مساحة ود ملك حاج عبيد

مساحة ود

تحية حب إلى شاعر كبير

كنت مع أخي في السيارة نجتاز إحدى ساحات المدينة الرئيسية وأنهار السيارات تتدفق من كل الطرقات عندما أضاءت الإشارة الحمراء فتوقفنا.

بدأ المارة يعبرون فأشار أخي إلى رجل تجاوز الستين من عمره، طويل القامة، أبيض الوجه أشقر الشعر يضع على عينيه نظارة بعدستين طبيتين سميكتين وقال:- هذا هو الأستاذ الشاعر سليمان العيسى.

تمنيت أن أقفز من السيارة أصافحه وأتملى وجه هذا الإنسان الذي أحببته منذ كنت صغيرة وأقول له (أشعارك سكنت قلبي وجنحت روحي، لقد علمت جيلنا كيف يكون حب الأرض والإنسان وعشق الغد العربي الجميل" ولكنني خجلت من هذه الاندفاعة العاطفية، واكتفيت بمراقبة هذا الرجل الكبير وهو يلتفت حوله كطفل صغير يريد أن يعبر الطريق.

تداعت إلى خاطري قصائده التي حفظناها، تشربنا كلماتها صغارا ووعينا معناها وعرفنا وجعها كبارا.

شاعرنا الذي تملأ دواوينه المكتبات وأناشيده الكتب المدرسية شاعرنا الذي تخرجت على يديه أجيال وأجيال يمشي على قدميه؟

قلت لأخي: توقعت أن يكون لديه أحدث سيارة. قال أخي: هذا رجل قد وهب عمره لقضية كبيرة.

وقدر لي أن أذهب إلى منزله، للوهلة الأولى تهيبت الدخول، أحسست أنني سألج معبدا عاش في مكان ناء في أعماق الذاكرة وها أنا الآن أقف أمام بابه السحري. دخلنا ففاجأتني بساطة المكان تساءلت في سري: أهذا هو بيت الشاعر؟

استقبلنا وعلى وجهه ابتسامة طفل بريء، دخلنا الصالة، كانت تشع بساطة وذوقا. أمامي كانت مكتبة هي أبرز ما في المكان، ثم صور الأولاد والأحفاد معلقة على الجدران، بيت كل ما فيه ينطق بالدفء والمحبة برغم برودة الشتاء.

جلس يتحدث فرحت أصغي لكلماته الهادئة الحلوة وتساءلت في سري: أما زلت يا شاعرنا برغم كل الإحباطات عاشقا للأرض العربية ولحلمها البعيد؟.

استأذن قائلا: سأصنع لكم القهوة

ثم أردف: القهوة هي الشيء الوحيد الذي أتقنه. نظرت إليه زوجته وعيناها تحملان الود والحنان وقالت: أنت تتقن أشياء كثيرة.

انصرف بوداعة وراحت زوجته أستاذة الجامعة تتدفق حديثا وطموحات جاء يقدم إلينا القهوة فشكرته بعبارات رقيقة. تذكرت قصة الحب التي جمعت بينهما واكتسحت عائق العادات والتقاليد، تذكرت كيف تنازل عن بعثة الدراسة العليا لزوجته وراح يرعى الأطفال عندما كانوا صغارا حتى عادت من البعثة. رأيت قصة الحب لاتزال تعيش بينهـما وما زادها الكبر إلا رسوخا وعمقا.

أحسست أنني التقيت بإنسان أصيل وسط مهرجانات الزيف والاستهلاك والادعاء. فارس من الزمن القديم في عينيه الحب وفي جبينه الكبرياء. وأنا أصافحه مودعة شعرت بفرحة من وضعت يدها على سر.. سر العظمة يكمن في الإنسان الحقيقي.

 

ملك حاج عبيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات