مساحة ود

.. وتستمر الإنسانية

لقد انفصلنا...

وارتسمت على وجهي علامة انزعاج، رغم أن صديقتي كانت هادئة الملامح كعادتها، رقيقة عميقة الأحاسيس، وبعد أن هدأت نفسي لأستوعب الموقف رحت أردد: بعد ثلاثين عاما؟ ثلاثين عاما من الزواج وابني كبر وتزوج، وناجح في عمله؟

وتركت صديقتي تتحدث.. وأنا ساهمة لم أقاطعها.

لم يكره كلانا الآخر، بل مازلت أحبه ومازال يحبني، وأذوب هلعا لو مسه سوء، ولكن كان لا بد من هذه النهاية.

كنت أحبه بكل عقلي وكان يحبني بجوارحه، كنت أحبه بكل عواطفي وكان يحبني بغرائزه كلها، كان حبي له عطاء ونكرانا لذاتي، وكان حبه لي تملكا وأنانية، كان مفهومي للزواج رفقة في درب الحياة، وكان مفهومه تملكا لكل الحياة وأنا جزء منها. باختصار كان يريدني له وحده بلا هوية وبلا مزاج شخصي، كان يرفض أي شيء أحبه حتى ولو كان ثوبا أرتديه أو هواية أستمتع بها، وكنت صغيرة المدارك أتحمل وأتفانى، ويزيد هو في تحكمه وأنانيته المغلفة بالكلمات الحلوة والتي فقدت معناها عندي مع السنين.

ورحت أثبت وجودي في عملي الذي تقدمت فيه، وكان يشتعل غضبا مكبوتا لأي نجاح أحصل عليه، يقلل من قيمته ويستهين به، وسارت السنون تهد في كل يوم شيئا جميلا، وصبرت وكان وجود ابني هو الشيء الذي يجعل وجودي رائعا، صبرت ليشب ابني بين والديه حتى كبر وتزوج وعمل ونجح، وبهذا انتهى الهدف المشترك، ووجدنا نفسينا وجها لوجه، وبدأ صبري يتضاءل وبدأت أخطاؤه الصغيرة تبرز أمامي وتكبر وتتراكم، وصار بعد كل غضبة مني يعتذر وأعفو وهكذا، حتى ماتت في داخلي أشياء كثيرة كان منها السماحة والقدرة على الغفران.. وكان ما كان.

.. وهو..؟

كان يعتقد أن صمتي وهدوئي انتصار له، وفوجي بأنني كنت أحتفظ بجزء يسير في أعماقي لم يصل إليه. هو الذي ثار، ومع ذلك لم أقطع علاقتي الإنسانية به. ليس لأنه والد ابني. ولكن لأنه إنسان قبل أن يكون زوجا، ولكل إنسان إيجابيات وسلبيات.