هل نحب ونكره بأنوفنا؟

أعرف صديقا يستطيع أن يشم رائحة الثوم المقلى أو رائحة الشواء عبر مسافة تصل إلى ثلاث بنايات بجانب داره ، وهو يتبين تلك الرائحة القادمة من بعيد نبقس السهولة التى نشم بها - أنت وا،ا - رائحة السمك الموضوع فوق مائدة نجلس إليها . ويحكى أحد العلماء الأمريكين فى كتاب له كيف يستطيع أن يمر بأنفه على مجموعة من الكتب مثلا فيعرف على الفور أى كتاب لمسته زوجته منذ برهة . ولكن مثل هذه الظواهر لم تحمل العلماء أبدا على شئ من التفاؤل بشأن مقدرة الإنسان على التقاط الروائح فقد استقر الرأى العلمى منذ زمن بعيد على أن حاسة الشم لدينا هى جد متواضعة .

وبرغم ذلك فحاسة الشم تلعب الدور الأساسى فى توجيه سلوكنا إزاء ما يعرض لنا فى الحياة من مواد كيميائية ، بل يرجع إليها الفضل أيضا فى القيام بما نظن أنه من أعمال الحواس الأخرى ، فقد يظن البعض مثلا أن اللسان هو أدانا الوحية للحكم على مذاق ما نتناوله من طعام ، غير أن لحاسة الشم فى الحقيقة دور لا غنى عنه فى إحساسنا بمذاق الطعام ، فاللسان لا يميز إلا أربعة أنواع أساسية فقط من الطعوم ، هى الحلو والمر والمالح والحامض ، بينما يستطيع الأنف تمييز عدد أكبر من الروائح الأساسية والثانوية . وعلى ذلك فإن حكمنا على مذاق الطعام لا يرجعع إلى تذوق اللسان له فقط ، بل إلى ما يتلقاه الأنف من رائحة لذلك الطعام ، ولهذا السبب يعزى عدم شعور الإنسان بطعم الغذاء عندما يصاب بوعكة تؤثر فى أنفه ، كالزكام مثلا . فالحقيقة أن تمييز الأنق للروائح أشمل وأعمق من تمييز اللسان للطعوم . كما يجدر بالذكر أن ملمس الطعام وقوماه هما أيضا من العوامل الميزة لما نسميه بالمذاق ، فإذا جئ بطعام ذى مذاق مألوف ثم طحن أو تم تسبيله لتعذر جدا على المر أن يميزه .

ولكن ما مدى صحة الرأى القائل بضعف حاسة الشم عند الكلاب ، والتى يقدر العلماء أنها تتفوق على نظيرتها فى الإنسان بمقدار مليون مرة . فالكلب يمكن أن يتتبع آثار روائح معبثة بعد مرور عدة أيام عليها ، كما يستطيع بكل سهولة أن يكتشف نقظة واحدة من الدم فى خمسة لترات من الماء ، ويستطيع أن يلتقط ويفرق بين روائح لحم البقر والخيل والغنم والأرانب وغيرها من الخيوانات .

فما السر فى تواضع قدرة الإنسان على الإحساس بالروائح ؟

غدد الرئاحة

إن ضعف حاسة الشم نسبيا عند الإنسان يعود على الإرجح غلى نجاح الإنسان فى ان يوفر لنفسه بيئة أكثر أمنا ونظافة من البيئة التى يتحتم على الحيوان أن يحيا فيها ، فالحيوان بغير حاسة الشم القوية لن يستطيع العثور على غذائه أو تحديد مكان فريسته ، أو الإحساس باقتراب أعدائه الطبيعين . أما الإنسان فقد أغنته مدنيته عن خوض مثل تالك المشاق ، إذ وهبه الله تعال بصرا حادا وسمعا يدا وذكاء فريدا ، وهى المقومات التى مكنت له فى الرض ، ويسرت له إدارة حياته على نحو لا يتأثر كثيرا ضعف حاسة الشم .

ولكن هناك من العلماء من يعتقد بإمكان تقوية حاسة الشم عن طريق التدريب ، ومما يعضد ذلك الرأى ما يتناقله البعض حول ما يتمتع به ضعاف البصر من قوة غير عادية على التقاط الروائح ، وذلك بسب تزايد اعتمادهم على حاسة الشم ، فالمعروف ان غير المبصرين يعتمدون على السمع والشم بكشل كبير ، ويقال إنهم يستطيعون بسهولة معرفة ما إذا كان هناك شخص يشاركهم الغرفة مثلا .

فهل للبشر رائحة ؟

أجل ، هناك فعلا رائحة للبشر - هكذا بقول العلماء - مع أن أنوف الغالبية منا تعجز عن إدراكها وتصدر تلك الرائحة عما تفرزه العغدد الجلدية من مواد تصب على سطح الجلد ، وهناك ثلاث طوائف من الغدد التى تساهم بإفرازاتها فى تشكيل رائحة الإنسان ، وهى الغدد العرقية Sweat glands Sebaceous glands وغدد الرائحة Scent glandse

وأما الغدد العرفية فهى نوعان : النوع الأول يعرف Apocrine glands ، ويوجد مصاحبا للشعر ، حيث تصب كل غدة ما تفرزه فى غمد شعرة عند قاعدتها ، وإفراز هذه الغدد لبنى القوام ، يجف على سطح الجلد مكونا غلالة رقيقة ، ولذا فهو لا يلعب دورا فى تنظيم حرارة الجسم ، ويكثر هذا النوع من الغدد العرقية فى بعض المواضع كالإبطين ومنطقة العانة . وأما النوع الآخر من الغدد العرقية Eccrine glands فهو غير مصاحب للشعر ، إذ تفتح قنواته على سطح الجلد بفتحات مستقلة عن الفتحات التى يبرز منها الشعر .

وتنتشر هذه الغدد فى جميع الأماكن بالجلد ، وإن كانت تكثر على نحو خاص فى وسادة القدم ، وهى تفرز العرق فى صورته المألوفة لنا ، وهو سائل مائى يلعب الدور الرئيسى فى تنظيم حرارة الجسم .

وتعكس مكونات العرق تركيب بلازما الدم وإن يكن بصورة مخففة . وعلى ذلك فالعرق يحمل فى الحقيقة كثيرا من رائحة الفرد ، وهذا هو السر فى قدرة الكلاب البوليسية على تعقب شخص ما ، فباطن قدم الإنسان ينتج نحو خمسة عشر جراماً من العرق يومياً ، فإذا تسرب غلى الأرض جزء من الألف من هذه الكمية خلال فتحات الحذاء، فسوف يخلف المرء على الأرض ملايين الجزئيات مع كل خطوة يخطوها ، وهو ما يمثل رائحة واضحة لا تخطئها كلاب الأثر .

والطائفة الثانية ، وهى الغدد الدهنية ، توجد فى الغالب مرتبطة بجذور الشعر ، وإن كان منها ما يوجد منفردا ، أى يفتح إلى الخارج مباشرة ، وتنتشر تلك الغدد فى جميع مناطق الجلد إلا أنها تكثر تحديدا فى الجزء العلوى من الجسم ، إذ يبلغ عددها فى أعلى الصدر والظهر وفى جلد الوجه وفروة الرأس نحو 400 - 900 غدة فى كل سنتيمتر مربع من الجلد . وتفرز الغدد الدهنية مادة شحمية القوام تعرف بالزهم Sebum ، وهو الذى يضفى على الشعر والجلد طراوتها ولمعانهما . وتعتبر الغدد الدهنية والغدد العرقية المصاحبة للشعر من الصفات الجنسية الثانوية ، فنشاطهما لا يكتمل قبل البلوغ . ومع أن إفراز الغدد الدهنية عديم الرائحة فى العادة ، بل ويطلق عليه أحيانا " الدهن المهذب " Polit fat لأنه لا يزنخ ، إلا أنه يشترك مع إفراز الغدد العرقية المصاحبة للشعر فى توفي الرطوبة والغذاء اللازمين لنمو الكائنات الدقيقة ، التى لا تلبث أن تكون رائحة مميزة للفرد.

والطائفة الثالثة ، وهى غدد الرائحة ، تجمع بين صفات الغدد العرقية المصاحبة للشعر وغير المصاحبة له " وبذا تسمى Apoeccrine glands " . وتتركز هذه الغدد فى منظقة الإبط ، إذ يتجمع عدد منها فى عدد من الغدد الأخرى ، ليتكون حشد من الغدد يعرف فى مجمله باسم العضو الإبطى Axillary organ ويبدأ ذلك العضو نشاطه وقت البلوغ أيضا ، وإفرازه عبارة عن خليط من عرق مائى وسائل زيتى كثيف يضرب إلى الصفرة الداكنة ، ويتألف فى معظمة من مواد ستيرويديةSterodis ، وهى نفس مجموعة المواد الكيميائية التى تتكون منها الهرمونات الجنسية كالإستروجين والتستوستيرون. وعندما يصب إفراز العضو الإبطى على سطح الجلد ، لا تكون له رائحة تذكر ، غير أن البكتريا التى تعيش فى منطقة الإبط سرعان ما تتلقفه وتحيله إلى مواد ذات رائحة خاصة ويجدر بالذكر أن إفرازات الإبطين غزيرة فى الرجال ، شحيحة فى النساء ، غير أن النساء لديهن غدد أخرى للرائحة ، تنتشر حول حلمتى الثديين ، وهى وفيرة الإنتاج أيضا .

ونظرا لتعدد الغدد فإن خلاصة الرائحة لجسم شخص بعينه هى مزيج متفرد من المواد التى تنتجها غدد الجلد ، وهذه الرائحة تتأثر بعدة عوامل ، كالغذاء ، ومستوى اللياقة الصحية ، والحالة العاطفية والمزاجية بالإضافة إلى الظروف البيئية المحيطة بالفرد ، وأنواع البكتريا التى تأوى إلى جلده . ومع ذلك فهناك رائحة أساسية تميز كل فرد عن سواه مهما أسرف فى استعمال العطور الاصطناعية ، حتى أن تعبير " بصمة الرائحة " Odor fingerpint يرد فى بعض المراجع العلمية كما لو كانت رائحة الشخص شيئا مميزا له كبصمات أصابعه . بل إن أجهزة الشرطة فى بعض البلدان تجمع عينات من روائح الأشقياء ومعتادى الأجرام ، وتحفظها فى زجاجات خاصة ، للرجوع إليها إذا دعت الضرورة .

ويرجع بعض العلماء هذا التمييز إلى أسباب وراثية . ومما يدعم ذلك الافتراض ما اكتشف عام 1980 من أن كلاب الأثر المدربة تستطيع بسهولة أن تفرق بين روائح التوائم العادية ، بينما تعجز عن التفرقة بين روائح التوائم الصنوية أو المتطابقة Identical twins ، وهى التوائم التى تتمتع بنفس بنفس المعين الوراثى .

ولكن ما أهمية تلك الروائح تضمخ جسد الإنسان ؟

لابد أن لتلك الروائح دور أهم من مجرد تسهيل مهمة الشرطة فى العثور على مجرم هارب . أجل .. لقد كشفت الأبحاث التى أجريت خلال السنوات الأخيرة عن أثر تلك الروائح فى حياة الإنسان ، فقد وجد مثلا أن الطفل الرضيع يرتبط بأمه - كما يقال أن الأم ترتبط برضيعها أيضا - عن طريق الرائحة ، ففى إحدى الدراسات وجد أن أغلب الأطفال " فى عمر ستة أسابيع يستطيعون تمييز روائح أمهاتهم ، والتى تم استخلاصها من الأمهات بواسطة وسائد قطنية صغير ألصقت بأجسادهن لفترة معينة . وفى دراسة أخرى أجريت على أطفال أصغر سنا " فى عمر 8 - 10 أيام " وجد أن خمسة وعشرين طفلا من اثنين وثلاثين يتجهون إلى رائحة أمهاتهم ويتجاهلون الروائح المستخلصة من نساء أخريات!

رسائل كيميائية

لقاء جاءت معظم تلك الدراسات بعد افتراض يقول أن البشر يتبادلون رسائل كيميائية فيما بينهم ، مثلما يحدث فى عالم الحيوان ، فمنذ وقت طويل عرف العلماء أن الحيوانات تؤثر فى بعضها البعض بواسطة مواد كيماوية ، فالحيوان ينتج مادة معينة ، ثم يطلقها فى الوسط المحيط به ، وعندما يتلقاها فرد آخر من نفس نوعه ، تحدث فى جسمه " أى جسم المتلقى " تغييرا فسيولوجيا أو سلوكيا معينا ، وقد أطلق العلماء على هذه الرسائل الكيماوية التى يتبادلها أبناء النوع الواحد اسم " فايرومونات " Pheromones ، وهى كلمة مشتقة من اللاتينية وتعنى التأثيرات المحمولة "

فهل تبادل الناس فيما بينهم فيرومونات بشرية ؟ لاشك أنك سمعت بعض النوادر التى تقول إن الشقيقات اللائى يعشن معا ، وينمن فى غرفة واحدة ، يوافهن الطمث معا ، أى فى وقت واحد تقريبا . ولقد يثال أيضا أن الزوجات تضطرب لديهن دورة الطمث فتطول أو تقصر على غير النحو المعتاد - عندما يتغيب أزواجهن عن المنزل لفترات طويلة ، وهو ما يفهم منه أن وجود الرجل قريبا من زوجته يعمل على ضبط دورة الحيض لديها .

ولقد ظل العلماء يرون فى مثل تلك الأقاويل ضربا من الأححيات التى يعوزها الأساس العلمى ، وذلك حتى عام 1970 ، عندما اكتشفت مارثا ماكلنتوك ، من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة ، أن الطالبات اللائى يضمهن معا مسكن جامعى واحد ، تتقارب مواعيد حدوث الطمث لديهن ، ويزداد تقارب تلك المواعيد - حتى لتكتاد تتطابق - فى أولئك اللواتى يقضين معا أوقاتا أطول . وفى عام 1983 اكتشف علماء آخرون أن النساء اللواتى يعشن حياة مستقرة فى جوار رجالهن يتمتعن بدورة حيض أكثر انضباطا " تترواح حول 29.5 يوم " من غيرهن .

لقد تاكد العلماء من خلال تلك الدراسات أن الترافق المكانى له أثر بين على الدورة الجنسية فى المرأة ، ولكن هل يكفى ذلك للتدليل على وجود فيرومونات بشرية ؟

حتى بداية السبعينيات لم يقطع العلماء بإمكان وجود تلك الفيرومونات ، ولم يقولوا بأكثر من " احتمال " وجودها . ويبدو أن القول بوجود رسائل كيميائية بشرية كان ، فى نظر العلماء وقتئذ ، ضربا من التهور . لقد كان الرأى الغالب آنذاك هو أن الترافق المكانى ربما يخلق حالة نفسية معينة ، تؤثر بدورها على الجسم ، بل إن مارثا ماكلنتوك ، التى اكتشفت تزامن دروة الطمث عند الطالبات ، ارجعت هذا التزامن - ضمن ما أوردت من أسباب - إلى وحدة الظروف التى تتعرض لها الفتيات فى المساكن الجامعية ، فالطالبات يحكم إقامتهن معا ، يتناولن نفس النوع من الأطعمة تقريبا ، ويمارسن أنشطة بدنية متقاربة ، ويتعرضن لبرنامج يومى شبه موحد ، من حيث مواعيد النوم والاستيقاظ وتناول الوجبات ، كما أن فترات التوتر وفترات الاسترخاء على مدار العام الدارسى تكاد تكون واحدة أيضا .

على أن الدراسات التى أجريت حديثا فى هذا المجال ، أزاحت الغموض شيئا فشيئا عن تلك الرسائل الغامضة ، التى يتبادلها البشر دون إدراك واع لطبيعتها ، فإذا هى بالفعل رسائل كيميائية . ويرجع معظم الفضل فى الكشف عن كنه تلك الرسائل إلى العالم الأمريكى جورج بريتى G.Preti وزملائه فى مركز بحوث الحواس الكيميائية فى بنسلفانيا بالولايات المتحدة .

فى أحدى التجارب قام أعضاء فريق بريتى بجمع إفراز العضو الإبطى من بعض الرجال ، ثم أذابوه فى مذيب معين ، وبعد ذلك أجروا تجربتهم بأن مرورا قطعة من القطن المبلل بهذا المحلول أسفل أنوف عدد من النساء ذوات الدورات الحيضية المفرطة فى الطول أو المفرطة فى القصر ، وبعد تكرار ذلك الإجراء عدة مرات على فترات منتظمة ، لم تمض ثلاثة أشهر حتى كانت كل أولئك النساء يحضن على دورات تبلغ 29 يوما تقريبا ، وهى المدة المثلى بالفعل .

استقبال لاشعورى

فى دراسة مماثلة قام بريتى وزملاؤه بإمرار إفراز الإبط لعدد من النساء ذوات الدورات الحيضية المنتظمة ، أسفل أنوف نساء أخريات ذوات دورات مضطربة ، فإن هى إلا ثلاثة أشهر ايضا حتى تزامن حدوث الطمث فى النساء المتلقيات للرائحة مع النساء مصدر الرائحة . ولم تكن النساء اللواتى شملتهن الدراسة يعلمن شيئا عن محتوى ذلك السائل ، كما كانت هناك بعض النساء اللواتى عرضت أنوفهن لقطع قطنية مبللة بالمذيب فقط ، أى خالية من أى اثر للإفراد الإبطى وذلك من قبيل التمويه ، غير أن هؤلاء لم تتأثر دورة الطمث لديهن على الإطلاق ، مما يشير إلى انعدام تأثير العامل النفسى فى نتائج تلك التجارب . وهكذا ثبت بالدليل العلمى أن تلقى المرأة لرائحة الرجل بانتظمة يعلم على ضبط دورة الحيض لديها ، كما أن تلقى المرأة بانتظام لرائحة امرأة أخرى ، يؤدي إلى تزامن موعد الطمث عندهما .

أما التفسير العميق لما وراء ذلك فلم يزل موضع دراسة من جانب العلماء . ومما يضفى على تلك الفيرومونات البشرية قدرا من الغموض أن أنوفت تلتقطها عادة دون أن نشعر بها فى عقلنا الواعى ، ولذلك فإننا لا نعرف متى نتعرض لتلك الفيرومونات ومن ثم تفوتنا فرصة مراقبة ما يطرأ على أجسادنا من تغيرات بعد التعرض لتلك المواد . يقول بعض الاختصاصيين - تفسير لذلك - إن عدم إحساسنا بالفيرومونات يرجع إلى أن الفيرومونات عندما تدخل الأنف تستقبلها حفرتان صغيرتان "1 - 2 مم" تقعان على جانبى الأنف ، وتعرفان باسم العضو الميكعى الأنفى Vomcronasal organ ، أى أن الفيرومونات لا تتلقاها البطانة الشمية العادية فى الأنف .

على أن هذا التفسير لم يزل موضع جدل ، فربما كانت الفيرومونات تستقبل فعلا بواسطة خلايا الشم فى الأنف ، شأنها شأن المواد الكيميائية الأخرى ، دون أن تبلغ بالضرورة قدرا كافيا للإحساس بها ، فلعل الله تعالى أراد - لحكمة خاصة - أن تكون حاسة الشم عند البشر على قدر من الضعف ، فمما لا شك فيه أنه من الأفق ألا يقف المرء كثيرا عند كل رائحة تقابله ، خصوصا أننا نعيش فى جو مشحون بالكيماويات من كل نوع . ولذا فإنه لمن غير أن تكون حالة صديقى وحالة العالم الأمريكى - ===أشرنا إليهما فى صدر المقال - هما من الحلات النادرة.

ويجدر بالذكر ايضا أن شيئا مثل هذا يوجد فى خاصة السمع ، فقد ينام المرء ملء جفنيه مثلا فى قطار بالمسافرين ، ويظل نائما برغم ما يدور حوله من صحيح ، ولكنه يهب مستيقظا عندما يتردد اسم على لسان أحد المتحدثين . ولذا - فمن يدرى ؟ ربما يكون ضعف حاسة الشم ضعفا موجها من قبل المخ ، فإن أدمغتنا فى الواقع لاتهدر طاقاتها فيما لايعنينا ، وما دامت ليست بنا حاجة إلى أن نشم الفيرومونات إلى حد الإدراك والتمييز ، فلا بأس من عدم الشعور بها ، يكفى فقط أنها تدخل أنوفنا وتحدث فى أجسامنا - فى هدوء وتؤدة - ما تحدثه .

الحب بالأنف .. ممكن

وبديهى هنا أن يثور سؤال مهم : ماذا عن الرجل ؟ أو بكلمات أخرى ، ما الأثر الذى تحدثه الفيرومونات فى جسم الرجل ؟ إن التحليل الكيميائى للإفراز الإبطى ، والذى أجراه بريتى وزملاؤه فى العام 1996 ، أوضح أن المكونات التى تشكل رائحة الرجل تشابه بشكل عام مع مكونات رائحة المرأة ، هذا عدا بعض الاختلافات الطفيفة التى لا يوجد بعد تفسير لها .

فهل تأثير الفيرومونات على الرجل ممائل لتأثيرها على المرأة ؟ والإجابة : لا أحد يعرف حتى الآن . إن مظاهر النشاط العضوى للرجل تخلو من الإيقاعات الدورية البسيطة التى يسهل قياسها بدقة ، كدورة الطمث الشهرية عند المرأة مثلا ، الأمر الذى يجعل من تأثير الفيرومونات على الرجل لغزا مازال ينتظر الحل .

صحيح أن هناك ما يمكن تسميته بالدورة الهرمونية اليومية فى جسم الرجل ، حيث ينخفض أو يرتفع مستوى بعض الهرمونات ، فى دم شخص واحدة عدة مرات فى اليوم تعتبر من الناحية العملية أمرا معقدا ومرهقا بالمقارنة مع السهولة الكبيرة التى يتم بها رصد موعد الطمث عند المرأة . كذلك لا يزعم العلماء أيضا أن أثر الفيرومونات على المرأة مقصور على تغيير دورة الطمث ، فلعل الفيرومونات تؤثر فى جوانب أخرى لا تصل إليها أدوات العلماء فى الوقت الراهن .

والحق أن هناك أسئلة عديدة تتبادر إلى الذهن بشأن الفيرومونات البشرية ، فهل ارتياحيا لشخص نلقاه لأول مرة مثلا ، يمكن أن يكون راجعا إلى نوع من الفيرومونات يصل إلى أنوفنا فيبعث فينا - دون أن ندرى - حالة من الرضا والقبول ؟ وهل يكتشف العلماء يوما أن قوة التأثير التى يتمتع بها القادة المتميزون بالمهابة ، تعود إلى نوع من الفيرومونات التى تؤثر فيمن حولهم ؟ وهل ما تولده العشرة من روابط عاطفية بين البشر ، يمكن أن يعزى - ولو جزئيا - إلى الفيرومونات ؟

الطريف أن شركات إنتاج العطور لم تفتها أن تستغل القدر المتاح من معلومات حول الفيرومونات ـ فأنتجت عددا من العطور التى تحتوى على مواد قريبة الشبه - تركيبيا - من الفيرومونات البشرية ، وروجت لتلك المنتجات بزعم أنها تزيد الثقة بالنفس ، وتضفى على من يتعطر بها جاذبية خاصة ، وتجعله مقبولا من الجنس الآخر .

لكننا - وبعيدا عن الدعاية التجارية لشركات العطور - نقول إن مثل الأسئلة السابقة ، مع ما قد تبدو عليه لأول وهلة من سذاجة ، ليست غريبة أبدا على جو العلم ، ففضول العلماء لا حد له ، وقد يكشف العلم غدا ، أو بعد غد ، عن إجابات لهذه الأسئلة ، أو لأسئلة أخرى أكثر سذاجة وغرابة .

 

مدحت صادق

 
  




طريقة جمع إفراز العضو الإبطي





رسم يوضح تركيب الجلد





العالم الأمريكي جورج بريتي