إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

تصغير القلب

كثيرا ما نستخدم تعبير "صاحب القلب الكبير" لنصف إنساناً شديد الطيبة، والكرم، والتسامح، إلى آخر وأقصى مايمكن من هذه الصفات الحميدة. لكن "أصحاب القلوب الكبيرة" مشكلة كبيرة جداً لدى أطباء القلب، خاصة الجراحين منهم. فالقلب المتعب وهو يحاول تعويض مافقده من قوة للقيام بدوره المعتاد لضخ الدم في الشرايين، من أخمص القدم وحتى أم الرأس، ومن أكبر شريان وحتى أصغر وعاء دموي، يتجه هذا القلب إلى التضخم مزيداً من كتلته وحجمه لعله يعوض قواه الخائرة، وكلما زاد الجهد زاد التضخم حتى يصير هذا القلب عبئاً على نفسه، ويزداد العبء حتى يصل إلى درجة العمل. وهنا يبحث جراحو القلوب عن قلوب جديدة بديلة لزرعها في صدور "أصحاب القلوب الكبيرة"، مرات يلجأون لقلوب الموتى في حوادث الطرق الكثيرة في زحام وجنون عصرنا، ومرات يقال إن اللجوء يكون لقلوب الموتى عن عمد وسبق إصرار وترصد. فهؤلاء يقتلون بطرق حاذقة جداً للحصول على قلوبهم، وربما أجزاء أخرى! هذا وثمة طرق أخرى يلجأ إليها جراحو القلب ليستبدلوا بـ "القلوب الكبيرة" قلوباً صغيرة، ومنها قلوب الحيوانات. لكن هذه رهن التجريب، وخطورتها غير محددة بعد، ابتداء من احتمالات رفض الجسد الإنساني للقلب الحيواني، وحتى احتمالات النباح أو الصهيل أو الزئير أو العواء أو الخوار، تبعاً لنوع الحيوان المزروع قلبه في صدر الإنسان الذي كان قلبه كبيراً.

هذه المعضلات كلها حلها جراح قلب مغمور، اسمه رانداز باتستا، من جنوب البرازيل بضربة من مشرط ساحرة كضربات الحظ، إذ ابتكر جراحة يقص فيها قطعة من القلب المتضخم ويعيد رتق الباقي فيصغر القلب ويصير أخف وأكفأ، ولاداعي لقلوب الموتى أو القتلى أو الحيوانات. جراحة بسيطة لكنها عبقرية، حتى أن مجلة "ديسكفر" في عددها الخاص الأخير عدتها من أهم الإنجازات الطبية في العام الماضي، لو ثبتت علمياً، فالموضوع في حاجة إلى توثيق علمي، لأن الطبيب البرازيلي الفقير عادة ما يجري هذه الجراحات لمرضى فقراء مثله وينتشرون في قرى البرازيل البائسة حيث يغلب ألا تكون لديهم هواتف للاتصال بهم لمتابعة حالتهم ومعرفة فعالية عمليات تصغير القلب التي أجراها لهم، فهم يأخذون قلوبهم الصغيرة في صدورهم الجريحة ويذهبودن مرتاحين. لكن كم يعيشون بعد ذلك؟ وأي مضاعفات يمرون بها؟ لا أحد يعرف، والذنب ذنب الفقر وشبكة الهواتف البرازيلية غير النقالة طبعاً، فتلك النقالة ترف خليجي لايعرفه أهل الريف البرازيلي البؤساء.

المشكلة إذن ضخمة ومعقدة، لكن هناك من يقر بوجود حلول بسيطة للغاية، فالصراحة والقناعة والرضا وراحة البال هي أمور تريح القلوب وتبقيها صغيرة وشابة دون أي جراحة بهواتف أو ديون هواتف، ودون لجوء لأي موتى أو قتلى أو حيوانات. لكن هذه الحلول البسيطة ذاتها صار الحصول عليها غير بسيط بالمرة.

 

 

 

أنور الياسين