مساحة ود

 

إلى والدي

مر عام على إلتحاقي بكلية الطب إلا أني حتى اللحظة لم أوفق في الانسجام مع مكونات عالمي الجديد الذي أردته لي يا والدي, عام مضى وأنا أعيش حالات صراع عصيبة ما بين رفضي لإقحامك لي في عالم تتمناه لوحيدتك وأكبر أولادك وبين رضوخي لرغبتك بدراسة الطب إكراما لأبوتك وتضحيتك من أجلي وأخوتي لاسيما بعد وفاة والدتي رحمها الله.

ثلاثمائة يوم بنهاراتها ولياليها وكابوس فشلي يقضي نضجتي, ويؤرق تفكيري حتى غدا حقيقة لا مفر من مواجهتها, أجل أنا من كنت مضرب المثل باجتهادي وفوقي فشلت, فشلت يا زبي وتعثرت في الخطوة الأولى ولم أتمكن من الإنتقال الى الصف الثاني مع زملائي في الكلية مع أنني قدمت ما بوسعي لكن ولعي بالعلوم الهندسية التطبيقية طفى على كل محاولاتي لتعويد فكري ونفسي على تقبل مالا يطيقانه, نظرية التعود بمرور الوقت التي كانت حجتك لاقناعي بدراسة الطب لم تنجح معي. ذلك أني مشغوفة تمام بالحلم الذي طالما راود مخيلتي وتعايش معي حتى أصبح جزء من مكنونات عالمي الداخلي كما أصبحت صور التصاميم التي حلمت بوضعها وتنفيذها, عالمي الذي أهرب إليه طلبا للراحة والسعادة.

كم أغمضت عينيا وتخيلت نفسي على مرسمي بعد منتصف الليل والقلم مزروع في شعري آخذ خلف أذني وثالث ينساب مع أناملي والمسطرة على للوحة لتحويل بياضها الى مختلف الألوان والأشكال, لكنك لم تترك لي الخيار وربطتني بوصية المرحومة والدتي كما قيدتني بحالة الغضب والإحباط التي اعترتك يوم حاولت عبثا اقناعك بضرورة وأهمية انتسابي الى كلية الهندسة, وذلك أن صوت الأنا الأبوية لرغبتك كان أقوى من كل محاولاتي ومن صوت المنطق الذي قمعته أمنية أب آخذ على كاهله دور الأم والأب فكان ثمال العطاء والحنان ونبراسا للجد والإلتزام.

يؤلمني يا أبي انك عودتني على الصدق والحرية والثقة فميا أقول وأفعل وعندما آن الآوان كي أمارس حريتي في تحديد هوية مستقبلي ولاثبات جدارتي بثقتك. سلبتني هذه الحقوق وشككت في قدرتي على أن أفي بوعي لك بأنك تكون الدكتورة المهندسة مما زعزع ثقتي بنفسي وبقدراتي.

يؤلمني أكثر أنك ربطت حياتي العملية القادمة بحياة ابنة العم التي اختارت الطب بمحض ارادتها فدراسة الطب كان حلمها أما أنا فلا وكلماتك: (من قدم وضحى قلي?! يا خسارة التعب). لا تزال تفعل فعلتها في قلبي وضميري وتجعل روحي بين نارين لانني لست بالفتاة الجاحدة ولا الابنة الناكرة وفي ذات الوقت لا اريد ان اكون الدمية المسيرة.

حملتني يا أبي مسئولية ما لست مسئولة عنه وفشلي اليوم يضاعف من إحساسي بالذنب تجاه حبك ونفسي. بصراحة لم يخطر ببالي خط انه قد أخذلك أو أخذل نفسي أمام الآخرين لكن ما العمل وعقلي يرفض مبدأ المبضع والسماعة والشتريح ويستنكر التعامل مع فكرة الموت والحياة بينما ينساق للمسطرة والحاسوب وتأسره فكرة خلق الجمال وتجسيده وتخليده؟ سامحني يا أبي قد لا أكمل مشواري وقد لا انهي ما تراه عمل انساني لان الانسانية ان اكون انا ذاتي الإمتداد الطبيعي الإنساني والأخلاقي والوجداني لشخصك بدلا من أن ييعدو ما يجمعنا لوحة صماء عليها اسم ثلاثي خاليا من أي تواصل أو فائدة.

أخيرا أقول: يشفع لصراحتي أنك علمتني الصدق في قول الحق, وأن حجتي لك واحترامي لا يعادلهما إلا محبتك لي.. وحيدتك

 

ريم الياسين