الغيرة .. عندما لم يعد الطفل رقم (1)

الغيرة .. عندما لم يعد الطفل رقم (1)

كيف نساعد الطفل على تقبل الأخ القادم? ما علاقة ذلك بالغيرة وما هي الغيرة وأثرها في حياة الأطفال والكبار?!

إن ولادة طفل جديد تحدث الكثير من التغيرات في الأسرة وعلى الآباء والأطفال أن يرتبوا حياتهم على هذا الواقع الجديد حتى ولو لم يريدوا ذلك. وفي حين يشعر الآباء بالارتياح والسعادة لقدوم مولود جديد, فإن الأطفال غالبا ما يشعرون بالاستياء والامتعاض ويخشون أن يفقدوا الاهتمام والعناية والرعاية التي كانوا يتمتعون بها بعدما انصبت جميعها على المولود الجديد. وباختصار تبرز هنا مشكلة نفسية خطيرة تقلق الطفل وربما تنمو وتكبر معه وتتأصل فيه لتصبح عند الكبر مصدر قلق وعدم استقرار له ولمن حوله (إنها الغيرة).

ما هي الغيرة?

الغيرة شعور مقيت, خليط من المرارة والخوف وعدم الاستقرار وفقدان الشعور بالأمان والطمأنينة إضافة إلى عدم الثقة والميل إلى القلق.

فالطفل يولد وقد غرز في جبلته دافع إلى الغيرة من الآخرين والتي ربما تطورت فيما بعد ووصلت إلى حد الرغبة في إيذاء الآخرين واصابتهم بالضرر وهناك كثير من القصص عبر التاريخ مثل (سندريلا وسنو وايت) وغيرها تشير إلى ذلك وتؤكد أنه كانت هناك دائما صعوبة في التعامل مع المصابين بالغيرة. إلا أنه بالنسبة للأطفال, وبالرغم من أنها قد تقض مضجعهم وتقوض سعادتهم وسعادة الأسرة, فهي تتلاشى في النهاية ويصل الأخوة والأخوات إلى المرحلة التي يحبون فيها بعضهم البعض ويجدون متعة في التعايش معا.

وتقسم مظاهر الغيرة إلى ثلاثة أنواع: جسمية, ونفسية واجتماعية. وهذه المظاهر متداخلة ولا تتعارض مع بعضها البعض, ولا تظهر منفصلة. وأهم المظاهر الجسمية التي تتبدى لدى الشخص حال احتدام الغيرة هي احمرار الوجه وارتعاش اليدين وزيغان البصر وتصبب العرق وحدوث رعشة في الصوت أو إصابة بالتلعثم أو اضطراب بالتنفس أو دقات القلب أو حدوث ارتفاع ضغط الدم.. وفي الطفولة يعمد الطفل إلى الرفس برجليه أو تمزيق ممتلكاته وممتلكات الآخرين, وقد ينخرط بالبكاء أو يمتنع عن الطعام, وفي بعض الحالات قد يؤذي نفسه بشكل مباشر كأن يضرب رأسه بالحائط فينزف دماً أو قد يفقد الوعي نتيجة الضعف الشديد أو قد يمرض أو يتلبس هستيريا بالأشكال المرضية المتباينة.

أما المظاهر النفسية وهي مرتبطة إلى حد بعيد بالمظاهر الجسمية والاجتماعية فإن من أهمها ما قد ينخرط فيه الطفل من أحلام مخيفة أو أحلام يقظة ترفع من شأنه في خياله وتحله محلا رفيعا عاليا. ومن المظاهر النفسية أيضا الانطواء الشديد على النفس أو الإصابة باللجلجة بالكلام وحدوث اضطرابات بالتفكير وجنوح الخيال على الواقع. أو قد تأخذ هذه المظاهر السلوك العكسي فيأخذ الطفل الطريق الانبساطي المبالغ فيه. وبالنسبة للمظاهر الاجتماعية فإنها تتبدى في العدوانية وحب الأذية.

ويفضل الإعلان عن قدوم المولود الجديد في الوقت المناسب. فإذا كان الطفل كبيرا يمكن إعلامه في فترة الحمل وتهيئته لانتظار المولود مسبقاً.

أما إذا كان الطفل صغيرا فإن ذلك ربما يثير القلق عنده ويفضل إعلامه في الأشهر الأخيرة وأخباره بأن الأم ستضع مولودا جديدا وإطلاعه على الترتيبات بوضوح بحيث يعرف من سيتولى الاعتناء به ورعايته في تلك الفترة ولا مانع من أخذه إلى المستشفى كي يتخيلها فيما بعد عندما تكون الأم فيها وبعيدة عنه. وعلى الأم فيما بعد عند حضوره لمشاهدة المولود أن تتجاهل المولود وتركز عليه, ويحبذ أن تقدم له هديةباسم المولود الجديد, لأن ذلك يساعد كثيراً على تقديم المولود له مع التأكيد على احتفاظه بمكانته الغالية والاستمرار في معاملته بنفس الأسلوب من الحب والحنان والاهتمام.

إن فترة تغذية المولود هي فترة الاختبار, وفيها تبدأ طلبات الطفل الكثيرة واللامنتهية فهو إما يريد الأكل أو الشرب أو يرغب بالذهاب إلى الحمام أو الاستماع إلى قصة أو أنه قد يرمي بنفسه عن المقعد ويأخذ بالصراخ والبكاء. في هذه الحالة لابد من الصبر قدر الإمكان والتأكد من تحضير كل ما يطلبه وتحقيق رغباته ويفضل عدم الضغط عليه والتروي لاستيعابه والإكثار من اللعب والهدايا لأنها تساعد كثيرا في هذه المرحلة.

ردود الأفعال ومواجهتها

تختلط ردات فعل الأطفال تجاه المولود الجديد ويغلب على الطفل الشعور بالغضب وتنتابه الغيرة رغم أنه يمكن أن يظهر أحياناً مشاعر من الحب والشغف نحوه. والمهم هنا استمرار التأكيد له أنه مازال المفضل وأن له مكانة خاصة, فإذا شعر الطفل بأنه ذو قيمة ومحط الاهتمام والحب فإنه بدوره يصبح قادراً على حب المولود الجديد وتقبله. مع ذلك قد يتغير سلوك الطفل ويصر على إثارة المشاكل وتتبدى المظاهر التي سبق ذكرها.. وفيما يلي بعض هذه المظاهر وعرض لأفضل الطرق العملية لمواجهتها.

ولا عجب أن يصبح الطفل منطويا وغير مستقر فالأمور تبدلت بالنسبة له, ولن تعود إلى سابق عهدها. ولابد هنا من إغراق الطفل بالمحبة والعاطفة والتأكيد على دوره ومكانته وانتهاج الروتين السابق في التعامل معه وينصح أن يتدخل الآباء والأجداد ويحاولوا إفهام الطفل والتعويض له عن بعض الحب والحنان الذي يمكن أن يكون بحاجة إليهما.

وليس بعيداً أن يتراجع الطفل عن الذهاب إلى الحمام مثلاً ويرغب بالعودة إلى الحفاظات وقد يوسخ نفسه أحيانا. لا حاجة للقلق في مثل هذه الأحوال ولابد من مضاعفة الاهتمام وتقديم المكافأة وإطراء الطفل عندما يسلك سلوكا صحيحا. وقد يعود الطفل أيضا إلى طلب الرضاعة أو يبدي رغبة في أن يحمل وأن يعامل معاملة المولود وكثيرا ما يجهش الطفل بالبكاء قائلا: (مازلت صغيرا) ولابد بالطبع من فهم ذلك في مثل هذه الظروف ويفضل تقبل تصرفاته وعدم تأنيبه بل معانقته والتأكيد له بأنه الطفل الأول ومكانته لم تتبدل.. (فالكل يمكن أن يكون طفلاً أحياناً حتى الكبار).

كما يلجأ الطفل إلى المشاغبة والقيام بأعمال لافتة للانتباه وقد يمشي في أثناء نومه أو يحدث نفسه, وكل ذلك بهدف التأكد مما إذا كان الأهل مازالوا على حبهم له. وهنا لابد من حضنه وضمه وجعله يحس بالحب والحنان وتجنب سلوك الغضب منه وعدم التفهم لأنه لا ينفع في هذه الحالات.

والأخطر من ذلك أن الطفل قد يسعى إلى إيقاع الأذى بالمولود الجديد متظاهرا بحبه وذلك كأن يربت عليه بقوة أو أن يهز السرير قاذفا به على الأرض.. في هذه الحالة يجب إفهام الطفل أن الأذى ممنوع ولا يسمح به, لكن مع مراعاة شعور الغضب والتهديد الذي قد ينتابه. والأفضل التحدث إليه واستخدام بعض الجمل البسيطة مثل: (أنت منزعج من أخيك..?) أو (هل أنت قلق أن يأخذ ألعابك?).. وعندما ييقن الطفل بأن الأهل جادون في رفع معاناته ووقف آلامه فإنه يشعر بأنه لا حاجة للقيام بتلك الحركات ويتوقف عن الشقاوة.

عدم الثقة بالنفس

في دراسة جرت أخيرا حول الغيرة بين الإخوة والأخوات في مراحل مختلفة بعد قدوم المولود الجديد مباشرة وبعد ثلاث سنوات على ذلك ثم بعد ثلاث سنوات لاحقة, لاحظ الدارسون ما يلي:

ـ الأطفال الذين يبدون اهتماما إيجابيا بالمولود منذ البداية أكثر ميلا للتعايش معه فيما بعد بشكل جيد. أما العلاقة السيئة منذ البداية فتبقى سيئة.

ـ فروق الأعمار التي تتراوح بين 1 - 5 سنوات ليس لها أي أثر على علاقات المودة.

ـ في سن ما قبل الخامسة يميل الأطفال من جنس مختلف إلى الاقتتال أكثر من الأطفال ذي الجنس الواحد.

ـ الأطفال الذين يفقدون الثقة بالنفس تظهر عليهم علامات الغيرة أكثر من الأطفال الواثقين بأنفسهم.

ـ كلما كان الطفل مقربا من والديه, زادت عنده مظاهر الغيرة وزاد امتعاضه واستياؤه من المولود الجديد. وهذا يظهر عند الأطفال الإناث أكثر من الذكور.

إن الغيرة جزء من النمو, وما الخلاف الذي يتبادله الأطفال مع أبناء جيلهم إلا نوع من التهيئة والتحضير للانخراط بشكل أشمل مع العالم خارج الأسرة. وهذا هو الجانب الإيجابي للغيرة. أما الجانب السلبي فيظهر عندما يبدي الآباء ميلاً ومحاباة تجاه أحد الأطفال دون الآخر.

من جانب آخر, يجب ألا يسمح لأحد الأطفال بالسيطرة على الآخر أو ممارسة الفوقية عليه لأن الطفل المسيطر عليه يفقد في هذه الحالة القدرة على تطوير شخصيته وتنميتها, بينما تغزو الطفل المستبد أفكار القوة والسطوة الزائفة مما يضر به.

لذا, لابد من تشجيع الأطفال الضعفاء على الاعتماد على ذاتهم وتعزيز وغرس الثقة في نفوسهم.

ويبقى القلق وتحمل التعب من تعدد الأطفال برغم مشاكلهم وعلاتهم أفضل بكثير من وجود طفل واحد فقط في الأسرة, لأن ذلك قد يؤدي إلى الكثير من المشاكل كما نعلم من تجربة الصين, فهؤلاء الأطفال الوحيدون لابد من إرسالهم إلى مخيمات خاصة ليتعلموا كيفية التعامل بعضهم مع بعض, وكيفية الاستعداد للانخراط في الحياة.. فغياب الأخوة والأخوات يقود إلى نمو بعض الصفات السلبية لدى الطفل مثل: الكسل, الجشع, سوء المزاج والعصبية, فقدان الروح الاجتماعية والشذوذ. لذا فإن الغيرة وبرغم مساوئها أهون من أي من هذه الصفات, ويمكننا مساعدة الطفل على تجنبها إذا كان عمره مناسبا بتشجيعه على التعبير عن مشاعره تجاه المولود الجديد, وطمأنته بأن الغيرة تغزو قلب كل شخص في بعض الأحيان حتى نحن الكبار.

 

عدنان محرز

 
  




الثقة بالنفس تبعد الغيرة





طلبات كثيرة للفت الانتباه





تقديم المولود للطفل مهمة الأم أولا