أمهات في سن الشيخوخة علاء غنام

أمهات في سن الشيخوخة

وأبناء بلا أباء !!

"تكنولوجيا الإنجاب "التي تعتمد على الوسائط المعملية للحصول على أجنة، بدأت تداخل في الغرب في أفاق مفزعة، أو على الأقل مثيرة لأشد الجدل ولأن العالم بات- عبر وسائل الاتصال والمواصلات الحديثة- مجرد قرية صغيرة، " يلقي فيها الشمال بإنجازاته وصرعاته على الجنوب. فأن التجاهل لم يعد ممكنا. وهذا المقال يتتبع وقائع هذه القضية الاجتماعية والأخلاقية الخطيرة.

لقد كان من الأشياء العادية حتى شهور مضت أن يتم الإخصاب الصناعي خارج الرحم [ I V F ] في الأنبوب باستخدام البويضات والحيوانات المنوية للزوجين في حالات معينة مثل انغلاق الحويصلات المنوية للزوج أو انسداد قناتي فالوب في الزوجة وغيرها من الموانع المرضية.

لكن القفزة الأخيرة في عالم الإخصاب خارج الرحم فتحت إمكانات أكبر، فتكنولوجيا الإنجاب الآن تستطيع إنتاج مولود يشارك فيه خمسة من الآباء والأمهات [ معطي الحيوان المنوي + معطية للبويضة + حاملة البويضة الملقحة بالإضافة للأم والأب اللذين يرعيان الوليد!]

أن هذه الزلازل الأوربية وتوابعها في أمريكا واليابان تثير العديد من التساؤلات حول استخدام التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال الحساس! هل هناك سقف لخصوبة المرأة؟ لم أنه فوق الخيال؟ وقد أجاب فيليب- دوستي وزير الصحة الفرنسي قائلاً: "بالنسبة لي كانت صدمة كاملة... أن الأم ستكون في الثمانين من عمرها عندما يكون ، ليدها في الثانية عشرة من عمره ولكن الرجل الذي ينجب وهو في السبعين من عمره يتم تقريظه بضربة فرحة على ظهره المنجب!".

وقد أضاف مدير مركز الأخلاقيات " الببوطبية " في مينسوتا: "هل سيتم التحكم الكامل في عملية الإنجاب في المستقبل القريب؟ هل يعني ذلك غض النظر عن توقيت الإنجاب؟ وجنس ولون المولود أيضا؟"

وتساءل مراسلو الصحف والتلفزيون عبر أوربا ماذا سيحدث إذا طبقنا التكنولوجيا الاسكتلندية بخصوص الأجنة المجهضة على البشر؟

وقد أجاب أحد مصممي المواليد (الباحث في هذا المجال) أنه لا ينوي محاولة ذلك على البشر.

فهل يمكن لامرأة يوما إجهاض جنينها لإعطاء إمكانية انجاب لابنتها الكبرى العقيم؟

يا لها من فوضى بين الأجيال وفي نفس العائلة، أم ترى أن ذلك سيكون محض خيال أو تلاعبا بالألفاظ لن يحدث أبدا.

برغم ذلك كله فان العوائق الأخلاقية قد تشحب أمام الأحلام المثيرة للإنجاب عند الأزواج الذين تواجههم صعوبات حقيقيه في الحصول على طفل بعد طول انتظار. ولذا... فكارولين بيكر وهي في الخامسة والأربعين من عمرها تقول: "منذ خمس سنوات لم يكن حملي ممكنا. لقد تحملت رحلة من العذاب، الحقن والهرمونات بالتلقيح بالحيوانات الذكرية من زوجي خارج الرحم ثم محاولة زرع البويضة ولكني حملت في نوفمبر الماضي أخيرا من بويضة تبرعت بها صديقة لي. إن حملي معجزة بكل المقاييس".

وروزينا ديلاكورت الإيطالية وهي في الثانية والستين من عمرها أنجبت طفلا في يونيو الماضي وتعد نموذجا لتمديد فترة الخصوبة، وقد كان ابنها الوحيد في السابعة عشرة من عمره عندما مات في حادث سيارة.

في أي عمر وأي بلد؟!

لقد بدأت الحكومات الأوربية في المحاولة. ففي فرنسا يفترض عدم التصريح بذلك بعد سن اليأس. وإيطاليا أعلنت خطة للحد من المراكز التي تعمل في الإخصاب الصناعي. ففي مركز (د. سيفرنو اتينوي) أنجبت امرأة في التاسعة والخمسين وأخرى في الثامنة والستين مما عجل بهذه المخاوف. وقد توجهت النساء الإنجليزيات إلى إيطاليا لهذا الغرض غير المعترف به تماماً في بريطانيا، وقالت وزيرة الصحة البريطانية: (يجب وضع قواعد موحدة في أوربا كلها لمنع ما يسمى بالسياحة الإنجابية)".

لقد أدى الحرث الخطير إلى زوبعة قوانين وتنظيمات جديدة لملاحقة نتائجه الاجتماعية والأخلاقية.

وكانت فرنسا من أوائل الدول التي تفاعلت في هذا الاتجاه. وقد جه!زت لائحة طبية جديدة منذ أكثر من عام وقررت الجمعية الوطنية الفرنسية وضعها كمدخل للمناقشة في جدول أعمالها وصرح فيليب دوستي وزير الصحة قائلا: "أن منع المساعدة الطبية في الحمل بعد سن اليأس سوف يلغى في القانون الجديد".

وفى هذا السياق فالقانون الفرنسي الجديد ينص على السماح باستخدام تكنولوجيا الحمل خارج الرحم للأزواج المصابين بمشاكل العقم، وسوف يسمح فقط للمنظمات الأهلية التي لا تبغي الربح بالعمل في مجال بنوك الحيوانات المنوية البويضات الصالحة للتلقيح أو الأجنة المهجنة. وسوف تمنع عمليات الاستنساخ الوراثي (clonning) إلا بهدف تطوير تكنيك الحمل خارج الرحم.

أطفال الأنابيب

أما في ألمانيا: فمثل هذه العمليات مجرمة قانونا. حيث الحساسية الشديدة تجاه ما يسمى عمليات الأخصاب والإنجاب وبسبب ما أثارته الأفكار النازية إبان عهد هتلر عن الأجنة وإنتاج ما يسمى بالجنس الآري المسيطر. فقانون حماية الأجنة الذي طبق منذ 1991 يمنع الإخصاب الصناعي اذا لم تكن البويضة من الأنثى التي ستحمل المولود، وهو يمنع أيضا التلاعب في الجينات فيما يخص الإنجاب وعمليات إعادة زرع بويضات مخصبة من بنوك الإنجاب، فقط يسمح باستخدام الحيوانات المنوية من الزوج الشرعي للمرأة كما يخضع الزوجين المرشحين لإجراء تلقيح صناعي للفحص الدقيق من لجنة مختصة، تنظر في جميع الجوانب الصحية والاجتماعية التي تضمن توفير حياة مستقرة للمولود. وبرغم هذا التشدد فقد اعترض بعض أعضاء الحزب المسيحي الديمقراطي وطالبوا إضافة إلى ذلك بتحديد عمر معين للسماح بالتلقيح الصناعي. وفي بريطانيا فقد ذاعت قصة السيدة "جيتفر" التي رفضت السلطات المختصة السماح لها بالحمل فذهبت اشد ايطاليا حيث انجبت مولوداً لذا أصدرت (HFEA) الهيئة المختصة بتنظيم الإخصاب خارج الرحم قانونا نص على ضرورة الحصول على البويضة من افضل معط ممكن وجوده، وان رفاهية المولود القادم تأتي في المقام الأول، ولم يتعرض القانون لتحديد العمر أو اللون أو الجنسي، وهذا ما يعترض عليه البعض ويطالبون بتغييره!

وفي الولايات المتحدة تتصاعد المشكلة لذا قال د. توماس رايين منسق مركز" الأخلاقيات البيوطبية " في جامعة ستانفورد: يجب وضع خطوط حمراء لا يصح تجاوزها في هذا، المجال، وحتى الآن لا توجد لوائح أو قوانين فيدرالية أو حتى رؤية تقود عمل هذه المراكز البالغ عددها 300 مركز عبر البلاد، تعمل في تكنولوجيا الإنجاب، إن هذه العمليات تبلغ تكلفتها الإجمالية، بليوني دولار سنويا،.

ذلك ما عجل بوضع قانون جديد سوف يبدأ العمل به في أكتوبر القادم مما يلزم هذه المراكز بعمل تقارير عن عملياتها ونتائجها إجمالا.. حتى لا يتعرض المستهلكون لسوء الفهم أو الغش..

مصممو برامج إنجاب

في أمريكا كما كان في ايطاليا فإن القواعد التي تحدد مستهلكي هذه الخدمات غير موجودة، فيما يخص العمر أو الجنسي أو الحالة العائلية، ولا توجد قواعد تحدد من يعطي ومن يستقبل، ومصممو هذه البرامج يحاولون القياس اعتماداً على تقديرهم الخاص. تقدير عصر مصممي المواليد. ويستطيع مستهلكو الخدمة الذين يقدرون بحوالي 30,000 عميل اللجوء إلى بنوك خاصة للحيوانات الذكرية والبويضات الأنثوية، كما يمكنهم الاختيار من (الكتالوج) المعروض للمتطوعين: الطول ولون الشعر والعيون والديانة والحالة... الخ إلى معدل الذكاء أيضا، ذلك ما دفع المحامي المعروف جيرمي ريفكين إلى عمل دراسة متأنية للجوانب الأخلاقية والسيكولوجية والاجتماعية لما يحدث في تكنولوجيا الإنجاب وطالب بوضع الحدود والموانع القانونية لهذا التسيب، فمصممو المواليد يجب تجريمهم من وجهة نظره. لكن د. سوزان أسترك " أستاذة القانون بجامعة كاليفورنيا قالت معترضة: "يجب عدم أخذ أقوال ريفكين بشكل مطلق على محمل الجد والأخطر من ذلك أن يتدخل مجلس الشيوخ في اللعبة ويقرر من يستحق ومن لا يستحق الخدمة، وتنشيط الخصوبة بأى الأساليب، أن ذلك أسر شخصي تماماً واختيار أخلاقي ونفسي وليس من عمل الحكومات أو مجالا لأحاديث الاستعراض "!

ويرى "د. شير" المدير الطبي لمركز الباسفيك للخصوبة في سان فرانسيسكو أن نفس المشاعر قد غمرته لأول مرة عندما أتت إليه امرأة في الخمسين من عمرها بحثا عن الإنجاب! وبعد حواره معها ومع زوجها اقتنع بضرورة أن تعامل كل حالة على حدة دون قواعد عامة. ومركزه يعد أحد أكبر المراكز في أمريكا حيث تم علاج أكثر من مائة حالة لسيدات تعدين سن اليأس ونجحت 50 حالة مما جعله يصرح أن 56% " أنجبن من المحاولة الأولى بغض النظر عق عمرهن مادامت متطوعات البويضات أقل من 35 عاما، والمستقبلات يتمتعن برحم سليم. كما أنه كان يجري مسحا صحياً لهن للتأكد من حالتهن البدنية لتحمل الحمل حتى الإنجاب. وللتأكد من وجود شبكة دعم اجتماعية يعتمدن عليها في تربية المواليد. و" د. ايان كرافت " مدير مركز لندن لخصوبة المرأة لا يرى أهمية لعامل العمر فالحمل الطبيعي ممكن حدوثه للمرأة حتى سن الخامسة والخمسين لذا فلا معنى لوجود حدود عشوائية للعمر في التلقيح الصناعي و"د. بوب ايدورز" الطبيب البريطاني الذي يعد رائدا في مجال الإخصاب في الأنابيب والذي نجح في أول ولادة أنابيب سنة 1978 لمولودة سميت (لويزا براون) يؤكد أنه لا يوجد عمر افتراضي. فالرحم سوف يبدأ في التهدم الطبيعى عند عمر السبعين للمرأة وبرغم أن حمل المرأة المسنة قد يواجه مخاطر صحية أكبر تشمل الإصابات وأمراض القلب أكثر من الصغيرات إلا أن أغلبهن يخضعن في برامج [ T V F ] إلى مسح طبى شامل لمنع هذه المخاطر وقد قال " د. انتيودز" في روما، إنه امتنع عن مساعدة أكثر من 400 عميلة لأن صنهن المدخنات ومريضات القلب وضغط الدم الخ.. وإن استخدام البويضات الملقحة من البنوك الخاصة يقلل من مخاطر العيوب الجينية والمشاكل الأخرى التي يمكن حدوثها اذا كانت المرأة المسنة هي مصدر بويضة الحمل. وبعض الأطباء يعتقدون أن الأمهات كبيرات السن لن يكون لديهن الطاقة والإرادة اللازمة لمواجهة متاعب الوليد فيما بعد منتصف الليل فن رضاعة أو تبديل بلل الملابس أو ما شابه.

لكن خبراء الشيخوخة يسفهون هذه المخاوف فهناك آلاف الجدات النشيطات اللائي يقمن برعاية أحفادهن بلا كلل. وفي ذلك تقول ماريشا أوري من المعهد القومي للشيخوخة: " إن النساء في التاسعة والخمسين أو الثانية والستين يكن في حالة صحية مقبولة في المتوسط " وقد تكون المعضلة في وفاة أحد الأبوين قبل وصول الوليد لعمر البلوغ أو المدرسة..

والحقيقة أنه برغم الضجة فعدد النساء اللائي يرغبن في الإنجاب بعد سن الخمسين ليس بالعدد الضخم وهؤلاء اللائي في الأربعين من عمرهن وقد تأجل زواجهن وحملهن بسبب طموح العمل هم العدد الأكبر.

وبرغم الدعاية المفرطة فمازال تكنيك [ T V F ] مرهقاً ومكلفاً وطويلا في أي عمر، وأنه حتى في حالة النجاح في تأجيل الساعة البيولوجية لبعض النساء، فإن ذلك غير ممكن لكل النساء. وعلى المجتمع أن يضع حدوداً وأولويات واضحة وفي متناول اليد لإسعاد راغبي الإنجاب، وبأقل التكاليف المادية ودون تنازلات أخلاقية.

 

علاء غنام

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




إحدى الأمهات بعد سن اليأس وطفلها الذي جملته لها شقيقتها





حصلت على ثلاثة من بويضة واحدة





أطفال الأنابيب تحت الطلب