منتدى العربي

 منتدى العربي

هذا التخلف العلمي... لماذا؟
(تعقيباً على مقال الأستاذ رئيس التحرير المنشور بالعدد (494) رمضان 1420هـ - يناير 2000)أتساءل:

هل التخلف العلمي الذي نعيشه فرضناه على أنفسنا? أم فُرض علينا? هل كنا ضحية مؤامرة? هل حاولنا أن نتقدم? هل كان الحلم الذي لازمنا طويلاً صعب المنال?

لماذا يهرب العلماء والنوابغ ويهاجرون من بلادنا? هل كانت الظروف هي العائق الوحيد تجاه نظرتنا للمستقبل? هل حاولنا التفكير العلمي المنطقي ثم فشلنا?

كل هذه الأسئلة وغيرها بدأت تلح على الذهن والعقل، ويحتار الحصيف في إيجاد إجابة مقنعة لها.

وفي حقيقة الأمر، فإن المتأمل البصير لواقعنا العربي ينظر بأسى وحزن عميق دفين ويسأل نفسه: هل هذه الحال التي نحياها الآن هي ميراث الأجداد الأوائل? الذين شيّدوا أرقى حضارات لايزال العالم مشدوهاً بما كانت عليه، وبما تُركت من شواهد للعيان لتقول للجميع: (لمثل هذا فليعمل العاملون).

فها هو العالم المتقدم يخطط منذ زمن للتعايش مع المستقبل، ونحن نخطط لكي نتعلم كيف نستخدم ما وصلوا إليه من تقنية وتطوّر، والمطلوب أو كان المفروض أن نبدأ من حيث وصلوا ونُشيّد صروحنا العلمية وقلاعنا التقنية التي نصبو لتشييدها.

فمن المخزي حقّاً والمؤسف أن تبدأ اليابان نهضتها الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية وتغرق الأسواق الأمريكية بالمنتجات بدلاً من ضرب أمريكا بالسلاح النووي. وهذا الدرس الماثل للعيان لم يستغرق أكثر من ثلاثة عقود حتى حقق اليابانيون ما حلموا به، وهو توجيه كل الوسائل والأدوات لبناء أمة متماسكة من جميع الجوانب بالرغم من الظروف القاسية التي خلّفتها لهم الضربة النووية لمدينتي هيروشيما ونجازاكي. هذا هو الدرس لمن يريد أن يتعلم وينهض!

فلابد من التحرّك منذ الآن وتجميع الجهود وتوجيهها لكي نحقق لبلادنا التقدم والرقي والتفوق، ويكفينا أن نعلم أن خيرة العلماء والمخترعين والمبدعين الذين تعج بهم مؤسسات أمريكا، بل لا أبالغ إذا قلت في أغلب دول العالم هم من أبناء العالم الثالث المتخلف كما يدّعون.

إن المشروع العربي للمستقبل يجب أن يبدأ من الآن، فماذا ينقصنا نحن العرب? الإمكانات - لله الحمد - لدينا منها الشيء الوفير، فدول الخليج العربي بفضل الله قادرة على التمويل المادي بالمال والعقول والأرض، وباقي الدول العربية لديها الإمكانات الهائلة من الطاقة البشرية والمواد الخام، كل ما ينقصنا هو - الوحدة - اتحاد العرب نحو تحقيق الهدف، وإنكار الذات وترك النعرات القبلية والتعصب الأعمى الذميم، وعدم المفاخرة على بعضنا البعض.

إنه من العجيب فعلاً أن تتخذ دول أوربا كلها بالرغم من وجود متناقضات عجيبة واختلافات شديدة بينها، فاللغات حدّث ولا حرج، والديانات قل ما شاء الله لك أن تقول، والتاريخ أين هو الرابط بينهم! ثم العادات والتقاليد واختلافها من بلد إلى بلد، والتفكك الأسري والانهيار الأخلاقي، والأجناس المختلفة التي انحدروا منها، كل هذه عوامل كفيلة بجعلهم يتفككون، لكن هي إرادة الشعوب إذا أرادت أن تعيش.

لكي نبدأ البداية السليمة، لابد من تشكيل لجنة عُليا، وتعطى لها كل الصلاحيات - دون الحجر على أفكارها - مع الالتزام بتنفيذ ما تتوصل إليه من توصيات وقرارات مهما كانت مكلفة. إن العملية التي نصبو إليها هي عملية استثمارية بحتة في المقام الأول، فبدلاً من الإنفاق على مشروعات التدرّب على الجديد، لمـاذا لا نقوم بتصنيع وتطوير هذا الجديد? بدلاً من إغراق أسواقنا بالمنتجات المستوردة? لماذا لا نقوم بتصنيع ما هو أكثر كفاءة منها وأقل تكلفة باستغلال خاماتنا المتوافرة?

وبنظرة فاحصة يمكن لنا إجمال عدد من العيوب لدينا لو تغلبنا عليها لأصبحنا نخطو في الاتجاه السليم الذي نريده وهي:

- حماستنا الزائدة: وما أقصده هنا أننا حين نواجه مشروعاً أو عملاً مستقبلياً تجدنا شحذنا الهمم وشمّرنا عن سواعد الجد، وبدأنا العمل الجاد بكل عزيمة وحيوية، ولكن ما نلبث إلا أن نفقد حماسنا بالدرجة نفسها، وتفتر الهمم وتنام العزائم ويتبخّر الحلم سدى، فيجب أن يكون الحماس بالدرجة نفسها منذ البداية حتى النهاية.

- النرجسية: وهو معلوم لدى الجميع، فالكل يريد أن يُنتسب إليه ذلك العمل وتقام الاحتفالات والخطب الرنّانة في المديح والإشادة بمن كان له الفضل في قيام وتأسيس ذلك الصرح، وبدلاً من إعطائه الفرصة مرة ثانية للإبداع، تجدنا حُبّاً منا فيه قد أسندنا إليه إدارة المشروع، وكان من الأولى بنا أن نتيح له الفرصة ونعفيه من الإدارة وتبعاتها لكي يبدع أفضل وأحسن، وتكريمه يكون بمنحه الفرصة تلو الأخرى.

- التقتير الشديد في الإنفاق على التعليم: فأغلب الميزانية مخصص للإنفاق على التسليح، والجزء اليسير خصص للإنفاق على التعليم، وكثيراً ما تصرخ وزارات التعليم وتسصرخ المسئولين لزيادة المخصص لهم حتى يتم تأمين كراسي أو زجاج للنوافذ، وفي بعض البلاد يضطر ولي الأمر إلى شراء (طباشير) لعدم كفاية البند، كل هذه الأمور يجب أن توضع في الحسبان، ولابد من ثورة تعليمية شاملة تضع النقاط فوق الحروف، والمثال الواضح لدينا وعاصرناه حين قام الاتحاد السوفييتي (السابق) بأول تجربة فضائية ناجحة، انتفضت أمريكا، وقلبت محتوى التعليم لديها، وخلال أقل من عقد من الزمان، نافست الاتحاد السوفييتي في برامجه للفضاء، من هنا فإن هناك ضرورة لإصلاح مسار التعليم في بلادنا، فلن يحدث تقدم إلا إذا أصلحنا نظامنا التعليمي ووفرنا له كل الإمكانات اللازمة، فلا نهضة دون نظام تعليمي جريء متطور يقوم على إطلاق حرية التفكير ونبذ الأفكار الغريبة التي أكل عليها الدهر وشرب. إن الواقع التعليمي لو نظرنا إليه، لوجدنا معدل الأميّة في الدول العربية 4،41%، بينما في الدول الصناعية 3،1% وأيضاً في الدول النامية 6،28% ولو نظرنا إلى معدل القيد في المراحل التعليمية الثلاث في الدول العربية نجد أنه 59%، بينما في الدول الصناعية 92% وأيضاً المؤشر التعليمي إذا قارنّاه لوجدنا هوّة واسعة بين الدول العربية 59،0 والدول الصناعية 96،0، والحد الأقصى للمؤشر هو واحد صحيح، وأيضاً الإنفاق الإجمالي لعشر دول غنية هو84% من جملة الإنفاق العالمي في هذا المجال.

فكل الأرقام والحقائق تشير إلى تدني مستوى التعليم، فكيف نستطيع مواجهة المستقبل بنظام تعليمي نزعت منه كل مقومات النجاح? فبداية المواجهة تكون من إصلاح مسار التعليم.

- تخلّف المتعلمين: وما نقصده هنا تخلّفهم عن مواكبة التطور الهائل الذي حدث في الفترة الأخيرة، ويكفي اعتراف توني بلير - رئيس وزراء بريطانيا - أنه يشعر بالنقص والتخلف حين يرى زوجته وأولاده يتدرّبون على جهاز الحاسب الآلي - الكمبيوتر - وما يحدث لدينا أننا بعد أن نحصل على الشهادة، نترك حتى القراءة، ولو كانت هامشية أو يوما في كل أسبوع أو كل شهر، وتناسينا أمر الله لنا في سورة العلق { اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علّم بالقلم. علم الإنسان مالم يعلم} (العلق من 1:5). فأمة اقرأ قد تجاهلت ذلك إلا من رحم الله وكأن القراءة مفروضة فقط على الطلاب حتى يحصلوا على الشهادة لينخرطوا في الوظائف ثم يتركوا كل شيء حتى الجديد في مجال وظيفتهم لا يتابعونه.

- انعدام الولاء لدى بعض المواطنين لبلادهم: وهذه نقطة من النقاط المدمّرة لدينا، فعدم الحفاظ على ما تحت أيدينا من مرافق عامة شيّدتها الدول من أموالنا - نحن المواطنين - لخدمتنا وخدمة أبنائنا، ونحن ببعض التهوّر نكسر هذا ونحطّم ذاك، بل ونحرق عن عمد حين يقترب موسم جرد العهد لإخفاء ما قد سُرق أو ما قد يكون اختُلس أثناء العام، وحين تلوم، يقال لك إنه مال الدولة، وهل نحن أغنى من الدولة? فمن الواجب على الحكومات العربية غرس مبدأ الولاء في نفوس الأبناء منذ نعومة أظفارهم حتى يشبّوا على حب الدولة والمحافظة على مرافقها العامة من العبث، ولو تحقق لنا هذا المبدأ، لما صرفنا الأموال الطائلة على الصيانة الدورية للمرافق كل عام أو شراء مرافق جديدة.

- الإسراف المتناهي والبذخ على المظاهر الكاذبة: فلو وجّهنا مثلاً كل ما يصرف على شراء السيارات وتبديلها كل عام لبناء مكتبة عامة في كل حي من الأحياء أو حتى شراء أحدث ما وصلت إليه المطابع في العلوم المختلفة وتوفيرها لمن يريد أن يتعلم، لكان ذلك من الأعمال الجليلة التي تساعدنا على ملاحقة التطوّر العلمي الذي نريد أن نحققه، ويكون دافعاً على الترجمة وتفتيح أذهان الشعوب على ثمرات العلوم الحديثة حتى لايصطدموا بالتقنيات الحديثة المتطوّرة.

- استعجال النتائج: وهذا ينتج عنه الحكم المستعجل بفشل كل مشروع ناجح حتى لو كان ذلك المشروع سوف يحقق أغلب الآمال، فسرعان ما يحكم البعض على ذلك العمل بأنه لم يؤت ثماره، ولم يحقق أهدافه التي رسمناها له بمجرد بدايته، وعدم مثابرتنا فيه، فنحن من المفروض أن نعمل ونترك النتائج لله وحده الذي يوفق ويعطي ويتحكّم في المصير النهائي والنتيجة، وقد صدق المثل الذي يقول (دع البكاء على المريض حتى يموت فإذا مات نبكي عليه). فلماذا نتعجّل قطف الثمار قبل نضج الفاكهة? وقبل تفتّح الأزهار?

- الجدل العقيم: وهو ما يلاحظه مَنْ له أدنى بصيرة بالأمور، فبدلاً من إضاعة الوقت في جدال عقيم حول أيهما أتى أولاً الدجاجة أم البيضة? يجب أن نوجّه الجدال لزيادة إنتاجية الدجاجة من كل النواحي، من تحسين طرق التغذية وزيادة وزنها، وكذلك زيادة عدد البيض لديها.

- التشخيص الخاطئ أحياناً للمشكلات، وهو ما يشبه مريضاً مصاباً بالزائدة الدودية، وهي على وشك الانفجار، ويشكو من صداع، فنجد الطبيب بدلاً من معالجة الزائدة، يعطيه علاجاً للصداع، وتكون النتيجة وفاة المريض.

- خلط الأمور مع بعضها، وذلك بجعل الأمور الشخصية تؤثر على سير العمل وكفاءة الفرد، وقد يكون اختلاف الفرد مع رئيسه في بعض الأمور عاملاً هدّاماً للعمل، لذلك يجب أن يترك الفرد مشكلاته الخاصة والشخصية بعيداً قبل دخوله من بوابة العمل.

التحرر يبدأ في عقول الرجال والنساء
بقلم: أمينة محمد طبارة

قرأت في العدد 497 الصادر في ذي الحجة 1420 هجريا الموافق أبريل 2000م مقالا بقلم الكاتبة فريدة النقاش تحت عنوان (تحرر المرأة العربية ذلك اللحن الذي لم يتم) وقد طرحت الكاتبة موضوع الإصلاح الديني وحقوق المرأة بعد سرد تاريخي مقتضب، لذلك أردت أن أنوه إلى الأمور التالية:

1ـ أن الفكر الديني المستنير المستند إلى المرجعية الشرعية النصية القاطعة، لا يمكن أن يوصف بأنه إصلاح ديني! لأن القرآن وهو كلام الله المنزل بواسطة مخلوق أسمى وأرفع من البشر (جبريل) هو كتاب: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت 42)، والسنة النبوية المطهرة الصحيحة التي جاء بها النبي العربي الموصوف كلامه بأنه: {ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم 2 ـ 4)، لا يقوى أي مفكر مهما طال باعه في الثقافة أو العلم والسياسة والصناعة والتكنولوجيا الحديثة والمتطورة أن يقف على خط واحد منها ويدعي إصلاحها {يريدون أن يبدلوا كلام الله} (الفتح 15)، بل الأولى أن يحاول فهم النصوص إذا كان هو أهلا لذلك ويتمتع بصفات المجتهد العامل وإخراجها إلى حيز التنفيذ لا التعطيل والإلغاء {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته} (115 الإنعام)، لا أن يدلو كل واحد بدلوه المملوء باختصاصات مغايرة لاختصاص الفقه والشرع وينصب نفسه قاضياً وحاكماً على شرع الله.

علينا إصلاح العقول المتغيرة المشوهة بإرث الاستعمار كما ورد في المقال، لا النصوص النقية الطاهرة غير الملوثة والتي نظمت تنظيماً عاماً من خالق الخلق من أجل سعادة الخلق كل الخلق. وإذا كانت هناك قوى سياسية متخلفة جاهلة تجعل من الدين ستاراً لتخفي خلف بياضه سواد أهدافها، التي من أبرزها تشويه صورة هذا النظام أمام هذا الجيل الذي لم يتعلم حقيقة دينه، والتي هي خطط مدروسة لنزع هذا الإرث القويم الذي وحد وقاد العرب إلى حضارة طويلة استمدت منها الحضارات الحالية أسسها السليمة، فالخطأ يقع على هذه القوى، وعلى الذين انساقوا خلفها لجهلهم أو عميهم عن حقائق النصوص المستنيرة، وليس على الدين.

2ـ المرأة التي تعلمت دينها وحفظته والتي وقفت بوجه الخليفة السياسي والديني حيث لا فصل بين الدين والدولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لترده عن تحديد مهور النساء بنص شرعي، هي ديمقراطية مارسها المسلمون، ومارستها المرأة المسلمة تحديداً، فالتعلم وإبداء الرأي حق ثابت للمرأة قبل أن تولد، والذي ينادي بإعطاء هذا الحق اليوم يعتقد أنه يطالب بحق لم يقره الشرع وهو إصلاح لهذا الشرع، فهو المتخلف الذي يحتاج إلى إعادة تأهيل وتعليم وليس الشرع!

3ـ التكامل الاجتماعي وتوزيع الثروات على كل فئات الشعب وليس تكديسها في يد طبقة غنية متسلطة، هو النظام الذي سار عليه خلفاء المسلمين، من عمر بن الخطاب إلى عمر بن عبدالعزيز إلى الخليفة الصالح الراشد التقي هارون الرشيد، هم يمسكون بزمام سلطة الدولة والدين معاً، حيث لا فصل بينهما في الدولة التي تطبق النظم الاجتماعية العادلة التي جاء بها الدين، فلم يبق جائع ولا محروم ولا عاطل عن العمل، حتى الحيوانات المسنة الضعيفة وجدت لها طعاما من خزينة الدولة المسلمة وسقفا يحميها وصولا إلى الخلافة العثمانية، والذي ينكر ذلك هو إنسان حقود أعمى لا يعرف التاريخ!

4ـ حق العمل للمرأة، السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وهي زوجة الرسول الأعظم صلوات الله عليه، كانت صاحبة تجارة أو مؤسسة تجارية كما نسميها اليوم في عصر الحداثة والتحديث، كانت تستأجر الرجال (توظفهم) بمالها الخاص ليعملوا لديها بالتجارة، لم يمنعها صاحب التشريع زوجها (السلطة الذكورية) من حقها في العمل والربح، ومن حقها في التصرف الحر بمالها الخاص باسم السلطة الدينية أو القوامة الزوجية الذكورية! فأين يكمن الإصلاح الديني المزعوم الذي ينادي بحق المرأة في العمل بعيدا عن حكم الإسلام الحنيف?

5ـ حق الترشيح والانتخاب، كثيرات من نساء الجيل يجهلن حقوقهن الشرعية السليمة التي منحها الله لهن دون سؤال أو مطالبة، وقبل الألفية الثالثة، لأنهن لم يتعلمن شرعهن بل يرددن عبارات جاهلة دون معرفة بهذا الحق الممنوح، وهذا شأننا في كل ما هو جديد ومستحدث، تبهرنا الفكرة أو الكلمة أو السيارة أو الثوب وغيرها دون أن نضعها في الميزان السوي لأننا لا نملكه، والحضارة الحقيقية هي امتلاك معرفة تقنياتها وموادها والمساهمة في انطلاقها وليس امتلاك افرازاتها، ثم وضعنا في خانة المستهلكين لها فقط، والذين ينادون بحق الترشيح والانتخاب للمرأة ويعتبرونه من جملة متطلبات الإصلاح الديني المزعوم لم يسمعوا عن بيعة النساء التي بايع بها الرسول عليه الصلاة والسلام النساء خاصة، وهي مختلفة عن بيعة الرجال، أي ما نسميه اليوم بالحق السياسي والانتخاب، أليس هذا تشريعا ونصا مستنيرا غير متخلف? والذين ينسبون إلى الدين حرمانه هذا الحق للمرأة، ما عرفوا الدين وما تعلموه بل هم مفترون بجهلهم!

6ـ أما التفريق في الأجور بين المرأة والرجل وإبقاء النساء بعيدا عن فرص التدريب والترقي في المهن والأعمال، واستغلال النساء والأطفال في المصانع كما حصل في أوربا في القرن التاسع عشر حسب رأي الكاتبة فهو الطمع والجشع والاستغلال، وعدم وجود قوانين محلية رادعة تساوي بين الأجر وقيمة العمل والعاملين دون تمييز بين الجنس، والمحفزات واستحقاقاتها، فما علاقة الدين بهذا الظلم البشري على خلق الله? وقد نهاهم الله عنه! وما علاقة الإسلام وعبادة الله بهذا الاستغلال? وهل سعينا لوضع الحلول العادلة والمطالبة بإعطاء كل ذي حق حقه هو إصلاح ديني? أم هو من صلب النصوص الدينية التي تدعو إلى الرحمة والعدل والمساواة?!

7ـ إن التخلف العلمي والتكنولوجي والاجتماعي والتسلطي والتحرري واقع على مجتمعنا كله وليس على المرأة فقط، وعلينا أن ننهض لتحسين أوضاعنا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا وسلطتنا ونيل الكثير من حقوقنا كمواطنين نتساوى في الحقوق والواجبات ونتحرر من الاستعمار الحديث الذي يفرض علينا وعلى أولادنا والجيل كله مفاهيم ونظما وعادات وعلوما مغايرة لنا ولمبادئنا في الكثير منها، ومن أذناب المستعمرين المستفيدين اللاهثين خلف الحكم والسلطة والمال ولو على رقاب الشعوب كل الشعوب، من تجويع وتعطيش وتلويث بيئي وثقافي وإعلامي وتكنولوجي عالمي، وعلى المرأة أن تناضل من أجل كل هذا، إضافة إلى نضالها في سبيل إبراز حقوقها الشرعية الممنوحة لها والتي فرضها رب البشر، لتقنع بها البشر المستغلين جهلها لها، وأما الذين يجيرون قضيتها المحقة لمصالحهم الخاصة الدفينة، وتستعين بالله على إحقاق الحق لا أن تصب جام غضبها على قانون الرزاق المعز المذل المحيي المميت.

8ـ حجابي لا يمنعني من أن أقود سيارة طراز 2000 ولا أن أجري محادثات على الإنترنت، ولا أن أطبع هذه النصيحة على الكمبيوتر، ولا أن أمارس حقي في انتخاب من أريد، كما لم يمنع النساء قبلي من المشاركة في الثورات النهضوية التي بدأت من عهد النبي العربي عليه الصلاة والسلام مرورا بثورة 1919 في مصر، وثورة 1925 في سوريا، وثورة 1939 في فلسطين المحتلة والانتفاضة الحالية، كما لم يمنع الإصلاح الديني المزعوم وهذه الثورة التحررية النسائية الغاضبة على كل الرجال، من المجازر التي يتسبب بها عدونا المشترك من مجزرة دير ياسين إلى مجزرة صبرا وشاتيلا ومجزرة قانا، كما لم يمنع الرجال وهم يرتدون بذلتهم الطويلة وليس (الشورت) من أن يكونوا قادة وسياسيين وكتابا ورؤساء تحرير، فلماذا يطلب من المرأة أن تظهر مفاتنها وتصطنع جمالها لتتحرر وينصلح حالها ووضعها، مسألة تحتاج لإعادة النظر والتدقيق، فالتحرر يبدأ في العقول رجالاً ونساء!

 

محمد الروبي عبدالوهاب