لامية النوبة

 

تلاعبت الأيام بي, والنوازل

وأدمت فؤادي الذكريات القواتلُ

وطفت بذكرى (هجرة النوبة) التي

تلاحقني منها الأسى والمشاكلُ

وأطرقت رأسي ساخطاً لسذاجتي

وضعفي.. وما أجراه فينا التفاؤلُ

فسالت دموعي حسرة وندامة

فكفكف عن عيني الدموع (التكاملُ)

حنانيك يا نيلا.. غمرت بلادنا

كسيل طغى.. فانهار منه المنازلُ

أتسلمنا يا نيلُ!! أم هان ودنا

فغاصت بقاع النهر (حلفا) و (قسطلُ)

وأغرقت يا أرض النخيل.. وأين ما

نقدمه للضيف حين نجاملُ?

ألاليت قومي أمهلوا وتريثوا

وليت ولاة الأمر.. صانوا.. وماطلوا

وليت.. وما جدوى وليت!! فقد مضوا

وخابت مرامينا.. فبئس التساهلُ

فأسلمت نفسي للرحيل.. وإنني

بأسرار ما حاكوه بالليل.. جاهلُ

وغادرت أرضي محبطاً.. متشائماً

أسائل نفسي.. أين ترجى الفضائل?

حنانيك يا نهراً.. أُضيع جواره

وغرر فيه الأهل ظلماً. ليرحلوا

أعدلٌ.. يُوارى إرث أجدادنا هنا

ويُهجر درب سار فيه الأوائلُ?

تذكرت أجدادي الذين يضمهم

تراب بلاد عطرتها الشمائلُ

هنالك أشخاص يخلد ذكرهم

وحكمتهم سارت عليها المحافلُ

فلقمان منا.. وهو من سادة الحجى

وكم من وجيه.. وهو في الناس جاهلُ

ومنا (بلال) و (النجاشي).. كلهم

رجال تقى.. حقاً. فمن ذا يجادلُ?

كذلك (ترهاقا) وها هو صرحه

تراث أمام العين كالطود ماثلُ

فحقاً همو كانوا عمالقة الدنا

وما كان في أوساطهم متخاذلُ

وما كان منهم من أقام صلاته

مكاء.. وتصدية.. يطوف ويرملُ

وسموا (رماة الحدق) عند نضالهم

وسل عنهم (ابن السرح) وهو يعلل

خذلناك يا أرض العمالقة الألى

أقاموا صروحاً.. هدمتها المعاولُ

تهاوت نخيل كان يرجى بقاؤها

قروناً.. فماتت.. شيعتها الفسائلُ

وغاضت سواقيها..وأعواد نبتها

تبدت هشيماً.. فارقتها المناجلُ

وزالت روابيها..وزلزل دورها

وآثارها حلت بهن المهازلُ

وأغفل ماضيها.. فضاع رجاؤنا

وتباً.. لما آلت إليه البدائلُ

حنانيك يا أرض الجدود.. وليتني

ألوذ بماض.. لم يعد منه طائلُ

عزائي لقومي.. مابقيت.. ومابقوا

ليعلم أني ما سلوت.. وما سلوا

ويا قارىء الأبيات.. عفوك..إنني

أساقيك كأس المر.. لا أتجملُ

ورحماك يا رباه.. إني بهجرتي

رضيت.. ولكني للطفك سائلُ

محيي الدين صالح