إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

العلاج .. بالوهم

لست مخترعاً، ولكنني أحب أن أقرأ كثيراً عن الاختراعات، ولأن عالمنا الثالث مشغول حالياً باختراع تاريخ لزعيمه، وتاريخ آخر لتبرير الصراعات أو المذابح مع جيرانه الأقرب أو مع أعداء هذا الزعيم فإنني أضطر لمتابعة أخبار الاختراعات العلمية في وسائل الاعلام الأجنبية.

آخر ما قرأت من هذه الاختراعات والاكتشافات هو أن العلماء نجحوا في عزل "جينات" في الدماغ هي المسئولة عن الكآبة والإحباط والإصابة بالصرع.

فاجأني الاكتشاف لأن معلوماتي المتواضعة جدا في هذا المجال كانت تؤكد أن الشعور بالكآبة والاحباط هو مرض نفسي وليس عضوياً.

ولم يكن هذا اقتناعي وحدي، إذ إن ما يزيد على 17 مليون أمريكي يعالجون سنوياً في عيادات نفسية لأنهم مصابون بالكآبة والإحباط. ويمضي كل مريض مدة تتراوح بين ساعتين أو ثلاث ساعات لدى طبيبه النفسي اسبوعياً، وإذا عرفنا أن الطبيب النفسي يتقاضى مبلغا يتراوح بين 80 و150 دولاراً ـ حسب شهرة الطبيب ـ عن الساعة الواحدة، لاستنتجنا أن الامريكي يدفع مبلغ 7 آلاف و680 دولارا كحدٍ أدنى، ومبلغ 21 ألفاً و600 دولار كحدٍ أعلى ثمناً للعلاج.. بالوهم في كل عام.

فالمحلل النفسي يزعم أن الكآبة أو الإحباط أو الصرع هي أمراض ناتجة عن "عقد نفسية" وما عليه إلا أن يساعد مريضه على فك هذه العقد عبر جلسات يكشف فيها المريض عن تفاصيل طفولته وأكثر اللحظات في حياته حميمية ثم يضرب الطبيب ضربته بعد أن يخترق حياة هذا المريض كلها ويعيده بعد سنوات فرحاً مرحاً بعد أن صار حبله النفسي مثل حبل سارية السفن مستقيماً ومن دون عقد.

وأترك للقارىء أن يحسب كم يدفع هؤلاء الأمريكيون سواء المؤمَّنون من الحكومة أو من شركات خاصة، ثمناً لعلاج وهمي يقوم به أطباء وليس قارئي كف أو مبصري فنجان.

وأتساءل في حال صحة هذا الاكتشاف ما إذا كان الطبيب النفسي سوف يتحول الى نوع من قارئي الفنجان، يعني للتسلية ولخفيفي العقل والظل، أما السؤال الأهم فهو، إذا قرر كل واحد أن يستأصل هذه الجينات التي تصيب بالكآبة من دماغه، فهل يعني ذلك أننا لن نعود إلى مشاهدة أية سحنة مقلوبة أمامنا؟ أو أي وجه لا تحتله ابتسامة أوسع من قارة، وعندئذ، هل يمكن أن تتحول الكآبة والإحباط إلى مشاعر ممنوعة؟ يقوم رجال الجمارك في مطارات العالم وعلى الحدود بالتنقيب عنها.. ومصادرتها؟.

أعتقد شخصياً أن فكرة وجود عالم من الفرح الدائم وخال من الكآبة تماماً.. تبعث على الكآبة بالفعل.

 

أنور الياسين