عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

قوة التعددية

التعددية تعبير جديد عن ظواهر قديمة, بل ظواهر شبه خالدة. لكن يبدو أن الانكفاءات التي منيت بها أحادية الرؤية, وزعم احتكار الحقيقة الواحدة, والرأي الصواب الواحد ـ خاصة في السياسة ـ هذه كلها أدت للتشبث بالتعبير فبدا جديداً برغم أنه قديم معتق في الحياة كلها, وتجليات هذه الحياة الموصوفة بالبنى الفوقية.

التعددية هي صاحبة الفضل في استمرار الحياة على ظهر هذا الكوكب الأزرق, الأرض. وأهل البيولوجيا أو علوم الحياة, والبيئة, والمهتمون بهذه وتلك, يدركون الآن جيداً أنه لولا وجود أشكال عديدة من الحياة يرتبط وجود بعضها بالبعض الآخر ماعاش وما استمر أي من أشكال هذه الحياة متفردا.

الأمر ذاته في السياسة, فالعيش على قالب واحد من النظر إلى أمور المجتمعات والبلدان لم يؤد إلا إلى الإفقار أو الانهيار.

أما في الثقافة, فالأمر بالغ الوضوح, إذ اغتنت الثقافات بالتثاقف. ودعاة النهضة الفكرية والتنوير جلهم من متعددي الثقافات.التعددية إذن شرط لاستمرار الحياة, وتأكيدها دفع لزخم هذه الحياة ـ أي قوتها ـ على جميع المستويات. نقول بذلك في استهلال هذا العدد المهتم بالاحتفاء بالتعددية ولو بأشكال غير مباشرة, ففي استطلاع (سراييفو.. استنفار الذاكرة) تأكيد على خطورة تناسي جمال وحيوية وقوة التعددية, فملخص ماحدث من جرائم لمتعصبي صرب البوسنة في مجزرة الربع الأخير من قرننا العشرين في البوسنة والهرسك كانت اعتداءً منحطاً للتعصب الأحادي الرؤية على رقي وجمال الحالة التعددية ـ روحياً وثقافياً ـ التي مثلتها البوسنة في قلب البلقان بوسط أوربا, ذلك البلد المتسامح بأغلبيته المسلمة المتحضرة في قلب المدنية الغربية.

ومن البوسنة إلى اليمن تتحرك استطلاعات هذا العدد بحثا عن مفاتيح موطن حضارة عربية قديمة, من أجل تفهم أفضل لتعددية المناهل الثقافية في وطننا العربي الكبير. ومن اليمن إلى فرنسا مع كتاب (الإنسان العابر والأدب) لأندريه مارلو أحد ألمع مفكري الغرب الذين آمنوا بالتعددية الثقافية كشرط لقوة الثقافة العالمية مجتمعة. ومن فرنسا إلى أمريكا والبحث في (بناء حضارة جديدة) لألفين توفلر الذي نظن أن عمله الفكري غايته رفع الحواجز أمام إدراك جديد لوهن الأحادية, ومن ثم فهو يكرس لقوة التعددية.

وإلى لقاء متجدد.

 

المحرر