شعاع من التاريخ

شعاع من التاريخ

إنها لعنة الشهيد لومومبا

هل تذكرون باتريس لومومبا، شهيد استقلال الكونغو "زائير".. وضحية تآمر تجمع دولي ضم بلجيكا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا وسكرتير عام الأمم المتحدة، بالمشاركة مع مجموعة من العملاء والخونة، للتخلص من محرر "الكونغو" وانتهى بمصرعه بالضرب والتعذيب وكعوب البنادق ثم الذبح على يد الخائن تشومبي الذي ساقه إليه الكولونيل "موبوتو" ليستقر هو على كرسي الحكم

الحكاية كانت في الحقيقة عار الرقن العشرين.
في ذلك الوقت من عام 1960 كانت الكونغو ليوبولدفيل خاضعة للاستعمار البلجيكي، ولكن ثورة التحرير الإفريقي في ذلك العام الذي استقلت فيه غينيا وغانا ومالي وأغلب الدول الإفريقية المستعمرة كان لابد أن تمر في طريقها بالكونغو. وكان الزعيم باتريس لومومبا يتولى التفاوض مع المستعمرين البلجيكيين في مؤتمر بروكسل ويصر على الاعتراف بوحدة أراضي الكونغو.
واستطاع العملاق الأسمر انتزاع الاعتراف باستقلال بلاده ووحدة أراضيها. وخضع المتعمرون المخادعون بضغط اليقظة الإفرقية لمطالب لومومبا وذهب ملكهم إلى ليوبولد فيل التي نسبت إلى اسمه ليحضر إعلان استقلال الكونغو حرا موحدا برئاسة باتريس لومومبا.

ولكن المستعمرين البلجيكيين الذين كانت قواتهم لاتزال تفرض سيطرتها على أهم أقاليم البلاد حيث "كاتنجا" أعنى مناطق الألماس في العالم، ذهبوا إلى لومومبا بمجموعة من المطالب يريدون بها أن يحولوا الاستقلال إلى شبح باهت. وعندما اصطدم البجيكيون بصلابة رجل التحرير حركوا عملاءهم ومأجوريهم وخدامهم. وانفجر الربكان وطفا على السطح أوشاب مثل تشومبي حاكم إقليم كاتنجا، وكازافوبو رئيس الجمهورية والقس السابق، وموبوتو سيسي سيكو الجاويش السابق في الجيش البلجيكي والمرقى إلى رتبة الكولونيل. واحتشد الاستعمار العالمي ليمنع لومومبا من السير في طريق الاستقلال الصحيح. وعن طريق إقليم كاتنجا الانفصالي دخل سيل من العملاء ليقودوا البلجيكيين والمرتزقة في العمليات الإجرامية لتخريب الاستقلال.

وعندما وجدوا أن لومومبا قد صمد لهم وأوشك أن يلحق بهم هزيمة ساحقة، استطاعوا بوسائل شيطانية أن يخدعوه كما خدعوه في مؤتمر بروكسل، وأقنعوه بدعوة الأمم المتحدة إلى الكونغو لإقرار السلام والاستقلال والوحدة.

وأرسل لومومبا إلى داج همرشولد يطلب قوات الأمم المتحدة. وكان البطل الإفريقي الشاب النقي الضمير يتصور أن كل شئ سيصبح على مايرام عندما يصل إلى الكونغو جنود الأمم المتحدة. ولم يكن الرجل يتصور أن جنود همرشولد قد وصلوا على أجنحة مؤامرة استعمارية كبرى نسجت خيوطها بين بروكسل وواشنطن وباريس ولندن وسكرتارية الأمم المتحدة.

وكان لا بد أن تستكمل المؤامرة، ونجحوا بالخديعة والتآمر في خلعه.

وذات يوم جاء جنود الكولونيل موبوتو لكي يقبضوا على رئيس الوزراء المخلوع. واقتاد موبوتو رئيس وزرائه الأسبق إلى سجن تايسيفيل بأوامر من كازافوبو

ضحية عيد الميلاد

في مطلع عام 1961 بينما عالم الغرب يحتفل بأعياد الميلاد. وصلت إلى نيويورك برقية خرجت سرا من سجن تانسيفيل موجهة إلى داج همرشولد سكرتير عام أمم المتحدة. وفض همرشولد الرسالة وفي يده كأس النبيذ المعتق وألقى عليها نظرة ثم بدأ يقرأها: "إنني أعامل بوحشية. يمنعون عني الطعام. ويرفضون تغيير ملابسي.. ويتركوني حافي القدمين. ويرغموني على النوم على أرض زنزانتي بلا فراش. إنهم يعذبونني ويرفضون حتى تقديمي إلى المحاكمة. التوقيع باتريس لومومبا.".

ومرت أيام. وفي صباح يوم 18 يناير أعلنت حكومة كاتنجا التي يرأسها تشومبي رسميا أن لومومبا مسجون حاليا في كاتنجا. وقال البيان الذي أذيع في الحادية عشرة صباحا إن كازافوبو رئيس الجمهورية هو الذي أرسل لومومبا سجينا لديه.. قال البيان: "بناء على طلب الرئيس كازافوبو وبعد موافقة حكومة كاتنجا تم نقل الخائن لومومبا إلى كاتنجا حيث إن معسكر تانسيفيل لم يكن يكفي لضمان استمرار سجنه هناك. ولقد وصل السجين لومومبا إلى مطار إليزابيث فيل في الساعة الخامسة بعد ظهر أمس وبصحبته الجنرال موبولو وأوكيتو نائب رئيس مجلس الشيوخ. وقد تم نقل المسجونيين الثلاثة إلى مكان خارج عاصمة كاتنجا".

وفي يوم 7 فبراير أذيعت أنباء مقتل لومومبا.
نشرت صحيفة لورور الفرنسية قصة الاغتيال كما جاءت على لسان ضابط ألماني في جيش نشومبي. وأعلنت أن لومومبا مدفون على مبعدة 400 ميل شمال غرب العاصمة.

وقال الضابط الألماني الملازم أول جيسنج أرينم: "إن لومومبا قتل مساء 18 يناير هو ورفيقاه بينما كان جنود تشومبي ينقلونهم من مطار إليزابيث فيل إلى المكان الذي كان مقررا اعتقالهم فيه. وعندما وصلت سيارة اللوري إلى مكان المعتقل كان لومومبا ورفيقاه جثثا هامدة. وكانت آثار الضرب الشديد بكعوب البنادق واضحة على جسد لومومبا الذي ذبح وظهرت في جسده آثار طلقات الرصاص والدماء المتجمدة". وقال أرينم أنه قان بنفسه بنقل جثث الشهداء الثلاثة إلى منطقة كاتوتو في شمال كاتنجا.

وسط هذه الأجواء قام الكولونيل موبوتو بانقلابه العسكري على شريكه كازافوبو وأعلن حل البرلمان وحظر قيام أحزاب سياسية فيما عدا الحركة الشعبية الثورية التي يتزعمها وكمم الصحف، وأصبح هو الحاكم المطلق. وفي عام 1965 نصب نفسه رئيسا للدولة وتخلص من تشومبي رفيقه في الخيانة وقاتل الشهيد لومومبا الذي أصابت لعنته داج همرشولد إذ لقى مصرعه عندما سقطت طائرته وسط أحراش الكونغو في ظروف غامضة أثناء زيارته لتفقد أحوالها.. ومع مضي الأعوام حلت لعنة لومومبا

أخيراً على موبوتو فانهار حكمه وانتهى غير مأسوف عليه.

 

سليمان مظهر

 
  




باتريس لومومبا