التخصيص في الكويت الأفاق والرؤية

التخصيص في الكويت الأفاق والرؤية

منذ منتصف عام 1994 وعلى مدى عامين قامت الهيئة العامة للاستثمار بدولة الكويت ببيع مساهمات الحكومة في 17 شركة محلية, وحصلت مقابل ذلك على مايعادل 505 ملايين دينار كويتي أو مايساوي 1.7 بليون دولار أمريكي. وقد شمل برنامج التخصيص شركات مدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية وشركات أخرى غير مدرجة, وقد بلغ عدد الشركات التي تم تخصيص مساهمات الحكومة فيها, أو جزء من تلك المساهمات, 17 شركة تعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية, مثل قطاع الخدمات والتأمين والبنوك والاستثمار والصناعة والعقار والزراعة, وقد بلغ عدد الأسهم التي تم بيعها 391.795.406.1 سهما وبقيمة إجمالية 163.442.505 دينارا, وحولت هذه الأسهم إلى 198173 فردا ممن اشتروا أو اكتتبوا بالأسهم المذكورة عند طرحها.

ولاشك أن البيانات المذكورة آنفا تدل على مدى التجاوب مع عملية التخصيص التي اضطلعت بها الهيئة العامة للاستثمار. كذلك تدل تطورات أسعار الأسهم بالتقبل الإيجابي لعملية التخصيص من قبل جمهور المتعاملين في سوق الكويت للأوراق المالية, حيث ارتفعت الأسعار بشكل واضح, واستمر تدفق المتعاملين على السوق لاقتناء تلك الأسهم.ويعتقد عدد من المراقبين أن تطورات السوق والتفاعل مع برنامج تخصيص مساهمات الحكومة في الشركات ناتج من قناعة أساسية وهي أن أداء هذه الشركات سيكون أكثر فاعلية وأكثر قدرة على إدرار الأرباح في ظل إدارة القطاع الخاص.. إن هذا الشعور يعكس اهتماما كبيرا لعملية نقل الملكية وأثرها في تحرير الشركات من ربقة البيروقراطية الحكومية وأدائها المتقاعس وتكاليفها العالية, ولابد أن هذه القناعات متأثرة بالتجارب العالمية حيث إن الكثير من المؤسسات تطورت تقنيا وإداريا بعد أن تحررت من ملكية الدولة, من جانب أخر أن الشخصيات التي تبوأت مراكز قيادية في هذه الشركات لم تقدم أعمالا تذكر في تطوير هذه المؤسسات ولم تتمكن أساسا من تحسين أداء تلك الشركات,بيد أن الموضوع يجب أخذه بحذر شديد, فكما هو معلوم أن الكويت هي دولة من دول العالم الثالث, وتعاني من ذات المعضلات الاقتصادية والاجتماعية, كما أن القطاع الخاص فيها لايتميز كثيرا بسمات القطاع الخاص في الدول الصناعية المتقدمة والذي يتسم بالعقلانية والتجرد من المصالح العائلية والضيقة.. ولذلك فإن من الملاحظات أن بعض الشركات التي تم تخصيصها تم الاستحواذ عليها من قبل عائلات محدودة, وتم تعيين أعضاء على مجالس إدارتها ممن لايملكون التأهيل العلمي أو الخبرة, فالعديد منهم صغار في السن, وهم لايملكون أية صفات فنية ماعدا أنهم من أبناء الملاك أو أقاربهم, كما أن القطاع الخاص الكويتي يعاني من هيمنة الدولة لزمن طويل على مقدرات الاقتصاد الوطني, وظل تابعا لها زمنا طويلا وهو اعتمد عليها من خلال قنوات الإنفاق العام, لتعزيز موارده المالية, ولذلك فإن إمكانات تحوله سلوكيا وفنيا إلى مفاهيم السوق الحرة التي تعتمد الموضوعية في اتخاذ القرار, وتعيين الإدارات على أساس معايير العلم والخبرة تتطلب وقتا كافيا, ربما يطول أو يقصر اعتمادا على درجة التحول الهيكلي في الكويت.هناك معضلات قيمية تواجه التخصيص في الكويت كما يحدث في أي بلد اعتمد نهج الاقتصاد الموجه ردحا طويلا من الزمن, فكما هو معلوم أن الاعتماد شبه الشامل على الإنفاق العام في الاقتصادات الموجهة يجعل من إحداث تغييرات هيكلية أمرا غير مسبوق وينتج عنه تحولات رئيسية في جميع عناصر الحياة الاقتصادية والاجتماعية.. ولذلك فإن العديد من الأفراد والجماعات يعاند في قبول التوجهات نحو التخصيص حيث ربما سينتج عن ذلك تغيرات في السياسات والتوجهات الحكومية والتي اعتاد عليها المجتمع سنوات طويلة, فمثلا هل ستظل الدولة راعية لحقوق المواطنين في توفير العمل والرعاية الصحية والرعاية السكنية وتوفير التعليم المجاني وغير ذلك من التزامات اجتماعية? وفي بلد مثل الكويت والتي ظلت توفر العمل لمواطنيها في مختلف الدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام هل يمكن, في ظل اقتصاد حر حقيقي, أن تتعهد الحكومة بتوظيف جميع المواطنين الباحثين عن عمل? ويشير السيد مجدي اسكندر مدير تنمية القطاع الخاص في البنك الدولي للإنشاء والتعمير, في ورقة قدمها في ندوة اقتصادية نظمتها الهيئة العامة الكويتية للاستثمار بالتعاون مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير, الى أن (قوة العمل الكويتية تنمو بنسبة 4% سنويا. وهي متوقع أن ترتفع من 160.000 فرد في عام 1949 إلى 200.000 فرد في عام 2000). وهو يرى أنه لايمكن استيعاب الكويتيين الشباب في قوة العمل دون أن يصبح القطاع الخاص أداة النمو الاقتصادي.

مسألة العمالة الوطنية

من المؤكد أن مسألة استيعاب العمالة الوطنية في القطاع الخاص من أهم المعوقات الرئىسية للتحول نحو الاقتصاد الحر في الكويت. فكما هو معلوم أن القطاع الخاص من خلال جميع أعماله يعتمد على العمالة الوافدة, والهامشية إلى حد كبير, كذلك تتقاضى العمالة الوافدة تعويضات مالية منخفضة مقارنة بما يتقاضاه الكويتيون في أعمال الحكومة والقطاع الخاص. من جانب آخر هناك مسألة قبول الكويتيين للعمل في وظائف وأعمال لاترقى إلى طموحاتهم, حيث إن العديد من الأعمال تتطلب عمالة حرفية وماهرة أو عمالة هامشية لا يشترط فيها التأهل العلمي أو التعليمي العالي, ولذلك فإن الكويتيين من خريجي المعاهد العليا لايستسيغون العمل في تلك الأعمال التي يعتبرونها دون المستوى, من وجهة نظرهم.

ولاشك أن هذه الإشكالية تمثل تحديا للتخصيص وللاعتماد على القطاع الخاص في الكويت, ويستلزم الأمر إعادة النظر في برامج التعليم, وكذلك في بيئة العمل في القطاع الخاص, وأيضا في القيم المجتمعية تجاه العمل وتفريعاته.

ويظل التساؤل الكبير في مجتمع ريعي مثل الكويت, هو: هل يمكن أن تتغير عقلية العاملين الكويتيين تجاه العمل من شعور بأنه حق مكتسب يمكن من تحقيق مردود مادي إلى أداة للمشاركة في الإنتاجية الوطنية, لقد ظل الشعور بأن الوظيفة الحكومية هي حق مكتسب لكل مواطن يمثل قيمة اجتماعية لدى الكويتيين, بل أن الكثيرين منهم كانوا يفهمون النص الدستوري الذي يؤكد على أحقية المواطن بالعمل بأحقية العمل لدى الحكومة وفي دوائرها. أكثر من ذلك أن قانون العمل في القطاع الأهلي, والمقصود هنا القطاع الخاص, والذي شرع في بداية الستينيات جاء ليؤكد أن مواده تعني العاملين من الوافدين, ولذلك جاءت نصوصه لتوحي بأن الكويتيين لن يعملوا في القطاع الخاص, بل إن ذلك العمل سوف يكون مقصورا على العمالة الوافدة, ولذلك فإن ذلك القانون قد تجاوزه الزمن وهو لايوفر حماية للعاملين بشكل مناسب سواء من حيث الأجر أو التعويضات, أو الإجازات, أو مخاطر المهن المتعددة. ولن تتشكل للكويتيين حوافز قانونية تذكر دون تعديل ذلك القانون ليتناسب مع توفير قاعدة من الحقوق القانونية, والمكفولة دستوريا.

ولابد من التأكيد بأن القطاع الخاص لن يكون حريصا على توفير فرص العمل للكويتيين مالم تكن هناك عوامل موضوعية وقانونية تجعل من توظيف الكويتيين أكثر جدوى من توظيف سواهم من الوافدين, ومن أهم هذه العوامل الموضوعية توفير التعليم المناسب والقدرات المهنية والخبرة في الأعمال التي يضطلع بها القطاع الخاص,غير أن الصورة ليست بهذه القتامة فهناك العديد من الكويتيين الذين يعملون لحساب البنوك وشركات الاستثمار, وشركات أخرى مملوكة من قبل القطاع الخاص, قد كيف هؤلاء نمط أدائهم بما يتوافق مع متطلبات أنظمة العمل في تلك المؤسسات الخاصة.

دور سوق الأوراق المالية

بيد أن هناك أمورا أخرى لعملية التخصيص في الكويت يجب أخذها بعين الاعتبار, من أهم هذه الأمور هو دور أسواق رأس المال في عمليات الخصخصة, وقد قدرت الأموال الكويتية الخاصة في الخارج ببضع عشرات البلايين من الدولارات, وليس هناك تقديرات دقيقة للثروات الكويتية المودعة في الخارج, وهذه الأموال يمكن إعادة استثمارها في الداخل إذا توافرت الفرص الاستثمارية المجدية, ولاشك أن وجود سوق للأوراق المالية في الكويت قد مهد الطريق أمام عمليات التخصيص بصورة فعالة, فمن خلال المزاد العلني تمكنت الهيئة العامة للاستثمار من بيع مجموعات من الأسهم في العديد من الشركات, وقد أتيحت هذه الآلية للعديد من المستثمرين الأساسيين للتنافس على اقتناء حصص حقوق ملكية كبيرة تمكنهم من السيطرة على إدارة الشركات المطروحة للتخصيص,أما عملية الاكتتاب العام فقد شكلت نقلا للملكية من القطاع العام إلى قطاع عريض من المساهمين الكبار والصغار ووسعت قاعدة الملكية بشكل كبير, ولاريب أن هذا الأسلوب قد ساعد على تفادي احتكار هذه الشركات من قبل أصحاب رءوس الأموال الكبيرة, وكما ذكرت فإن مجموع المساهمين الذين يملكون أسهما في الشركات المطروحة حتى نهاية نوفمبر 1996 قد ارتفع كثيراً, ووصل عددهم إلى 82000 مساهم, وهذه الاكتتابات في عمليات التخصيص قد وفرت توظيفا فعالا لأموال صغار المدخرين, والذين لايملكون أموالا كبيرة لتوظيفها في عمليات استثمارية ذات شأن, ودون ريب فإن المردود لصغار المستثمرين على توظيفات أموالهم في سوق الكويت للأوراق المالية يظل أفضل من الفوائد التي تدفع على الودائع لأجل.

من جانب آخر فقد أدى استخدام سوق الأوراق المالية كقناة للتخصيص إلى تطوير فعالية السوق وزيادة المعروض من الأسهم, بعد أن كانت نسبة كبيرة من الأسهم المدرجة مملوكة من قبل القطاع العام, إن هذا التنوع في الملكية قد أوجد فرصا للمتعاملين وشركات الوساطة لتلعب أدوارا مهمة في تطوير أداء سوق الأوراق المالية. لكن تظل هناك حاجة كبيرة إلى توسيع قاعدة المتعاملين من خلال تحرير السوق من القوانين المقيدة للملكية. لقد سمحت القوانين في العديد من البلدان المتقدمة والنامية لأصحاب رءوس الأموال وصناديق الاستثمار بتوظيف الأموال في أدوات الاستثمار السائلة والمقيدة في أسواق المال في تلك البلدان دون قيود تذكر على حقوق الملكية, ولقد مكنت تلك التسهيلات العديد من الصناديق من توظيف الأموال في تلك الأسواق ومنحها زمنا مهما, وقد أطلق على الكثير من تلك الأسواق تسمية الأسواق الناشئة, والتي جذبت العديد من الأموال.

إن إعادة النظر في القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي في الكويت تعتبر من أهم خطوات الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة, وإذا كنا ننظر إلى القطاع الخاص الكويتي ليقوم بدور أكثر ديناميكية في توظيف الأموال في مختلف القطاعات الاقتصادية, وخلق فرص عمل للكويتيين, فإنه تظل هناك حاجة لجذب رءوس الأموال الأجنبية, والتي تجذب الخبرات والتقنيات معها, ولذلك فإن مسألة تملك الأجانب في الشركات الكويتية يستلزم التوقف والمعالجة, وقد خطت الكويت بعض الخطوات باتجاه السماح للمستثمرين الأجانب للتملك في بعض المنشآت العاملة في بعض القطاعات حيث سمح تعديل القانون للأجانب بتملك مايصل إلى 04% من حقوق المساهمين في البنوك وشركات التأمين, لكن ذلك لم يشجع العديد من المصارف أو شركات التأمين الأجنبية للتملك في المصارف وشركات التأمين الكويتية, وذلك لأن تلك النسبة تحول دون تمكنهم من إجراء تعديلات في هياكل الإدارات لتلك الشركات.

إن أهم خطوة لجذب الاستثمارات هي السماح للأجانب بتملك الأسهم المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية, وبالرغم من وجود توجهات لتحقيق هذه الإمكانية فإن السير باتجاهها لايزال بطيئا قياسا بالتحولات الكبيرة التي حدثت في العديد من البلدان التي تحولت من الاقتصادات الموجهة إلى الاقتصاد الحر.

دور المرافق والبنية الأساسية

إذا كان تخصيص ملكية الدولة والشركات في الكويت أمرا قابلا للجدل فإن تخصيص ملكية المرافق العامة سيكون أمرا صعبا ومثيرا للانتباه, فكما هو معلوم أن حكومة الكويت تتولى مباشرة أعمال المرافق العامة مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والمجاري والطرق وغير ذلك من خدمات عامة, وتتقاضى الحكومة رسوما متهاودة مقابل هذه الخدمات التي توفرها لسكان الكويت من مواطنين ومقيمين, ولاتعادل هذه الرسوم نسبة معقولة من قيمة التكاليف الحقيقية التي تتحملها الحكومة مقابل توفير تلك الخدمات, وقد تقدمت الحكومة بمشروع قانون التخصيص والذي يمكنها من تحويل ملكية المرافق إلى القطاع الخاص, إلا أن هذا القانون مازال بانتظار إقراره من قبل مجلس الأمة, ولقد قام عدد من أعضاء مجلس الأمة في الفصل التشريعي السابع الماضي بالسفر إلى عدد من الدول التي لديها تجارب في عمليات التخصيص, واطلعوا على تلك التجارب عن كثب.

لكن يبدو أن القناعات السياسية لم تتبلور حيال مسألة تخصيص المرافق, سواء من قبل الحكومة أو من قبل أعضاء مجلس الأمة. وتثار قضايا تتعلق بتسعير الخدمات, حيث كما هو معلوم أن هذه الخدمات تقدم بأسعار رمزية للمواطنين والمقيمين. فمثلا يسعر الكيلووات من الكهرباء بفلسين فقط في المنازل, في حين أن التكلفة قد تصل إلى 81 فلسا. ولذلك فإن الحكومة تقدم دعما كبيرا مقابل توفير خدمة الكهرباء للسكان في البلاد.وإذا تم تخصيص هذا المرفق المهم فإن القطاع الخاص قد يجد لزاما رفع سعر وحدة الاستهلاك مما سوف يؤثر في ميزانيات الكثير من الأسر متوسطة الدخل أو محدودة الدخل, يضاف إلى ذلك أن القطاع الخاص, لو اشترى الأصول الخاصة بالكهرباء مثلا, فسوف يضطر إلى تكييف الأسعار, بما يمكن من استعادة رأس المال خلال زمن معقول. لقد دفعت الحكومة أموالا كبيرة مقابل محطات الكهرباء وغيرها ومن ثم فإن بيعها للقطاع الخاص سوف يكون بأسعار اقتصادية, ولكي يمكن استرداد قيمة هذه الأصول, والتي سوف يتم تمويلها بجزء مهم على شكل قروض مصرفية, لابد أن يجري تسعير اقتصادي صارم للخدمات. وماينطبق على الكهرباء ينطبق على خدمات أخرى مثل المياه, والاتصالات.

وترتبط مسألة التسعير بمسألة المنافسة المحتملة في قطاع الخدمات الرئيسية, فهل ستتوافر مجموعة من الشركات للقيام بتوفير هذه الخدمات أم سيتحول الاحتكار من عام إلى خاص?

لن يكون هناك حل لهذه الإشكالية سوى التأكيد على أهمية المنافسة في جميع القطاعات الخدمية وتشجيع القطاع الخاص لتأسيس العديد من الشركات في مختلف القطاعات الخدمية, وسوف ينتج عن هذه المنافسة تحسن في كفاءة الأداء, وتخفيض في التكاليف مما ينعكس على تسعير الخدمات بشكل كبير, ومن ثم فإن المستهلكين لن يعانوا من ارتفاعات مفاجئة بالأسعار, وربما يتطلب الوصول إلى هذه الحالة المثالية من فعالية العرض والطلب زمنا معقولا, ولذلك فإن مرحلة تمهيدية يمكن أن يتم خلالها تسعير الخدمات بشكل يتناسب مع حجم الاستهلاك أي كلما ارتفع الاستهلاك ارتفع معدل تسعير الخدمة وهكذا.

هناك قطاعات أخرى تتكلف الدولة أموالا طائلة للإنفاق عليها, ولعل أظهر هذه القطاعات: التعليم والعلاج. وليس من المتوقع أن تتوقف الحكومة في بلد مثل الكويت عن الإنفاق على أي من هاتين الخدمتين, فقد استقر في عرف الجميع أن الدولة تتكفل بالتعليم من الروضة حتى نهاية التعليم العالي, كما تتكفل الدولة بتوفير العلاج المجاني في المستشفيات والمستوصفات العامة.

ولايعني هذا عدم وجود نشاط للقطاع الخاص في قطاعي التعليم والعلاج, بل إن هناك الكثير من المدارس الخاصة, أجنبية وعربية, كما يوجد العديد من العيادات الطبية والمستشفيات الخاصة, لكن المطلوب هو تشجيع القطاع الخاص للتوسع في أنشطته وزيادة عدد المدارس والمستشفيات وتحسين المستويات النوعية للأداء,وتظل القضية الأخرى المهمة في مسألة تخصيص المرافق هي كيفية التعامل مع العمالة الوطنية العاملة في مختلف منشآت المرافق, ولاريب أن استيعاب هذه العمالة من قبل القطاع الخاص, أو القبول بشروط توظيفهم في تلك المرافق يظلان من الأمور المثيرة للجدل وقد تخلق مشاكل سياسية عند محاولة معالجة هذه المسائل, فكما هو معلوم أنه ربما يكون هناك فائض من العمالة قد يدفع القطاع الخاص للاستغناء عنه, لكن هناك العديد من الأساليب للتعامل مع العمالة الوطنية بعد التخصيص, منها توفير برامج لإعادة التأهيل بما يتوافق مع متطلبات الأعمال, أو منح فرص التقاعد المبكر لعدد من العاملين الكويتيين.. هناك إمكانات كبيرة للتعامل مع قضية التوظيف, حيث إن الكويتيين لايمثلون نسبة عالية من إجمالي العاملين في العديد من منشآت المرافق العامة, ومن ثم فلابد من الوصول إلى حلول لتجاوز هذه العقبة.

ماهي فلسفة التخصيص?

بعد كل ماسبق عرضه هل يمكن الإدعاء بأن الكويت تملك فلسفة جديدة تجاه تطورها الاقتصادي? إن الإجابة عن هذا التساؤل لن تكون يسيرة, حيث إن التوجهات نحو إعادة الهيكلة لاتتسم بالحماس, وقد تكون مرتبطة, إلى حد ما, بمسألة معالجة عجز الموازنة ومحاولات إيجاد سبل لتخفيض ذلك العجز من خلال تكليف القطاع الخاص ببعض المسئوليات الاقتصادية التي تضطلع الدولة بها, بيد أن التوجه لايعني تغييرا في الفلسفة العامة للإدارة الاقتصادية والتي تنهج فلسفة الاقتصاد الموجه, والتي ترى أن الحكومة يجب أن تتحكم في جميع مفاصل العمل الاقتصادي في البلاد.

وما يزيد من حرية المراقب أن الحكومة تؤجل المعالجات الهيكلية ووسائل تخصيص المنشآت عندما ترتفع أسعار النفط وتتحسن إيرادات الخزينة العامة, وهذا يؤكد المقولات أن ضغط الأوضاع المالية كان المحفز الأساسي لتخصيص بعض الشركات, وليس وجود قناعات بأهمية تعديل المسار الاقتصادي.

وفي ظل هذا الغموض في الرؤية ليس من المتوقع أن ينطلق برنامج التخصيص بشكل فعال, يضاف إلى ذلك أن الكثير من الخبراء والمستشارين الاقتصاديين الذين تعتمد عليهم الحكومة لوضع البرامج لايحبذون فلسفة التخصيص, كذلك هناك التردد الحكومي في التخصيص نظرا لأن ذلك يفقد إمكان التأثير في المؤسسات, ويفقد الحكومة ميزة سياسية, حيث لن تتمكن من تعيين أعضاء في مجالس الإدارات, أو التدخل في شئون الإدارات التنفيذية لهذه المؤسسات, هناك أيضا التخوف من الانعكاسات الاجتماعية للتخصيص خصوصا على أوضاع العمالة الكويتية في الجهات المراد تخصيصها, أو بشأن أمور تتعلق بتسعير الخدمات التي تحظى بالدعم الحكومي في الوقت الحاضر. ويجب عدم التقليل من شأن هذه العقبات, ولاشك أن تجاوزها سوف يستغرق وقتا وإعادة تثقيف للمجتمع وقياداته بأهمية التحول نحو التخصيص.

إن هذه العقبات قد تعطل كثيرا برنامج التخصيص في الكويت, ولكن هل يمكن للكويت الاستمرار بنهج الاقتصاد الشمولي في وقت تتسارع فيه خطى العالم نحو التحرر من قيود الحكومات, وعزل البيروقراطية الحكومية وتقليص نفوذها. كما أن التوجهات العالمية باتجاه تحرير التجارة الدولية تتطلب وجود قطاع خاص قوي ونشط في كل دولة يستمد قدراته من تحرر القوانين الاقتصادية, ودعم الحكومة للتوجهات الداعية للاقتصاد الحر. ولاريب أن الكويت يجب أن تكون طرفا متميزا في النشاط الاقتصادي الدولي, وهذا لن يتأتى إلا من خلال مؤسسات اقتصادية كفؤة في جميع القطاعات, وليس بالإمكان توفير هذه الكفاءة إلابمشاركة القطاع الخاص. كما أن التحرر من هيمنة القطاع العام يتطلب توفير قاعدة قانونية تسمح بمشاركة الأطراف غير الكويتية من أفراد ومؤسسات أجنبية في ملكية العديد من مؤسسات القطاعات الاقتصادية المختلفة سواء كانت مؤسسات مصرفية أو صناعية, أو خدمية أو عقارية.

وإذا توافرت أرضية صالحة لعمل القطاع الخاص في الكويت فإن ذلك سيعني مساهمة أكبر للقطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي وتحسنا في ميزان المدفوعات, حيث ستساهم العديد من المؤسسات الخاصة في أعمال التصدير, وزيادة في الإنتاجية لأفراد قوة العمل الوطنية, الذين سيجدون أنفسهم أمام تحدي إثبات الجدارة وزيادة الإنتاج, ولاشك أن تطور الأوضاع الاقتصادية سينعكس على نتائج التعليم والذي لابد أن يتفاعل مع هذه التحولات ويوفر لأسواق العمل الاحتياجات الحقيقية من مخرجات التعليم.

 

عامر ذياب التميمي

 
  




إحدى ندوات الخصخصة