الخزف في التشكيل الحداثي المغربي آفاق جديدة لفن خجول
الخزف في التشكيل الحداثي المغربي آفاق جديدة لفن خجول
الخزف من أكثر الحرف التقليدية ممارسة في جميع المجتمعات القديمة والمتقدمة، وقد جاء استجابة لحاجة معينة من خلالها اكتسبت الآنية الخزفية شكلها، وربما كان من أهم الأمور التي أضفت عليه زينة وصلابة، اكتشاف الصلصال الخزفي الطبيعي في الصين، واختراع المينا، والفخار الإسلامي المزجج. نكاد لا نعثر على بداية حقيقية واحدة للخزف، فالأسطورة اليونانيـة تقـول إن اختراع الخزف كان من نصيب رب الخمرة والعنب، كيراموس ابن آريان وديونيزوس، وترى الحفريات المكتشفة أن البداية ترجع إلى العهد النيوليني، وإذا تجاوزنا البداية من أجل الوقوف على النقلة التي عرفها هذا الفن من الممارسة لحرفة تقليدية، إلى وسيلة تعبيرية وتصوّر فني للإنسان والكون، فإننا سنجد أن الطين (كمادة أولية لفن الخزف) اكتشف دلالات رمزية عدة يتوحد من خلالها الإنسان كجسد وتاريخ بالأرض. حديثنا هنا إذن يخص فن الخزف الحداثي في المغرب، خصائصه ومميزاته ضمن فن تشكيلي بشكل عام. لقد ظهر الفن المغربي الحديث في خضم التحوّلات الجذرية التي عرفها الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي بكل أجناسه، وقد تمحور هو الآخر حول إشكالية خلق التوافق بين ما هو أصيل وما هو معاصر. وبما أن مقاربة الروّاد للفن التجريدي الأوربي واهتمامهم بالتراث البصري العربي الإسلامي، هو الدافع الأساسي لإبراز فن تجريدي مغربي مؤسس على الرمز والعلامة في أسلوب حركي غنائي مع توظيف التقنيات والمواد الأوربية المختلفة: صباغة زيتية على قماش مشدود إلى إطار من خشب كسند في مرحلة أولى، تم تجاوزه فيما بعد إعلانا على بداية مرحلة أخرى، انفتح فيها الفنان أكثر على مجتمعه. روح التحدي ولا يسعنا هنا إلا الاعتراف بمهارتهما الحرفية وتجربتيهما في توظيف هذه المهارة، عن طريق الإبداع والخلق، لأشكال وفضاءات جديدة لإبراز خصائص تعبيرية وفنية لخزف مغربي طلائعي، وربما أن إدماج الجداريات الخزفية في البناء المعماري من طرف فنانينا هو تأكيد على الميزة الشعبية التي كان (ومازال) يتمتع بها فن الخزف. وإذا كان لكل جنس فني ما يميزه فيبدو أن رحول لم يوفق كثيراً في الصباغة مثلما وفق في الخزف، وذلك راجع - في رأينا - لمحاولته نقل الأشكال الخزفية إلى القماش، بواسطة الصباغة الزيتية، نقلاً وفياً متجاهلاً خصوصيات هذا الجنس الفني، في حين تبقى تلك الأعمال الطينية المركبة (والتي تذكرنا بالمئذنة الشرقية) أهم مشروع فني يندمج فيه النحت بالتلوين والخزف، ثلاثة أجناس فنية منسجمة متداخلة في قطعة واحدة. إعادة نظر وإذا تأملنا الإبداعات الخزفية لكل من رحول والزكاني ويميش، فإننا نلاحظ أنها تلتقي حول اختيار جمالي مؤسس على المادة الأولية نفسها (أي الطين) في مختلف تجليّاته، في حين يتناول اليوسفي الطين كوسيلة/كتقنية لإنجاز قطع تذكّرنا بعصر الأنبياء والآلهة القديمة، وذلك للتعبير عن الزمن كبعد خامس، فهو يقدم عمله كساعة رملية في شكل مستطيل مكوّنة من إطار خشبي يضم مجموعة من الألواح الخزفية المكتوبة مدفونة في تلال من الرمال المتسربة من الأعلى إلى الأسفل، مسجّلةً بذلك تعاقب زمن فيزيائي وثقافي معين، الشيء نفسه نجده عند الفنان نبيلي: قطع ذات أشكال وأحجام مختلفة، وكتب من خزف مثبتة على تلال من رمال وتراب وفوسفات حسب تكوين/تجهيز فضائي يمليه فضاء الرواق نفسه يجعلنا نستحضر وقفة شعرائنا على الأطلال.إلا أن هؤلاء الفنانين بوقفتهم تلك، لا يرون أن الازدهار قد ولى، وإنما يحاولون فتح آفاق أخرى لفن مازال الخجل يسيطر على تجارب مبدعيه.
|