عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

أجـراس

عزيزي القارى..
للأجراس آلاف الأنواع من الرنين، تبعاً للمواد المصنوعة منها، وحجومها، والأماكن التي تشغل فضاءاتها. لكن هذا التنوع الشديد للرنين، يكاد ينتهي جميعه إلى معنى: التنبيه، أو الإنذار، أو الإيقاظ. وثمة أجراس بلا رنين، تنتشر هنا وهناك في ثنايا حياتنا ورحابها.. تنبهنا، أو تنذرنا، أو توقظنا. وكما يختلف رنين الأجراس، بين تلك النحاسية والفضية والتي من البللور، يختلف الرنين الخفي للأجراس الخفية التي تقرع بلا صوت في بيوتنا ومكاتبنا وشوارعنا. وبين تلك الأجراس الخفية تبرز أجراس الفكر منوعة تنوع النشاط الفكري للإنسان. ونظن أن هذا العدد حافل بمثل تلك الأجراس، ولعل أصفى الأجراس رنينا هي أجراس الفن، وثمة واحد منها يشبه أجراس البللور لأنه يتعلق بفن له صفاء البللور وإن كانت مادته اللغة، فهو الأدب، نثراً وشعراً.. ومن قبس الشعر تضيء في هذا العدد من المغرب البعيد القريب قصيدة لشاعر شهير ومثقف مرهف هو محمد بنيس عن "الطريق إلى القدس" وهو طريق يعبره الشاعر في القصيدة وكأنه يحمل جرسا بللوريا يتردد رنينه على إيقاع خطواته المتمهلة بالسؤال: "هل تحتاج الخطوات/ إلى ترنيمة مرثية/ أم ملحمة
? تتقابل أصداء/ وشعاب تدركني حيرتها". وهي حيرة تستدعي وجوب الانتباه لما يتهدد فؤاداً عزيزاً في صدر هويتنا هو "القدس". ومن هموم الهوية الخاصة لنا كعرب، ننتقل إلى رنين جرس آخر، نثري هذه المرة، يخرج إلى هموم الهوية العامة لنا، كبشر، في مهب رياح الزمن الآتي بمتغيرات عاتية.. ففي قصة "عشاء برفقة عائشة" تتصاعد رنات جرس حزين، شجي، تنبهنا أو تحذرنا أو توقظنا لما يتوعد مشاعر الإنسان في زمن زاحف بالأتمتة والميكنة والبرمجة.. باختصار بما يتهدد عواطفنا بالإحالة إلى دوائر إلكترونية ومفاصل من معدن وعيون من زجاج.

إنها رنات أجراس مشروعة، عند مفارق زمن يفيض بالمتغيرات، وهي ليست بالضرورة إعلانا عن رغبة التراجع، بل هي إعلان عن أهمية المراجعة. هذا المعنى يتجلى في مواد أخرى من مواد هذا العدد. فثمة أجراس تحذير تتصاعد من مقال عن "مافيا الحاسوب" في زمن لعل أبرز منجزاته هو الحاسوب وما يتعلق به من برمجيات وتطبيقات، وأيضا في استطلاع عن "أزمة الكتاب" الذي تجتاحه أمواج تقنية المعلومات المختلفة. أما مقال "الصغير الجميل يعود ويربح" فهو تصويب مباشر يشير إلى متغيرات عالمنا التي تتنقل من مستوى التقنية إلى أشكال المجتمعات.

ولاينتهي رنين أجراس التغيير والتحذير والإيقاظ في هذا العدد، فهو لاينبغي أن ينتهي، لأن المراجعة باتت ضرورة حياة.

وإلى لقاء متجدد

 

المحرر