مسـاحة ود

مسـاحة ود

الـراتـب

نظر إلى الأتوبيس الذي مال على جانبه الأيمن وهو يسير.. لأول مرة لا تضيق عيناه، لا يغمغم بصوت كالفحيح. بل يبتسم.. ينظر إلى المناكب التي تتدافع وهو يختلق لها الأعذار.. ينظر إلى أصحابها على أنهم أناس مثله يعانون.

لحظات مرت قبل أن يغيب الأتوبيس عن عينيه. مد يده يطمئن على جيوبه. كان يتساءل كيف اندفع وسط تلك الكتل البشرية إلى عرض الطريق.

ابتسم ثانية. أكمل السير.
لا بأس من العودة إلى البيت. لابد أن يبدأ الآن. أن يكون لحياته برنامج جديد. يقدم لوالدته النقود وليكن نصف راتبه. لابد أن تشعر أنه موجود. أن تنظر إليه بإكبار وأن تركن إليه في وقت الضيق. ولابد لوالده الشيخ الذي يرى في عينيه مالا يقال والذي يتحدث صمته بما يريد أن تعود ابتسامته. لابد أن تعود الحياة إليه من جديد. تلك الرجفة آن لها أن تغيب وأن يزول الانطواء والشرود. لقد حقق ابنه الحلم.. امتدت حياته في ولده. لابد إذن أن يستريح.

أخوه الصغير أيضا لن يذهب إلى المدرسة دون كراسات .. لن يضربه المدرس أو يلومه أمام الجميع.. سيأخذ الدرس الخصوصي الذي تحدث عنه. سيقف على قدم المساواة مع الزملاء.. والدته لن تزجره.. لن تحادثه بصوت خافت أو تشرح له مالا يعنيه. هو أيضا لن ينسى نفسه اليوم.. سيدور على المحلات يشاهد بنفسه ويختار ما يريد، ولا بأس من اصطحاب بعض الزملاء معه. لابد أن يشاركوه الاختيار.. اليوم من حقه أن يشعر بشيء من الفخار. لقد وصل إلى جيبه أول راتب من عمله الجديد.

نظر إلى الناس. إلى أسفلت الطريق. إلى الخطوط البيضاء ذات الأسهم. إلى الإشارات الضوئية التي تلألأ نورها الأخضر.. إلى الشمس المتدفقة النور. تبادل ابتسامة ودية مع شخص ما. مد يده إلى جيبه يطمئن على ما فيه. لم ينتبه إلى إحمرار إشارة المرور!!.

 

محمد عباس علي