قتل الحلم جيمس إيرل راي واغتيال مارتن لوثر كينج

قتل الحلم جيمس إيرل راي واغتيال مارتن لوثر كينج

من المكتبة الأجنبية

تأليف: جيرالد بوسنر

كتاب (قتل الحلم) يعيد معاينة جريمة اغتيال واقعية للدكتور مارتن لوثر كنج ويكشف التـضـارب فيـما إذا كـانـت الـFBI والـ CIAأو المافيا متورطة في هذه الجريمة.

بدأ بوسنر باستعراض ظروف الزنوج السيئة والتمييز العنصري الذي كانوا يتعرضون إليه في التعامل داخل الولايات المتحدة والذي أدى إلى القيام بإضراب بداية عام 1968حمل فيه المضربون الزنوج لافتات تحمل كلمات بسيطة (أنا إنسان) ثم انضمام الدكتور كينج الزنجي لهذا الإضراب قادماً من نيويورك طالباً من السود إضراباً شاملاً وتزعمهم في مسيرة هائلة، لكن استغلال إحدى الفئات للإضراب للقيام بأعمال عنف أدى إلى فض المسيرة، وأعلن كينج بعدها أنه يأمل أن يعود في غضون أيام من أجل مظاهرة أخرى.

في تلك الأثناء، يظهر لنا رجل نحيل ذو بشرة شاحبة وشعر داكن يدخل أحد محال بيع الأسلحة، وينتقي سلاحاً مناسباً مدّعياً أنه ذاهب في رحلة لصيد الغزلان ليعود بعد فترة وجيزة لاستبداله قائلاً إن أخاه أخبره بأنه ليس السلاح المناسب، كان ذلك الرجل هو (جيمس إيرل راي) الذي يستقل سيارته بعد ذلك لأميال عدة بعيداً إلى منطقة مهجورة ويتدرب على إطلاق النار، ويعود فيستأجر غرفة في النزل الذي يطل من بين الأبنية على الفندق الذي يحتل إحدى غرفه الدكتور كينج بعد عودته الثانية من نيويورك، ونراه في ظهيرة الرابع من أبريل من عام 1968 يشتري منظاراً وفجأة في تمام الساعة السادسة والدقيقة الواحدة من اليوم ذاته يتم إطلاق النار على الدكتور كينج، بينما كان يقف داخل شرفة المنزل، وكانت هذه نهاية مهمة الاغتيال وبداية لقضية الاغتيال التي فتحت الباب لمحاولات كثيرة من أجل إيجاد الحقيقة.

أعاد بوسنر خلق الدراما التي لا تنسى في القضية: خطاب لوثر كينج المثير (القمة)، في الليلة التي سبقت مقتله، لحظات الاغتيال الباردة، مطاردة الـFBI بعيدة المدى للمغتال المفقود. طيران راي المسعور عبر أربعة بلدان حينما حاول أن ينجو من العدالة. الصدمة في قاعة المحكمة عندما أقر راي فجأة أنه مذنب وبدت الحقيقة في القضية ضائعة إلى الأبد.

تم تسليم راي للحكومة الأمريكية بعد اعتقاله في بريطانيا مع جواز سفر يحمل اسماً مستعاراً، وذلك عند إرسال صورة مجملة عن القضية ضد راي تتضمن الشهود وخبير الـFBI الذي أثبت وجود بصمة راي على البندقية والمنظار في ساحة الجريمة.

مَن قتل كينج؟
اختلفت الشهادات حول كون راي كارهاً للزنوج، وأنه يحمل أراءً هتلرية نتيجة صحبته لأحد أعضاء الحزب النازي الهتلري، وشهود آخرون شهدوا بأنه لا يمكن لـ راي أن يقتل كينج إلا مقابل الكثير من النقود، ولا دافع آخر إلا النقود.

وقد عرض أحد الكتّاب على راي مبلغ 4000 دولار أمريكي مقابل نشر قصته وبيعها بعد المحاكمة. هذه الصفقة شجعت راي على رواية قصة درامية مكسبة تجارياً. فإن مجرد الإدّعاء بأنه (لم أفعل ذلك) لن يستهوي الكثيرين لشراء كتاب أو مشاهدة فيلم سينمائي. فكلما كانت القصة مثيرة درّت له مالاً أوفر. كما شهد أحد أعضاء اسكوتلنديارد الذي كان معه فترة سجنه في بريطانيا أن راي كان يعتبر نفسه بطلاً في جريمة كينج، وكان يسأل باستمرار إذا كان قد سيطر على العناوين الرئيسة في الجرائد والصحف. وهكذا كان الفاصل بين الشهادات هو إقرار راي بالجريمة بعد أن ظنّ بسذاجة أنه يستطيع أن يستأجر محاميا آخر ويفتح القضية ثانية بناء على دليل مبرئ.

وأعلنت كوريتا كينج زوجة الدكتور كينج بعد ساعات من إقرار راي باعتقادها أن راي لم يقتل زوجها بنفسه، وحثّت الحكومة على أن تكمل المحاكمة حتى يعتقل كل مَن هو مسئول عن هذه الجريمة. لكن النتيجة كانت إغلاق القضية بالحكم عليه بـ99 سنة. حاول راي بعد الحكم بـ72 ساعة إعادة فتح المحاكمة بإرسال رسالة إلى القاضي الذي عثر عليه ميتاً بنوبة قلبية متكوّماً فوق رسالة راي.

إن إنكار راي المباشر لإقراره بالجريمة بدأ يثير الشك بأن الاعتراف كان جزءاً من حبكة مفصلة لإسكات راي وحماية المتآمرين. ولم تجد محاولاته في فتح محاكمة جديدة حتى عام 1997عندما قابلته عائلة مارتن لوثر كينج وأيّدت براءته وانضمت إلى أولئك المطالبين بمحاكمته، إضافة إلى أنه في عام 1997 اعترف صاحب المطعم في الطابق الأرضي للمنزل الذي تم إطلاق النار منه أنه متورط في الخطة لقتل كينج، هذه التطورات أجبرت النائب العام للمقاطعة أن يفتح الملفات القديمة ويجري تحقيقات جديدة فيما إذا كان أكثر من شخص وراء مقتل الدكتور كينج.

خلال ثلاثين عاماً بعد الاغتيال، بقي السؤال (مَن قتل كينج)؟ محيّراً لكثير من الناس، وكان إيجاد الإجابات مستحيلاً عندما قبل مدّعي الحكومة إقرار الجريمة بدل المطالبة بمحاكمة، وبدلاً من حل تعقيدات القضية.

بدا الاعتراف فعلاً تغطية تامة وكأن شخصاً ما لديه القوة لإجبار راي - خلال المال أو الخوف - أن يبقى صامتاً.

كان بوسنر، ذلك الكاتب الرائع، موفّقاً في سرد الأحداث الموثقة من ملفات التحقيق إلى تصريحات الشهود كما أرفقها بالتوقيت الدقيق لكل حدث منها، فنجح ببراعة في إخفاء ذاته كراوٍ وخلق صلة وثيقة بين القصة والقارئ، فتحوّلت الكلمات إلى صور، والصور إلى حقيقة يعيشها القارئ حدثاً فحدثاً، وحالة حالة.

لقد أفرد بوسنر صفحات عدة لعرض حياة المتهم بصورة دقيقة ومفصلة مستعرضاً الظروف وتأثيرها على شخصيته والتي أدت إلى جعله إنساناً فاشلاً خارجاً على القانون.

وُلد جيمس إيرل راي في مارس من عام 1928 في شقة من غرفتين في أفقر وأقسى بلدة في أمريكا البيضاء الفقيرة، كان الابن الأكبر لـ جورج ولوسيل راي. جورج الذي يعتبر أنه من الصواب أن تكذب وتخدع الآخرين إذا كنت تقوم بذلك لتعيل عائلة. أما والدته، فكانت هادئة وكانت دائماً تشعر بالخجل من الظروف التي وضع آل راي أنفسهم فيها. وكانت مدمنة للكحول، وتزايد إدمانها له عند وفاة ابنتها محترقة بينما كانت تلهو بأعواد الثقاب. أما أقرب شخص إلى جيمس راي كان عمه إيرل الذي مثل أمام المحكمة في العاشرة من عمره بتهمة السرقة، وأمضى معظم حياة المراهقة في السجن، وفي بضع مناسبات عندما يكون خارج السجن كان يخضع عائلته لأعمال وحشية وعنف.

كل هذه التعاسة كان لها أثر عميق على الأطفال، وعلى الأخص الولد الأكبر جيمس راي، فقد كانت تثور ثائرته عندما يتجادل والداه ولم يسيطرا على غضبه واعتبراه دلالة رجولة وشجاعة. كما أنه لم يبن علاقات صداقة مع أحد خارج نطاق أسرته.

السياسة الهتلرية
قرر جيمس راي إيجاد عمل شريف وبمساعدة جدته وجد عملاً في شركة أحذية وذكرت جدته أنه لم يكن يشرب أو يدخن أو يطارد النساء، وصادق زميلاً له في العمل وأصبحا متلازمين، لكن هذا الشخص كانت لديه ميول نازية، فأصبح راي بالنتيجة ضد الزنوج واليهود.

كان جيمس راي سعيداً بميوله السياسية وبعمله الجديد، ولكن هذا لم يدم طويلاً لأنه طرد من العمل نظراً لتوقيف إنتاج الأحذية العسكرية في المصنع، وبعد طرده بشهرين، دخل الجيش وطلب إرساله إلى ألمانيا، وقد ذكر خاله أن الدافع الوحيد لالتحاقه بجيش الولايات المتحدة كان الذهاب إلى ألمانيا، وربما دراسة تقنيات العنصرية الهتلرية، لكنه رأى هناك ما حصل للنازيين فتخلى عن الأمل.

في بداية 1948 بدأ راي بشرب الخمر، وفي أكتوبر من العام نفسه اتهم بتعاطي المخدرات في جهة رسمية، وحكم عليه بثلاثة أشهر من الأعمال الشاقة، وأعيد إلى الولايات المتحدة ثم تخلى عنه الجيش قبل انتهاء اكتتابه ببضعة أيام فقط، وكان هذا (صفعة في وجه جيمس) وعندما عاد وجد عائلته في أسوأ حالات الفقر، وقد أصبحت والدته غير قادرة على الاعتناء بالأطفال لتدهور صحتها المتزايد من احتساء الخمر وكان والده قد بدأ شرب الخمر بكثرة، وكانا يضرب أحدهما الآخر، ولذلك كان الأطفال يقضون معظم الوقت خارج المنزل.

في هذه الفترة، بدأ جيمس راي ينفق المال المدخر من عمله السابق، وكانت عودته للسرقة في السابع من أكتوبر من عام 1949 عندما حاول سرقة خزنة كافتيريا، وتوالت بعدها السرقات، وفي مارس من عام 1952 وصلت أخبار بأن والده قد تخلى عن زوجته وأولاده، وأخذ المال القليل الذي كانوا يملكونه ورحل مع امرأة أخرى.

تابع راي السرقة، وكان سجنه مدة سنتين نتيجة لإحداها، وعندما أطلق سراحه في عام 1954علم أن بقية عائلته قد تفككت.

بعد خروجه من السجن، وجد راي أن الأعمال الشريفة لا تجلب المال الكافي، ولذلك قرر العودة إلى السرقة، وكان أطول حكم تلقاه راي عشرين سنة من السجن بتهمة السطو المسلح ومقاومة الاعتقال، وكان ذلك في يناير عام 1959. كان قد أمضى تسعة أشهر منها عندما تلقى خبر وفاة والدته، وفي أغسطس 1961 تزوج والده ثانية.

كانت عقوبة السجن الطويلة حافزاً لـ راي على التخطيط للهرب، وكانت المحاولة الأولى في إحدى أمسيات نوفمبر عام 1961 محاولة فاشلة، فنقل إلى أسوأ قسم من السجن وأمضى فيه ستة أشهر، وعندما عاد إلى السجن المركزي في مايو 1962، عمل في المخبز وبقي فيه السنوات الثلاث التالية، وبدأ يعمل كواحد من تجّار السجن الذين يهرّبون بضاعة محظورة كالسجائر والكحول والمخدرات وما إلى ذلك... إلى السجن، وقد كسر قاعدة تجار المخدرات، وتحوّل إلى متعاط للمخدرات.

خلال فترة سجنه، لم يذكر أحد من رفقاء راي في السجن أنه قد عبّر عن كره خاص نحو مارتن لوثر كينج، لكنه ببساطة كان يكره الزنوج عموماً، وقد ذكر أحدهم مرة أمام راي وبقية السجناء أن كينج في نظر كثيرين من رجال الأعمال يستحق القتل، وذكر آخرون أن راي أحياناً تحدث عن إمكان قتل كينج مقابل النقود، فقد كان طموحه الأساسي هو ضربة ينال بها من 20000 إلى 30000 دولار والاختفاء بعيداً في المكسيك، وقال أحدهم إن راي أخبره مرة أن هناك أكثر من طريقة لكسب النقود غير سرقة البنوك، وعندما سأله عن قصده، قال إن هناك منظمة لرجال أعمال تعرض مبلغ 100000 دولار مقابل مقتل كينج، وعندما سأله : ما المنظمة، قال إنه لا يعرف لكنه سيكتشف. وأثناء التحقيقات التي جرت عام 76 حتى 1979 في جريمة الاغتيال، تم اكتشاف مجموعة أخرى ترغب بـ (كينج ميتاً) وربما تلاقت مع راي في سجن (جيف سيتي) في أواخر عام 1966 وبداية 1967، ومن المحتمل أنها عرضت المال لقتل كينج، وقد تبين أنها عرضت مبلغ 50000 دولار مقابل قتل كينج أو التخطيط لقتله.

كانت محاولة الهروب الأخيرة والناجحة في الثالث والعشرين من أبريل عام 1967. بعد أسبوع من هروبه، نزل في فندق في شيكاغو، وبعد خمسة أو ستة أسابيع عقد الإخوة الثلاثة جيمس، جون وجيري راي اجتماعاً، وقد ناقشوا إمكان الحصول على بعض النقود، بعد ثلاثة أيام من الاجتماع، غادر راي شيكاغو إلى كوينسي، وفي الثالث عشر من يوليو، تمت سرقة بنك (إلتون) من قبل رجلين ملثمين، كانت المواصفات تنطبق على الأخوين راي، لكن دون دليل إثبات، بعد يومين من السرقة، أنفق راي 210 دولارات مقابل سيارة، وفي اليوم التالي غادر إلى كندا، وقد صرّح أنه عندما وصل أولاً إلى كندا قرر ألا يعود أبداً إلى الولايات المتحدة.

بعدما حاول راي الحصول على جواز سفر، التقى رجلاً يدعى راويل الذي، بعد سلسلة من اللقاءات، عرض عليه إمكان الحصول على وثائق السفر إذا ساعده راي بتهريب بعض الحقائب عبر الحدود، وقد ذكر أنه لم يعرف أبداً اسمه الأخير. بعد رفض لم يدم طويلاً، وافق راي وقد أخبره راويل أنه إذا نجحت العملية فهناك الكثير من العمل للقيام به في الولايات المتحدة والمكسيك، في الخامس والعشرين من يوليو وصل راي إلى بيرمينغهام تلك الساحة التي شهدت أعظم انتصارات مارتن لوثر كينج في حركة الحقوق المدنية وموطن بعض ألد أعدائه. اختيار راي لهذا البلد مكاناً لإقامته يدعو إلى الشك بأن قرار قتل كينج قد اتخذ، إما من قبل راي أو الشخص الآخر الذي وجّهه إلى هناك.

كانت اعترافات راي متناقضة ومتغيرة من مرة لأخرى، وهذا ما خلق الكثير من الغموض والحيرة في القضية، فعندما قرر راي السفر إلى نيوأورلينز، ادّعى أن راويل طلب منه ذلك عبر الهاتف، وفي اعتراف آخر له قال إنه لم تكن هناك مكالمة هاتفية بينهما، بل كتب له بأنه سيقابله في إحدى الحانات في نيوأورلينز في الخامس عشر من ديسمبر. وفي كلتا الروايتين، قد تم التخطيط للرحلة منذ أسابيع عدة، بينما في الواقع أنه في الرابع عشر من ديسمبر كان راي في عيادة أحد الأطباء النفسيين وحدد موعداً آخر مع الطبيب في اليوم التالي، لكنه اتصل صباح اليوم التالي ليخبر الطبيب أنه مغادر فجأة. فإذا كان على علم مسبق بالرحلة فلماذا عيّن موعداً مع الطبيب ثم ألغاه في صباح يوم رحيله؟ على حد قول راي، فإن لقاءه الثاني بـ راويل كان في نيوأورلينز ولم يحضر له جواز السفر، بل أراده في عمل للقيام به معاً، وعلى فرض أنه لم يكن هناك راويل حقيقي، فمن المحتمل أن راي قد قابل شخصاً ما في نيوأورلينز ومن الأكثر احتمالاً أن يكون أحد أخويه لأنه عندما ألغى الموعد مع الطبيب في لوس أنجلوس، قال إن أخاه وجد له عملاً هناك، وفي حديث خاص مع اللجنة المنتدبة، اعترف جيري أنه كان في نيوأورلينز مع أخيه جيمس راي في ديسمبر عام 1967، ويعد توقيت التقاء الأخوين مهماً جداً لأنه الوقت الذي عرف فيه جيري وجون أخوا جيمس راي مبلغ 50000 دولار الذي عرض مقابل الجريمة.

في الخامس من مارس، أجرى راي عملية تجميلية ليغير ملامح وجهه حتى يصعب التعرف عليه في حال تعميم صورته، فقد كان لـ راي ملامح مميزة كأنف مائل وأذن يمنى بارزة، وقد أنكر أنه كان يفكر في اغتيال كينج عندما أجرى العملية الجراحية، بل لأنه كان يعتقد أنه في قائمة المجرمين المطلوبين للـFBI نتيجة هروبه من السجن.

ومن الملاحظ أنه في الاعتراف الأول له قد صرح (لم يكن لدي وقت لعملية الأذن)، أنه ليس لديه الوقت الكافي، وأنه كان عليه مغادرة لوس أنجلوس قبل ثمانية عشر يوماً من اغتيال كينج وهو دليل آخر على أنه قد قرر إجراء محاولة لقتل كينج، ومن المحتمل أن العملية التجميلية كانت جزءاً من مخطط عملية الاغتيال، فإذا كان كل ما يبغيه راي هو جواز السفر والهروب بعيداً، فإن العملية الجراحية غير ضرورية.

في ليلة العشرين من مارس، وصل إلى نيوأورلينز، وبينما كان هناك أعلنت الجرائد أن كينج سيكون في ألاباما في الثاني والعشرين من مارس، فاتجه إلى هناك وأمضى الليل، ثم في اليوم التالي غادر كينج كما غادر راي إلى أتلانتا، عندما فتشت الـ FBI غرفته وجدت مجموعة من الخرائط إحداها لأتلانتا تحمل دوائر بقلم رصاص، واحدة حول منزل كينج السابق، وأخرى حيث تركت سيارته بعد عملية الاغتيال، أما بقية الخرائط فلا تحمل أي علامة، كما أن بصمة راي كانت على الخريطة.

بعد الاغتيال، في ظرف وجد في غرفته كان راي قد سجل ملاحظات تشير إلى أنه ينوي دفع أجرة الغرفة للأسبوع الذي يبدأ في السابع من أبريل، والذي يصادف بعد الاغتيال، وهذا يشير إلى أنه حتى نهاية مارس لم يكن قد قرر بعد وقت ومكان قتل كينج.

الحقيقة والاعتراف
انتشرت رائحة المؤامرة في اغتيال كينج، فقد كان له عدد كبير من الأعداء الذين يمكن لأحدهم أن يكلف قاتلاً مأجوراً للقيام بذلك. لكن الأسئلة التي أثارت الجدل ولم تجد لها جواباً هي: كيف للص محترف أن يتحول فجأة إلى مغتال قدير؟ وكيف استطاع أن يمضي خمسة وستين يوماً في رحلة طويلة مليئة بالمخاطر بما في ذلك السفر إلى ثلاث دول واستخدام جوازات سفر أجنبية؟ فهذا أبعد من مقدرة راي!

وفي ديسمبر عام 1993، ظهر صاحب مطعم الشواء في الطابق الأرضي للنزل Jowers، الذي يبلغ من العمر سبعة وستين عاماً على شاشة ABC ليقول بأنه تلقى مالاً لقتل كينج، وبدأ المحققون يفتشون عمن يدعم قصته، وظهرت (بيتي) التي كانت في السادسة عشرة من عمرها عام 1968 وكانت محبوبة Jowers وادّعت أنها ذهبت إلى المطعم يوم الاغتيال حوالي الساعة السادسة، ورأته يركض عبر الباب الخلفي يحمل بندقية، وركبتا بنطاله موحلتان، كما ادّعت أنها قبل أسبوع من الجريمة وجدت صندوقاً مليئاً بالنقود في إحدى المدافئ غير المستخدمة للمطعم، وفي الثاني عشر من فبراير، اعترفت (بيتي) أنه عُرض عليها مبلغ 5000 دولار من مناصري الدكتور كينج لتلفيق القصة لأنهم لم يصدقوا أن راي قد أطلق النار على كينج وأرادوا أن يجبروا السلطات ليوسعوا التحقيقات.

وأخيراً، وفي مكالمة هاتفية مسجلة بين (بيتي) وأختها في الحادي والعشرين من يناير عام 1994 اعترفت بأن قصة Jowers قصة مزيّفة، وأنها شاهدت سلاحاً لا يتعدى كونه مسدساً، ولم تر نقوداً في المدفأة، وأنه طلب منها ذلك كي يستطيع تحويلها إلى فيلم وسيدفع له الكثير من النقود.

وبعد ان ظهر أن راول ايضا رجل بريء تماماً وليس له علاقة بالقضية، فإن ادّعاءات راي طويلة الأمد قد انهارت، أما بالنسبة لفريق راي، فكان لديه أشياء متنازع عليها أكثر أهمية من سمعة راول المنتهكة، ولم يكن مهتماً بالحقائق فهو يبحث عن القصة الأفضل.

خدعة عسكرية
انتقل المحامي الآخر راي
Pepper إلى نظرية جديدة معتمداً على مقالة أحد الصحفيين قال فيها (نظام جيش الاستخبارات كان يركّز على كينج ويبحث عن طريقة لإيقافه يائساً)، فكانت النظرية أن قنّاصاً تابعاً لجيش الاستخبارات قد أطلق النار على كينج بعد أن دلّه رئيس فرقة الاستخبارات القادم إلى Memphis على هدفه، ولا يمكن استجواب ذلك الرئيس الذي يدعى إديسون لأنه تمت تصفيته بطلقة في مؤخرة رأسه.

لا تخلو نظريات Pepper من الفجوات رغم أنه حاول كسب ابن كينج (ديكستر) إلى جانبه، وفجوة هذه النظرية هي أن إديسون لايزال حيّاً، وفي الخامس من يوليو تم لقاؤهما أمام عدسات الكاميرا ومع ذلك استمر Pepper بالقول أنه يحتاج الى وقت ليجمع وثائق ودليلاً يغيّر رأي ABC قبل نشر اللقاء على الهواء في التاسع عشر من يوليو. لكن تم بث البرنامج في الموعد المحدد، وكان أفراد عائلة كينج هناك، وعندما سئلوا عن المسئول عن عملية الاغتيال في نظرهم، أجاب ديكستر في الحال (جيش الاستخبارات و CIA و FBI) وأكد أفراد العائلة جميعاً إيمانهم ببراءة راي، في هذه الأثناء، بدأ Pepper في حديث مع الصحفيين يثير إمكان أن يكون رجل من ABC قد مثّل دور إديسون وأن إديسون الحقيقي ميّت. وهكذا حوّل Pepper الاغتيال إلى معركة لإثبات نظرياته وصدقيتها أكثر من كونها معركة لإطلاق سراح موكله المدني جيمس راي.

عانت الحقيقة بالتأكيد خلال ثلاثين سنة من التخمين والمزاعم في اغتيال كينج، راويل، القنّاصون في الأكمة، سيارتا Mustangs البيضاوان. وبينما يمر الوقت، شهود جدد، ظنون متزايدة، ذكريات مشوّشة للمتورطين تجعل التاريخ الحقيقي للرابع من أبريل من عام 1968 أكثر إبهاماً.

لكن سواء كان راي قد انتهى به الأمر في نافذة حمام النزل كأداة للمتآمرين الذين وعدوه بالنقود أو من دافعه الشخصي الأعوج مشحوناً بالعنصرية والأنانية، فهو يعرف بدقة ما حدث في يوم مقتل كينج.

في الرابع من فبراير من عام 1997 قرر Pepper التركيز على قضية واحدة وهي أن الطلقة التي قتلت كينج لم تطلق من البندقية التي اشتراها راي. فطلب اختباراً للبندقية والطلقات لكن النتيجة لم تكن قاطعة.

وفي مارس، استطاع إقناع ديكستر كينج أن يلتقي جيمس راي في السجن وقام كينج بذلك أمام عدسات الكاميرا مؤيداً براءة راي ومعيداً القضية إلى الخطوط الرئيسة الأولية.

وإذا كان راي قد قتل مارتن لوثر كينج، فالسؤال المحيّر هو (ما الذي دفعه إلى ذلك سواء تصرّف وحده أو كجزء من مؤامرة؟).

وفي جميع الأحوال، وسواء تصرّف راي عن سابق علم أو بمساعدة من أخويه، وسواء أعطي النقود قبل الجريمة أو أنه سمع فقط عن العرض، وتصرف وحده، فإن جيمس إيرل راي هو السبب في موت مارتن لوثر كينج وهو خاسر بحث عن فوز كبير، فقتل الحلم ووضع نفسه في كتب التاريخ.

 

لينة زكريا

 
 




غلاف الكتاب





بعد اعتراف راي بالجريمة يطالب بمحاكمة جديدة





ابن كينج ديكستر يلتقي بالقاتل راي والأخير ينكر