عزيزى القارئ

عزيزى القارئ

العربى.. وأدب الرحلات

عزيزى القارئ

المتابع للصحافة العربية، إذا كان منتبها لمسيرة فرع عريق من تراثنا العربى الأدبى، وهو أدب الرحلات، لابد سيلاحظ أن هناك انقطاعا مدهشا تعكسه الصحافة حدث فى مسار هذا الأدب، اتقطاعا يتمثل فى ضعف تيار هذا النوع الأدبى، أو فى تسطيح أدائه. وهذا مفهوم الأسباب على مستوى الصحافة، شحب فيها بشكل عام الأداء الأدبى الجمالى لصالح الجرى وراء الخبر من ناحية أخرى استمراء الاعتماد على ما تبيعه أو تؤجره الوكالات الصحفية العالمية - نصاً وصورة - أو اللجوء إلى الترجمة سواء بأمانة، أو بغيرها وإذا عدنا إلى تراثنا العربى فى هذا النوع الأدبى فسنشعر بجسامة الانقكاع بالمعنى المشار إليه. فثمة إنجاز هائل يمكن رصده ابتداء من القرن الثالث الهجرى، فى رحلة التاجر سليمان السيرافى بحراً إلى المحيط الهندى، ورحلة سلام الترجمان إلى حصون جبال القوقاز، ثم بعد ذلك تأتى رحلات المسعودى والمقدسى والإدريسى والبيرونى وصولا إلى ما بعد القرن السادس الهجرى حيث تكاثف إبداع أدب الرحلات وتألقت نماذجه كما فى رحلة ابن جبير الأندلسى فى القرن الثانى عشر، وما نقل عن ابن بطوطة فى " تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ". وتواصل تدفق نهر أدب الرحلات العربى حتى ابن الخطيب وابن خلدون ثم الطهطاوى والشدياق وحسين فوزى وحمد الجاسر، وغيرهم.

تراث ضخم يفترض استمراره وتطوره، ولا شك أنه حدث ويحدث لكن ليس بالزخم الممكن إدراكه بوضوح، ودليل ذلك ندرة نماذجة فى الصحافة العربية وفى مواجهة الندرة كانت " العربى " حريصة على استمرار هذا النوع الأدبى نصا وصورة عبر استطلاعاتها فى العالم العربى وخارج العالم العربى، وبمعدل استطلاع من عكل نوع فى كل عدد، وهو أمر لم تتراجع عنه هذه المطبوعة لسنوات طوال، مما نظن أنه يشكل موسوعة مصورة فى دائرة استمرار أدب الرحلات العربى. نقول بذلك فى هذا العدد، لأنه وعبر استطلاع " لاوس.. تضاريس من الجبال والأنهار والفيلة " يبلغ نقطة يحق لنا فيها أ، نتوقف ونقول: لقد قطعنا شوطا جيدا. فهذا الاستطلاع يكمل استكشاف منطقة الهند الصيهية، أى تلك البلدان من جنوب شرق آسيا التى كانت مستعمرات فرنسية، وهى بتكوينها الحديث: فيتنام، وكمبوديا، ولاوس. تتابع عليها غزاة مختلفون، ولم تكد تصل إلى السلام إلا أخيرا ولعل " العربى " هى أول مطبوعة عربية تكمل تغطيتها الحية لهذه المنطقة التى ظلت أجزاء منها مغلقة وغامضة، واستطعنا أن نصل إليها بحمد الله، وبدعم وزارة الإعلام الكويتية، وبجهد أسرة " العربى " - محررين ومصورين، خاصة محرر استطلاع هذا العدد الذى غامر بتغطية منطقة الهند الصينية من خليج هالونج الفيتنامى، حتى حقول الموت الكمبودية ووصولاً إلى جبل الأعجوبة فى ولاس.

يبقى شى لابد من قوله، وهو أن أدب الرحلات المعاصر، فى ظل ثورة الاتصالات وتدفق المعلومات المحررة والمسموعة والمرئية، وأكداس كتب الإرشاد السياحى عن معظم بقاع العالم، لم يعد يعنىى سرد معلومات جغرافية واجتماعية وما شابهها، بل نظن أنه صار تقديم رؤية عبر إتاحة المعلومات. هذا ما نعتقده كطموح، لعله يكون متحققا فى استطلاع " ولاس " الذى مررنا به، واستطلاع " سفر مغربية " الذى لم يكتف بالسعى نحو رؤية عبر المكان بل أضاف إليها سعياً لرؤية عبر الزمان.

وليس من نافل القول أن نزعم أن بقية مواد هذا العدد، هى بدورها بحث عن رؤية، سواء كانت علما أو فنا أو أدبا، وإن يكن ذلك لم يتحقق فى أى من المواد، لسبب أو لآخر، فإننا نعد بأن يظل ذلك نصب أعيننا. فالرؤية هى روح الكتابة، سواء كانت فى أدب الرحلات أو غير أدب الرحلات.

وإلى لقاء متجدد.