معرض العربي

معرض العربي

لوحة شخصية
إدوارد مانيه ولوحة
فكتورين مورين

امتدت علاقة الفنان الفرنسي إداورد مانيه بالموديل فكتورين مورين قرابة أحد عشر عاما، وتزامنت مع بداية انطلاقته الفنية وبزوغ اسمه كأحد المبشرين لولادة الفن الحديث، حيث كان الفن في فرنسا ـ حتى أواسط القرن التاسع عشر ـ تحت سيطرة الكلاسيكية الجديدة السائدة، ويمثلها الفنان أنجرز الذي يحظى بالكثير من التقدير لدى نابليون الثالث، وكان غلاة الأكاديمية في عصرهم الذهبي من خلال سلطتهم الطاغية في الصالون الرسمي، إلى جانب معاصرته لفنانين عظام أمثال ديلاكروا رائد الاتجاه الرومانسي، والفنان كوربيه رائد الواقعية الجديدة.

لم يحقق مانيه (المولود في 1832م) رغبة والده ـ اقتداء به ـ بالالتحاق بالسلك القضائي، وسعى إلى الدخول للكلية البحرية، ولكنه اخفق في اختبار القبول مرتين، وفي سن الثامنة عشرة من عمره التحق بمرسم كوتور، وأمضى به ست سنوات، حيث تلقى الدراسة الأكاديمية المكثفة، إلى جانب ممارسته اليومية للرسم من خلال نسخ روائع اللوحات الفنية في متحف اللوفر.

ارتبط مانيه بصداقة حميمة مع الشاعر بودلير عام 1858م، الذي كان له بالغ التأثير على رؤيته للفن، وضرورة أن يكون الفنان مرآة لعصره الحاضر لا الماضي، ولهذا رفض النزعة الرومانسية لأنها أصبحت جزءا من الماضي، والكلاسيكية الحديثة لأنها مستمدة من رسم المشاهد التاريخية لعصر النهضة وآثار الإغريق، وجد نفسه امتدادا لواقعية كوربيه، ولكنه تجاوزها بتحريرها من الأطر الأكاديمية، ناشدا الاستقلال الفني، وواقعية الفن لحاضر مجتمع مدينة باريس، التي تشهد التحديث والتطوير العمراني بإشراف البارون هاوسمان.

التقى بفكتورين مورين صدفة في عام 1862م، وأعجب بتقاطيع وجهها الجميل، وهيأتها ذات الحضور اللافت للنظر، فامتثلت لمانيه موديلا للرسم، قدم من خلالها أبرز لوحاته (أوليمبيا) و(غداء على العشب 1863م، التي أثارت بجرأتها لجنة تحكيم الصالون الرسمي، كونها تقدم صورة معاصرة لرجلين متأنقين مع فتاة عارية، فرفض عرضها مع جملة من الأعمال لفنانين آخرين، وعلى ضوء ذلك أقيم أول (معرض للمرفوضين) خارج الصالون الرسمي.

وفي الصورة الشخصية لفكتورين مورين التي رسمت في عام 1862م، قدمها وهي تبدو في لحظة تفكير، وحالة تأمل، بعينيها العسليتين تحدق نحو المتلقي، ووجهها مائل بدرجة بسيطة نحو اليسار، بما يكفي ليظهر شدة انعكاس الضوء على جزء من الوجه، ليخلق به التباين اللوني الحاد مع المنطقة المظللة في صفحة الوجه الآخر، والرقبة، وجزء من الشعر، الذي أضفى على شخصيتها قوة في الحضور، والإحساس في التعبير، والتي تؤكد الخلفية المسطحة ذات اللون البني الداكن.

ولابد هنا من ذكر أن التأثيرية كأسلوب مدينة للفنان مانيه، حيث عرفت أول الأمر خلال معالجته للتأثير الذي تعكسه أشعة الشمس في تصويره للمنظر الطبيعي في لوحة (غداء على العشب) وأيضا في لوحة فكتورين، فيما تبرزه ضربات الفرشاة على ملامح الوجه، وأهداب العين، والقميص الذي يتخلله الضوء، فخلق بها المواءمة بين الواقعية والتأثيرية، وهذا ما التقطه الفنانون الشبان أمثال: مونيه وبيسارو ورينوار وديغا، وأدركوا ضالتهم في الرسم، وكان لهم (معرض التأثيرية) عام 1874م، تحت إشرافه بترؤسه اجتماعاتهم الأولية، ولكن امتنع مانيه عن المشاركة به مكتفيا بمشاركته في الصالون الرسمي، بالرغم من رفضهم لأعماله بين الحين والآخر.

تراجع النقاد ولجنة التحكيم في الصالون الرسمي عن موقفهم إزاء أسلوبه، فمنح قبل وفاته بسنتين وسام استحقاق من الدرجة الثانية، ولكن هذا التقدير جاء بعد فوات الأوان، حيث مرض وفقد السيطرة على إحساسه بالحركة، وأصيب بمرض السكر الذي تسبب ببتر ساقه، إلى أن مات في عام 1883م، عن عمر يناهز الواحد والخمسين عاما.

 

 

خالد عبدالمغني

 
 




 





لوحة فكتورين مورين