طرائف عربية

طرائف عربية

حكايات عن الضحك والنسيان

عمامة المعرفة

رحم الله الشيخ عبدالعزيز البشري. كان أحد الساخرين الكبار بين أهل العلم والسياسة والأدب بداية هذا القرن. كان ساخرا عندما يكتب، وساخرا في ممارسة حياته العامة، والخاصة، وساخراً من مواقف الناس وسذاجتهم.

مرة كان يركب الترام قادما من السيدة زينب متجها إلى ميدان باب الحديد، عابرا الحي القديم بعبقه ومساجده العريقة.

كان الترام أيامها نزهة للألباب ومكانا للفسحة والمرح. كان الشيخ يستند إلى جانب الترام حينما شاهد سيدة قروية ترتدي ملابسها السوداء وتحيط عنقها بعقد من الكارم. كانت في عمر متأخر تضربها شيخوخة عتيقة، تتمتع بنظرة ساخرة، وبسمة ساذجة طيبة.

اقتربت من الشيخ الذي كان يرتدي جبة نظيفة، ويضع على رأسه عمامة بيضاء ناصعة. قالت المرأة:

ـ لو سمحت اقرأ لي روشتة الدواء هذه.

أخذها الشيخ وحين باشر قراءتها وجدها مكتوبة بلغة أجنبية وبخط طبيب يشبه نبش الدجاج فقال لها:

ـ أنا لا أستطيع قراءة هذه الروشتة.

سألته المرأة:

ـ لماذا؟

ـ لأنها بلغة غير لغتنا

نظرت إليه المرأة مستغربة وسألته:

ـ كيف لا تستطيع قراءتها وأنت شيخ أزهري، وتضع على رأسك هذه العمامة الهائلة؟

صمت الشيخ متفكرا، ثم مد يده وخلع العمامة ووضعها على رأس المرأة قائلا:

ـ ها هي العمامة على رأسك. اقرئي أنت بقى الروشتة لو أنت فالحة.

جمال عبدالناصر وإسماعيل يس

الفن المصري في الأربعينيات والخمسينيات يحظى بمحبةالعرب من السعودية شرقا، وحتى المغرب غربا، ومن مصر شمالاً، وحتى السودان جنوبا. إسماعيل يس الذي لايزال يفتن الأطفال كان فارس النزال ذلك الوقت.

الرئيس الراحل عبدالناصر في زيارة مودة إلى المغرب الشقيق في إحدى زيارته للدعوة للوحدة والتضامن ومجابهة الاستعمار.

كان في صحبة طيب الذكر الملك محمد الخامس. الجموع تتدفق من كل صوب، والمغرب عرس مقيم تملأه الأضواء والزغاريد ومحبة المغاربة للزعيم الخالد. كان الموكب يسير في أحد شوارع الرباط، وعلى الجانبين خلق كيوم الحشر، وعبدالناصر بالعربة المكشوفة شمس لا تغيب.

في لحظة الحشر هذه، شق الصفوف مغربي بسيط تلوح على ملامحه الطيبة التي تكتسي بها وجوه المغاربة.

ظل يصارع الجموع، ويخترق الزحام بجهد مضاعف حتى وصل السيارة التي تقل الملك والرئيس وصاح:

ـ يا سيادة الرئيس.. يا سيادة الرئيس

ارتفع الصوت فوق الهامات والهاتفات وبدا واضحا حتى سمعه الرئيس فهمس في أذن الملك وتوقفت العربة وأشار عبدالناصر للمواطن بأن يقترب.

اقترب المواطن من السيارة وحين وقف أمامها، صافح الرئيس وابتسم الملك، ثم شب على قدميه حتى أذن جمال عبدالناصر الذي انحنى يصغى إليه. قال المواطن:

- سيادة الرئيس متى ستكون بالقاهرة؟

دهش عبدالناصر وقال:

ـ ربما إن شاء الله بعد غد.

عند ذلك أكد المغربي الطيب على عبدالناصر قائلا:

ـ بالله يا سيادة الرئيس عندما تكون بالقاهرة لا تنس تسلم لي على إسماعيل يس.

ابتسم عبدالناصر وهز رأسه موافقا، ثم سرعان ما انفجر هو وجلالة الملك في الضحك.

وواصل الموكب سيره في أمان وسط الجماهير الزاحفة.

ركن للنسيان

مصطفى النحاس باشا زعيم الأمة، وابن سعد زغلول، وحامي الديموقراطية، وشمس تضيء جبهة المصريين، ورئيس حزب الوفد ذي الشعبية الكاسحة، وعاقد معاهدة ستة وثلاثين، ولاغيها، وأحد الشرفاء من الحكام الذين لم تشبه شائبة.

جاءت ثورة يوليو فأزاحته إلى ركن النسيان البارد، وأخرجته من ذاكرة المصريين.

جاءت طالبة أوائل الستينيات لعمل بحث مع بعض المواطنين فدخلت عليه بيته وكان يجلس في الشمس ويتدفأ.

سألته البنت عديمة الخبرة.

ـ اسمك؟

ـ مصطفى النحاس

ـ سنك؟

ـ كذا

ـ وظيفتك

ـ زعيم أمة سابق؟

ـ متى كان هذا ؟

أجاب الزعيم والدموع في عينيه

ـ إسألي أبوك.