كتاب الشهر: الإنسان بكل ألوانه محمود قاسم

كتاب الشهر: الإنسان بكل ألوانه

عندما تصبح البشرة ذريعة لتعذيب البشر
المؤلف: بيير باراف
البشر مختلفون، رائحة، وشكلاً، ولغة، وثقافة وغير ذلك. لكن، دون الاختلافات جميعاً، يبرز اختلاف لون البشرة كسبب وأساس لكثير من انتهاكات حقوق البشر وسفك دمائهم. وهذا الكتاب يعالج جذور هذه المأساة، ويتتبعها حتى الأطراف.

يقول مؤلف كتاب "الإنسان بكل ألوانه" إن البشر لا يختلفون فقط في ألوانهم، بل أيضاً في اللغات واللهجات التي يتكلمون بها، وكذلك في مطابخهم وأطعمتهم المفضلة، وأيضاً روائحهم، ولكن تبقى مسألة لون البشر هي العائق الأوحد التي تجعل البعض يتصور أنه الأكثر تميزا، أو الأقل هوية. فللبشر دائما روائحهم الخاصة، وكل شخص يتصور أن رائحته هي الأفضل، ولا خلاف على ذلك. لكن طوال عمر البشرية سببت الألوان الكثير من المتاعب، فخلقت طبقات العبيد والسادة، وفي عصرنا الحديث تكون ما سمي بالعنصرية. وبسبب هذه الألوان اندلعت حروب معاصرة كثيرة، في الولايات المتحدة، ثم الحروب العالمية وخاصة الحرب العالمية الثانية.

جغرافيا الإنسان

لقد لعبت الجغرافيا في هذا الأمر دورا بالغ الأهمية. فالناس إما يعيشون تحت الشمس الحارقة، أو فوق الجليد، في جفاف، أو وفرة الماء، في الصحراء، أو إلى جوار الأنهار والجبال. وحسب كل بيئة من هذه البيئات تكونت الحضارات. كما أن الكوارث الطبيعية لعبت دورها في تحديد جغرافيا الإنسان. ولكن الجغرافيا قد لا تكون عاملا ثابتا في مسألة الحضارة، فقد استعان الأبيض بالزنوج في بناء حضارته. واستفادت الدول الاستعمارية كثيرا من خيرات الدول التي احتلتها سنوات طويلة. ويرفض الكاتب استعمال كلمة "عنصر" بناء على لون البشرة، ويؤكد في أكثر من موضع من كتابه أنه ليس حسب اللون فقط يمكن تقسيم البشر، بل يمكن أن يكون ذلك حسب العادات، والأديان، وما إلى ذلك. برغم أن المؤلف يعترف بأن عادات البشر في نفس العشيرة تختلف من جيل إلى آخر، فلا شك أن المزارع الدانماركي في نهاية القرن العشرين يختلف تماما في سلوكه وعاداته عن أجداده من الفايكنج، مع أنه يمتلك نفس لون البشرة، ويعيش في نفس الأجواء المناخية والجغرافية. كما أن بعض التلاميذ من سكان الأمازون قد أصبحوا أوائل فصولهم الدراسة عندما تولت تربيتهم أسرة من المدرسين.

ويقول الكاتب إن هناك خرافة اسمها العنصر النقي، وذلك بسبب التزاوج الدائم بين البشر. من جميع الأجناس. وقد سبب هذا أيضا تداخلا في الثقافات والحضارات وأحدث تغييرات ودائمة في العادات ويقول الكاتب عن نفسه باعتباره فرنسيا "نحن الفرنسيين لسنا فقط من الغال، والسلت، والعنصر الجرماني، واللاتيني، والسارازيني مع الأخذ في الاعتبار اليونانيين والعبرانيين. أما جمهورية الولايات المتحدة فهي ميدان واسع لألوان البشر. وفي روسيا هناك الأوكرانيون الذين يشبهون القوقاز. لذا فكل واحد فينا عالم خاص. وبالتالي فإن الخطأ، بل قل الأكذوبة أن يدعي أحد أنه من الجنس النقي. ولعل التميز العنصري يبدو في الفوارق بين الناس، من خلال اللون، أكثر من بقية الفوارق. فبينما البيض يعلنون أنه من العار ألا يكون جلد البشر مثل جلودهم، فإن الأديان السماوية ترى أنه لا فرق بين البشر إلا بالإيمان. ولعل الحديث الشريف يؤكد هذا "لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى". وقد أدى مثل هذا إلى أن البيض تصوروا أنفسهم مسئولين عن ثراء العالم. وقد شهدت هـذه، الآراء سجالا بين اثنين من كبار رجال الفكر العالمي في القرن الثامن عشر، إنهما فولتير، وجان جاك روسو.

شركاء في صنع الحضارة

في حديثه عن كبريات حضارات. العالم، كشف بيير باراف أن هذه الحضارات القديمة المتطورة قد ظهـرت لدى غير البيض واثبت البشر الملونون أنهم صناع حضارات من الطراز الأول، سواء الهنود الحمر في المكسيك، أو الجنس الأصفر في الصين، أو الأسمر في مصر، أو في فينيقيا، وبابل، واليمن، وذلك يثبت أن الأسرة البشرية قد ساهمت جميعها، بدرجات مختلفة في تطور البشر. ويقول الكاتب إن هذه الحضارات قد قامت على أساس الأبجدية التي ابتدعها الفنيقيون، والجبر الذي توصل إليه العرب؟ والقهوة التي جاءت من أثيوبيا، والشاي، والخزف والحرير والأرز التي جاءت من الصين، أما الدخان، والذرة والتفاح، والكاكاو، فقد جاءت من الهنود الحمر. وبرغم المسافات البعيدة بين هذه الحضارات مكانيا، فإن بعضها توصل إلى نفس المفاهيم، مثل وحدانية الكون عند الفراعنة (إخناتون بصفة خاصة) ولدى الحضارة الأزتيكية في أمريكا اللاتينية.

فقد قامت هذه الحضارات، وكلها من صنع الرجل غير الأبيض، على الاتصال، وراحت كل منهـا تعطي الأخرى. خاصة في فنون الزراعة، وتربية الحيوان، والحروب. وقد أعطى الكتاب مثلا بفنون العمارة وعلومها التي شهدت مرحلتين ورديتين في مصر. الأولى بين عامي 2800 إلى 2300 قبل الميلاد، وهي نفس المرحلة التي شهـدت بناء الأهرام. أما الثانية فهـي بين- عامي 1600 و 1200 قبل الميلاد أبان بناء معابد طيبة الكثيرة، وفي هذه المرحلة اتصل المصريون مع شعوب آسيا وجزر بحر إيجه، مما فتح لهم أفاقا جديدة. وقد بدا هذا في تقسيم المعابد وتزيينها بالرسوم والنقوش، وفي التماثيل الحجرية التي تمثل أبرز الشخصيات في تلك المرحلة.

وقد اتصل أبناء القارات الثلاث: أوربا، آسيا وإفريقيا، وشقوا لأنفسهم الطرق من أجل الاتصال البري والبحري، فنشأت بينهم التجارة، قبل أن تبدأ الغزوات والفتوح. وأطلق على بعض هذه الطرق أسماء تتعلق بالثروات فهذا الطريق العنبر، وذاك طريق الذهب، أو طريق الحرير. حيث جاء العنبر من ألمانيا والذهب من إفريقيا السوداء، والمسك من الجزيرة العربية، والحرير من الصين. وعبر هذه الطرق أيضاً مرت العقائد والديانات والفلسفات الكبرى. ويؤكد الكاتب أن الإسلام قد نجح في تكوين حركة فكرية في البلاد التي وصل إليها ابتداء من القرن التاسع عشر الميلادي، فاستطاع بذلك أن يصل إلى ما وراء جبل طارق، وإلى بلاد البلقان، وألبانيا. وفي إطار الدولة الأموية والدولة العباسية شهد الشعر والعلوم تطورا واتساعا. وفي عاصمتي هاتين الدولتين دمشق وبغداد، تطورت علوم الفلك، وتوغل البحارة العرب في رحلاتهم البحرية إلى أماكن لم يصلها بشر من قبل وقد توصل الخوارزمي إلى العناصر الأساسية لعلم الجبر، وساعد على تطور علم الحساب، أما الطبري فقد نشر "جنة الحكمة" الذي يعتبر أساسا للطب الإسلامي والذي أضاف إليه ابن سينا الكثير.

وقد تفوق العرب في العديد من مناحي الحضارة، مثل الفلسفة، والطب، والهندسة المعمارية، وقد بدأ ذلك في عمارة المساجد، حيث بدت المآذن الكبرى مزدانة بالألوان البراقة، وتم فرش صحون الجوامع بالسجاد الفخم، وازدانت بالثريات المتلألئة. وكانت هذه المظاهر واضحة من المغرب إلى البوسنة وصقلية وحتى الأندلس.

شعوب لم تستعبد

في أمريكا اللاتينية قامت حضارات الرجل الأحمر، والذين عاشوا في مناخ استوائي، فقد قاموا بتشييد المباني الأثرية الضخمة، التي شهدت على حضاراتهم المندثرة. وقد تم بناء أغلب هذه المباني فوق مرتفعات الجبال. وقد تتابعت حضارات المطاط وبنى أهل المكسيك الأهرام المدرجة لعباده الشمس والقمر.

ثم ظهرت حضارة المايا في القرن السادس الميلادي والتي امتدت من جنوب المكسيك وحتى جواتيمالا وسان سلفادور، وقد زرعوا الذرة، والمطاط. واستمرت إمبراطوريتهم حتى القرن التاسع وكانت لهمم حروفهم الأبجدية، وتقويمهم، ونظامهم في العد. وأيضا دياناتهم التي تتسم بشعائرها الخاصة.

هذه الشعوب لم تعرف نظام العبودية والرق الذي عرفه فيما بعد الرجل الأبيض الذي ظن أن لون بشرته كفيل بأن يعطيه القدرة على استعباد الأجناس الأخرى من سائر الألوان وهكذا تولد عصر العبودية، حيث وجد الحكام، والأثرياء في أول الأمر، أن عليهم إيجاد أيد عاملة لإنجاز أعمالهم. وقد ظهـرت طبقة العبيد من أجل تشييد المباني الضخمة، كالقصور، والطرق والكباري. وقد تم إحضار العبيد من بلاد أخرى عقب الغزوات والفتوحات. وأصبح أبناء العبيد عبيدا أيضا. وبدت هذه الظاهرة واضحة في روما واليونان.

وحسب النصوص القانونية لهذه الدول نجد أن العبد ليس سوى جسد ليست له أي حقوق، ولا حتى اسم. ويشار إليه بإشارات خاصة. وقد انقسم أغلب العبيد بين العمل الزراعي، وأعمال التنجيم، أما المميزون منهم، فكانوا يعملون في الطهي، وحمل المصابيح، أو حراسة الأطفال. والأكثر تميزا يعملون في مجال السكرتارية بينما كان السادة يمارسون الفنون والآداب. وفي روما كانت للأسرة المتواضعة الحال على الأقل أربعة من العبيد، أما الأسر الميسورة، فكانت تمتلك العشرات منهم. ولعل سقراط هو أول من نادى بأن يتساوى العبيد والسادة في الحقوق. وبتطور الزمن. ظهـر في إيطاليا قانون يسمح للسيد بتحرير عبيده بعد سنوات عديدة من العمل. ولكن بعض العبيد كانوا يفضلون البقاء تحت رعاية السيد، بل إن البعض الآخر كان ينتحر إذا ما مات سيده. وقد استطاع سبارتاكوس، محرر العبيد، أن يقوم بأول ثورة من نوعها في التاريخ عام 73 قبل الميلاد، فظل رمزا للثورة ضد الرجل الأبيض طوال التاريخ. بعد أن هرب من مدرسة المصارعين، وكون جيشا استطاع أن يواجه به جيش روما النظامي، ولكن كراسوس تمكن من التغلب عليه.

ولم تنته العبودية بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، حيث عرف سكان الغال العبيد، لكن الدين المسيحي الذي انتشر في أوربا كان يمنع العبودية، مما ساعد على انحسار هذه الظاهرة، ولكنها انتشرت في الأقبية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار العبيد حيث كان يتم بيعهم سرا فيما يسمى بمنزل العبيد.

أشهر الملونين

لقد خصص الكتاب فصلا عن الغجر، باعتبارهم أشهر الملونين، الذين تعددت أسماؤهم من بلد إلى آخر. ويقول الكاتب إنهم جاءوا من الهند، وانتشروا في العصور الوسطى بين مصر والمجر، والأندلس وكانوا يقيمون معسكراتهم حيث شاءوا في إنجلترا، أو ألمانيا أو فرنسا أو سويسرا أو غيرها. وهؤلاء الغجر، المتعددو الألوان فيما بينهـم، قد صنعوا لأنفسهم عاداتهم الغريبة. وقد ارتبطوا في التاريخ بالعديد من الأحداث الكبرى وألهموا كبار الأدباء قصصا خالدة مثل "أحدب نوتردام" لفكتور هوجو، حيث رأينا "أزمرلدا" الراقصة الصغيرة التي تحنو على الفقراء، وخاصة الأحدب "كوزيمودو". كما كتب عنهم اللورد "بايرون" شعراء، وكانت "كارمن" ملهمة رواية كتبها "بروسبير ميريمية" فتحولت والعربية. وقد كان زنوج إفريقيا ضحايا لقراصنة البحر، الذين جاءوا لخطفهم وبيعهم للأثرياء. وهكذا أصبحت إفريقيا مصدرا للأيدي العاملة خاصة سكان خليج غينيا. ويقول الكتاب إن القراصنة قد لجأوا إلى هذه المنطقة حيث البشر أصحاء وأقوياء، بعد أن أثبتت هشاشة الهنود الحمر. ولذا فسرعان ما تنافست الدول من أجل احتلال هذه المناطق، ونقل أبنائها إلى العالم الجديد. وقد تمت الأمور في البداية تحت شعار الاتجار في الأقمشة، ثم بدأوا ينقلون الشباب الصغار فوق سفنهم، ومن المعروف أن الكاتب الراحل اليكس هايلي قد تحدث عن هذا التاريخ في روايته المهمة "جذور" وهنا قامت في الولايات المتحدة ظاهرة عبودية مليئة بالقسوة سرعان ما وجدت من يتصدى لها مثل مونتسكيو، ومونتيني. كما تصدى لها فولتير في روايته الشهيرة "كانديد". ولذا فقد كان أول النصوص التي أقرها الدستور الأمريكي عام 1776 م هو المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات. وكان ذلك إيذانا بقيام الحرب الأهلية التي كان يجب فيهـا تنفيذ بنود القانون الصادر عام 1794 م بإلغاء العبودية. ولم يقف الأدب ولا الفنون بعيدا عن هذه العوالم فاستطاعت الكاتبة هارييت بشرستو أن تنقل إلى كل القراء في العالم حكاية العبدالطيب، ومتاعبه التي يعانيها في بيت سيده الجديد، كما أن الكاتبة مرجريت ميتشيل قد تحدثت عن وقائع الحرب الأهلية من خلال عالم السادة، وليس عالم العبيد، وقد حظيت كلتا الروايتين بشهرة و إقبال برغم تباين العالمين.

كما تصدى لظاهرة العبيد والرق كتاب من طراز فيكتور هوجو الذي كتب نصا أدبيا راقيا في عام 1859 عن عبدأسود يدعى جون براون ينام فوق سرير دام، مصابا بجروحه التي لا تلتئم. بعد أن تم جلده عن طريق سيدة وأبنائه. ولم يترك السود للبيض أو غير الملونين شرف الكتابة عنهم. فقد ظهر أدباء زنوج يكتبون عن آلامهم. ومن كتاب الشعر الزنجي الأمريكي الكثير من الشعراء المتميزين مثل "لانجستون هيوز" الذي يقول في قصيدته "ممنوع من النشر".

***

"سوف تثير عودة المسيح الملل
لو اكتشفوا أنه كان زنجيا
وستغلق الكنائس أبوابها
ولن تقام الصلاة
في الولايات المتحدة
بل سوف يحتفلون آنذاك
باللون، لا بالدين
حاول أن تقول هذا
وسوف تصلب بكل تأكيد"

العنصرية والاستعمار

إذا كانت الولايات المتحدة قد عرفت الرق الأسود فإن أوربا عرفت فيما يتعلق بتباين الألوان بين البشر موضوع المستعمرات. فمن أجل تجارتها وصناعتها وحاجتها إلى الأيدي العاملة فإن بعض الدول الأوربية غزت بلادا أخرى تحت دوافع سياسية وعسكرية واقتصادية وكانت تطعم حملاتها بالعلماء والمفاوضين والأطباء والفنانين والرحالة المهتمين بالحضارات المجهولة.

وهكذا وجدت عنصرية أرى طريقها إلى إفريقيا السوداء وآسيا الملونة وما وراء المحيطات. ووقعت بلاد كثيرة تحت سطوة القوات الأوربية. وهذه الغزوات ما لبثت أن صدمت الأجيال الشابة التي عرفت الثورة الفرنسية فيما يتعلق بالاستعمار الفرنسي مثلا وبرغم أن المدافعين عن هذه الظاهرة يرون أن الاستعمار قد حاول محو أمية أبناء هذه البلاد وعلاج الأمراض الوبائية مثل الكوليرا ومرض النوم فإن من مميزات هذه الظاهرة أن جميع الشعوب الملونة قد اتحدت، فتعاطف أبناء الجنس الأصفر مع الزنوج من أجل الدفاع عن حقوقهم والحصول على استقلالهم. كما أن هذه خلق حالة من المعارضة لهذا النوع من التمييز العنصري قامت على أساس أفكار ومبادئ فولتير وفيكتور هوجو.

لذا، فإن نهاية هذا الاستعمار قد قامت على أحداث دامية اعتبرت سبة في جبين الدول التي تنادي بالحرية والمساواة ولعل أبرز مثال على ذلك هو حرب الجزائر التي ما إن انتهت حتى قرر أكثر من مليون فرنسي أقاموا في الجزائر منذ بدايات القرن أن يعودوا إلى وطن لم يعرفوه بعد أن تعاملوا مع الجزائر باعتبارها وطنهم. ويفسر الكاتب ظاهرة العمل الجزائريين الذين اعتبروا الآن بمثابة مشكلة أساسية في فرنسا، بمثابة نوع من العنصرية. وفقد سافروا إلى هناك ليلتحقوا بالمهن المتواضعة. وحتى الآن فإن هؤلاء الجزائريين لم يذوبوا داخل المجتمع الفرنسي مثلما لم يتمكن الفرنسيون من الذوبان في الجزائر. ومثلما ولد أدب يناهض العنصرية في الولايات المتحدة تولد مثل هذا الأدب أيضاً في المستعمرات. ومن مختارات الشعر الفيتنامي. وتحت عنوان "مهنة أمي" كتب الشاعر بيير جامارا:

***

"لدينا، فان مهـنة الأم صعبة
فهناك بلاد تمارس فيها الأمهات تعليم
حب الزهور لأبنائهن
ولدينا، يجب أن نعلمهم
كيف يتفادون خطر القنبلة"

عنصرية جديدة

في القرن العشرين، ظهرت ممارسات جديدة من العنصرية، ميزت بين البيض أنفسهم فلم يصبح لون البشرة هو الفيصل لدى الهتلريين، بل الانتماء إلى جنس بعينه، المسمى بالآري. ومن الصعب فصل ظاهرة النازية عن أسباب عديدة اجتماعية ونفسية. وتحت ستار الديمقراطية راحت النازية تميز بين أجناس البشر. وتولد عن هذه الظاهرة تعبير جديد "لا سامي" استخدم فيما بعد سلاحا لكل من يناهض اليهود بصفة خاصة. وقد ناهضت جميع الأجناس النازية، وأيضا العنصرية، ولعل ما حدث في جنوب إفريقيا منذ أشهر يعد دليلا على وقوف العالم كله بشتى ألوانه ضد التمييز بين البشر على أساس اللون والجنس أو الديانة وكتب الشاعر المعروف لوي اراجون قصيدة عن الذكرى في عام 1955 بمناسبة مرور عشر سنوات على نهاية الحرب العالمية وفيها يقول:

***

"لقد أصبحت كل الألوان زيا للقذف
فالسعادة، ولك السعادة لمن يذكرونك
فسوف أموت بلا حقد على الشعب الألماني"

وسرعان ما ظهر في العالم زعماء ملونون، بدأوا في فرض شخصياتهم على العالم، مثل المهاتما غاندي، وماوتسي تونج ومارتن لوثر كنج، وبدأت تظهر جماعات مناهضة للعنصرية في أنحاء متفرقة من العالم، وتميز الفنانون الملونون في شتى مجالات الإبداع في الغناء والتمثيل والرواية والشعر وعلى سبيل المثال ارتفعت قائمة الحاصلين على جائزة نوبل في الأدب من غير الجنس الأبيض ومنهم على سبيل المثال سونيكا ونجيب محفوظ وديرك والكوت وتوني موريسون وراح شاعر كبير مثل جاك بريفير يكتب:

***

"يا جانب، يا أجانب
أنتم من المدينة
وأنتم حياتها
رغم البؤس الذي تعيشون فيه
حتى ولو متم في بطونها".

 

محمود قاسم

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب





في الهند امتزج الهنود الحمر بالملونين الآخرين





إمرأة صفراء من اليابان