إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

حسنة لله يا محسنين!

يعتبر القانون الأمريكي أن الدستور يضمن حرية "الشحاذة" للمواطن، باعتبار أن حق الشحاذ في إطلاق نداءاته يدخل في نطاق حرية التعبير التي يكفلها الدستور الأمريكي.

ولكن المحكمة العليا في ولاية ماساشوستس الأمريكية ضجّت بنداءات شحاذيها وأصدرت أخيرا حكماً يقضي بسجن "مدّادي الأيدي".

جمعيات ومؤسسات الدفاع عن الحريات العامة أخذت على حين غرة بالحكم. وبدأت حوارا واسعاً حول تأثيره على الحريات العامة. وقال واحد من هؤلاء في مقال صحافي: إن الشحاذ في أمريكا لا تنطبق عليه صفة "مدّ اليد" فهو يضع أمامه وعاء أو قطعة قماش وأحيانا قبعة، ثم يبدأ نداءاته، وأحيانا هو يغني هذه النداءات، وليست غلطته إذا وجد أن أناساً كثيرين يمدون أيديهم إلى جيوبهم، ثم يلقون بالقطع المعدنية أمامه أو في قبعته. إن الشحاذ في هذه الحالة عبّر عن نفسه ولم يقترف ذنباً يعاقب عليه القانون، وبالتالي فإن الحكم بحبسه يعتبر خرقاً للدستور!!.

واحد آخر من أعداء الشحاذين قال إن الشحاذة مهنة، ومن شروط أية مهنة أن تتوافر فيها "الأمانة" في التعامل بين الطرفين، كما يجب أن تتوافر مواصفات معينة لمزاولتها، وكلاهما غائب عن مهنة الشحاذة، فهي مهنة يمكن أن يزاولها أي شخص، سواء كان سليماً أو معاقا، غنياً أو فقيراً، طفلاً أو كهلاً، رجلاً أو امرأة، متعلما أو أمياً.. وبالتالي إذا كان لابد من مزاولتها فلابد أن تتوافر لها "شهادات" معينة، من مرجعيات متخصصة، أسوة بباقي المهن.

وأضاف عدو الشحاذين: ثم إن الشحاذ يتلقى مبالغ من المال لقاء بضاعة مأمولة يبيعها للمستهلكين، وهذه البضاعة هي الوعد بموقع في الجنة، فإذا كان الموقع حقيقيا فلابد أن يدخل في باب "العقارات"، وهذا الباب هناك قوانين تنظمه، كما أنه يخضع لقوانين الضرائب، وإذا كان وهمياً فإنه يدخل في باب الاحتيال، وهو ما يعاقب عليه القانون.

وهنا ينبري ثالث من أصدقاء الشحاذين للرد، فيقول إن الشحاذة هي أقرب إلى المشورة، يعني كما يستشير المريض طبيبه ويتلقى الطبيب بدل استشارة، فإن الشحاذ بكلامه ونداءاته وبوجوده الشخصي يطرح نموذجاً أمام الناس، ويريهم عملياً حالة أي واحد منهم إذا فقد عمله ومصدر رزقه وهو بالتالي يحفزهم على العمل وضرورة النشاط فيه.

.... وحسنة لله يا محسنين، فالرحمة هي كلمة مفقودة في القاموس الأمريكي.

 

أنور الياسين