الإسلام وأسطورة المجابهة.. الدين والسياسة فى الشرق الأوسط

الإسلام وأسطورة المجابهة.. الدين والسياسة فى الشرق الأوسط

عرض: الدكتور محمود الذوادى

يضم الكتاب جزأين رئيسسين . الأول منهما عبارة عن فهم للشرق الأوسط . أما الجزء الثانى وهو الأطول فيعطية المؤلف عنوان " أساطير المجابهة "، وفى الفصل الأول يعالج المؤلف قضية اعتقاد الكثيرين بأن الشرق الأوسط ينفرد ببعض السمات عن سواه من المناطق فى العالم . فالبعض يذهب مثلا ، إلى القول بأن منطقة الشرق الأوسط شهدت أكبر عدد من الصراعات بين الدول بعد 1945 تتمثل فى الحروب العربية الإسرائيلية وغزو العراق لجارتيه إيران والكويت . ولا يعتقد هاليداي أن هذه خاصية تنفرد بها دول الشرق الأوسط . بل يرى أن منطقة الشرق الأقصى عرفت عددا من النزاعات الأكثر دموية واستنزافا للاقتصاد والمواد الطبيعية ، فحربا كوريا وفيتنام مثالان ناطقان على ذلك .

وعلى مستوى آخر ، فالشرق الأقصى ، وليس الشرق الأوسط ، هو الذى عرف بعد 1950 أكبر الانتفاضات السياسية " خاصة فى الصين " وأعظم التحولات الاقتصادية . وهكذا يمكن القول ، فى رأى المؤلف ، إن منطقة الشرق الأوسط لا تأتى فى الطليعة لا بالنسبة لخسارة تكلفة الحروب ولا فى درجة الحركية السياسية ولا فى إنجازات التحولات الاقتصادية . ويرى المؤلف أن فهم أحداث منطقة الشرق الأوسط يتطلب الجمع بين منظورين: الأول يدرس مجتمعات الشرق الأوسط باعتبارها مجتمعات تتميز ببعض الخصائص والثانى عام يحاول فهم هذه المجتمعات كجزء من مجتمعات العالم الثالث . فما جرى من أحداث فى الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية تأثر بعوامل داخلية وخارجية . فالحرب الأهلية اللبنانية 1975 - 1990 والحرب العراقية الإيرانية 1980 -1988 وحرب الخليج أمثلة على ذلك . أما بخصوص ما أسماه المؤلف بالوحدة الثقافية بين شعوب الشرق الأوسط فيعترف بأنها أقوى من الوحدة الثقافية بين كل شعوب الشرق الأوسط فيعترف بأنها أقوى من الوحدة الثقافية بين كل شعوب آسيا وإفريقيا . لكنه يلاحظ أن الوحدة الثقافية بين شعوب أمريكا اللاتينية قوية هى الأخرى بحيث يمكن مقارنتها بالوحدة الثقافية بين مجتمعات الشرق الأوسط وينتقد هاليداي هؤلاء الذين يقولون إن ظاهرة الإرهاب تتميز بها شعوب الشرق الأوسط . فالروس الفوضويون والجمهوروين الأيرلنديون والهندوس المتطرفن واليهود الصهيونيون والقبارصة اليونانيون كلهم مارسو الإرهاب .

ويخلص الكاتب فى هذا الفصل إلى التأكيد على أنه لا يمكن تفسير أحداث المنطقة وسياستها بإرجاعها فقط إلى معطيات إسلامية.

الهاجس القومى

ويخصص المؤلف الفصل الثانى من كتابه لتحليل أحداث الثورة الإيرانية ومقارنتها بثورات عالمية أخرى مثل الثورتين الفرنسية والروسية . ويرى المؤلف أن الثورة الإيرانية لا تتشابه مع الثورات التى وقعت منذ القرن الثامن عشر فى عدة أمور منها أنها لم تناد بتحسين الجوانب المادية لبنى البشر ولا هى أكدت على أهمية الديمقراطية ولا هى أعطت أهمية للهاجس القومى عند الشعب الإيرانى ، ومما يلفت النظر فى رأى صاحب الكتاب ، حول الثورة الإيرانية أنها أول ثورة معاصرة يكون الدين هو العامل الرئيسى الموجه لها . كما أنها أول ثورة تحدث فى ظروف تنموية اقتصادية واجتماعية أفضل من ظروف الثورة الروسية 1917 . وعلى عكس كل الثورات العالمية ، جرت أحداث الثورة الإيرانية فى لندن . كما أنها كانت مجابهة سياسية أكثر منها صراعا مسلحا مع نظام الشاه . ومما ساعد على مسيرة الثورة الإيرانية تمكنها من الجمع بين العناصر التقليدية والحديثة فى التصدى لنظام الشاه . فقد تظاهر طلبة الجامعات الدينية بصحبة تجار البازارات والطبقة الوسطى للمناداة سقوط نظام الشاه . وبالقيادة الكارزمية للإمام الخمينى الفقية يرى هاليداي أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمتعت بالكثير من الشرعية داخل إيران ويستعرض الكاتب فى الفصل الثالث من الجزء الأول من كتابه أحداث حرب الخليج " 1991 " التى تلت غزو العراق للكويت . فيعتبر أزمة هذه الحرب أخطر أزمة دولية لما بعد الحرب العالمية الثانية 1945. يختلف للغرب بل يعتقد هاليداى أن التهديد يأتى من الدول الصناعية الجديدة فى كل من الشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية.

وعند التساؤل عن دوافع القيادة العراقية لغزو جارتها الكويت ، يشير المؤلف إلى أهمية التعرف على طبيعة الأيديولوجيا البعثية القومية والعراق كمجتمع معقد التركيب ، فيرى هاليداى أن فشل القيادة السياسية العراقية فى الصراع مع إيران كان وراء التوجه لغزو الكويت.

الحاجة إلى عدو

يستهل المؤلف الفصل الرابع من كتابة بالتأكيد على أن صور الإسلام كعامل مجابهة وتهديد للغرب صورة يعتقد فيه كل من العالم الغربى والعالم الإسلامى . ولكن هاليداى يرى أن واقع الأمور أكثر تعقيدا من ذلك . فمن جهة ، لا تمثل الشعوب الإسلامية خطرا حقا على العالم الغربى ، إذ إنها لا تملك القوة النووية الهدامة . ومن ناحية ثانية ، فلم يحتج الغرب أبدا إلى عدو بطريقة منتظمة . ولا يتفق الكاتب مع القائلين فى الغرب بأن الإسلام والديمقراطية لا يلتقيان ، فمثل هذا الادعاء هو من قبيل الأسطورة . إذ إن التعامل مع الديمقراطية فى العالم الإسلامي لم يكن تعاملا متجانسا . بل إن للعوامل الاجتماعية والسياسية للمجتمعات الإسلامية تأثيرها القوى على طبيعة التعامل مع الديمقراطية . ويرد هاليداى على الذين يتهمون البلاد الإسلامية بسبب مزجها بين السياسة والدين ، مشيرا إلى أن هذا ليس خاصية تتفرد بها العقيد الإسلامية ، فالمجتمع الأمريكى له باعه من التطرف المسيحى . كما أن للهند نصيبها من التطرف الهندوسى الذى له آثاره على الأحداث السياسية فى المجتمع الهندى المعاصر . وبرغم موقف المؤلف المتفتح إزاء فهم مشاغل العالم الإسلامى فإنه لا يتردد فى التنديد بالحركات الإسلامية فى المجتمعات الإسلامية وخارجها ، فيدعو الغرب ، على الخصوص ، إلى اتخاذ موقف صارم ومتشدد من الأسلاميين لأنهم - فى نظره - خطر خاصة على حقوق الإنسان .

وفى الفصل الخامس يعالج المؤلف مسالة حقوق الإنسان فى الإسلام . ويختصر هذه الحقوق فى الأمور التالية: حقوق المرأة ، حقوق غير المؤمنين ، حقوق المرتدين ، ومسألة العقوبات التى تدعو إليها الشريعة الإسلامية فى بعض القضايا والسلوكيات . ويرى الكاتب أن المسلمين اتخذوا خمسة مواقف فى تعاملهم مع موضوع حقوق الإنسان .

1 - لا خلاف بين الإسلام والتصور العالمى لحقوق الإنسان .

2 - للدول الإسلامية ملف أفضل من غيرها فى التعامل مع حقوق الإنسان .

3 - تدعى الدول الإسلامية أن ظروفها التاريخية والحضارية تعطيها خصوصية ذاتية ، ومن ثم فهى لا تقبل انتقادات الآخرين لملفها فى حقوق الإنسان.

4 - يرفض المسلمون الثقافة الغربية لحقوق الإنسان وينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية مكانها.

5 -تتعارض المعايير العالمية لحقوق الإنسان مع الرؤية الإسلامية .

ومما لا يساعد ، فى رأى صاحب الكتاب ، على فهم المنظور الإسلامى حول حقوق الإسلام عدم وجود مرجع فكرى إسلامى يعالج موضوع حقوق الإنسان بعمق وجدية وكما رأينا من قبل فهاليداى كان متخوفا من الإسلاميين بسبب تشدد تشريعاتهم وسياساتهم بخصوص حقوق الإنسان ، فهو يبدى أيضا انزعاجه هنا من إعطاء الدين بصفة عامة دوراً فى التعامل مع حقوق الإنسان.

صرب وهندوس

ويعالج الكاتب فى الفصل السادس ظاهرة العداء للمسلمين قديما وحديثا ، فيبدأ بذكر العداء للأتراك المسلمين من طرف الصرب والإغريق الذين ينتسبون غلى المسيحية الأرثوذوكسية . فمن ناحية ، يرجع عداء الصرب إلى هزيمتهم من طرف الأتراك فى موقعة كوسوف 1385 . ومن ناحية أخرى ، فسقوط القسطنطينية بأيدى الأتراك هو السبب الرئيسى وراء عدواة الإغريق لهم . أما كره الهندوس فى الهند للمسليمن فيلخصه المؤلف فى موقف الحركة اليمينية للهندوس والقائلة بأن هناك مكانين للمسلمين وهما " باكستان أو القبر " . ويرى هاليداي أن ازدياد العداءعند الهندوس يرجع إلى تطور السياسة الهندية بعد الحرب العالمية الأولى . فجولوكر أكبر قائد هندوسى يعتقد أن المسلمين يريدون الاستيلاء على كل الهند ومن ثم فهم يمتدح شارل مرتال الذى أوقف تقدم المسلمين الفاتحين فى موقعة تور فى عام 732.

أما بخصوص العداء للمسلمين فى الغرب " أوربا والولايات المتحدة الأمريكية " فيرجعه الكاتب إلى سلسلة من الأحداث بين الجانبين. فالحرب المتواصلة بينهما امتدت من القربن الثامن إلى القرن السابع عشر . وبتقديم الأتراك فى غزو الأراضى الأوربية فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر ازداد العداء ضد المسلمين . ولكن هذا الشعور العدائى للمسلمين يختلف فى الغرب من بلد إلى آخر ، فبارتفاع ثمن البترول فى السبعينيات ازداد شعور العداء ضد العرب والمسلمين ، وجاء انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية على نظام الشاه الموالى للغرب ليزيد فى الشعور بالعداء ضد المسلمين . ويختم صاحب الكتاب تحليله لظاهرة العداء ضد المسلمين بالتعرض إلى هذه الظاهرة بين الإسرائيليين أنفسهم ، فهو يرى أن العداء بيناليهود والعرب المسلمين ذو جذور تاريخية بعيدة وبرغم ذلك يعترف هاليداى أن علاقات الدول الإسلامية باليهود كانت أفضل من نظيراتها المسيحية . أما بالنسبة لعداء اليهود ضد العرب المسلمين فقد ازدادت حدته بعد حرب يونيو 1976 بين العرب والإسرائيليين ، وتعتبر حركة " كاهانا" أكثر حركة يهودية عنصرية ضد العرب المسلمين على الخصوص .

رؤى قاصرة

ويختم هاليداي كتابه بفصل سابع يتمحور موضوعه حول الاستشراق الذى يعرفه المؤلف بأنه مجموعة الكتابات الغربية حول منطقة الشرق الأوسط خلال القرن السابق أو القرنين الماضيين . وهى مؤلفات خلال القرن السابق أو القرنين الماضيين . وهى مؤلفات منتصف بالنشويه والتحيز الراجعين إلى التصورات الرؤى الأوربية القاصرة لمجتمعات وحضارات الشرق الأوسط . ولا يخفى أن النقاش حول الاستشراق يمس من قريب أو من بيعد الإسلام . ويتصدر هذا النقاش كل من المفكر الفرنسى مكسيم رودنسون وإدوارد سعيد .

يعتبر المؤلف أن اتقادات ردونسون للمؤلفات الأوربية حول الشرق الأوسط هى الأكثر متانة وتعمقا فكريا على على المستوى الأوربى . أما نقد سعيد للاستشراق فقد ساعده على ذلك استعمالة المنهجية الأدبية النقدية ونظريات الخطاب والقوة للفيلسوف الفرنسى ميشال مركز . وبذلك الزاد المعرفى استطاع سعيد أن يقوم بنقد شامل للمؤلفات الإنجليزية والفرنسية والأمريكية حول الشرق الأوسط . يعترف هاليداى بأنه لايتعاطف لا مع رؤية نظيره برنارلويس . لأنهما مثلا ، حسب رأيه ، فى القياس بشئ مهم جدا ، وهو تحليل المجتمعات التى يتحدثون وينظرون حولها . فكل منهما يعطى أولوية للأيديولوجيا أو الخطاب أو الثقافة السياسية دون القيام بتحليل ما يجرى فى واقع تلك المجتمعات .

ينهى هاليداى آخر فصل من كتابه بالتشديد على عقولته الرئيسية فى هذا الكتاب والقائلة بأن مجتمعات الشرق الأوسط ليست بالمجتمعات ذات السمات الفريدة المتجانسة بين مجتمعات المعمورة ، بل هى ، فى نظره ، مجتمعات متنوعة ومختلفة الصفات مثلها مثل بقية المجتمعات البشرية الأخرى ، ويستنجد المؤلف فى آخر هذا الفصل الأخير بالآية القرآنية الشهيرة التى تبرز واقع التنوع والاختلاف بين التجمعات البشرية سورة الحجرات، الآية: 13 يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .

بعد هذ العرض المختصر لاهم أفكار الفصول السبعة لكتاب هاليداي نريد الآن أن نلقى الضوء على مقولة الكتاب الرئيسيةوالتى يحملها عنوان الكتاب نفسه والمتمثلة فى أن المواجهة بين الغرب والإسلام هى عبارة عن ادعاء وأسطورة وليست حقيقة . يناقش المؤلف هذه القضية من منظور تغلب عليه ملامح الحتمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتشددة .

أى أنه يحاول فهم أحداث الشرق الأوسط وتفسيرها من خلال العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما فيه علاقة الغرب بمجتمعات هذه المنطقة ، ومن ثم يقلل كثيرا من دور عوامل أخرى كالعوامل الثقافية ، مثلا ، فى تشكيل هذه العلاقة كما فعل هنتنجتن .

تشجيع الظاهرة

وللمؤلف تصوره للظروف والعوامل التى تشجع على قيام ظاهرة المواجهة بين الشعوب والأمم . ويمكن صياعة هذا التصور كالتالى: تقوم المواجهة بين الأمم والشعوب إذا توفر أحد شرطين أو هما معا:"1 " تتجسم المواجهة والعداء بين الشعوب والأمم إذا كان أحدها يهدد وجود وسلامة كينونة الآخر ." 2 " تقوم المواجهة بين الأمم والشعوب ، وإن كانت بحدة أخف ، إذا كان أحدها يهدد مصالح الآخر اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ...ومن هذا المنطلق فإن استعمال هذين الشرطين لا يسمحان بالحديث عن وجود مواجهة بين الغرب والعالم الإسلامى ككل . فهذا الأخير لا يمثل تهديدا لوجود وسلامة المجتمعات الغربية ، إذ إن الدول الإسلامية لا تمتلك السلاح النووى الذى ه بحوزة دول أخرى غير مسلمة وغير مسيحية مثل إسرائيل والصين . ومن ثم فإن حالة الموجهة تنتفى فى رأى هاليداي معتبرا أن الحديث عنها من قبيل الأسطورة أما بالنسبة لتهديد العالم الإسلامى لمصالح المجتمعات العربية والإسلامية تتمتع بنصيب قوى خاصة منذ التسعينيات وسقوط الاتحاد السوفيتى والشيوعية فى شرق أوربا . فالمصالح البرولية للغرب فى الشرق الأوسط عززت صيانتها حرب الخلبج الثانية . وباستثناء ليبيا وإيران " لسوء علاقتهما مع الولايات المتحدة " فإنه لا يجوز الحديث عن مواجهة بين الغرب والإسلام بسبب تهديد لمصالح المجتمعات الغربية فى المجتمعات العربية والإسلامية .

لكن عند فحص طبيعة العلاقة بين العالم الغربى والعالم الإسلامي على مستوى الانتساب الحضارى الثقافى لهاتين المجموعتين من الشعوب والأمم فإنا سنجد شيئا من عدم التناغم بينهما . فمن جهة ، يرى الغرب أن المسيحية واليهودية هما الأساسان الرئيسيان المكونان لهويته الحضارية الثقافية , ولا تقتصر معالم هذه الهوية على الجانب الدينى المسيحيى اليهودى بل تضم أيضا رصيد الثقافة اليونانية ورصيد ما بسمى بالثقافة النيؤة لعصر النهضة التى أسس عليها العالم الغربى مسيرته وهيمنته فى العصر الحديث . فمن خلال هذه الهوية الحضارية الثقافية ينظر الغرب ويتعامل مع الشعوب والإمم الأخرى " كآخرين " ، فالشعب الصينيى والشعب الهندى والشعب العربى تعتبر من طرف العالم الغربى شعوبا ذات هوية جماعية تختلف عن العوية الغربية الجماعية المنتسبة إلى الحضارة والثقافة المسيحية اليهودية . فالكونفوشيوسية والهندوسية والإسلام يشكل كل منهما معالم الهوية الجماعية للشعب الصينى والهندى والعربى على التوالى . وبعبارة أخرى ، فهذه الهويات الجماعية الثلاث هى هويات أخرى أى مختلفة أو حتى غربية عن الهوية الجماعية المسيحية اليهودية الغربية .

نشر الدونية

وهكذا يمكن القول إن العالم الغربى ينظر إلى الهوية الجماعية الإسلامية لشعوب الشرق الأوسط على أنها هوية تختلف عن الهوية الجماعية المسيحية اليهودية للشعوب الغربية , ونظر لتقدم العالم الغربى وهيمنته فى العصر الحديث فقد نشأت عنده النظرة الدونية لبقية الشعوب المتخلفة . وما الفكر الاستشراقى فى رأى الكثيرين ، إلا محاولة غربية لإرساء تصور معرفى أكاديمى لرمى الشعوب الإسلامية فى الشرق الأوسط بالدونية ونشر عقلية غربية تحقيرية لأهل هذه المنطقة . وبالإضافة إلى هذه الرؤية الاستشراقية فى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية فإن أحداث التاريخ القديمة بين الغرب والعالم الإسلامى تجعل الغرب متخوفا من المسلمين . إذ إن احتلال المسلمين الأوائل لشبه الجزيرة ثانية لعدد من الأراضى الأوربية يذكر الأوربين على مستو الشعور واللاشعور بأن خطر المسلمين لا ينبغى أن ينسى ويمحى من الذاكرة . إذ إنه لا الصين ولا الهند ولا اليابان حيث تدين أغلبية السكان بغير المسيحية ، قد هددت الغرب فى عقر داره ، فالعرب المسلمون انفردوا بتهديد الأقطار الغربية فى أوربا ، فالموقف الغربى من المسلمين ليس بالموقف الذى يكن لهم الكثير من الاحترام ، بل هو موقف يتصف بالتحثير لهم والتخوف منهم وعدم الاطمئنان لهم فى نفس الوقت .

مجابهة خافتة

فمن هذه المعطيات الثقافية التى توجه تصور أحد الطرفين للآخر وتشكل تعامله معه يمكن القول إن العلاقة بين العالم الغربى والعالم الإسلامى المعاصرين هى علاقة يتخللها الكثير من ملامح التوتر والتخوف وعدم الاطمئنان . وهى بهذا المعنى ضرب من المجابهة الخافتة التى لايدرك معالمها ولا يعرف ثقلها حقا إلا التحليل الذى يأخذ بعين الاعتبار مدى أهمية دور علام الرموز الثقافية فى عملية تقارب الشعوب أو تنافرها من بعضها البعض وفى عملية تحالفها أو تصادمها مع بعضها البعض . وهذا ما لم يقم بمناقشة هاليداى فى كتابه ، فقد حاول أن يقنع القارئ بأن مسألة المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامى هى عبارة عن أسطورة وليست حقيقة . إن منهج تحليله يغلب عليه ملمج التبسيط . بينما ظاهرة المواجهة بين العالم الإسلامى والغرب معفدة ، أى أن لها عدة مستويات . وما سميناه بالمجابهة الخافتة " الثقافية " بين المسلمين والعالم الغربى هو جزء من ظاهرة المجابهة ككل مركب ومعقد .

إن مقولة هتنجتن حول تصاد الحضارة الغربية مع الحضارة الإسلامية على الخصوص فى المستقبل تحجد الكثير من المشروعية ، إذا نظر إليها من خلال طبيعة الرموز الثقافية التى تحدد الهويات الجماعية للشعوب وتشكل تصوراتها المشوهة والمحقرة للآخرين وتشكل تعصبها الأعمى لنفسها . ألم يكن لمثل هذه العوامل وشبيهاتها فى التاريخ البشرى القديم والحديث دور غير هين فى خلق ظروف التوتر والصدام بين الشعوب والحضارات؟!

 

 

فرد هاليداي

 
  




غلاف الكتاب





لا إله إلا الله