الجمال بين إبداع رب الكون.. وصنعة السليكون

زمان كنا نسمع ونقرأ أخبار عمليات التجميل, فنعرف أنها محصورة في أوساط نجوم وكواكب المجتمع المخملي الأرستقراطي الغربي الأوربي والأمريكي الشمالي.

          كانت عمليات التجميل صرعة نجوم السينما (من الجنسين), ولعلهم أكثر الناس إقبالا عليها, واحتفالا بها. بحيث إنه يمكن القول إن جلهم قام بعملية تجميل لتغيير شكل أنفه - مثلا - أو أي جزء من جسده خلال سني حياته المهنية.

          وفي السنوات الأخيرة: باتت عمليات التجميل, حمّى (ديمقراطية) عربية, اجتاحت المشرق العربي (وربما مغربه) وانتشرت فيه انتشار النار في الهشيم والعياذ بالله!

          والبلية هنا تكمن في أن هذه الحمى أصابت الخاصة والعامة, بحيث إنها لم تعد مقصورة على أفراد المجتمع المخملي, بل انتقلت عدواها إلى أقرانهم في المجتمع (المهملي) فتجد أنها محط اهتمام المليونير و(المديونير) على حد سواء.. ولله الحمد!

          فأصحاب الدخول المحدودة (المهدودة) الحيل, لا يجدون غضاضة ولا عيبا في الاقتراض, لتأمين عملية التجميل التي ترغب فيها الآنسة المصون!

          ومن هنا قلت: إن عمليات التجميل في الأوساط النسائية العربية, صارت حمى ديمقراطية لم توفر أحدا من بنات حواء إلا من رحم ربي سبحانه!

          وأرجو ألا أكون مخطئا ولا مغاليا, إذا نوهت بأن النساء العربيات في الأقطار العربية (النفطية), هن أكثر النساء إقبالا على عمليات التجميل! صحيح أني أدحرج هذا (الزعم) اعتمادًا على الملاحظة اليومية المباشرة, واتكاء على (المعلومات) التي تلعلع في مجالس النميمة الحريمية الخليجية, إلا أنني لا أظنه يجافي الحقيقة, ويخاصم واقع الحال الذي نحن بصدده!

          إن الصيت في هذا السياق مجيّر لنساء لبنان الجميل, لكن الفعل لنساء الخليج (النفطيات) اللواتي صرن أكثر إقبالا. والإنسان الذي يتردد على لبنان كثيرا, طوال شهور السنة, بمقدوره أن يكون شاهد عيان لما ذهبت اليه آنفا. حسب الواحد منا أن يمتطي الطائرة الميممة صوب بيروت, ليكتشف وهو متربع في كرسيه (زبونات) عيادات جراحة التجميل وكثرتهن!

          في الصيف الماضي - مثلا - لاحظت في ذهابي وإيابي أن العديد من الصبايا, والشابات والسيدات العواجيز الدربيس, اللواتي يعش أرذل العمر, يضعن ضمادات على أنوفهن, الأمر الذي يشي بأنهن أجرين عمليات جراحية تجميلية فيها من دون شك! فلا أظن انهن مصابات بزكام مثلا!

كل الجسد

          إن تجليات وسائل وأدوية وعمليات التجميل باتت تشمل جل أعضاء الجسد! وخذ عندك: تصغير وتكبير الصدر, والأثداء, والأرداف والعجيزة! فضلا عن شفط الدهون, والشحوم, واللحوم المتربعة على البطن مكونة كرشًا ضخمًا له العجب!

          الشاهد, أن كل عيب و(ديفوه) Defaut بلغة الأرستقراطية المخملية, يستأهل مشرط طبيب جراحة التجميل, وعملياته الجراحية العديدة المتواترة بين حين وآخر.

          إن حمّى جراحة التجميل الرائجة بين النساء العربيات بعامة, والنساء الخليجيات بخاصة, أحسب أنها بحاجة إلى رأي وتحليل وتشخيص المختصين في سيكولوجية المرأة, التي ليست متصالحة مع ذاتها, وتكره جسدها بقضها وقضيضه, وكل ما فيه من علامات فارقة, وسمات خاصة ناشزة أو عادية! يكتسبها المرء من والديه وجدوده, وفق قانون الوراثة, وحسب ميزان الفروق الفردية التي تميز البشر, وتفرق العباد عن بعضهم البعض.

          والعبدلله يعرف سلفًا, بأن سطوره السالفة الذكر, لن تحفل بها البتة المصابات بحمى عمليات التجميل, لاعتقادهن اليقيني بأن الخضوع لعمليات التجميل: يشكل الاستجابة السوية الواجب اتباعها في التو والحين. ومادام كذلك, فلا تعجب أبدًا إذا وجدت أن الصبايا العربيات - ذات يوم - يشبه بعضهن بعضًا كما التوائم الشقيقات!

          ولكي تتأكد من هذا (الزعم) حسبك استدعاء الطلعة (البهية) والطلة المصنوعة لمغنيات (الهز ياوز) في الفيديو كليب الحاضر دومًا في المحطات التلفزية الغنائية. فإذا بحلقت فيهن جيدًا, وأمعنت نظرك بشدة, فستجد أنهن صورة واحدة تتماهى مع (النيولوك) الذي اخترناه جميعهن من كمبيوتر (الموديلات) الموجود في عيادة ومستشفى جراحة التجميل)!

نيو لوك

          ومسألة الطلة الجديدة المعروفة بعبارة الـ(نيولوك) أصبحت هذه الأيام صرعة الموسم, وبدعة القرن الحادي والعشرين, ووصفة العطار العصري الحداثي الذي صار في مقدوره الآن إصلاح ما أفسده الدهر!

          زمان, في الأيام الخوالي, كانت (الخاطبة) التي توفق بين رأسين في الحلال, على سنة الله ورسوله, تقوم بممارسات تتحسس فيها جسد العروس, لكي تتأكد أن شعرها الحريري الواصل إلى خصرها طبيعي جدًا وليس (باروكة) لشعر مستورد لا يمت إلى خلقة الشابة بصلة! وتستمر الخاطبة في ممارسة (طقوسها) على بقية أعضاء جسد الخطيبة حتى تتأكد أنها خلقة رب الكون لا رب (السليكون) كما ذكرنا آنفِا في بداية هذه الخاطرة! وفي هذا السياق: من حق العروسين أن يتصارحا - في فترة الخطوبة - عن خضوع أحدهما أوكليهما لعمليات تجميل شتى مكدسة لهذا العضو أو ذاك. نقول ذلك كي لا يفاجأ (عريس الغفلة) بأن صدر عروسه الناهد الشديد الجاذبية والإثارة و(السيكس أبيل) مجرد (سكس ويل)(1) (وارم) بالسليكون وغيره من قطع الغيار الرائجة في جراحة التجميل!

          وربما نحتاج إلى صيغة عقد زواج حديثة تماشي هذه الحمى, بحيث لا ينحصر القبول في المهر والمؤخر فحسب, بل يُفضل الإشارة الموثقة في عقد الزواج, إلى قبول كل من العروسين للآخر بقضه وقضيضه, أي بكل أنواع الترميم والترقيع والتغيير والشفط والشد, إلخ الذي أحدثه أحدهما في خلقتهما الربانية!

          يقول الدكتور (سيدني أوهانا في الصفحة 27 من كتابه (تطور الجراحة التجميلية في باريس) ترجمة الدكتورة (أسمهان بدير صيداوي)

          (لقد صار الجميع تقريبًا يسعى إلى الجمال. ومع ذلك, كان الجمال منذ مدة قريبة يعتبر عطية من السماء, نعمة أسبغت على بعض المختارين. أما اليوم, فقد أصبح بإمكان كل فرد أن يأمل الفوز بجماله الخاص به, بفضل التطور المهم في العلاجات الجلدية, ومساعدة علم التبرج, وخاصة بروز جراحة التجميل. وفي الواقع, من لم يحلم أبدًا بإصلاح هذا العيب الجسدي أو ذاك, وبالتمتع بلذة أن يكون أجمل, وبالظهور في شكل أكثر انسجامًا)?

          والدكتور سيدني أوهانا - لمن لا يعرفه ويسمع به - واحد من أشهر جراحي عمليات التجميل, وهو برازيلي مولود في مدينة (مراكش) الحمراء بالمملكة المغربية, وله عيادة شهيرة في باريس, يحج إليها عباد الله (الجياكر) (2) من الجنسين من شتى أنحاء العالم!

          بقي أن نضيف إلى ما ذكرناه فنقول إن الدكتور (أوهانا) مختص في الجراحة العامة, ومؤهل في الأمراض السرطانية, وفي جراحة التقويم والترميم والتجميل, فضلا عن تدريسه لعلم التشريح في كلية باريس.

          وقد شهدته في مقابلة تلفزية, من إحدى المحطات الفضائية اللبنانية, يتحدث عن تكالب النساء اللبنانيات والخليجيات على عيادته في باريس طوال السنة.. واللواتي يختلفن إليها بتأثير (ثقافة الموضة والإعلان والسينما والتلفزيون التي تغرق يومياتنا بصور لنساء رائعات الجمال هي أخطر من نظر الآخرين وأكثر خلقا للعقد) على حد تعبير الدكتور (أوهانا) نفسه في كتابه السالف الذكر.

          والبلية أن الإعلانات المحرّضة على إجراء عمليات التجميل: تحاصرنا من كل حدب وصوب: فشركات السفريات السياحية, تعلن عن رحلات منتظمة, إلى بلد إسلامي مجاور, لإجراء عمليات جراحة التجميل بأسعار تبدو رخيصة حين تقارن بأسعار مثيلاتها في لبنان وأوربا! والإعلانات الصحفية اليومية تعلن عن العمليات التجميلية, وتقنياتها المختلفة مثل: (حقن البوتوكس, وتكبير الشفتين والخدين, وعمليات وحقن شد البشرة, وإزالة التجاعيد ورفع الحواجب, وتكبير وتصغير الثديين والأرداف, وشفط الدهون وإزالة كرش الوجاهة, وتجميل الأنف والأذنين وكل أعضاء الجسد!).

          باختصار أقول: إن المرأة محاصرة, ليل نهار, وفي كل زمان ومكان, بالإعلانات الدعائية المحرضة على إجراء عمليات التجميل, وعلى استخدام الأدوية الخاصة بها!

          في المقهى البهي, المطل على وادي (لامارتين) بجبل لبنان, انتحيت ركنًا قصيًا, يمكّنني من التأمل والبحلقة في جمال الطبيعة والبشر, بمنأى عن أي خدش للبصر أو البصيرة! فجأة, وجدت الفضاء الهادئ, يغرد بضحكات الصبايا الكاسيات العاريات, اللواتي بدَوْن لي توائم أربعة, خرجن من رحم واحد, وأم وحيدة! والتوائم - عادة يحرضون المشاهد على تأمّلهم...فكيف إذا كنّ من الصبايا الفاتنات?!

          قلت للنادل (الجرسون إن شئت) أظنهن توائم شقيقات لاشك في ذلك?!

          مال عليّ هامسًا: انتظر قليلاً يأتيك الخبر اليقين. وبعد هنيهة (ولا تسألني عن مقدارها بالدقائق والثواني) وجدت المقهى (يطفح) بالتوائم من كل الأجناس والأعمار وألوان البشرة والشعر, وكل العلامات المتشابهة لا الفارقة! لأول وهلة: حسبت أن المقهى (الكافتيريا) خاصة بالتوائم فقط لا غير! فثمة منتديات ومقاه مكرّسة للعميان, والطرشان, والأقزام, والمتقاعدين, وهواة سماع أم كلثوم...وما إلى ذلك!

          وقد اتضح لي - لاحقًا بعد التقصي - أن التوأمة المتجلية في فضاء (الكافتيريا) تعود إلى صنعة (السليكون) ذاتها.

          أي أن توأمة الصبايا والصبيان من ابتكار وولادة جرّاح التجميل ما غيره!

          اللهم لا اعتراض: فنحن في زمن كل شيء فيه جائز وممكن ومحتمل ووارد ومتوقع! ولا صحة البتة الآن للقول المأثور (لا يصلح العطار ما أفسده الدهر). ذلك أن عطار عصرنا هو: جراح التجميل. فالقرد - بكل قروديته القبيحة - يتحول في عين ومبضع الجراح إلى غزال يضاهي ملكات الجمال!

          منذ عشرات السنين, كانت عمليات التجيمل: محدودة ومحصورة بين أوساط مشوّهي الحروب, والحوادث, والحرائق, والتشوهات الخلقية. وفي العقدين الأخيرين من القرن العشرين تسللت العمليات الجراحية التجميلية إلى عواجيز (هوليوود) من نجوم وكواكب السينما الأمريكية. وكان من النادر - وربما من المستهجن - أن يلجأ إليها إنسان سوي من عامة الناس كما هو حادث في السنوات الأخيرة.

          فنحن هنا إزاء صرعة كونية, وحمّى عالمية عابرة للقارات يقبل عليها المليونير و(المديونير) على حد سواء!

          ففي كتابه (الجمال الدائم: أسرار الجراحة التجميلية) يذكر جراح التجميل الدكتور إبراهيم ملكي (بأنه وفقًا للجمعية الأمريكية لجراحة التجميل تم إجراء 8251994 عملية تجميل جراحية وغير جراحية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2003.

          ووفقًا للمصدر ذاته, يذكر الدكتور ملكي أرقامًا فلكية مهولة تشي بأن جراحة التجميل في الولايات المتحدة الأمريكية باتت (صناعة) ثقيلة تدر المليارات...ففي العام 2003تمت  7.2 مليون عملية جراحية تجميلية بين النساء, فيما خضع الرجال لـ1.1 مليون عملية جراحية تجميلية!

          وفي العالم العربي: تعد العمليات التجميلية من ضمن الأسرار التي لا يجوز الإفصاح عنها, حفاظًا على سمعة العملاء وصيتهم الحسن! لكن الملاحظة العيانية المباشرة: يمكن أن تدل على العمليات الجراحية التجميلية, تجد إقبالا منقطع النظير, بين كل النساء من شتى الأعمار.

          وإذا كان الشاعر العربي يتحدث وينوّه بالفوائد السبع للسفر, فيحق لنا الآن إضافة السياحة التجميلية لتصبح من ضمن الفوائد إياها.

          فثمة العديد من الرجال والنساء  - على حد سواء - يتكبدون وعثاء السفر وعناءه, إلى لبنان ومصر وبانكوك والمكسيك وسورية وإيران والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها, من أجل شتى أنواع العمليات التجميلية, والتي صارت معروفة لدى الجميع. فأعضاء جسم الإنسان صارت كما قطع غيار السيارة, حيث في مقدور البني آدم أن يغير حجم وشكل أنفه وثدييه وكرشه وأذنيه وكفله وعجيزته وخدوده وشفايفه وسحنته وملامحه ووجهه وطلته وطلعته غير البهية إلى أخرى بهية مدججة بتقنية الشد ومواد السليكون والباتكس وغيرهما!

          وقد صار واجبًا على إدارة الجوازات في الديار العربية والأجنبية والسياحية الشهيرة بالعمليات التجميلية أن تضيف إلى الأسئلة المكرّسة لأسباب زيارة السائح إلى البلد المعني سبب: إجراء جراحة التجميل. فلاداعي - في هذا السياق - إلى أن يموه السائح العربي الخليجي سبب زيارته. فإذا كان الصب تفضحه عيونه, فإن قاصد جراحة التجميل تفضحه (مناخيره المربوطة بـ(الشاش) والذي منه.

          وقد لاحظت - شخصيًا - أن العديد من الذين قاموا بعمليات التجميل والترميم, حريصون على معرفة رد فعل الآخرين نحو فعلتهم! فالصبايا والسيدات المتصابيات - على حد سواء - يبحلقن في عيون المارة, لقراءة وجهة نظرهم, التي يمكن أن تظهر بصيغة أو أخرى, الأمر الذي يجعل الكل يبحلق في الكل, ويبادله النظر والدهشة, وعلامة التعجب والاستحسان أو الامتعاض, وما إلى ذلك من ردود فعل تتباين من إنسان إلى آخر.

          وفي ظني: أن الرأي العام العربي قد يتقبّل من أولئك الذين يعتمد عملهم على شكلهم وطلتهم وطلعاتهم البهية, مثل نجوم وكواكب السينما والتلفزيون والمسرح, لكنه يستهجن هذه الفعلة حين تقوم بها أديبة عجوز ذات شكل مقبول لا يعيبه شيء سوى تشبث صاحبتنا بصرعة الطلة الجديدة التي يسمونها الـ(New Look)!

          وعلى الرغم من أن طلعتها البهية لاتحتاج إلى اللجوء إلى (عطار القرن الحادي والعشرين), فإن حمّى الـ(نيولوك) وصرعة الطلة الجديدة حرّضتها على القيام بهذه الفعلة!

          يقسم الدكتور (صبري قباني) - رحمه الله - في كتابه الموسوم (جمالك سيدتي) النساء إلى ثلاث فئات: الأولى: تلك التي تكون جميلة, وتعرف أنها كذلك. والثانية: ذات الجمال المتوسط. والثالثة: القبيحة التي طالما سمعت الآخرين ينعتونها بالقبح بصراحة شديدة الوطأة. ويقول الدكتور قباني (بأن الطب وفن التجميل لا يعترفان بهذا التصنيف. ويؤكد: إن النساء كلهن جميلات, والفارق الذي يميّز واحدة عن الأخرى, هو أن إحداهن تعنى بجمالها على الدوام, وتحرص على إبرازه, وأخرى تقوم بهذه المهمة دون نظام واهتمام. وثالثة - وفيها تكمن الطامة والبلية - تهز كتفيها باستخفاف, وتقول: إنها ليست جميلة, فلذا ليس لديها ما تعنى به! وهذا خطأ جسيم في رأي الدكتور قباني.

          وأيًا كان الأمر, فأحسب أن رأي الدكتور قباني قديم تجاوز نصف قرن على الرغم من قيمته النظرية.

          ذلك أن حمى التجميل قوّضت كل المقولات المتمحورة حول القبح والتشوهات والطلعة (الجيكرة) غير البهية, فقد صار في مقدور كل من تعاني عيبًا خلقيًا, وتكابد قبحًا لا يحتمل, أو طلعة غير بهية, أقول: صار في مقدورها - بفضل مبضع جراح تجميل ماهر - أن تتحول إلى ملكة جمال يشار إليها ببنان اليدين والقدمين معا!

          إن الإقبال المتواتر المتزايد على عمليات التجميل - بكل أشكالها وأنواعها - حمى عالمية عابرة للقارات, ومتخطية للحدود, ولا سبيل الآن يمكن أن يخفف من شيوعها وانتشارها.

          إن عمليات التجميل, بمعنى من المعاني, هي: جنون البشر, وتضاهي جنون البقر, وتبزه وتتفوق عليه!

          ولعل ما يعزي البشر الذين هم بمنأى عن هذا الجنون قول بول فاليري: (ما يأسرنا في كائن ما, ليس تلك الدرجة القصوى من الجمال, ولا المفاتن العامة, بل دائمًا: سمة خاصة به), جبر الله خاطرك يا (خواجة فاليري) لأن في مقولتك المذكورة آنفًا عزاء شديدا لنا نحن معشر عبادالله العاديين المفتقرين إلى الملاحة والجمال. حسبنا أن نقول: الحمد لله على كل حال, وأن نلعلع حتى تبح أصواتنا: كن جميلاً ترَ الوجود جميلا!
----------------------------
(1) سكس ويل: عجلة الشاحنة
(2) الجيكر باللهجة الخليجية شديد القبح.

سَلو قَلبي غَداةَ سَلا وَثابا لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا
وَيُسأَلُ في الحَوادِثِ ذو صَوابٍ فَهَل تَرَكَ الجَمالُ لَهُ صَوابا
وَكُنتُ إِذا سَأَلتُ القَلبَ يَومًا تَوَلّى الدَمعُ عَن قَلبي الجَوابا
وَلي بَينَ الضُلوعِ دَمٌ وَلَحمٌ هُما الواهي الَّذي ثَكِلَ الشَبابا
تَسَرَّبَ في الدُموعِ فَقُلتُ: وَلّى وَصَفَّقَ في الضُلوعِ فَقُلتُ: ثابا
وَلَو خُلِقَتْ قُلوبٌ مِن حَديدٍ لَما حَمَلَتْ كَما حَمَلَ العَذابا


(أحمد شوقي)