عزيزي القارئ المحرر

عزيزي القارئ

عالمان

عزيزي القارئ..
يأتيك هذا العدد بينما عيد الأضحى يدق بيده المباركة أبواب عالمنا الإسلامي، فنتأمل الفلسفة السامية في الأضاحي، ووقفة عرفات، والسعي بين الصفا والمروة، وتهب علينا نسائم الطواف في رحاب الحرم المكي الذي بذلت له المملكة العربية السعودية من الجهود والمال والعناية ما يليق بسمو الإسلام ورفعة المسلمين، وما تستحق عليه كثير الثناء.

لكننا ومع النفحات العاطرة للعيد المبارك، لا نستطيع أن نسقط من ذاكرتنا ما نقلته ريح الأنباء السوداء عن ذبح بضع تلميذات مسلمات صغيرات في مدرسة عربية، بأياد لمسلمين عرب، وبدعوى الانتقام السياسي من ذويهم. ونحن لا نعين مكان هذه الكارثة من قبيل الحذر، بل لتأكيد عمومية هذا المصاب العربي. ومهما كانت المبررات أو الذرائع، فإن الوصول إلى هذه الدرجة من العنف البشع، لا يعنى إلا أن العنف صار مكرسا للعنف، وأنه يندفع كغول أعمى في طرقات أيامنا هذه، لا يعرف أحد مبتغاه، ولعله هو نفسه صار لا يعرف، ولا يقدر على وقف اندفاعه.

إن أحد دارسي علم النفس الجماعي، وهو "فارستو انطونيني" في كتابه "عنف الإنسان"، يقول إن المجتمعات الإنسانية تتأرجح بين عالمين متناقضين، أولهما: عالم العمل والادخار وتحريم أعمال العنف- خاصة القتل. وثانيهما: عالم القتل المنظم والمدبر.. أي عالم طقوس الهدم والتدمير. وبين هذين العالمين- عزيزي القارئ- ظل اختيارنا الإنساني البديهي- كمجلة ثقافية- ضد العنف، لانتماء الثقافة إلى العالم النقيض للتدمير والعدوان والقتل. حتى دون تدبير من العقل الواعي لأسرة التحرير، يظل تيار اللا وعي لهذه الأسرة، متجها صوب الغاية النقيضة للعنف. فقبل أن يعصف بقلوبنا نبأ ذبح التلميذات المسلمات العربيات الصغيرات بأياد عربية مسلمة، كان العدد قد اكتمل، وإذ به يعلن عن موقفه دون ميعاد: لا لكل هذا العنف. تقولها افتتاحية العدد (لبنان.. الدرس العربي الباهظ الثمن) وتقولها محاورة "منتدى العربي" (متى يخرج الوعي العربي من دائرة المتاهة؟) وتقولها مقالة "معركة الأقنعة"، وتقولها بأكثر من طريقة كثير من مواد هذا العدد، ومن بين هذه الطرائق، الاعتراض بإثبات النقيض والبديل. فضمن محتويات هذا العدد، استطلاع يذهب إلى إندونيسيا (التي لا تبتعد عنا كثيرا بمعايير التكوين الروحي والتاريخي) لنكتشف أنها قادرة على البناء والتصنيع، وبمشاركة عالمية، لأنها اختارت ذلك النهج السلمي للتنمية والبناء. أما في عرض الكتب فتأتي مقالة "على طريق الحرير" لتؤكد إنسانية هذا الطريق، كنقيض لطرق العدوان، ليس فقط في مجال تبادل المنافع بل أيضا في رحاب تبادل الثقافات، وكأن النفع لصيق بالثقافة. وبمعنى آخر بالبناء والادخار والاستيعاب والحق والخير والجمال. ونظن أننا- عزيزي القارئ- لسنا في حاجة إلى تأكيد أن ما تبقى من مواد هذا العدد من ثمار الأدب والفن والمعرفة، هو إعلان آخر عن رفض العنف، ترفعه كل أيادي الكتاب العرب الذين أسهموا بالكتابة، وترفعه أنت أيضا إذ تستقبل هذه الإسهامات بالقراءة. وعيد مبارك.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات