خواطر سينمائية: عن السينما العربية وفكرها الغائب

خواطر سينمائية: عن السينما العربية وفكرها الغائب

حديث الشهر

هذا الغياب الدائم للسينما العربية عن المنافسة في الساحة العالمية لا يعني سوى غياب الفكر الخلاق الذي يتمكن من المنافسة وفرض قيمه الثقافية, فالسينما ذلك الفن المعبر عن الحضارة والتاريخ يصبح في وطننا العربي فنا بلا ذاكرة

  • كل الأسباب التي تطرح لتبرير تخلف السينما العربية غير كافية وعلينا أن نكتشف العلة الحقيقية
  • يمكن للسينما أن تحول البشاعة الإجرامية إلى بطولة خلاقة, وهذا جزء من سحرها وخطورتها
  • الطابع الترفيهي يسلب السينما قوتها كأداة للثقافة الشعبية والشهادة على عصرها

هل يمكن لفن السينما أن يغير الواقع?

لقد كان الكاتب التشيكي "فرانز كافكا" متشائما وسوداويا وكان من الطبيعي أن ينفر من السينما رغم أنها كانت في سنواتها الأولى. وقال قولته المشهورة "إنني أكره هذا الفن.." فرؤية الفرد لا تسيطر على أفلام السينما, ولكن أفلام السينما هي التي تسيطر على رؤية الفرد.

والآن رغم مرور أكثر من مائة عام على تواصل هذا الفن وازدهاره فإن هذا القول المتشائم يبدو أنه كان صحيحا. فتلك الصورة التي تتكثف أمامنا من أشعة الضوء واللون قد أصبحت قادرة على إثارة مشاعر التعاطف والانفعال في داخلنا أكثر مما تثيره هذه المشاهد في الواقع. فالكاميرا لا تخدعنا فقط ولكنها تستطيع أن تكثف المشاهد التي تريدها بالتصوير القريب وأن تعزل مشاهد أخرى بتصوير بعيد أو بعدم تصويرها على الإطلاق. وكانت النتيجة أن رؤيتنا للعديد من الأماكن قد تأثرت إلى حد كبير برؤية السينما لها. وكذلك تشكيل الثقافة العامة لأي عقل خضع في جزء كبير منه للتشكيل الذي صنفته السينما, ونحن أحيانا نعبر عن مشاعر الحب والكره في داخلنا بالطريقة التي يجري بها التعبير في الأفلام ونستمد نظرتنا للبطولة والأبطال وفق المقاييس التي نراها على الشاشة.

ولا ينفي هذا آراء المتحمسين لصناعة السينما. فقد قال الرئيس الأمريكي تيودور ويلسون حين شاهد فيلم "مولد أمة" عام 1928 "إنه التاريخ مكتوبا بضوء البرق". ولكن المؤكد أن السينما ليست هي التاريخ. فهي تخلق تاريخها وواقعها الخاص الذي يكون أحيانا أكثر صدقا من التاريخ الذي لم نره أو الذي نقرؤه في سطور باهتة وسط صفحات الكتاب. إنها الوهم الذي يحج إليه الجميع كما يطلق عليها بعض الكتاب. لأن دار السينما هي المكان الوحيد الذي لا دور له غير تسلية الناس وتحويل أصداف حياتهم اليومية إلى درر براقة ولو كانت مزيفة وهو وهم نقبله راضين. فنحن لا نبحث فيها عن الفكر العميق الذي نجده في كتب الفلسفة, ولا موضوعية كتب التاريخ ولا حتى عمق الرواية. فالكثير من الكتب تتحول إلى أفلام ولكن النادر بل وربما من الصعب أن يتحول فيلم إلى كتاب. ولعل العلاقة بين السينما والأدب هي إحدى العلاقات المثيرة للدهشة, فلا يمكن تنفيذ أي فيلم دون أن يكون هناك نص مكتوب وراءه, ومع ذلك فإن دور المؤلف في الفيلم هامشي إلى حد مفزع, فالفيلم ينسب دائما إلى مخرجه ولا يسعى إليه الناس إلا اعتمادا على شهرة أبطاله, بل وتحولت السينما الآن بفعل دخول التقنيات الحديثة إلى أن ما تتركه في الذاكرة هو الحيل الباهرة التي تقوم بها هذه التقنيات.

"كان".. الغياب الدائم

ولعل الذي جعل كل هذه الخواطر السينمائية تتدافع إلى ذهننا هو ما يشهده شهر مايو من كل عام, من قيام ذلك المهرجان السينمائي الأكبر والأشهر في العالم الذي تعقده مدينة" كان" في جنوب فرنسا على ساحل البحر الأبيض المتوسط, ويزخر بأيامه الحافلة بعروض لعشرات الأفلام, والندوات, واحتفاليات النجوم, وهم يختالون مثل الطواويس البراقة, وأخيرا الاحتفال بتوزيع الجوائز على أهم المتفوقين في إبداعاتهم السينمائية, والذي يمثل حدثا فنيا وثقافيا وإعلاميا ضخما وواسع التأثير.

وسط هذا الزحام برزت أفلام جادة قادمة من جمهورية إيران الإسلامية, وجمهورية الصين الشعبية, والهند, ومن دول أخرى متفرقة في أوربا وأمريكا اللاتينية.. ورغم ذلك فقد غاب الفيلم العربي تماما ومازال غائبا. اللهم إلا إذا استثنينا الجائزة التقديرية التي منحت للمخرج المصري يوسف شاهين عن مجمل أعماله السينمائية على مدى خمسين عاما, وحدث ذلك قبل أربعة أعوام.

تذكرت هذا العجز العربي الغريب عن "الوجود" مجرد الوجود, في هذا المهرجان السينمائي الأهم في العالم لسنوات متصلة, على رغم التاريخ الممتد للسينما العربية, منذ ثلاثينيات القرن العشرين, والذي لا يقل إلا بضع سنوات عن تاريخ السينما العالمية, والظهور المتفرق لأعلام سينمائية عربية متألقة في "كان" السبعينيات (المثال الأبرز هو حصول فيلم "وقائع سنوات الجمر" للمخرج الجزائري الأخضر حامينا على جائزة السعفة الذهبية للمهرجان عام 1975), وجالت بخاطري مجموعة التفسيرات التي قدمها الاجتهاد النقدي العربي لواقع الأزمة الذي يكتنف حال السينما العربية المعاصرة, وتحد بالتالي من إمكان وجودها, وتمنع ظهور أي سينمائي عربي مميز في مهرجان عالمي كبير مثل "كان", وهي تفسيرات كلها قاصرة عن تفسير أسباب هذا العجز مثل: انكماش الإنتاج, قلة دور العرض السينمائي, فوضى واحتكار التوزيع, تسيد أساليب وممارسات المقاولات لساحة النشاط الإنتاجي لهذه السينما, الإمكانات التقنية المتدنية المستوى, ثم أخيرا الرقابة السياسية والفكرية والاجتماعية وقيودها الصارمة.

وقبل الاسترسال في الحديث عن السينما العربية وواقعها, أود أن أشير إلى أن الظهور السينمائي العربي في المهرجانات العالمية الكبرى ليس القضية الأساسية في مسألة السينما العربية, بطبيعة الحال, وإنما هو مؤشر واضح وانعكاس صريح لحال التعثر التي يشهدها واقع النشاط السينمائي العربي, إبداعا وإنتاجا وصناعة وتسويقا, ومن ثم فهو مدخل مناسب, أحببت الولوج من خلاله, لتأمل, أو استكناه المشهد الحزين الراهن لهذا الواقع المر الذي يعيشه قطاع مهم ومؤثر من قطاعات الثقافة العربية المعاصرة.

أزمة صغيرة وأزمة كبيرة

إن التفسيرات التي تعطى لحال التأزم السينمائي العربي قد جالت بخاطري, فرأيتها تجليات لأوجه مختلفة ومتكاملة للأزمة الأعمق التي تمر بها مجتمعاتنا العربية, وخاصة على الصعيد الثقافي. فليس الواقع السينمائي المعيش سوى جزء مكون من نسيج الواقع الثقافي العربي المعيش, وما الإبداع السينمائي إلا جزء من نسيج الوجدان الثقافي العربي عموما, يتألق بتألقه وينتكس بانتكاسه, بغض النظر عن استثناءات قليلة تتمثل في "تألقات" فردية هنا وهناك. وتلك في تصوري منطقة النقاش الأهم بالأولوية الآن, وأكثر من أي وقت مضى, بالتأمل المتعمق, والأدعى للتدارس النظري والنقدي على المستويين الفردي والمؤسسي, مادام الأمر يتعلق باستشراف آفاق تجاوز فعلي وشامل لحال التعثر التي تثقل خطى السينما العربية, وتهبط بأدائها الفني الجمالي معا على منحدرالإنجاز السلبي.

فعلى الرغم من عثرات السينما العربية وسلبياتها التي لا تحصى, فإنها موجودة. وقد فرضت نفسها في بعض مراحلها, كجزء أصيل ومؤثر أحيانا في الثقافة القومية للمجتمعات العربية, كما أنها لعبت سواء قصدت هذا أم لم تقصد بمختلف أجيالها دورا مؤثرا في تعزيز الهوية الثقافية لبعض المجتمعات العربية, وقامت أحيانا بصياغة عصر بأكمله بأحلامه بالتطور والرقي والسلام في ظل المراحل الأولى للاستقلال الوطني, وكذلك بانكساراته وانقساماته وإحباطاته وهزائمه. وحاولت السينما بحضورها الجماهيري الواسع صياغة تلك الأحلام البريئة, أو بعبارة أدق, تجسيد تلك الأحلام الجميلة على صفحة مخيلاتنا, في فترة بالغة الحساسية من تاريخنا المعاصر, امتدت على جسور سنوات القرن العشرين.

ولكن هل نجحت السينما العربية في تحقيق هذا الأمر?

لقد كان من المفترض أن تؤرخ السينما العربية للتطور السياسي والاجتماعي ورصد التحولات الكبيرة للعالم العربي في القرن العشرين, وانشغال كل جيل من أجيالها المتتابعة بمجموعة القضايا المستجدة في كل مرحلة من التطور الاجتماعي العربي, وتقوم بالدور المهم المنوط بها أن تلعبه, أسوة بالدور الهائل الذي قامت به السينما العالمية, لكن ذلك لم يحدث عندنا, ولكي لا نعمم الحكم, لابد من الإشارة إلى تلك المحاولات ـ مرة أخرى ـ البسيطة التي حاول من خلالها بعض صناع السينما العربية من فنيين ومنتجين رصد الواقع العربي ورصد تطوّراته وتحوّلاته وتوثيق قضاياه الوطنية, ولكن لا نستطيع أن ندّعي أن السينما العربية التي جاوز عمرها الآن المائة عام تقريباً, قد قامت بالدور الذي قامت به السينما العالمية غرباً وشرقاً على السواء.

السطو على الحقيقة

لقد لعبت السينما أدواراً بالغة التأثير في توجيه المفهوم الخاص بنا للعديد من القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية في العديد من مناطق العالم التي بلغت فيها السينما مرحلة أعلى من التقدم التقني والنضج الفكري والإنتاجي (أمريكا خاصة ثم أوربا في مرتبة أقل, وبعض سينما آسيا كالهند وروسيا بمستوى أدنى), وربما يكفي للتدليل على ذلك الدور أن نذكر كأمثلة حجم التأثير الواسع لأفلام "الوسترن", أو أفلام الغرب الأمريكي, التي قامت بالترويج والتبرير السياسي والفكري لغزو العنصر الأوربي لأراضي الهنود الحمر في أمريكا الشمالية, وتلك الإبادة واسعة النطاق التي تعرضت لها مجتمعاتهم.

لقد تمكنت هذه الأفلام من تحويل البشاعة الإجرامية في أذهان المشاهدين إلى بطولات للعنصر الأبيض وشجاعته ودوره الحضاري في مواجهة تلك القبائل البدائية الجاهلة التي لم تستطع المواجهة والصمود في وجه أسلحة الرجل الأبيض الحديثة, فاستحقت أن تُباد وأن يحل محلها ذلك العنصر المتفوق الذي يستحق الحياة. هكذا تمكنت السينما الأمريكية بقوّتها وإمكاناتها من أن تفرض هذه الثقافة المغلوطة والمزوّرة على الشعوب, ليس فقط الشعب الأمريكي الذي وجد فيها تبريراً يخلصه من عقدة الذنب, ولكن أغلب شعوب العالم التي تعلقت بهذه الأفلام لفترة طويلة, واعتقدت أنها انعكاس حقيقي لصراع موجود على أرض الواقع.

واستمراراً لهذا الدور الخطير للسينما الأمريكية فقد تم استخدام الأفلام بكفاءة عالية في الترويج لإدارة الحرب الباردة ضد المنظومة الشيوعية والاشتراكية في العالم, ولعل الأفلام البرّاقة التي قدمت الحياة الأمريكية بكل ما فيها من فخامة وجنس وطرق سريعة للإثراء الفاحش قد ساعدت في التعجيل بتداعي الأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي السابق وأوربا الشرقية, حين قدمت لمواطني هذه الدول حلماً لا يمكن الحصول عليه إلا بتحطيم أنظمتها, وقد تجاوز ذلك من حيث تأثيره دور أنشطة الأجهزة المخابراتية, مروراً بالدور وبالتركيز على بشاعة الحركة النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا وحليفتهما اليابان, وإظهارهم بالوحشية واللاإنسانية وإرعاب العالم منهم, وأدت في النهاية إلى تقديم النازية وهتلر وألمانيا عموماً للعالم كنموذج للشر والطغيان في عالم يسعى للأمن والسلام والحرية بقيادة الديمقراطية الأمريكية!! وهناك أيضاً ذلك الدور الذي لعبته السينما في بدايات نشوئها عندما استخدمها الاستعماريون بوصفها إحدى آليات الاختراق الفكري والثقافي للمجتمعات المستعْمَرة وهو الدور الذي قامت به السينما البريطانية مبررة غزوها واستعمارها للهند. وأخيراً, وليس آخراً ذلك الدور الإعلامي الخطير الذي لعبه, ويلعبه, الإنتاج السينمائي صهيوني التمويل والتوجيه, أمريكي الإنتاج في الأغلب الأعم, في تعزيز وترويج الدعاوى الأيديولوجية للصهيونية وإسرائيل منذ نشوئها والسعي الدائم لكسب التأييد للحركة الصهيونية, ووضع إسرائيل كواحة للحضارة والديمقراطية في مواجهة عرب متخلفين يسعون بـ"الإرهاب"! لتدمير تلك الحضارة اليهودية التي تسعى لبناء مجتمع "يهوه" على الأرض.

الوعي الغائب في السينما

أما السينما العربية, فمن المؤكد أنها لم تتمكن من القيام بالدور المنوط بها, كأهم وسيلة لنشر الوعي والتوجيه الفكري والثقافي خلال القرن العشرين, فقد أهدرت ما لديها من إمكانات لخدمة أهداف تجارية محدودة, ولم تستثمر على المستوى الفكري ما في التاريخ العربي والحضارة العربية من إمكانات يمكن توظيفها من أجل خدمة المشروع العربي الوحدوي ودعم حركة نهضة جديدة في العالمين العربي والإسلامي, كما أنها لم تسع لتفعيل الدور الجماهيري في النضال الطويل ضد المستعمر, وعن خوض معركة التقدم التي تطلبها مشروع النهضة العربية الحديثة, ومع ذلك علينا ألا نهمل الإشارة, بوجه خاص, إلى "بعض" الأدوار والمحاولات المنقوصة التي لعبها الإنتاج في السينما العربية هنا وهناك وتأثيره في تعزيز بعض ظواهر التحول في المجتمع العربي, فقد نجحت الصناعة أحياناً في إحباط المسار الذي كان مرسوماً للسينما العربية في بداية نشأتها على يد المستعمر, وبقيادة عدد من الصناعيين السينمائيين اليهود (مصر بصفة خاصة), حتى يجعلوا منها آلية مهمة من آليات الاختراق والهيمنة, فكرياً وثقافياً, للجماهير العربية, وقد نجحت هذه الصناعة الوليدة إلى حد ما بعد تحقق هذه السيطرة الوطنية على تقنيات الإنتاج, ومن ثم منطلقات الرؤية وتوجهات التجريب الفيلمي, إلى رافد لتعميق المشاركة في إغناء إمكانات التغير الثقافي والاجتماعي وإضفاء نوعية متجددة إلى الرصيد الجمالي والإنساني لهذا الفن عربياً وعالمياً, ولكن هذا استثناء من قاعدة عامة.

والآن إذا عدنا إلى حال التأزم التي تعيشها السينما العربية, فإن الفكرة التي نود أن نركّز عليها هنا هي أنها, في الجانب الأكثر جوهرية, انعكاس وتجل نوعي لحال التأزم التي تكتنف الثقافة العربية, سواء بوصفها على مستوى المفاهيم السائدة أو الأداء المؤسسي. إن مشكلة الارتقاء بالأداء الإبداعي للإنتاج السينمائي العربي - سواء ضمن محدوديته الراهنة من حيث عدد الأفلام أو في ظل اتساع مساهمة المال العربي في إنشاء دور العرض وإقامة شركات عملاقة للإنتاج والتوزيع, ليس منفصلاً, كمطلب لمبدعي هذا الفن ومنتجيه ونقّاده, عن مسألة ارتقاء الأداء الثقافي العربي في شموله, بكل ما يتطلبه ذلك من جهد فكري وثقافي واقتصادي من مثقفي العالم العربي ومؤسساته الأهلية والحكومية.

وربما يأتي في مقدمة تلك الجهود المطلوبة لدفع عجلة النهوض في حقل الأداء السينمائي العربي, أن تمارس مؤسسات العمل الثقافي العربي الحكومية والأهلية, دوراً أكثر جديّة في تحجيم, أو بمعنى أدق في الكف عن الأخذ بالمفهوم السائد عن السينما بوصفها مجرد وسيلة للتسلية. فلو ظل هذا الفن العظيم, الساحر للجماهير, واسع الأثر يقابل على المستوى المجتمعي العام بهذه النظرة التبسيطية, والاستخفافية, فسوف ينعكس هذا على آليات ومنطلقات الأداء الإبداعي والإنتاجي السينمائي في مختلف أنحاء العالم العربي.

معادلة صعبة

فغلبة الطابع الترفيهي للسينما يسلبها أهم خصائصها كأداة لتحريك الفكر والوصول إلى صيغة تتناسب معها كأداة للثقافة الشعبية باهظة التكاليف, وعدم الخضوع للمقتضيات التجارية التي تجعل السينما أسيرة نظرة "الجمهور عايز كده", ولا يتأتى هذا إلا بردم الهوّة التي تفصل السينما عن غيرها من الأنشطة الثقافية والأدب على رأسها, فالكتّاب مدعوون ـ مؤلفين ونقادا ـ للتآزر من أجل إنقاذ السينما من طابعها الترفيهي والسطحي.

وربما تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى ندرة الكتابات النقدية الجادّة, ومحدودية الدراسات والإسهامات النظرية على صعيد تلك الإشكاليات التي عرضت لها إجمالاً في حديثي هذا, وإلى الارتباط الوثيق بين ظاهرة الندرة البحثية لآفاق التعثّر السينمائي العربي, ومحدودية النظرة للسينما كإبداع مجتمعي شامل, وتطويقها داخل إطار الترفيه المحض, والتسلية البحتة.

تلك كانت مجموعة من الخواطر والملاحظات التي أثارتها في ذهني مناسبة قدوم مايو جديد ودورة جديدة لمهرجان كان السينمائي الدولي خالية من الوجود السينمائي العربي, ولمناسبة توزيع جوائز الأوسكار الأمريكية وبروز مجموعة من الأفلام الأمريكية التي تحاول أن تعيد نشر ثقافة "العنف والهيمنة وسيادة الغني على الفقير", وإذا كنت قد حرصت على طرح هذه الخواطر والملاحظات في حديث الشهر لهذا العدد, فإنما أردت التنبيه إلى أهمية السينما في الواقع الثقافي العربي, وقصورها عن القيام بدورها المنشود, ودعوة ذوي الاهتمام بالثقافة العربية عموماً, وذوي الاهتمام الأقرب بهموم هذا الفن الجميل والخطير في الوقت نفسه, من نقّاد ومبدعين ومثقفين, وهم كثر ولله الحمد في عالمنا العربي, في طرق آفاق هذا الجانب الأشمل تأثيراً من جوانب التأزّم الراهن للأداء السينمائي العربي, للوصول بهذا الفن إلى مرتبة الأداة الفعّالة في مسيرة عملنا الثقافي والإعلامي.

 

سليمان العسكري