محمد المر وكامل يوسف حسين

محمد المر وكامل يوسف حسين

  • لماذا لا يتبنى رجال الأعمال العرب تمويل المشروعات الثقافية الكبرى?
  • الجهود العربية في نشر الثقافة العلمية بأوساط الشبيبة تحتاج إلى دفعة قوية
  • المشهد الروائي العربي يعاني من إحباطات كثيرة ويرغم على تقديم تنازلات فنية وفكرية
  • القصة بطبيعتها المكثفة لا تسمح برسم بانوراما متشعبة للذاكرة الخليجية
  • الفهم المتحيز لوضعية المرأة في مجتمعنا العربي أدى إلى تصويرها بشكل هامشي

تشكل ذاكرة الكاتب جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للشعب, بكل مكوناتها الاجتماعية والفكرية والأسطورية, والأديب الإماراتي محمد المرّ رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم بدبي ومؤلف اثني عشر كتاباً يعرض هنا لقضايا إشكالية تمس ليس ثقافة مجتمع الخليج العربي فقط بل الثقافة العربية بوجه عام والموقف من المرأة ودور الأديب في مجتمع متغير وصلة القطاع الخاص بالثقافة. أما الوجه الآخر الذي توجه إليه بالأسئلة فهو الصحفي والمترجم المصري كامل يوسف حسين.

القارئ لمجموعاتك القصصية الاثنتي عشرة يخيل إليه أنك ترسم بانوراما هائلة لعالم يوشك على الرحيل, أو أنك تحاول الإمساك بجوهر ذاكرة بأسرها, يمكن أن تنداح للنسيان, وتصبح بالنسبة لأبناء الغد كنزا مفقودا, أهذا ما تسعى لاجتراحه حقا?.

ـ معظم أعمال الإبداع القصصي والروائي لابد أن تغرف من ذاكرة الكاتب, التي تشكل, في معظم الأحيان, جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية لشعب من الشعوب, بكل مكوناتها الاجتماعية والفكرية والأسطورية, وهذه الظاهرة تشاهد بوضوح في مختلف النتاجات القصصية والروائية, التي ظهرت في مختلف دول العالم, بما في ذلك الدول العربية, وهي في الوقت نفسه تظهر بوضوح في أعمال القص الواقعي, التي تركز على قضايا اجتماعية, بينما تبهت قليلا في رواية الخيال العلمي, أو أعمال الخيال المحلق "الفنتازيا", إذا انتقلنا إلى أعمالي القصصية المتواضعة, فإن القصص التي كتبتها بتأثير المرحلة التاريخية السابقة, أي مرحلة ما قبل البترول في دولة الإمارات, تعتبر قليلة مقارنة بالقصص التي كتبتها عن المرحلة الحالية, أي المرحلة الانتقالية, بكل اضطراباتها وفورانها.

والحقيقة أن القصة القصيرة, بطبيعتها المكثفة, والتي تركز على حدث واحد, أو أحداث قليلة, والتي تهتم بشخصيات محدودة, لا تسمح برسم "بانوراما" واسعة للأحداث الاجتماعية, التي تغرف من الذاكرة المتشعبة لأبناء الشعب العربي في الإمارات أو الخليج.

هنالك مكان واسع في المشهد الروائي الخليجي للرواية التاريخية, أو رواية الأجيال الاجتماعية "على طريقة ثلاثية نجيب محفوظ, مثلا, والتي أرخت للمجتمع المصري في مراحل العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات" كما أن المحطات التاريخية والجغرافية, التي يمكن أن تنتقل بينها شخصيات تلك الرواية, كثيرة ومتعددة, في المحطات التاريخية هنالك الحربان العالميتان الأولى والثانية وتأثيراتهما في المنطقة.

في المحطات الجغرافية هنالك المدن الصحراوية والساحلية والجبلية على ضفتي الخليج, بالإضافة إلى مناطق الساحلين الإفريقي والهندي, اللذين يطلان على المحيط الهندي.

مكانة المرأة

* المتأمل لسطور قصصك, وما بينها, لا يمكن إلا أن يرصد المكانة الخاصة التي تحظى بها المرأة في هذه القصص والفهم العميق لخلجات المرأة الخليجية وعواطفها وأحزانها, من أين جاء هذا البعد في أعمالك?

ـ تعاطفي الشديد مع المرأة راجع إلى أنني عشت طفولتي وصباي في عائلة مليئة بالنساء, فهنالك والدتي وثلاث أخوات, وعمة واحدة, وعدد كبير من الخالات, ولما كنت وحيد والديّ, فقد كانت هنالك رغبة شديدة من قبلهما لاقتسام الاهتمام بي, فوالدي كان يصطحبني معه في طفولتي إلى مكان عمله, وإلى الأسواق, والمقاهي, ومجالس أصدقائه, بينما كانت والدتي تصطحبني معها إلى زيارة قريباتها وصديقاتها وجاراتها, وقد ساهم اهتمام والدتي الكبير بي في فتح عيني منذ وقت مبكر, على عالم النصف الآخر, بكل خصوصياته الحميمة, وعلى حقيقة مهمة, وهي أن المرأة إنسان مستقل بذاته, له همومه الخاصة, ومعاناته الخاصة, وفهمه الخاص, وعالمه الخاص, أي أنها لم تخلق في هذا الكون لتكون دمية, أو خادما لرجل, كل همها هو طلب رضاه وتحقيق متعته, إن الفهم المتحيز لوضعية المرأة في مجتمعنا العربي هو الذي أدى إلى تصويرها, في الكثير من الأعمال الأدبية العربية, بشكل هامشي, وسطحي, هنالك الكثير من الكتاب والأدباء العرب الذين كتبوا العشرات من الكتب حول المرأة, وتغزلوا بها شعرا ونثرا, ولكنهم لم يقرأوا كتابا واحدا عن سيكولوجية المرأة, ولو فعلوا ذلك لاكتشفوا أن أكثر ما كتبوه هو أوهام وخيالات, لا علاقة له بالمرأة, كجسد ونفس, في أعمالي القصصية لم ألجأ إلى تصوير المرأة في الثنائية المعروفة "القديسة ـ الغانية" ولكنني حاولت أن أصور الإنسانة, وعلى الرغم من تعاطفي مع المرأة, التي اضطهدت كثيرا عبر العصور, فإنني لا أستطيع أن أقول إنني تخلصت تماما من حساسيات وترسبات نفسيتي الذكورية, في معالجتي القصصية لوضع المرأة ولا أعتقد أن ذلك ممكن, أو ضروري.

تجربة متعددة

* ما أنت في كل بلدة? وما تبتغي? هذان سؤالان لا يمكن إلا أن يشقا طريقهما إليك, فأنت تكتب القصة, والمقالة, وأدب الرحلات, والدراسات اللغوية, وتعشق الفن التشكيلي, وتدعو للاهتمام بالموسيقى الكلاسيكية, كيف تجيب عن هذين السؤالين?

ـ عندما تفتحت عيناي على نتاجات الفكر والأدب, في مرحلة مبكرة من حياتي, تأثرت بأعمال توفيق الحكيم, وسلامة موسى, وطه حسين, وحسين فوزي, وعباس محمود العقاد, وخالد محمد خالد, وغيرهم من الكتاب والأدباء المصريين, الذين حصلوا على ثقافة موسوعية متعددة الجوانب والاهتمامات, ومعظم أولئك الكتاب الكبار كتبوا في مجالات فكرية وأدبية مختلفة, فدبجوا المقالات الصحافية, وألفوا السير الذاتية, وكتبوا الأعمال القصصية والروائية والمسرحية, واهتموا بأدب الرحلات.. إلخ, كما أنهم, على الرغم من اهتمامهم الكبير بالتراثين الأدبي والفكري العربي, إلا أنهم نهلوا بغزارة من معين الحضارة الأوربية, تأثري بتلك التجربة الغنية لأولئك الرواد الكبار جعلني, عندما سافرت للدراسة في أمريكا وأوربا, أهتم بالعديد من الشئون والشجون الأدبية والفكرية والفنية, فقرأت في الأدب المسرحي الغربي, وترددت على العروض المسرحية الجادة في نيويورك ولندن, وواظبت على مشاهدة روائع الفنون في متاحف اللوفر والمتحف البريطاني والمعرض الوطني ومتحف المتروبوليتان والكونستهستوريش وغيرها, وتابعت تاريخ الموسيقى الكلاسيكية, وحضرت روائع الأوبرا والبالية والموسيقى الكلاسيكية في مسارح "الكوليزيم" و"كوفنت جاردن" و"المتروبوليتان" و"كارنبي هول" و"أوبرا فيينا" و"المسرح الوطني" في ميونيخ و"أوبرا باريس".. إلخ, وقرأت نتاجات أهم كتاب المقالة الصحافية المميزة, في الصحافة البريطانية والأمريكية والغربية, وأطلعت على العديد من أعمال أدب الرحلات المعاصر, مثل كتابات بول ثورو, ونيبول, وتشاتوين, كما أنني كنت مغرما منذ صغري بالقصة والرواية, حيث قرأت في صغري السير الشعبية, مثل ألف ليلة وليلة, وعنترة, وتغريبة بني هلال, والأميرة ذات الهمة, وسيف بن ذي يزن, والتهمت السلاسل القصصية, التي كانت تصدرها دار المعارف المصرية, مثل سلسلة كامل كيلاني, والمكتبة الخضراء, وأولادنا وغيرها.

كل ذلك أدى إلى تعدد نتاجاتي واهتماماتي, ولست أدري إذا كان هذا التعدد يغني تجربتي ومساهمتي الأدبية المتواضعة, أم أنه عامل سلبي, يشتت جهودي وقدراتي في مجالات شتى, بدلا من تركيزها في مجال واحد?! ولكن هذا ما حدث, وما باليد حيلة.

ندوة الثقافة والعلوم

* تضعك رئاستك لمجلس إدارة مؤسسة ثقافية بارزة, هي ندوة الثقافة والعلوم بدبي, أمام تحد كبير, يشمل في أحد أبعاده محاولة تعميق المدى الذي تضرب إليه جذور الثقافة العلمية بشكل خاص في أرض الإمارات. ما هو تصورك لإمكان تحقيق النجاح في التصدي لهذا التحدي? وهل هناك إمكان للتنسيق في هذا الجانب بين الندوة والمنظمات المناظرة في الدول العربية الشقيقة مثل مؤسسة الكويت للتقدم العلمي?

ـ تجربة مؤسسة "ندوة الثقافة والعلوم" في مدينة دبي هي جزء من تجارب العمل المؤسسي في دولة الإمارات, فهنالك تجربة "المجمع الثقافي" في أبوظبي, "والدائرة الثقافية" في الشارقة, واتحاد كتاب وأدباء الإمارات وجمعية الاجتماعيين وغيرها.

وقد استطاعت الندوة, خلال عمرها القصير, أن تساهم بجهود واضحة في المسيرة الثقافية في دولة الإمارات, فهناك الجوائز التي تشرف عليها الندوة, مثل "جائزة الشيخ راشد آل مكتوم للتفوق العلمي" وهي جائزة سنوية للمتفوقين والمتفوقات من مواطني الإمارات, في شتى المجالات الدراسية والأكاديمية, "وجائزة سلطان العويس للدراسات والابتكار العلمي" وهي أيضا جائزة سنوية لتشجيع الباحثين من أبناء الإمارات, في مجال البحوث والدراسات والابتكار العلمي, وهنالك سلسلة المحاضرات والندوات, خلال الموسم الثقافي, لرفد الساحة الثقافية المحلية بمساهمات لخيرة المفكرين والأدباء العرب, حيث استضافت الندوة في مواسمها السابقة لفيفا من الأعلام, أمثال الشيخ محمد الغزالي, وفهمي هويدي, وتركي الحمد, ومحمد جابر الأنصاري, ومنح الصلح, وعلي عقلة عرسان, وفاروق شوشة, وعز الدين إسماعيل, وكمال النجمي, وغيرهم, أما في مجال الطبع والنشر فهنالك سلسلة "كتاب الندوة" و"سلسلة معارف إنسانية" وقد نشر ضمن هاتين السلسلتين العديد من الكتب الأكاديمية والثقافية والعلمية المهمة.

في مجال الثقافة العلمية اهتمت الندوة بتعميقها في صفوف شبيبة الإمارات, عن طريق إنشاء "نادي الإمارات العلمي" الذي شارك شبابه وأعضاؤه في العديد من الملتقيات والمؤتمرات للمنظمات الخليجية والعربية المشابهة, وحصلوا على العديد من الجوائز المميزة. ولكني أعتقد أنه, على الرغم من تلك الجهود, فإن الجهود العربية في مجال نشر الثقافة العلمية في أوساط الشبيبة العربية غير كافية, وإذا قارنا بين كتب تبسيط العلوم, التي تتوافر للشباب في أمريكا وأوربا, والكتب المتوافرة للشبيبة العربية, لطغى علينا الإحباط. فكتبهم في هذا المجال كثيرة, وحديثة, ومتطورة, ومغرية للعين والعقل, وكتبنا قديمة, وجامدة وغير جاذبة. كيف نريد لأبنائنا أن يبدعوا ويتفوقوا والمتوافر من الكتب والمطبوعات العلمية لهم لا يشجع على إبداع ولا يدعو إلى تفوق? ولو أننا صرفنا على هذا المجال ربع أو خمس ما نصرف على الرياضات الاستعراضية والمشروعات المظهرية لتغيرت الأمور, ولما أشرفنا على القرن الحادي والعشرين ونحن عالة على الأمم, في مجالات العلوم والاختراعات والابتكار.

فهم الشعوب

* من خلال مجموعتي "قصص دبوية" و"غمزة الموناليزا" المترجمتين من قصصك, فإنك أكثر أدباء شبه الجزيرة العربية من حيث إطلال الأعمال الأدبية على قراء اللغة الإنجليزية. إلى أي حد, في اعتقادك, يمر الأدب العربي بمرحلة ازدهار في اهتمام الغرب به?

ـ ترجمة الآداب العربية, سواء أكانت أعمالي المتواضعة أو أعمال كبار الأدباء العرب إلى اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوربية, لا أعتقد أنه شيء طارئ, الأوربيون, في إطار مشروعهم النهضوي, الذي استمر لمدة تزيد على خمسة قرون يريدون أن يفهموا الشعوب الأخرى, لذلك فإنهم درسوا لغاتها وأديانها وآدابها وعاداتها وتقاليدها وجغرافيتها وتاريخها, وكان باعثهم في ذلك الفضول العلمي والثقافي والحضاري والمصلحة الاقتصادية والاستراتيجية. وما ترجم في العقود القليلة الماضية من الأدب العربي إلى اللغات الأوربية يعد قليلاً, إذا ما قورن بما ترجم من الأدب الياباني أو أدب أمريكا اللاتينية مثلا. ويكفي أن نعرف أن أديبنا الكبير نجيب محفوظ لم تترجم أعماله المهمة إلى اللغات الأوربية إلا بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب. هنالك عدة معوقات تحد من ترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى اللغات الأوربية, ومنها اختلاف الثقافة والديانة, وقلة النتاجات الأدبية العربية, فنحن إذا قارنا الإصدارات الأدبية العربية في مجالات القصة والرواية والمسرحية بما يماثلها, في دول مثل بريطانيا عدد سكانها ثلث أو ربع عدد سكان العالم العربي, لوجدنا تفوق الإصدارات البريطانية, من حيث الكم والكيف, فهنالك نتاجات الرواية التاريخية, والبوليسية, والعاطفية, بأنواعها, ورواية الخيال العلمي, ورواية الفنتازيا, وهنالك نتاجات أدب الأطفال المميزة, وأدب الرحلات المختصة, وأدب السيرة والسيرة الذاتية, وأدب الرسائل واليوميات وغيرها كثير. أين نحن في العالم العربي من ذلك التعدد والتنوع والغنى في الإنتاج الأدبي?

صحافة تحفر في الصخر

* أنت متابع لأوضاع الصحافة العربية. هل تقدمت الصحافة العربية أم أنها تراوح مكانها? وهل قامت بدورها التنويري الذي نذرت نفسها له منذ بداية القرن الحالي? أم أنها تقاعست في مهمتها?

ـ كنت أتحدث مع عضو في البرلمان الباكستاني, فقال لي إن أسوأ عهد شهدته الصحافة الباكستانية كان أيام الحكم العسكري في ولاية الرئيس الباكستاني الأسبق محمد ضياء الحق, حيث جلد بعض الصحافيين, أمام الملأ, عقابا لهم على آرائهم المعارضة, فتبسمت, وقلت له: لو اكتفت بعض الأنظمة العربية بجلد الصحافيين المعارضين, لكان ذلك رحمة وشفقة وتصرفا متسامحا! استغرب ما طرحته, وقال لي: هل تمزح? قلت له: لا, هنالك صحافيون عرب كتبوا آراء شمت منها تلك الأنظمة قليلا من رائحة المعارضة, فشتتتهم في المنافي, وغيبتهم سنوات طوالا في السجون, وأزهقت أرواحهم. وذلك الوضع المأساوي بالنسبة لحرية الرأي, أدى إلى تدهور الصحافة العربية, فقد تدهورت المؤسسات الصحافية, وتدهورت أحوال العاملين فيها, وابتعدت الصحافة العربية عن التعددية وصراع الأقلام والجدية. قبل أن يسيطر القمع على الصحافة العربية منذ الستينيات, كانت تفور بالحركة والحيوية والنشاط. حتى عناوين المجلات والصحف كانت فيها روح المغامرة والاكتشاف, خرجت في تلك السنوات مجلة اسمها "نصف كلمة" و"روز اليوسف" باسم ناشرتها و"صباح الخير" و"آخر ساعة" و"الدبور" وغيرها. الآن حتى أسماء المجلات تبتعد عن المغامرة, أما المحتوى فأصبح يميل إلى الغثاثة والسطحية, جريا وراء الفلسفة السينمائية العربية العتيدة: "الجمهور عايز كده"! راجع أي تحقيق منشور في مجلة من المجلات الأسبوعية العربية المنوعة, وهي الموضة الصحافية السائدة هذه الأيام, وقارنه بأي تحقيق منشور في مجلة في مجلات المنوعات الإنجليزية أو الأمريكية مثل "فانتي فير" و"اسكواير" وغيرهما فإنك تجد أن تحقيقاتنا ومقالاتنا المطولة لا تتعدى ثلاث صفحات أو أربع صفحات, وتحقيقاتهم ومقالاتهم المطولة قد تصل إلى ثلاثين أو أربعين صفحة! وإذا انتقلنا إلى محتوى تلك التحقيقات والمقالات, فحدث ولا حرج, عندنا استسهال, وسلق, واستعجال, وعندهم تعمق, ودراسة, وبحث, واستقصاء, عندنا جمل متناثرة, وعبارات متهافتة, وعندهم جمل راقية, وعبارات فنية, الصحافة العربية, مهما حاولت أن تكون مخلصة ومبدعة, إلا أنها في التحليل الأخير نتاج طبيعي لوضعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحضاري, الذي يعيش هذه الأيام في مرحلة لايمكن أن يصفها المراقب بأنها مرحلة ازدهار أو تقدم, مهما كان متفائلا!

وعلى الرغم من ذلك, لا يمكن أن نغفل بعض الأقلام والتجارب الصحافية العربية, التي لا تزال, على الرغم من كل المعوقات, تحفر في الصخر, وتحاول أن تكون مخلصة لدورها التنموي والحضاري.

الرعاية الثقافية

* كيف تنظر لمساهمة القطاع الخاص في دولة الإمارات في المجال الثقافي, خصوصا وأن هنالك نماذج بارزة منه تعدت مساهمتها المجال المحلي الضيق إلى المجال العربي الواسع?

ـ قرأت أخيرا مقالة للأديب المصري يوسف القعيد, في إحدى المجلات الأدبية المصرية يهيب فيها برجال الأعمال المصريين أن يقتدوا ببعض رجال الأعمال, في دول الخليج بشكل عام, ودولة الإمارات بشكل خاص, حيث شكلت مؤسسة سلطان العويس الثقافية وجائزتها الأدبية المعروفة ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث نماذج بارزة, في كيفية إسهام القطاع الخاص في دعم الثقافة العربية في شتى مجالاتها, وهذه الإسهامات الواضحة تثلج الصدر, وتنير الطريق لباقي رجال الأعمال, في مختلف الدول العربية, خصوصا أن الأرض العربية عطشى لمثل هذه الإسهامات, في جميع المجالات: في مجال الطبع والنشر, ومجال دعم الكفاءات والمواهب الناشئة ومجال الاهتمام بمختلف أنواع الفنون, ومجال تحقيق ونشر التراث العربي والإسلامي والعلمي المجهول, الذي لايزال حبيس المكتبات العالمية, ومجال تشجيع الابتكار والبحث العلمي. لماذا لا تتبنى مجموعة من رجال الأعمال العرب تمويل مشروعات ثقافية كبرى, مثل إصدار المعجم العربي الكبير, أو المعجم التاريخي للغة العربية, أو الموسوعة العربية الكبرى, أو ترجمة أحدث النتاجات العلمية الصادرة باللغات الأوربية الكبرى, أو ترجمة موسوعة تبسيط المعرفة العلمية للشباب العربي? هنالك العشرات من المشروعات الثقافية العربية المهمة, التي يمكن أن يساهم القطاع الخاص العربي في تمويلها ودعمها, لتخرج إلى حيز النور, فتساعد مساعدة فعالة في إخراج شعوبنا من وهدة التخلف العلمي والفقر الثقافي, ويزخر تاريخنا العربي والإسلامي في عصوره الذهبية بنماذج بارزة, في هذا المجال, فكان الخلفاء والأمراء والأثرياء يشجعون الشعراء والأدباء والفلاسفة والكتاب ويغدقون عليهم, كما أنهم دعموا نظام الوقف الإسلامي الذي كان يصرف منه على طلبة العلم في مختلف مراحلهم الدراسية, ونحن نجد في الحواضر الأوربية والأمريكية واليابانية المتقدمة المؤسسات الخيرية, التي يقيمها الأثرياء في أثناء حياتهم أو بعد مماتهم, لدعم البحوث والآداب والفنون, وكلنا سمع عن مؤسسات أثرياء الولايات المتحدة أمثال كارنجي, الذي أنشأ مئات المكتبات العامة في طول وعرض الولايات المتحدة, وروكفلر وجبيتي وغيرهم. بل أذكر أنني قرأت, قبل سنوات قليلة, عن ناشر أمريكي ثري, كان قد جمع مجموعة كبيرة ومهمة لفناني المرحلة الانطباعية الأوربية, وقد عرضت عليه مجموعة مالية يابانية مبلغ ألف مليون دولار لشراء تلك المجموعة, فرفض, وفضل أن يهديها لمتحف المتروبوليتان في مدينة نيويورك, ضاربا أروع الأمثال لوطنية رجل الأعمال, الذي يريد أن يرد الجميل لوطنه, الذي أعطاه الفرصة لكي يعمل, وينجح, ويراكم ثروته.

أعمال روائية

* المشهد الروائي العربي هذه الأيام, هل تتابعه? وما هي الأعمال الروائية التي شدت انتباهك فيه?

ـ لاشك في أن الروائي والأديب العربي يعاني كثيراً, في الدول العربية, من إحباطات عديدة, منها الاستبداد السياسي, وتخلف صناعة طبع ونشر وتوزيع الكتاب العربي, وإرهاب أجزاء محافظة من الرأي العام العربي, وعدم قدرة الكاتب على توفير دخل مناسب من أعماله الأدبية, إلا إذا كتب للتليفزيون أو السينما, مع ما يصاحب ذلك من تنازلات فنية وفكرية, ويكفي أن نعرف أن نجيب محفوظ, وهو أهم روائي عربي, لم يكن يعتمد في دخله المعيشي على ريع رواياته وكتبه, بل على راتب وظيفة الخدمة المدنية.

من الأعمال التي شدت انتباهي, أخيرا, ثلاثية الروائي المصري جميل عطية إبراهيم "1952 ـ 1954 ـ 1981" وثلاثية الروائي خيري شلبي "أولنا ولد, وثانينا الكومي, وثالثنا الورق" وأعمال الروائية اللبنانية حنان الشيخ "زهرة ـ بريد بيروت" ورواية "شقة الحرية" للأديب السعودي غازي القصيبي ورواية "شجرة الكلام" للكاتب السوري محمد أبومعتوق وأعمال الروائي الليبي إبراهيم الكوني "التبر ـ نزيف الحجر" وعلى الرغم من أنني لست من مؤيدي الكتابات باللهجات المحلية, فإنني وجدت متعة في قراءة رواية "لبن العصفور" للأديب المصري يوسف القعيد, والتي كتبها باللهجة المصرية.

ولقد ساعدت سلسلة روايات الهلال الشهيرة, التي تصدرها الهلال المصرية, والسلسلة الروائية في دار رياض نجيب الريس في لندن, في ظهور العديد من الأعمال الروائية الجديدة, التي أغنت, في السنوات القليلة الماضية, المكتبة الأدبية العربية.

 



 
  




محمد المر





كامل يوسف حسين





غلاف مجموعة "سحابة صيف" لمحمد المر