة.

وجدت نفسي أرملة بغتة, في لحظات, بعد أن لقي زوجي مصرعه في حادث تصادم وهو في طريقه إلى المطار مسافرا لحضور مؤتمر له علاقة باهتمامه العلمي. رفضت الواقع. تمسكت باعتقادي بأنه مسافر وسوف يعود وامتد بي الانتظار أعواما طويلة. كان العام الأول عصيبا قاسيا, بطيئاً حاصرتني فيه نظرات الرثاء. والدعوات الحارة بأن يعوضني الله خيرا ممن فقدت. ثم عانيت من محاولات التقرب مني بحجة الونس والحماية. كان ردي واحداً لايتغير, لست ضعيفة, ولا مغلوبة على أمري. لست وحيدة, فحبيب العمر عائد لامحالة. كنت أتوسل من حولي أن يتركوني وشأني انتظره بطريقتي.

كنت أقضي كل يوم ساعات أعيد ترتيب أشيائه وأوراقه. وأقلب ألبومات الصور. مخزون لا ينفد من الذكريات السعيدة. أمر في غاية المتعة. لكني اعترف بأن تكرار نفس العمل يومياً يفقده الإثارة ويجعله رتيبا. ماذا أفعل? اشتريت مجموعة من الروايات ورحت أدفن رأسي فيها. جربت تسلية لم أكن أعرفها من قبل على هذا النحو حتى أدمنت الاستغراق في القراءة. ثم شعرت بأنني توقفت عن التفكير, تحولت إلى مستمعة لحكايات. فقدت قدرتي على الحوار, وجلدي على النقاش واسترحت لاستسلامي لما أقرأ دون توقف. وعاد السؤال مرة أخرى, ماذا أفعل? أأعود للعمل? ليس لدي المقدرة على مواجهة الناس. لاأريد أن أرى زميلي الذي يلح عليّ بحبه ويشكوني لوعته. أضع خطة لزيارة الصديقات? كلا, أغلبهن يعشقن الثرثرة ويتحدثن عن أزواجهن. وليس من حقي أن أتحدث عن زوجي الميت في نظرهن, وإلا أصبحت كجدتي التي لاتمل من إعادة حكاياتها المستهلكة عن جدي رحمه الله. لاأريد أن أكون هكذا.

بدأت أعيد حساباتي. قلت لنفسي ربما لايعود, ولكن من المؤكد أننا سنتقابل يوما ما, في مكان ما, لابد أن ينتظرني كما أنتظره, ولكن متى? قد يطول الانتظار, فوجدت أنه من الأفضل أن أتعود الحياة بمفردي حتى يعود. مشاعري وذكرياتي وأحزاني وأفراحي في قلبي محفوظة في مأمن. الصورة الجميلة والأحاديث العذبة في ذاكرتي ومخيلتي في مأمن أيضا, ينبغي أن أحافظ عليها. هي كياني وثروتي. عليّ أن أصونها حتى نلتقي. لن أسمح لمخلوق بأن يسرقني, أو يقترب مني. ولتسر بقية الأمور في أعنتها.

أقنعت نفسي وعدت إلى العمل. وبدأت رحلة تحقيق ذاتي بلا سند. وتتابعت الأيام. احتفلنا أنا وروحه التي تصحبني بعشرات المناسبات, تبادلنا التهاني في أعياد ميلادنا وزواجنا, وبقيت مشتاقة دوما للعيد العاشر وبعد أن يمر, سوف أنتظر العيد العشرين.

أمينة التيتون