أرقام

أرقام

من ساحات الحروب إلى النوادي الليلية!

عرف العالم أطفال الكمبيوتر الذين يلعبون بأصابعهم الرقيقة على جهاز غالي الثمن, عظيم الفائدة, يستخدم آخر ما أنتجه العصر من تقنيات عرفتها البشرية.

ويعرف العالم, وفي نفس الوقت ,أطفالا يبيعون الأحطاب, ويقفون أمام أفران تزيد حرارتها على 1500 درجة مئوية بل ويعرف أيضا أطفال البغاء, وأطفال البندقية الذين يتم استخدامهم في الحروب!

إنه عالم الأطفال, ذلك المجهول الذي لانعرف عنه الكثير, فالطفل في منزله قضية عائلية وربما يكون سرا مغلقا, والطفل في مصنعه أو مزرعته يعمل خارج القانون, وبالتالي فهو ـ في معظم الأحيان ـ خارج دائرة البحث والإحصاء!

برغم ذلك فقد حاولت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن ترصد هذه القضية: قضية الأطفال في سوق العمل. لم تصل في تقريرها الصادر في ديسمبر (96) إلى أرقام نهائية, بل وأطلقت على ما انتهت إليه من حصر ممكن للمشكلة كلمة (أرقام باهتة).. و.. في هذه الأرقام الباهتة قالت ـ استنادا لمسح حديث لمنظمة العمل الدولية ـ إن هناك في العالم (73) مليون طفل تتراوح أعمارهم مابين العاشرة والرابعة عشرة قد دخلوا أسواق العمل.. وأن ذلك الرقم قد يرتفع إلى 250 مليونا إذا أدخلنا مجالات لم يتم حصرها أو بلدانا لم يشملها المسح مثل الصين والبلدان الصناعية.. والأكثر أن الرقم يقفز مرة أخرى ليصل إلى 400 مليون طفل إذا أدخلنا في الإحصاء هؤلاء الذين يعملون في جلب الماء لأسرهم أو يقومون بأعمال منزلية رئيسية!الأطفال يعملون في كل المجالات, وتسبق أيديهم أيادي الكبار, لكن خلافا أول يجرى حول تعريف من هو الطفل?.. وماهي السن المسموح فيها بالعمل?

توقفت منظمة العمل الدولية أمام هذه القضية, وحاولت أن تضع الحدود والسدود... حدود المسموح, والسدود التي تحول دون استغلال الطفولة البريئة.

من صناعة الزجاج إلى علب الليل!

تبنت منظمة العمل الدولية الاتفاقية رقم 138 التي حددت الحد الأدنى لقبول الطفل في العمل بخمسة عشر عاما كحد أدنى, وسمحت ـ على سبيل المثال ـ بالنزول إلى ثلاثة عشر عاما بالنسبة للأعمال الخفيفة, والصعود بالسن إلى ثمانية عشر عاما بالنسبة للأعمال الخطرة.

في التطبيق العملي اختلفت الدول فجعلت الولايات المتحدة وبوليفيا والنمسا وكندا وغيرها سن العمل: (17 ـ 18) سنة.. بينما هبط سن العمل في بعض البلدان مثل مصر والسنغال وبنين إلى (12 عاما ).

ولاحظت المنظمة أن الأطفال يعملون, وخارج هذه القواعد أيضا, في مختلف المجالات. أطفال لكسمبورج (الأوربية!) يعملون في المجازر والمسالخ. أطفال ساحل العاج يعملون في التعدين. أطفال المكسيك يعملون في صناعة الأحماض, وأطفال تايلاند يعملون في النوادي الليلية, أما أطفال الهند فهم يعملون ابتداء من سن الرابعة عشرة في كل ماهو خطر وشاذ إنهم يعملون في مجال المتفجرات, وفي صناعة الزجاج التي تنتج (أساور فيروز أباد) الشهيرة, ومن أجلها يعمل خمسون ألف طفل يمثلون 25% من العمالة المتوفرة لهذه الصناعة. ويقفون أمام أفران الزجاج التي تتراوح حرارتها بين 1500 و 1800 درجة مئوية في مقابل مايعادل أربعين سنتاً في اليوم.حاولت المنظمات الدولية أن تحصر كل ذلك, وكانت إحدى وسائل الحصر أو فهم القضية أرقاما ثابتة حول الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة.. فالأرجح وعندما لايذهب الطفل إلى المدرسة الابتدائية فإنه يكون قد تحول إلى قوة إنتاج تستفيد منها الأسرة.

في هذا المدخل تسجل أرقام (اليونيسيف) أن 47% من بلدان الأطفال في إفريقيا جنوب الصحراء لايذهبون للمدرسة الابتدائية, وأن 43% من أطفال جنوب آسيا لايذهبون أيضا. وأن نسبة المتخلفين عن التعليم الابتدائى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (61%) ممن هم في سن المرحلة الابتدائية.. بينما يهبط الرقم إلى 6% في شرق آسيا والباسيفيكي.يتخلف الأطفال عن المدرسة ويعملون خدماً في المنازل, أو عمالا في المناجم, أو وقودا للحروب, وتختلف البدايات عن أي بدايات أخرى في سوق العمل.قرار الاشتغال تتخذه الأسرة بسبب الفاقة, ونوع علاقة العمل يحدده الأطراف الثلاثة: صاحب العمل, والوسيط أو السمسار, وأسرة الطفل, وكثيرا ما تبدأ هذه العلاقة بقرض تحتاج إليه الأسرة من الوسيط أو صاحب العمل فتودع الطفل لديه وفاء للدين. يحدث ذلك, كما يقول تقرير (اليونيسيف) الأخير, في البرازيل وموريتانيا وغيرهما وبما يصنع نوعاً من العمالة المفيدة التي لاتتوافر فيها حرية الإرادة, بل إنها تقترب من نظام العبودية حيث يهب الإنسان نفسه للغير مقابل مبلغ معلوم تسلمته الأسرة في البداية في شكل قرض أو ثمن من نوع لايتم رده, كما لايتم رد الطفل الذي يتحول إلى رهينة!

علاقات العمل بالنسبة للأطفال لها شكل آخر تكاد تنتفي فيه حرية المشتغل في أن يختار مكان ونوع العمل, فهو خاضع للاستغلال الجنسي في بعض الأحيان, وخاضع للاستغلال الصحي في معظم الأحيان. يتعرض للأخطار, ويتعرض لما يؤثر في نموه العقلي والبدني كما يقول تقرير المنظمة الدولية المعنية بشئون الطفولة.

البداية

الأساس مشكلة الفقر, أو المشكلة الاقتصادية وهي تبدو واضحة من قراءة الأرقام.. والمؤشرات كبيرة.

يهتم العالم بمعدل وفيات الأطفال تحت سن الخامسة, ويعتبر ذلك مؤشراً لتقدم أو تأخر مستوى الحياة, وفي هذا المجال تسجل الأرقام أن معدل وفيات الأطفال في النيجر وفق إحصاء عام 59 هو: 023 في الألف.. بينما يهبط هذا المعدل إلى 5 في الألف بالسويد.. والفارق الكبير تفسره مستويات الدخل والناتج القومي الإجمالي للفرد والذي يهبط إلى 022 دولارا كمتوسط في النيجر, ويرتفع إلى 32 ألف دولار في العام بالسويد!ونفس الشيء بالنسبة للعمر المتوقع عند الولادة والذي يهبط إلى 84 سنة في أنجولا, ويرتفع إلى ثمانين عاما في اليابان!وتمتد المؤشرات لتشمل الفروق في ظروف الحياة مثل الحصول على المياه النقية أو التمتع بمرافق صحية, وتسجل أرقام الأطفال الذين يعانون من الهزال والتقزم نسبة مرتفعة في البلاد منخفضة الدخل مثل ملاوي (55% من الأطفال) في مقابل (42%) من أطفال بلد مثل تركيا.

إنه الفقر يطرد الأطفال إلى سوق العمل, وفي مواجهة ذلك يتحرك عدد من المنظمات الدولية في محاولة للوصول إلى برنامج عمل.

في عام 1990 انعقدت القمة الدولية للطفولة, ووضعت أهدافا كانت ترجو أن تتحقق حتى عام 2000 وعلى رأسها: محاربة الفقر, وحماية الأطفال بالقانون, وضمان تطور الطفل ونمائه. كانت النظرة ـ حينذاك ـ شاملة لأحوال الأطفال وبؤسهم, لذا فقد خرجت الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في نفس العام.. وتنفيذا للاتفاقية شهد العالم العديد من الإنجازات فقامت سيراليون بتسريح الأطفال المجندين, وقامت رواندا بنقل الأطفال الذين أودعوا معسكرات اعتقال بحجة ارتكابهم مخالفات حرب بمؤسسات رعاية الأحداث بدعم من منظمة الطفولة العالمية.

وفي أغسطس 96 انعقد المؤتمر العالمي لمناهضة استغلال الأطفال في تجارة الجنس