"دم الآخـر": وأول فيلم مغربي عن "الإيدز"

"دم الآخـر": وأول فيلم مغربي عن "الإيدز"

الفيلم المغربي "ريزوس... دم الآخر" أول عمل روائي طويل للسينمائي محمد لطفي, تم عرضه في عدد من دور السينما ببعض المدن المغربية ولفت أنظار الجمهور بالنظر إلى خطابه ومضمونه ودلالاته.. وقد تحمس الموزع السينمائي نجيب بنكيران لتوزيعه حين أحس بإمكانية مساهمة هذا الفيلم في (مصالحة) الجمهور مع الأفلام المغربية. فما هي قصة ".. دم الآخر" وكيف تمت المعالجة السينمائية لقضية ساخنة وحية في المجتمعات الإنسانية? وهل يمكن أن تساهم السينما في التوجيه والتنوير لما هو صحي بالمفهوم الشمولي والممتلىء للصحة الإنسانية المجتمعية والبيئية?

يقدم فيلم "ريزوس... دم الآخر" قصة الشاب عبده (محمد مهدي) المحاط بمجموعة من النساء في مجتمع منفتح بلا قيود, هناك خطيبته الغادة الهيفاء (نادية الجوهري) وبجانبها أمها التي تتحفظ على زواجها من عبده لأنها تطمع في إضافة ثراء ابن عم آمال إلى ترفهم. ومن جهة أخرى هناك أم عبده الحاجة (مليكة العمري) وأخته الصغيرة حسناء وبينهم الخادمة زهرة. وفي أفق مغاير حضرت ديان (سريل غودان) كسينمائية آتية من كندا للتعرف على الفضاءات المغربية المناسبة لعملها في التصوير لمشروع قادم.

يتقلب عبده كفتى محظوظ بين شرعية علاقته مع خطيبته المغربية آمال وبين مشروعية علاقته القائمة كنزوة عابرة مع الضيفة الكندية بعد سلاسل من المغامرات السابقة في قاع المدينة. وقد كانت اللحظة الفاجعة في حياته حين أصيبت أمه الحاجة في حادثة سير حكمت عليه الظروف عندها التبرع بالدم لإسعافها, وتبين بعد الفحص المخبري أنه مصاب بفيروس (الإيدز), في وقت اشتعلت فيه نار الغيرة في صدر خطيبته حينما شعرت بعلاقته مع الكندية. وكانت الصاعقة الأخرى حينما ظهرت أعراض الحمل على خطيبته وانتشر الخبر الخطير في أسرته ومجتمعه الصغير, بالمكتب فالشركة فالشارع الذي لن يرحم بالطبع حامل فيروس الإيدز ـ وإن كان عبده ابن الدرب ـ لجهله بالمرض وظروف انتقاله ومصير حامله وأهله ومجتمعه.

لقد حملت النوايا الطيبة للمخرج محمد لطفي الذي أعد وأنتج الفيلم وكتب له السيناريو برفقة المخرة إدريس شويكة, حملت المعالجة الدرامية للفيلم بحيث طغى هاجسان أساسيان على الجانب الفني السينمائي الذي من شأنه أن يحقق الفرجة فالمتعة بالإبداع لأي فيلم ـ فالهاجس الأول والمحمود في عمل كهذا هو توظيف السينما ـ كأداة وخطاب وصناعة ـ في سبيل التنوير ـ لا التوجيه ـ بخطورة داء فقدان المناعة المكتسب (الإيدز), وذلك في سياق تبدو العلاقات الاجتماعية عنده متفتحة إلى حد التهتك.. فكان من الطبيعي أن يصاب البطل بهذا الفيروس وينقله عبر (غزواته وجولاته) إلى الدوائر الشرعية.

الاتجاه الى الطبيعة

أما الهاجس الثاني فهو ذلك الحس الجمالي البديع الذي سيطر على المخرج (بتوطؤ إبداعي مع المصور ـ حين اتجه إلى قلب الطبيعة الأطلسية الصحراوية الساحرة بمدينة ورزازات ونواحيها, فقدم للمشاهد متعة بصرية (كارت بوستالية) ضمن الرؤية السينمائية, كانت كافية في بابها لإقناع المشاهد بغنى الإمكانات والفضاءات الواعدة بالمزيد من الإغناء لمستقبل السينما المغربية, حقا! ربما كانت هناك علاقات خفية بين المخرج وبعض الأماكن أو الرموز الحاضرة في الفيلم كوصلات إشهارية, ولكن لا بأس بها إن كانت ساهمت في رفد الحمولة الإنتاجية المؤسسة لميزانية الإخراج والتي هي واحدة من أهم العقبات في مسيرة الفيلموغرافيا المغربية.

إذن لقد جاءت المبادرة مهمة ومفيدة في بابها ضمن الرؤية, والخطاب العام للفيلم على مستوى التوعية الصحية عامة والتنوير بما هو اجتماعي على مستوى الإنسان ـ كسلوك وكيان وكرامة ـ في مجتمعه وبتاريخه ومستقبله من منظور آخر. ويمكن القول هنا بأنها المبادرة الأولى لصالح المخرج محمد لطفي بالسينما المغربية وبروح ونظرة وكفاءات وأطر مغربية تكاملت على مستوى الموجود من الإمكانات لتقدم رسالة حاوية للمضمون المهم والذي يطال المشاهد والمجتمع وحضارة الإنسان. ويبقى أن نقول إن نقطة الضعف في السياق العام للفيلم, والتي كان يمكن أن تكون نقطة القوة على المستوى البصري والدلالي ـ هي لحظة أن تهيأ عبده (للحب) مع ضيفته الكندية التي استيقظ فيها وعيها الحضاري فجاهدت حتى أخرجت من حقيبتها العازل الطبي وسلمته بهدوءوحنان للبطل الذي كان غائبا لحظتها فألقى به بعيدا وكان ما كان.

هنا توقعت أن تتبع عين المخرج الفنان ذلك العازل الطبي وتركز على رميه بتلك البساطة أو اللامبالاة, وتركز أكثر على استقراره على الأرض في زاوية الغرفة, حتما ستتسع حدقة المشهد عبر الكاميرا ليفكر في مصير العازل الطبي ودوره, بدل التفكير في المشهد الساخن دراميا, حيث يكفي أن يكون رمزيا يحيل علي عاقبته في الخطاب المرسوم وليس على الإثارة في التقاء الجسوم. فالفن, كل الفن, في التلميح والترميز والإشارة الطاوية للدلالة, كلمة, همسة, لفتة كانت أم نظرة.

 

عبدالله صالح سفيان

 
  




محمد المهدي ونادية الجوهري في دم الآخر





المخرج محمد لطفي اثناء تصوير مشاهد فيلم ريزوس





بطل الفيلم محمد المهدي