الرياضة والصحة

الرياضة والصحة

العلاج بالصوت

(أوووووو )

عند سقف العالم، قرب خط الثلوج على جبال (الهيمالايا) جذبني الصوت، فاتجهت أبحث عن مصدره.

كنت أصعد نحو قمة أحد معابد بوذيي التبت، على ارتفاع يزيد عن 4000 متر، وكانت أنفاسي قد تقطعت تماماً من عناء الصعود، بدأت أحس بالاختناق مع انخفاض الضغط وقلة الأوكسجين عند هذا الارتفاع، ورحت بالكاد أجرجر قدمي متساندا على الجدران والأبواب، أوشك على التداعي، لكنني أتماسك من شدة الفضول، وأتجه إلى مصدر الصوت الذي كان يتضح ويعلو مع الاقتراب:

(أووووووو)

كان الصوت يستمر لبعض الوقت، ثم ينقطع مع دقة طبل كبير، وتقرع أجراس صغيرة بعد حين من الصمت، ويعود الصوت من جديد.

دخلت إلى قلب المعبد (بوداستوبا)، وتُهت في دهاليز قرمزية تضيئها شموع كثيرة برغم رائعة النهار، مكثت أتحرك باتجاه الصوت، حتى أطللت على القاعة القرمزية المهيبة التي يجلس فيها الرهبان الحكماء، متربعين وراء طاولتين خفيضتين تمتدان من أول إلى القاعة إلى آخرها، يصنعون صفين متقابلين بينهما ممشى طويل. ورأيت الطبل الكبير، والأجراس في بعض الأيادي، ثم كان الصوت يخرج من صدور وأفواه الرهبان الأطباء:

(أووووووو).

جذبني الصوت لمجاراته بصوتي: أوووو، كررت ذلك مرات عديدة، لبضع دقائق، وبدأت أحس بارتياح مدهش.. عادت أنفاسي إلى السلاسة برغم الارتفاع، ودبت العافية في جسدي، وخرجت أتمشى وأواصل الصعود، متجاوزا ارتفاع الأربعة آلاف متر، عند سقف العالم، على حافة التبت، وتحت قمم جبال الهيمالايا.

كيف حدث ذلك?!

للروح، وللجسد

استبعدت بالطبع أي تأثير عقائدي لتلك التجربة، فأنا فيها مجرد متفرج يجاري عرضا يشاهده. لكنني بدأت انتبه إلى ممارسات مشابهة يلعب الصوت فيها تأثيراً مماثلاً، كلمة (أووم) لدى المتعبدين الهنود ضمن أدعية (المانتارا)، وكلمة (آمِن) في صلوات أهل الكتاب والأهم والأقرب لي دعاء (آمين) الذي ما إِن أطلقه من صدري حتى أحس بغيث الرحمة يغسلني، ويملأ راحتي المفتوحتين نحو السماء بكرم عطايا رب العالمين، وأحس بالراحة في نفسي، وفي جسدي.

وأنتبه أيضا إلى تأثير الصوت الذي نطلقه عند الألم: (آ اااه). ولفظ الجلالة الذي نرسله مديداً عندما تضيق بنا الدنيا، أو نكتشف مآزقنا:

(يا اللـ ااا ه).

لقد رأيت في ذلك كله بعداً مشتركاً على مستوى التفسير الفسيولوجي البشري، وهو الجزء المعني في نطاق حديثنا عن (الصحة) هنا، والذي هو بالتأكيد دون حديث الروح ـ التي هي من أمر ربي ورب العالمين جميعاً.

رأيت تأثير ذلك الصوت الذي يخرج محمولاً على هواء زفير طويل، وعدت إلى كتاب (العلاج بالتنفس الشرقي) لعالم الطب والنفس، الياباني (تاكاشي ناكامورا)، الذي نقل عن زميله الدكتور (تو مينو هيراي) يقول: (إن إطالة النفس وإمساكه مع ضغط البطن يُظهر فعالية كبيرة لموجات ألفا في رسم المخ الكهربي ويشير إلى تحكم خلاق في الجهاز العصبي اللا إرادي، وهذا موجود في نمط التنفس المصاحب للتأمل عند بوذية (زِن).

بل وفي غير بوذية زِن.

فهذا النمط من التنفس يجري مع الفطرة، وتبعا لحاجة البشر إلى راحة الجسد والنفس، ويحتمه إطلاق الأصوات اللينة أو أصوات المد، المتاحة لكل البشر على اختلاف لغاتهم، وتباين معتقداتهم.

رحت أتعقب موضوع (العلاج بالصوت)، وهو موضوع تخلطه بعض المراجع والممارسات الطبية مع (العلاج بالموسيقى)، وتفصله مراجع أخرى، وهذا مما نفضله، لأنهما بذاتهما مبحثان كبيران، ولكل توجهه وتشعبه.

تاريخياً، يمكننا أن نجد هذا التوجه على مبعدة آلاف السنين، لو بحثنا عنه في متن أو ثنايا الثقافات القديمة، دينية أو دنيوية. لكننا نجد ـ أقرب من ذلك ـ الفيلسوف والرياضي الشهير (فيثاغورث)، منذ 2500 سنة، إذ كان يعلم تلاميذه أن الأصوات تساعد على العمل، والاسترخاء، والنوم، والصحو بعافية.

وبرغم أن عام 1896 يسجل لبدء الاهتمام الطبي الحديث باكتشاف التأثيرات الإيجابية للموسيقى، التي تزيد من تدفق الدم وتساعد على الصفاء العقلي، وكان ذلك في الولايات المتحدة، إلا أنه يمكن اعتماد هذا التاريخ كبداية لانتباه الطب الحديث للعلاج بالصوت، فالعلاج بالموسيقى لفت الانتباه إلى إمكان العلاج بالغناء، ومن ثم بالترنيم أو التنغيم، وفي نهاية المطاف.. العلاج بالصوت.

ولم يعد العلاج بالصوت وقفاً على الصوت البشري وحده، أو حتى أصوات الطبيعة، بل تجاوز ذلك إلى حد إنتاج أجهزة الكترونية ـ غير أجهزة التشخيص ـ لإطلاق موجات صوتية للعلاج الكلي، والموضعي أيضاً.

أسماء وطرائق

في الخمسينيات والستينيات، من القرن العشرين، بدأ تدفق الأسماء المقرونة بتطوير العلاج بالصوت.

طبيب العظام البريطاني (بيتر مانرز) ابتكر جهازا لإطلاق موجات صوتية للعلاج الموضعي وأخذت طريقته اسم المعالجة (السيمية) CyMATICS وفيها يقوم الجهاز بنقل الموجات الصوتية عبر الجلد إلى منطقة محددة داخل الجسد لعلاجها، وأرجع (مانرز) الأثر العلاجي لأجهزته إلى كونها تجعل خلايا الجزء المصاب تتذبذب حتى تصل إلى حدها الأقصى ـ وهو معدل التردد الصحي لهذه الخلايا.

واختصاصيا الأذن الفرنسيان، الدكتوران (جاي بيرار) و(ألفريد توماتي) ابتكرا طريقة التدريب السمعي التكاملي AIT عن طريق أجهزة تهدف إلى إطلاق أصوات ذات موجات صوتية منتقاة لإعادة تدريب الأطفال التوحديين والمصابين باللعثمة على سماع وإدراك أصوات كان يعسر عليهم التواصل معها.

أما في العقد الأخير من القرن العشرين، فقد طوّر الأطباء الفنلنديون (المنهج الفيزيقي السمعي) PAM، وهي طريقة تستخدم موجات صوتية يولدها الكمبيوتر وتبث عبر سماعات مثبتة في كرسي طبي يجلس فيه المرضى لخفض ضغط الدم المرتفع وإزالة التوتر العضلي بهدف الوقاية من مضاعفات أمراض القلب والشرايين.

ولم تبخل نهايات القرن العشرين على الصوت البشري باسم يطوِّر طريقة علاجية تحمل تسمية: (النغم المغولي الفائق) ابتكرها مدرب الترنيم العلاجي (جيل بوريس)، وفيها يتعلم الناس كيف يستخلصون من أصواتهم نغمات عالية النقاوة تدخلهم عميقاً في حالات التأمل الهادف إلى الصفاء العقلي والسلام الداخلي.

من يفيد? وكيف يفيد?

إن العلاج بالصوت باستخدام أجهزة الكترونية حديثة لإطلاق موجات معينة التردد، ثبت أنها تساعد على التئام الكسور والجروح، كما يُعتقد أنها مفيدة في معظم أمراض الجهاز الحركي كما في حالات التهاب العضلات التليفي، والروماتيزم، والتهاب المفاصل، وآلام الظهر، والشد العضلي، والرضوض، والصداع النصفي، وآلام الأعصاب، وتساعد في علاج التهاب الجيوب الأنفية. كما ثبت أنها تفيد قبل إجراء الجراحات، فتجعل عمليات ترميم الورك أكثر نجاحاً، كما تخفف من آلام الانزلاق الغضروفي بما يسمح بعمليات التصحيح اليدوي.

ويؤكد المعالجون بالترنيم أو الغناء الإيقاعي أن الصوت في هذه التدريبات يمكن أن يفيد الكافة خاصة ممن يعانون الضغوط النفسية، وكل ما يرتبط بها أو يترتب عليها من أمراض نفس جسدية.

وقبل العلاج بالصوت ينصح بالتشخيص الجيد، والتقييم الجيد للحالة، وقد يكون المرور على الطبيب العادي أولاً من الأهمية بمكان، ففي نهاية الأمر يمثل العلاج بالصوت ـ كما علاجات الطب البديل معظمها ـ عنصراً متكاملاً مع الطب الغربي الحديث، وفي حالة انفرادها فهي وسيلة وقائية لمنع ظهور أو تفاقم الأمراض.

عند استخدام الأجهزة المصدرة للصوت، خاصة الإلكترونية منها، تُنتقى الموجات الصوتية ذات الترددات المناسبة للغاية العلاجية، وفي حالة التطبيق الموضعي، يُدهن الجلد بـ (جل) طبي يسهل نقل الموجات الصوتية إلى داخل أنسجة المنطقة المصابة دون مساس بالمناطق السليمة، وتستخدم في ذلك قضبان موسدة الرءوس بمواد تيسر عبور الموجات الصوتية من الجهاز إلى الجسم. أثناء ذلك يمكن أن يسمع المريض الصوت أو يحس بذبذبات موجاته. وعندما يكون الصوت المستخدم فائق ارتفاع أو انخفاض الترددات فإنه لا يُسمع.

أما الشكل الأكثر بساطة من جلسات العلاج بالصوت، والذي لا يعتمد إلا على الصوت البشري ـ دون حاجة لبراعة غنائية أو ترنيمية ـ فهو يتم في جلسات لمجموعات يتدرب فيها المعالجون على إطلاق أصواتهم ترنيما أو اهتزازاً أو همهمة تبعا للغاية العلاجية. والعمل في مجموعات في هذه الحالة يفيد من ناحيتين، فهو يقوى الأواصر الإنسانية بين المتعالجين من ناحية، ومن ناحية أخرى، يساعد الذات في الوصول إلى (التون)، أو النغم، المناسب عبر الآخر أو الآخرين.

ويُفسر تأثير العلاج بالصوت طبقاً للفيزياء الحديثة، بأنه ما من جزء من المادة إلا وله ذبذبة محددة تمثل حالته الطبيعية، حتى على مستوى الدقائق دون الذرية، كالإلكترونيات الدائرة حول أنوية الذرات. وبما أن أجسامنا في نهاية الأمر مكونة من ذرات، فإن أعضاءنا وأجزاء أجسادنا المختلفة لكل منها تردد موجي بعينه يمثل حالتها الصحية السوية، وهي ترددات متناهية الخفوت لا نسمعها. هذه الترددات السوية تختل ويختلف نمطها عند حدوث المرض أو معاناة الضغوط. وما العلاج بالصوت إلا توجيه موجات ذات تردد فعال يعدل اختلال الموجات في الأجزاء المصابة ويعيدها إلى سويتها أي إلى حالة الصحة.

تفسير آخر يتناول تأثير العلاج بالصوت على أسس ميكانيكية، فالموجات الصوتية عندما تصل إلى آذاننا تتحول إلى نبضات تسري في الأعصاب إلى المخ ليفسرها ويجعل الجسم يتفاعل معها، أما تلك الموجات التي تصل إلى الجسم فإنها تؤثر بنوع من المراوحة بين التخلخل والضغط، وهي ترتطم بالجسد مسببة ارتجاجات (ميكروسكوبية) خافتة جدا لكنها تكفي لتنشيط الخلايا والدورة الدموية الدقيقة في الجزء الذي ترجه.

تفسير ثالث يرتكز على مفهوم مراكز الطاقة في الجسم تبعا لطب (الأيوروفيدا) الهندي، حيث توجد ثمانية مراكز كل منها تسمى (شاكرا) موزعة على طول الجسم لتنسيق تدفق الطاقة بين الأعضاء. ويعتقد الدكتور (هالبرن) وهو أحد الدارسين للطب الغربي وطب الأيوروفيدا أن كل (شاكرا) لها ذبذبة معينة ذات علاقة بالسلم الموسيقي (دو. ري. مي. فا.صول. لا.سي)، وهذه الذبذبات تختل بالمرض والضغوط، والعلاج بالصوت يعيد إليها سويتها الترددية. وهذه المقاربة يضيف إليها (فابين مامان) وهو موسيقي ومعالج بالصوت، يعتقد أن جودة الإصغاء للصوت الإنساني وترددات الصوت في كل من مراكز الطاقة (الشاكرا) يمكن أن تجعل المعالج الجيد يختار أصواتا مناسبة، ليس فقط لتحسين الحالة الجسدية والنفسية، بل لإطلاق موجاتها لمكافحة بعض الأمراض ودعم الشفاء منها.

عود على بدء

لقد عدت هابطاً من هضبة التبت العالية، ومعي آنية صغيرة من المعدن مطلية بأوكسيد أسود تطل منه ببياض لون المعدن ـ الذي يشبه صلباً غير قابل للصدأ ـ نقوش تشبه الحروف الصينية قيل لي إنها أدعية، ومع الآنية كانت هناك (مدقة) صغيرة من الخشب تعلمت كيف أمررها على حافة الآنية، لمساً، ومع استمرار دوران الخشب على حافة الآنية يبدأ في التصاعد صوت يعلو ويعلو حتى يغدو غير قابل للتصديق أن هذا الصوت الهائل يمكن أن يصدر عن هذه الآنية الصغيرة، وبهذا اللمس الدوار الخفيف. عرضت الآنية على كثيرين فقال بعضهم إن السر في المعدن، وقال البعض إنه في الخشب. وأقصى ما وصلت إليه من تفسير هو أن الصوت يتراكم ويتركز داخل الآنية نصف الكروية حتى يبلغ أقصى كثافة صوتية داخل بؤرة في مركز نصف كرة الآنية، تماما كتركيز عدسة لأشعة الشمس حتى تغدو محرقة، يغدو الصوت هائلاً. وهم يستخدمون أصوات هذه الأواني للمعالجة، وتروج الآن تسجيلات علاجية تخرج من التبت إلى أوربا وأمريكا تسمى (موسيقى الأواني) تستخدم في جلسات التأمل العلاجي لإزالة التوتر والضغوط العصبية. ويعلق على ذلك الدكتور (هالبرن) قائلا: إن الصوت يمكن أن يكون له تأثير قوي على ضربات القلب، ومعدل التنفس، وضغط الدم. وهو يلعب دوراً في تفعيل مضادات الألم الطبيعية ـ الإندروفينات ـ فإذا تضافرت هذه التأثيرات معاً فإنها تصنع نوعاً من الاسترخاء الصحي يتيح لقوى الشفاء الذاتية أن تعمل في الجسد.

وأخيرا بينما أوشك على الختام وأتهيأ للتوقف عن النبش في مراجع العلاج بالصوت، أفاجأ بصوت البداية يعود: (أووووو). ذلك أن طبيبا وعالماً سويسريا هو الدكتور (هانز جيني) ابتكر جهازا يسمى (تونو سكوب)، يمكنه تحويل الأصوات إلى صور ثلاثية الأبعاد. وعندما عُرض صوت حرف المد (o) ـ الذي يعادل أوووو ـ فإن الصورة الناتجة عنه في (التونوسكوب) كانت شكلاً كروياً تام الاستدارات. ونحن نعرف أن الدائرة هي أكمل الأشكال الهندسية.

هذا الصوت (أوووو) الذي يشبه نطق الحرف O كما في كلمة God مع الإطالة، ويشبه حرف المد (آ) مفخما في لغتنا العربية كما في لفظ الجلالة عند الرجاء والنداء (يا الله)، هذا الصوت الذي يستخدمونه حافزاً في جلسات التأمل، إنما يتطلب إطالة الزفير وانقباض عضلات البطن خفيفاً، ويمنح نوعاً من الاسترخاء تكثر معـه موجات ألفا ذات السعة الملموسة في رسم المخ الكهربي، وهي حالة يتجه فيها الجهاز العصبي اللاإرداي نحو الجانب الباراسمبتاوي الذي يعني البناء لا الهدم، والسكينة لا التحفز، ومعه تهدأ الأنفاس ويتمهل القلب، وتبتعد عوامل الخطورة عن شراييننا حاملة عصارة الحياة.

فلا أجد أجمل لختام مقالي من الجلوس في ارتياح، وإغماض العين، وملء الصدر من هواء الدنيا، ثم إطلاق رجاء الرحمة، ونداء الكريم مدبر الكون، وبأقصى ما في الجسد والنفس من حنين للطمأنينة والسلام: (يا اللـ اا ااااا ه).

لتكن الضوضاء بيضاء

إذا كانت هناك أصوات تعالج، فهناك أصوات تسبب المرض وتجمعها صفة الضوضاء. ونحن في حياتنا (العصرية) منقوعون في هذه الضوضاء، في الشوارع المكتظة بالسيارات، وفي محال الوجبات السريعة والمراكز التجارية التي تذيع الموسيقى الصاخبة لتدفعنا إلى الأكل أكثر، وإلى شراء ما يمكننا الاستغناء عنه. وداخل بيوتنا ومكاتبنا تلاحقنا الضوضاء أيضا، من أجهزة التلفاز والغسالات الكهربائية والثلاجات وأجهزة الكمبيوتر والتكـييف وأصوات المسجلات العالية التي تعبر حتى الجدران. كل ذلك يدفعنا إلى التوتر دون أن ندري ويكثر الأدرينالين والنور ايبينفرين في دمائنا، مما يعرضنا لمخاطر ارتفاع ضغط الدم وتسارع ضربات القلب.

ماذا نفعل?

يقول الدكتور (أرنست بترسون) الأستاذ بكلية طب جامعة ميامي: (لنجرب سدادات الأذن اللينة فهي تخفض ما قيمته 20 ديسيبل من الضوضاء، خاصة إذا كانت الضوضاء تزيد عن 89 ديسيبل وهو الحد الذي اعتبرته هيئة سلامة وصحة الصناعة الأمريكية موجباً لاتخاذ اجراءات الحماية. ولنلاحظ أن مجرد مذياع عالي الصوت يصدر ضوضاء تبلغ 95 ديسيبل، بينما (حركة) المرور في مدينة كبيرة تحدث 105 ديسيبل. فما بالنا بمدننا المثقلة بالجسور و(زحام) ملايين السيارات القديمة، وحيث لا سدادات للأذن في الأسواق?!

وكأنما سمع أستاذ الطب من ميامي تعليقنا، نراه يضيف: (وهناك اجراءات بسيطة لتقليل الضوضاء داخل المكاتب والبيوت، مثل تجفيف الشعر بالمناشف والهواء الطبيعي بدلاً من المجفف الكهربائي، ووضع وسائد مطاطية تحت أرجل الغسالات لتقليل صوتها، والإكثار من السجاد على الأرض وعلى الحيطان لامتصاص بعض الأصوات التي ترجعها المسطحات العارية فتزيد من شدتها).

تتدخل (إيمي ميلر) أستاذة الطب النفسي وتدبير الضغوط النفسية بكاليفورنيا، تقول: (إذا لم نستطع إزالة الأصوات المزعجة، فيمكننا على الأقل تغطيتها بموسيقى لطيفة مهدئة، ولا بأس من رفع صوت هذه الموسيقى حتى تحجب عن آذاننا صوت الضوضاء). وتقترح الدكتورة ميلر استخدام تسجيلات لأصوات الطبيعة، مثل أصوات المطر على السقوف، أو مساقط المياه على الجبال، أو شقشقة العصافير في الحدائق!

أما السلاح الأخير في (حرب) الأصوات هذه، فهو جهاز مبتكر يسمى (ماكينة الضوضاء البيضاء)، يباع في الولايات المتحـدة بسـعر يتراوح بين 50 ـ 150 دولاراً، وتصـدر موجات صوتيـة تبطل أثر موجات الضوضاء، فيحل ما يشبه الصمت. وعنها يقول الدكتور (ستيفن هالبرن) المتخصص في صحة الأصوات: (من الأفضل إزالة مصادر الضوضاء، فإذا لم نستطع فلتكن هذه الضوضاء.. بيضاء).

تمرين للترنيم

يقول دون كامبل خبير معهد العلاج بالصوت في (كولورادو): إن أصوات المد (كما في الفتحة والضمة والكسرة مع إطالتها)، وذبذبة هذه الأصوات في الجسد، تجعل الإنسان يسترخي، وتهوّن الضغوط، وتجعل العقل أصفى والجسم أفضل.

وفي كتابه (هدير الصمت ـ القوة الشافية في الأنفاس، والترنم، والموسيقى) أورد الدكتور كامبل تمرينا بسيطاً يوضح تأثير الصوت الذاتي للحصول على الاسترخاء:

1ـ ابدأ بالجلوس في مقعد مريح ودع نفسك تتأمل ذهنياً الترنم بأصوات المد، لعشر دقائق.

2ـ اغلق عينيك وركز على الاستماع، وبعد أخذ نفس عميق هادىء، ترنم بصوت مسموع دون أن تعبأ إذا ما كان الصوت جميلاً أو عاليا أم لا، وشيئاً فشيئاً ستحس بذبذبة الصوت في رأسك وصدرك. ولسوف تلاحظ أنك تلقائياً ستعلي وتخفض هذا الصوت دون تعمد أو جهد.

3ـ ضع راحتيك على خديك ودعهما تحسان بالصوت، اصغ بيديك لا بأذنيك، واستمر في الترنم وأنت تحس بوجهك ورأسك عبر يديك لخمس دقائق أخرى.

4ـ أرح يديك وترنم بصوت واحد مثل (آه) لخمس دقائق جديدة مع الاحتفاظ بعينيك مغلقتين.

عندما تنتهي، تأمل الاسترخاء والراحة التي حلت على عقلك وجسمك وأنفاسك، وهي راحة يعزوها دون كامبل لتأثير الصوت الذي يقوم أثناء الترنيم بتدليك الجسد من داخله. لكننا نحذر من الإفراط في هذا التمرين، خاصة مع الشعور بدوار أو باحتقان يشير إلى فرط التهوية.

والرفق والاعتدال ـ حتى في الدندنة والترنيم ـ أفضل.

 

محمد المخزنجي

 
 




معابد ومشافي التبت كانها مصممة لتناسب ترديد الأصوات المعالجة للجسد... والنفس









رهبان التبت الأطباء يطلقون أصوات الترنيم بمساعدة جهاز لتضخيم الصوت









لنواجه الضوضاء بأصوات الطبيعة