عزيزي القارئ

أرق الجديد

عزيزي القارئ..

إنه شهر أغسطس، ذروة القيظ في الصحراء العربية، وذروة الألم لذكرى غزو بغيض للكويت ولكنه أيضا ذروة السعي إلى البحر وابتراد النسائم، وذروة الرغبة في تجاوز الذكريات السوداء، والتطلع إلى أفق يجدده النور والحرية، وبهجة الألوان المغمورة بضوء الصيف الساطع.

ثمة عقل باطن وراء كل فعل منظم نظن أنه خاضع لكامل القصد، وهذا العقل الباطن يعمل بتأثير من متغيرات سابق الخبرة وواقع التغيير المحيط به. ولعل ذلك يفسر انخراط مواد هذا العدد في مجرى يكاد أن يكون واحداً، قوامه: الأرق حول ما هو قادم، التساؤل على مشارف الجديد، والرغبة في التأهل للمستجدات.

في هذا العدد تكثر الأسئلة، وإن لم تتبعها علامات الاستفهام، فثمة سؤال محلي لكنه يتجاوز هذه المحلية ليصير سؤال المنطقة كلها، بل سؤال عالم الجنوب السياسي والاجتماعي على كوكبنا.. إنه سؤال "المجتمع المدني.. وهل أدى دوره التنويري" ورغم أن المقال اتخذ من الكويت حالة لتجسيد السؤال، فإن أصداء السؤال يمكن أن تجد لها ترجيعاً في آفاق أبعد.

ولعله لحاق بالسؤال ذاته يجيء التعريف بمؤسسة الكويت للتقدم العلمي "كمحاولة للإجابة عن متطلبات التنوير بأدوات فاعلة وأصيلة في آن. فهذا الصرح المحفز للبحث العلمي وللتفكير العلمي يقرن تحفيزه بلغة الروح، لغتنا العربية، على اعتبار أن اللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل هي مستودع لخبرات الحياة، ومن ثم وعاء للحكمة المطلوبة في كل خطو واجتياز.

في السياق نفسه، يجيء مقالان من مواد هذا العدد، أحدهما يتساءل بصيغة استفهام صريحة: هل يبقى الكتاب بعد انتشار الكمبيوتر، والآخر يبطن التساؤل إذ يطرح علاقة "التعليم والأمن القومي". ولا نريد أن نستبعد حق القارىء في الاكتشاف، لكننا نشير إلى ارتباط السؤالين بأرق مشروع تجاه مستجدات واضحة في أدوات التعليم ومفاهيمه المستقبلية.

وبشكل أوضح تتوالى أسئلة أوسع من "ترسيخ الديمقراطية في الفكر الإسلامي" و"الإسلام وواقعية المجابهة"، ولعل الشكل الحواري لتجسيد هذين السؤالين يكمن في جوهر الحوار مع "حارس سيلادزيتش" والذي ظل مداره الموقف من التعددية، في مكان من العالم الإسلامي تطرح عليه قضية التعددية لا كسؤال نظري، بل كسؤال حياة وموت.

ليس أخيرا يجيء عرض كتاب "توفلر" "لحظة العولمة" ليثير أسئلة واضحة الوجود عن إمكان بناء حضارة جديدة.. حضارة يتنامى تكوينها من تراكم المستجدات في عالم سريع الحركة، خاطف التغيير.

إنه أرق مشروع، بل أرق جيد، نأمل أن يكون هذا العدد قد اجتهد في طرح أسئلته التي سيظل بابها مفتوحاً حتى دخولنا في القرن القادم.

وإلى لقاء متجدد

 

المحرر