طرائف عربية

طرائف عربية

سر الدعاء إلى الله
البطش بعد العفو

قال المتعضد بالله أبو العباس أحمد: لما أوقع الفتنة إسماعيل بن بلبل بيني وبين أبي الموفق فأوحشه مني حتى حبسني حبستي المشهورة، وكنت أتخوف القتل، وأعيش مرارة السجن والأسر، ومن خشيتي القتل أقبلت على الدعاء، وكان إسماعيل يجيئني كل يوم حتى يظهر لي ولاءه الكاذب فدخل علي يوماً وبيدي المصحف، وأنا أقرأ فتركته وأخذت أحادثه، فقال لي: أيها الأمير، اعطني المصحف لأتفاءل لك به، فلم أجبه بشيء فأخذ المصحف ففتحه، فكان في أول سطر منهسورة الأعراف آية 129عسى ربكم أن يهلك عدوكم، ويستخلفكم في الأرض، فينظر كيف تفعلون، فاسود وجهه، وأربد، وخلط الورق. وفتحه الثانية، فخرج سورة القصص آية 5ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين فازداد قلقا واضطرابا، وفتحه الثالثة، فخرج سورة النور آية 55وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم.

فوضع المصحف وقال: أيها الأمير، أنت والله الخليفة بغير شك، فما حق بشارتي?

فقلت: الله، الله، في أمري، أحقن دمي، وحاذر أن يعلم الخليفة مثل هذا الكلام، ثم صار يتنصل لي ويعتذر، وأنا أظهر له التصديق حتى سكن، وسرعان ما جاء الموفق من الجبل وقد اشتدت علته ومات، فخرجت من السجن وصرت الخليفة، ومكنني الله من عدوي إسماعيل ابن بلبل فأنفذت حكم الله فيه.

شعر يفك أسر السجين

قال أبوعبيد الله بن سليمان: كنت يوماً في حبس محمد بن عبدالله الزيات في خلافة الواثق، يئست من الفرج، وقد فارقني الصبر، وخفت أن أكفر من رحمة الله، حتى وردت إليّ رسالة أخي الحسن بن وهب وفيها شعر له:

محن أبا أيوب أتت محلها فإذا جرعت من الخطوب فمن لها
إن الذي عقد الذي انعقدت به عقد المكاره فيك يحسن حلها
فاصبر فإن الله يعقب فرجه ولعلها أن تنجلي ولعلها
وعسى أن تكون قريبة من حيث لا ترجو وتمحو عن جديدك ذلها

تفاءلت بذلك، وقويت نفسي، فكتبت إليه:

صبرتني ووعظتني وأنا لها وستنجلي، بل لا أقول: لعلها
ويحلها من كان صاحب عقدها ثقة به إذ كان يملك حلها

ولم يمض يومي ذاك، حتى فرج الله عني، وأطلقت من حبسي.

وروي أن هاتين الرسالتين وقعتا بيد الواثق، الرسالة والجواب فأمر بإطلاقي، وقال: والله، لا تركت في حبسي من يرجو الفرج.

الحسن البصري يردع الطاغوت

دخل الحسن البصري على الحجاج بواسط فلما رأى جبروته قال: الحمد لله، أن هؤلاء الملوك ليرون في أنفسهم عبراً، وإنا لنرى فيهم عبراً، يعمد بعضهم إلى قصره فيشيده، وإلى فرش فيتخذه، وقد حف به ذباب طمع، وفراش نار، ثم يقول: ألا فانظروا ما صنعت، (فقد رأينا ـ يا عدو الله ـ ماصنعت)، فماذا يا أفسق الفسقة، ويا أفجر الفجرة، أما أهل السماء فلعنوك، وأما أهل الأرض فمقتوك.

ثم خرج وهو يقول: إنما أخذ الميثاق على العلماء، ليبيننه للناس، ولايكتمونه.

فاغتاظ الحجاج غيظا شديدا، ثم قال: يا أهل الشام، هذا عبيد أهل البصرة يشتمني في وجهي فلا ينكر عليه أحد، على به، والله لأقتلنه فأحضر، وكان يحرك شفتيه بدعاء، فلما دخل على الحجاج، رأى السيف والنطع بين يديه، فلما وقعت عليه عين الحجاج سبه، لكن الحسن وعظه وظل مستمرا في الدعاء حتى أمر الحجاج برفع السيف والنطع وأمر بالطعام فأكلا وبالوضوء فتوضأ، وبالعطر فرشه، ثم صرفه مكرما.

وحين قيل للحسن بم كنت تحرك شفتيك? قال: قلت يا غياثي عند دعوتي، ويا عدتي في ملمتي، وياربي عند كربتي، ويا صاحبي في شدتي، وياوليي في نعمتي، وياإلهي، وإله إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وموسى، وعيسى، ويارب النبيين كلهم أجمعين، ويارب كهيعص، وطه، وطس، ويس، صل على محمد وآله الطيبين، وارزقني مودة عبدك الحجاج، وخيره، ومعروفه، واصرف عني أذاه، وشره، ومكروهه، ومعزته. فكفاني الله تعالى شره بمنه وكرمه.

سياحة في الوادي

ارتكب رجل جناية في عهد عبد الملك بن مروان، فأهدر دمه ودم من يئوبه، وأمر بطلبه، فتحاشاه الناس كلهم، فكان يسيح في الجبال والبراري مطرودا من رحمة المأوى، وعطف الإنس والجان، قال المطارد الخارج من رحمة العطف إلى هجير الصحاري:

كنت أسيح يوما في بطن واد، فإذا بشيخ أبيض الرأس واللحية، عليه ثياب بياض، هو قائم يصلي، فركعت إلى جانبه، فلما سلم، قال لي: من أنت? قلت: رجل أخافني السلطان، وقد تحاشاني الناس، أهدر دمي ولم يجرني أحد، وهأنذا أنذا أسيح في البراري، خائفا. قال: تقول: سبحان الله الإله الواحد، الذي ليس غيره أحد، سبحان الدائم القديم، سبحان الذي يحيي ويميت، سبحان الذي خلق ما يرى ومالا يرى، اللهم إني أسألك بحق هذه الكلمات وحرمتهن، أن تفعل بي كذا وكذا، فحفظتهن.

وانتبهت وقد اختفى صاحبي، فألقى الله تعالى الأمن في قلبي، وخرجت من وقتي متوجها إلى عبدالملك، فوقفت ببابه، واستأذنت عليه، فلما دخلت قال: أتعلمت السحر?

قلت: لا. وأخبرته بما كان من شأني فأمنني وأحسن إلي.