إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي

وزراء مفضوحون.. وآخرون معصومون

الآن فقط عرفت لماذا كانت فترة حكم السيدة الفاضلة.. المشهورة بالحديدية مارجريت تاتشر من أطول فترات الحكم التي شهدتها بريطانيا. فهي لم ترتكب أي نوع من الفضائح بالقياس إلى العديد من الوزراء الذين توالوا على الحكم وتوالت معها الفضائح من كل صنف ولون، آخرها هي محاولة وزير خارجية بريطانيا روبن كوك تغيير سياسته الداخلية بالكامل حيث قرر التخلي بعد عشرة استمرت 82 عاما عن زوجته (القديمة) والزواج من سكرتيرته الحسناء التي تصغره في العمر، أي أنه قرر أن يمارس سياسته الخفية في العلن على عكس ما تقتضي أمور البروتوكول.

وكالعادة أعلن رئيس الوزراء أن هذا الأمر لن يؤثر في ممارسة الوزير لمنصبه. أعتقد أنه تصريح مؤقت. فقد سئلت مرة زوجة أحد الوزراء البريطانيين: لماذا تسكتين على خيانة زوجك؟ فقالت: لأنه كل مرة يخونني فيها يترك لي بطاقة الاعتماد مفتوحة.

ليست هذه هي الفضيحة الأولى ولن تكون الأخيرة بالتأكيد. وقد صعدت حياة الوزراء البريطانيين إلى العلن مع فضيحة الوزير بروفيمو الذي ارتبط بكريستين كيللر في الستينيات واكتشف وقتها أن عارضة الأزياء الحسناء كانت على علاقة في نفس الوقت بجاسوس سوفييتي وكانت فضيحة غذتها صراعات الحرب الباردة التي كانت محتدمة في ذلك الوقت. ثم توالت الفضائح. وزير مصاب بالشذوذ وآخر يتوقف ليتفاوض مع احدى فتيات الليل واقفة تحت عمود نور وآخر يأخذ رشوة من الفايد.. ومسلسل لا ينتهي من الفضائح أظهرت كل الوزارات عدم أهميتها في البداية ثم سقطت بسببها. ولكن ماذا عن وزراء العالم العربي الأفاضل؟!

الصورة مفرحة بالفعل، فلا توجد فضيحة قد ثارت إلا وتم (قتلها) في المهد إما بالنفي الجازم أو فصل الصحفي الذي كتب الخبر أو إغلاق الصحيفة التي نشرت هذا الخبر. بالطبع لا يملك الوزراء البريطانيون الضعفاء هذه السطوة، لأن هناك قوانين غريبة في هذه البلاد تسمح بحرية النشر بل وتحمي أيضا مصدر الخبر، بل والأعجب من ذلك هو محاولة اتهام أي وزير عربي في ذمته المالية. فكل واحد منهم يدخل الوزارة ولا يملك فلسا ولا وثيقة واحدة، ثم يخرج منها وهو يملك الملايين وعشرات الوثائق التي تثبت نزاهته وبراءته. ولم يحدث في أي بلد من العالم العربي أن تم التحقيق مع أي مسئول حول مصادر ثروته المفاجئة ولم يخرج منها بريئا، بل أثبتت التحقيقات في احد البلاد أنه كان يتبرع بمرتبه لصغار الموظفين إمعانا منه في النزاهة والزهد.

هل أدركتم لماذا قلت إن الصورة عندنا مفرحة؟ لقد كان الإمام محمد عبده يلعن دائما فعل ساس ويسوس ويرى أنه أساس كل البلاء ولم ينتظر أن يرى النعيم الذي يجنيه البعض من جراء استعمال هذا الفعل بطريقة جيدة، فهي تحرك حياتهم وأفكارهم وشهواتهم وجشعهم وطموحاتهم وقسوتهم، وأيضا.. لطفهم وكرمهم. وفي إطار السياسة ترى الخير والشر من منظور مختلف، لا يعترف بالمفاهيم السائدة، ولا يسأل احد نفسه هل عشت حياة خير أو شر؟.. هل أحسنت أم أسأت صنعاً.. ولكنه يسأل نفسه فقط ماذا جنيت؟

عموما لا عزاء للوزراء البريطانيين (العمال) الذين ما إن تولوا الوزارة حتى بدأت تلاحقهم الفضائح ومرحى لمسئولي العالم العربي الذين لا تلتصق بثيابهم الناصعة أي شائبة.