الخيول العربية ظهورها عز وبطونها كنز محسن حافظ

الخيول العربية ظهورها عز وبطونها كنز

إنها تراث متحرك عبر الزمن.. فلا يمكن لأي سلالة من الخيول أن تضمن لنفسها البقاء دون اختلاطها بدماء الخيول العربية الأصيلة فهي إكرمها وأعرقها نسبا، ومنذ القدم والعرب مدركون أن الحفاظ علي هذه السلالة لا يأتي إلا بمنع اختلاطها بسلالات أخرى.

لقد لعب الحصان دورا مهما في حياة الإنسان العربي في كل العصور سواء في العصر الجاهلي أو في العصور الإسلامية وحتى في العصور الحديثة. لقد كانت مكانة الحصان في نفس الإنسان العربي في العصر الجاهلي مكانة لا توازيها مكانة فهو رفيقه في ترحاله وتنزهه وصيده.

وفي الإسلام كانت للحصان أهمية خاصة لنشر الدعوة الإسلامية، لقد كان العرب يحرصون على اقتناء الخيول مهما كلفهم ذلك من مال وكانت قوة القبيلة تقاس بعدد الخيل فيها.

ولكن اليوم ومع الأسف فقد قل الاهتمام بالخيول العربية في موطنها الأصلي ولولا القلة القليلة الموجودة الآن في المنطقة العربية والمدركة لأهمية الخيل لنفي الحصان في موطنه في مواجهة الاهتمام الأوربي والأمريكي المستمر بالحصان.

من أين جاء الحصان العربي؟

لقد اختلف الباحثون في تحديد الموطن الأصلي للحصان العربي وسارت هذه الأبحاث في اتجاهين مختلفين:

يرى الأول أن الحصان العربي نشأ خارج الجزيرة العربية ثم دخل في القرن الحادي عشر قبل الميلاد إلى بلاد الشام عن طريق العراق ثم أدخله الهكسوس إلى مصر ومنها إلى الجزيرة العربية.

أما الاتجاه الثاني فيرى: أن الموطن الأصلي للحصان هو الجزيرة العربية وأن جنس العماليق الذي خرج من الجزيرة هم الذين أدخلوا الحصان العربي إلى مصر والعراق في الفترة من القرنين 23 - 25 قبل الميلاد ويستدلون على ذلك بورود كتابات في الآثار المصرية تفيد بذلك وأن مخلفات الأشوريين وجد بها نحت لمنظر حصان.

والمعروف الآن أن الحصان العربي ينتسب إلى العرب خاصة البدو الذين يعيشون بالقرب من صحراء النفود والدهناء والربع الخالي من الجزيرة العربية.

لقد ربى هؤلاء البدو الحصان وحافظوا عليه وحرصوا على ألا يختلط بدماء كثيرة وهذا ما أكسبه الجمال والقوة. لقد ساعدت طبيعة الجزيرة العربية بمساحتها الشاسعة وبعد المراعي ومضارب الخيام على اقتناء الخيل مهما كلفهم ذلك وكان يحتل عندهم منزلة الابن والزوجة وفي ذلك يقول عنترة:

أتقي دونه المنايا بنفسي

وهو يغشى بناء صدور العوالي

وقيمة الحصان عند العربي تكمن في سرعته. لقد كان العرب يهنئون بعضهم بعضا إذا ولدت لأحدهم فرس في حصانه وأشد ما يغضب العربي إهانة فرسه برمية بصفة لا يحبها، وأدى حبهم الشديد للخيل إلى أنهم كانوا يسمون الخيل وينسبونها كنا الأبناء ويضعون أشجار الأنساب في القبائل للمحافظة على أصالة الحصان وبقاء جنسه نقيا.

ومن أفراس العرب الشهيرة في العصر الجاهلي زاد لراكب التي يقال إنها من بقبة جياد سليمان بن داود وإنها أصل كل ذكور خيول العرب ومن أشهر أبنائها: أعوج - الفياض ـ جلوى - الشقراء - الأبجر- جزيمة والتي يقال إنها ظلت تعدو من الصباح إلي المغرب حتى سقطت ميتة بعد أن أنقذت فارسها، وجلاب فرس حاتم الطائي التي نحرها لضيوفه من شدة كرمه، وعوج التي أسرت فقطعت قيودها وظلت تجري أربعة أيام متصلة حتى وجدت صاحبها، وداحس والغبراء جوادان يقال إنهما أشعلا حربا استمرت أربعين عاما بين قبيلتي عبس وذبيان

مكانة الخيل في الإسلام

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عليكم بإناث الخيل فإن ظهورها عز وبطونها كنز لقد أدرك الرسول الكريم أهمية الخيل لنشر دعوة الإسلام في كل مكان فحث الناس علي اقتنائها فالقوم الذين يملكون العدد الأكبر من الخيل يكتب لهم النصر، فالجمال ثقيلة الحركة بطيئة بالقياس إلى الخيل، فالخيل سريعة مرنة في الكر والفر وهي "لاتفزع في القتال بعكس الجمال التي تهيج في القتال إلى أن تلقي بصاحبها من فوق ظهرها.

ولتشجيع اقتناء الخيل كان الرسول الكريم عند تقسيم غنائم الحرب يعطي للفرس نصيبا ضعف نصيب الفارس كما حدث في فتح مكة.

ولقد اقتنى الرسول الكريم الخيل وأكرمها واعتنى بها. ومن خيل الرسول الكريم: السكب- البحر- الورد- اللزاز والذي يقال إنه هدية من المقوقس، ولقد نهج الخلفاء الراشدون وكل خلفاء المسلمين على مر العصور نهج الرسول الكريم في اقتناء الخيل وتكريمها والتفاخر بعددها فظل الاهتمام بالخيل حتى بعد أن انتشر الإسلام وقويت دعائم الدولة الإسلامية. وعلى سبيل التسلية كان خلفاء المسلمين يجرون الخيل في سباقات للسرعة كالمعروفة اليوم ولكن دون رهونات. وفي إحدى المرات جاء الخليفة هارون الرشيد المشمشر في سباق الأول فأمر الشعراء أن يقولوا فيه شعرا فقال أبو العتاهية:

وخلف الريح حسرى وهي جاهدة

ومر يخطف الأبصار والنظرا

وقد كتب العرب الكثير من الكتب عن الخيل منها "أنساب الخيل" لابن الكلبي و"الخيل" لأبي عبيدة و"حلية الفرسان وشعار الشجعان" لابن هزيل و"أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها" للفندجاني.

صفات الجواد العربي

ويتميز الحصان العربي الأصيل بصفات خاصة به وهي ثابتة ومعروفة منذ القدم وأول ما يلفت النظر في الحصان هو رأسه فهو تاج حسنه وهو متوسط الضخامة ناعم الجلد حال من الوبر والأذن طويلة منتصبة رقيقة في الأطراف والخيل العربية قوية السمع فهي تسمع وقر الخيل القادمة مات بعيد قبل ظهورها وتنبه أصحابها بصهيلها، ويتميز الحصان العربي بالجبهة العريضة المسطحة وكلما كانت في الجبهة علامة بيضاء زاد حمال الحصان. وعينا الحصان العربي الأصيل واسعتان براقتان وعنقه طويل مستقيم رقيق الجلد يتسع نحو الصدر والكتف وجذعه خال من الدهن وقفصه الصدري واسع وبطنه مستديرة وأرجله مستقيمة صلبة العظام والحافر أسود اللون صلب لامع. وجلد الحسن العربي يكون رقيقا أملس مصقولا ناعم الشعر ويبلع وزن الحصان العربي من. 350 - 400 كجم وطول قامته من 1.40 - 1.60 سم ويفضل العرب جعل شعر رقبة الحصان ناحية الجهة اليمنى من العنق أما الأوربيون فيجعلون الشعر من الناحية اليسرى.

وتعشق الخيل العربية الموسيقى ولا تفقد قدرتها على التناسل حتى عندما تتقدم بها السن وهي لصم بيعة الشفاء من جروحها وتلتئم كسور عظامها بسرعة ويكتفي الحصان العربي بالقليل من العلف وهو ينتفع بالعلف أكثر من باقي السلالات وجهازه التنفسي قوي ذو قصبة هوائية واسعة وقفص صدري واسع يساعده على إدخال كمية كبيرة من الأوكسجين إلى الرئتين وهذا يكسبه قدرة كبيرة في العدو.

والخيول العربية لها قدرة فائقة على تحمل المتاعب والمشاق ويستطيع الحصان العربي أن يحمل ما يعادل ربع وزنه أما السلالات الأخرى فلا تستطيع أن تحمل أكثر من خمس وزنها.

ويستطيع الحصان العربي أن يجري لمسافات طويلة في الصحراء دون طعام أو ماء، وشجاعته وحماسه لا مثيل لهما لذا يستخدم في الهند في صيد الحيوانات المتوحشة لأنه لا يخشاها.

ويتميز الحصان العربي بذاكرة حادة خاصة للأماكن التي يعيش فيها أو صوت صاحبه وهو يعرف صاحبه الرقي يركبه من مجرد ضغط احذيه على جذعه وهو يستجيب و ردود فعل سريعة لحركات فارسه فهو لا يتحرك أثناء نزوله أو ركوبه ويحكى عن وفاء الخيل أن أحد أشراف الشام قال: إن ابنه كان في رحلة صيد ووقع له حادث فوقف جواده إلى جواره فظل يصهل حتى جاءت النجدة.

وترجع الخيول العربية الأصيلة إلى خمسة أصول رئيسية تفرعت منها باقي الأنساب والأصول وهذه الأصول هي: الصقلاوي- الكحيلان- الشويمات- الصبيان- أم عرقوب. ويتبدل لون الحصان بالانتخاب والبيئة وأسلوب التربية والعمر، والألوان السائدة هي: الأبيض - والأسود - والأصفر - والأم والحصان الأسود يسمى الأدهم وهو قليل ولكنه مرعوب بشدة من العرب ويتفاءل العرب بوجود البياض لا الخيول سواء في الوجه أو القوائم وخاصة عندما يكون البياض في القدم اليسرى فقط.

الخيول تغزو أوربا

ولقد دخلت الخيول العربية إلى أوربا من الجنوب عن طريق إسبانيا في فترة الفتوحات الإسلامية ومن الشرق عن طريق البلقان ولكن معرفة الأوربيين بالحصان العربي وإدراكهما لمزاياه الفريدة تأصلت خلال الحروب الصليبية، فهذه الحروب نقلت الكثير من الخيول العربية إلى أوربا ولكن الاهتمام الحقيقي بالخيول العربية الأصيلة بدأنا القرن التاسع عشر حيث كانت الرحلات تذهب خصيصا إلى البلاد العربية لشراء الخيول الذكور الأصيلة والأفراس أيضا وأول من اهتم بالخيول العربية في إنجلترا هو الملك كارل الثاني حيث كان يستورد الخيل لتحسين سلالات الخيول الإنجليزية وقد أدى ذلك إلى تأصيل أهم سلالات الأحصنة الإنجليزية والتي يعتبرونها الآن الحصان الإنجليزي الأصيل وهي الهيرود والثوربرد.

ويختلف الحصان العربي الأصيل عن الحصان الإنجليزي الأصيل في أن حجم الجواد الإنجليزي أكبر ورأسه ضيق الجبهة وعنقه أطول من عنق الجواد العربي وفخذ الجواد الإنجليزي مستطيلة والعربي مستديرة.

أما أول أفراس عربية دخلت فرنسا فيقال إن هارون الرشيد قد أهداها إلى ملك فرسان القصد الثالث عشر.

وفي حملة نابليون على مصر في القرن الثامن عشر أخذ معه كفرا من الخيول العربية، وبدأ في عمل اسطبلات خاصة بها وبدأ التهجين بينها وبين الأنواع الأوربية وحصلوا على الحصان أنجلو أراب وهي جياد تتميز بالسرعة و 25% من دمها من دم الخيول العربية.

وفي القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام بالحصان العربي في ألمانيا ولكن أهم فترة في حياة الحصان العربي في ألمانيا كانت متأخرة نسبيا وهي الفترة من 1930 - 1955 حيث حصل الألمان على أحصنة عربية أصيلة من اسطبلات العائلة الحاكمة في مصر وبالتهجين حصلوا على حصان اشتهر بلونه الأشهب وجماله وتناسق أعضائه وهو اليوم من أغلى الخيول ولديهم عدة سلالات أخرى جيدة باعتراف منظمة الحصان العربي العالمية.

وفي روسيا في نهاية القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر جمع الروس الكثير من السلالات ومنها الحصان العربي وبدأت عمليات تهجين على نطاق واسع قوامها الرئيسي الحصان العربي وأدى ذلك إلى تحسين الأنواع وفي الخمسينيات والستينيات أهدت مصر إلى روسيا مجموعة من الخيول العربية الأصيلة كان لها أثرها البالغ لا إنعاش وتحسين نسل الجياد عندهم ولقد أدخل القائد العربي طارق بن زياد الخيول العربية إلى إسبانيا ثم أرسلت الملكة إيزابيلا الثانية بصفة رسمية في القرن التاسع عشر بعثة إلى بلاد الشام واشترت العديد من الخيول العربية الأصيلة تم تهجينها مع الخيول الأندلسية وأنتجت سلالات جيدة أصبحت ذات شهرة عالمية.

إن المنطقة العربية الآن هي التي في يدها زمام الحفاظ على الخيول العربية الأصيلة خاصة منطقة الخليج العربي ويعتبر سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية من كبار المحبين والمحافظين على الخيول العربية الأصيلة فهو يمتلك أحدث اسطبلات تربية الخيول ويوالي الخيل بالعناية بأحدث الطرق العلمية ويوفر لها المدربين الأكفاء والرعاية البيطرية وكذلك يولي الأمير بدر بن عبدالعزيز ال سعود الخيل رعاية خاصة كما أن كثيرا من ملوك وأمراء وشيوخ العرب يمتلكون العديد من الاسطبلات الخاصة التي قوي الكثير من الأفراس والفحول الأصيلة وبالرغم من كل ذلك فإن الأمر يتطلب المزيد من الجهد والمال في كل المنطقة العربية حتى لا ينفى الحصان في موطنه الأصلي.

 

محسن حافظ

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




الخيول العربية ظهورها عز وبطونها كنز





صفات الجواد العربي