هل اختلفت النماذج كثيراً؟

هل اختلفت النماذج كثيراً؟

قراءات في الصور المختلفة للمرأة على الشاشة الحديثة

بين النموذج الذي قدمته السينما العالمية للمرأة منذ بدايتها, وما تقدمه اليوم فارق شاسع, وهذا الفارق تحدده عدة عوامل ومتغيرات.

في الفيلم الروسي "أليتا" Aelita "يعقوب بروتازانوف ـ 1924" هناك امرأتان بعيدتان عن بعضهما البعض لكن تأثيرهما السلبي على بطل الفيلم بيّن.

"أليتا" هو أول فيلم خيال علمي روسي وتصميماته الفنية جديرة بالإعجاب حتى اليوم ليس لأنها خارقة لما يستطيع فنانو اليوم إنجازه, بل لأنها, في إطار الزمن الذي صنعت فيه "أربع سنوات بعد الثورة", متقدمة وإلى حد ما غريبة, كذلك فإن الفيلم الذي كان متوافرا في السابق بمدة 80 دقيقة, أضيفت إليه دقائق أخرى تم اكتشافها قبل سنوات قليلة, ما أتاح لنا الإطلاع على فكر مخرج هو مجهول لدينا عمليا رغم أن عدد أفلامه يربو على الستين, بينها أكثر من أربعين فيلما صامتا, منها أول نسخة معروفة عن رواية ليو تولستوي "1915" (الحرب والسلام).

المرأة الأولى هي أرضية اسمها ناتاشا "فالنتينا كوينسكي" المتزوجة من المهندس الميكانيكي لوش "ن. تزريتللي" والتي تحب زوجها. نتعرف عليها تعمل في التعاونية فتصرف أذونات توزيع الأطعمة في الفترة التي كانت فيها الحرب الأهلية بين القيصر والقوات الشيوعية لاتزال جارية خارج موسكو. جميلة وشابة وكلها حب لزوجها الذي يحلم بالصعود إلى المريخ.

المرأة الثانية هي أليتا "يوليا سولنتفا" هي ملكة المريخ. في الحقيقة العنوان الذي منح للفيلم حين اختير للتوزيع على الفيديو قبل سنوات هو "أليتا, ملكة المريخ", وهي تستعين بمنظار طاقة ضخم لمراقبة الأرض لأول مرة ومن بين كل من عليها تكتشف لوش وتقع في حبه من بعيد.

لكن "أليتا" هو أبعدجدا عن أن يكون فيلما حول صراع امرأة أرضية وأخرى من المريخ على حب رجل واحد, إذ تتواصل الأحداث, وهي شاسعة ومترامية تتغير بعد قليل صوب اتجاه جديد, نكتشف أن نظرة المخرج بروتازانوف للمرأة كانت ملتوية في أحسن حالاتها, هذا على الرغم من أن مؤسسي النظرية الشيوعية نادوا بها عضوا أساسيا في بناء المجتمع السليم. بالنسبة لفيلم خرج من بنية السنوات الأولى من الثورة التي اعتبرت أفلام ما قبل الثورة ملغاة لخلوها من المضامين الأيديولوجية المناسبة, فإن الأمر غريب إلى حد بعيد وفي أفضل حالاته يدعو إلى التساؤل حوله.

فناتاشا من ناحيتها تسبب خراب البيت الزوجي حين تمنح أذنها وجزءا من قلبها لمخرب ينتمي إلى بقايا الطبقة الأرستقراطية المنحلة. بذلك تدفع زوجها إلى هجرانها ولاحقا إلى قتلها. ومع أن الفيلم ينتهي باستيقاظ الزوج من حلم طويل إلا أن الفأس ضرب الرأس بالنسبة لمعالجة عنصر المرأة في المجتمع.

والأمر ليس أفضل مما سبق على سطح المريخ.

"أليتا" ملكة تستهويها الأرض ومن عليها حين تستخدم ذلك المنظار الهائل لتتجسس على أهله ومجتمعاته. حين ينجح الزوج في رحلته إلى المريخ ويصل إليها تستقبله بترحاب, لكن الرجل يكشف لها فجأة ما لديه في مفكرته الخاصة على المريخ, إنه يريد تحرير العبيد الذين دفعهم "النظام" إلى السجون. توهمه بأنها معه في تلك الغاية, وذلك حتى تتخلص من منافسيها على السلطة وعندما يتم ذلك, تنقلب عليه وعلى عبيد المريخ وتريد قتلهم.

صورتان سلبيتان عن المرأة في فيلم يزورنا من ذلك الأمد عندما كانت السينما لاتزال تتعلم كيف تمشي.

امرأة متفانية

لكن هل تتغير صورة المرأة على نحو متواصل نسبة للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بها, أم تبعا لمواقف المبدعين الذين يرسمون لها ما ينوونه, أم تبعا للعاملين الأساسيين معا?

الأفلام التي دخل العام 2001 بها, ومنها "ما تطلبه المرأة", "رجل العائلة", "شوكولا", "ملائكة تشارلي", "تستطيع الاعتماد علي", "بيت المتعة" والفيلم الصيني "نمر رابض, تنين مختبئ" كلها تحتوي على صور متعددة حول المرأة بعضها متطور نابع من عصر ما بعد ابتكار حبة منع الحمل وبعضها عائد إلى جذوره الماضية. بعضها يرد على نحو تلقائي "إذ لابد أن يكون للفيلم الاجتماعي نساؤه ولابد أن يكون لهذه صور", وبعضها على نحو مدروس.

على ذلك, الصور المختلفة للمرأة تثير الاهتمام كل مرة يقدمها فيلم بغاية التعليق على وضع اجتماعي معين. في "ما تطلبه المرأة", كما سيمر معنا, يبدو العالم الحديث عالم المرأة بصورة رئيسية أما الرجل فيبدو متطفلا فيه. في "رجل العائلة", المرأة هي الأكثر تفانيا في الحب, الأكثر إدراكا للمصلحة الزوجية, في "شوكولا" هي أقرب إلى ملاك حب يستطيع تطويع آخر المتمردين على السلطة النسائية "وبالشوكولا" في "ملائكة تشارلي" هناك قوة قاسية تتمتع بها المرأة ويجب أن تفرضها على العالم الذي نعيش فيه. الوجه الإنساني الوحيد بين هذه الأفلام المذكورة يكمن في "تستطيع الاعتماد علي" و"بيت المتعة". أما الفيلمان الكوري والصيني فلهما مرجعهما المختلف وإن كانا يصبان في مطلق هذا البحث.

عقاب مزدوج

أنه لأمر أساسي أيضا أن ننظر إلى صورة ثابتة لدى بعض المخرجين. بروتازانوف حقق أفلاما عديدة كثير منها ضاع وكثير منها "يأمل الناقد" محفوظة في أرشيف موسكو, لكن "أليتا" هو فيلمه الوحيد المتوافر, لذلك لا نستطيع أن نمعن في النظر لنعرف إذا ما كانت نظرة المخرج العدائية المبثوثة, رغم تعاليم النظام, موجودة في أفلامه الأخرى عموما. لكن المرء يستطيع بالتأكيد الرجوع إلى أفلام إنغمار برغمان مع الممثلة ليف أولمان وهذه قريبة وتتراوح ما بين مطلع الستينيات وحتى منتصف الثمانينيات وتبلغ ثمانية أفلام.

هناك خمس دقائق تتسلط فيها الكاميرات على وجه أولمان في فيلم "عاطفة" (1970) وهي تتحدث عن نفسها. تتدرج في التعابير التي تزور وجهها خلال ذلك الحديث باختلاف ناصية الحديث ذاته. هي في البداية مرحة, تقول ما يبدو لها عاديا, تكاد لا تشعر بشيء, لكنها حين تبدأ بالمضي عمقا في ذاتها تعكس على وجهها "ضمن تلك اللقطة الواحدة" مشاعر دفينة من الخوف والوحدة والشعور بالذنب.

المرأة عند برغمان شخصية لا يمكن النظر إليها مرتين بنتيجة واحدة. المرأة الأولى دائما ما تبدو طبيعية. الثانية "وما بعدها" هي ضحية عوامل ذاتية على نحو ما بينه كارل يونغ, العالم النفسي الذي تأثر برغمان به وعكس هذا التأثير في تلوين صوره النسائية على الأخص, ولو أن نظريات يونغ تناولت أيضا الرجال.

هذا في خلفية الذهن عندما نشاهد الفيلم الجديد لليف أولمان كمخرجة "غير الوفية" (Trolosa) بالسويدية التي تستند إلى سيناريو اعترافي كتبه برغمان عن تجربة ذاتية خاضها: المرأة المتزوجة خانت زوجها من أجله, لكنه وزوجها اشتركا ـ كل على حدة ـ في معاقبتها, بأنانيتهما المطلقة. في ذات الوقت هي مسئولة أولى ما يتركها مكشوفة أمام كل التبعات الحاصلة.

برغمان دائما ما يجد أشياء في المرأة لا تراها في أفلام الآخرين. في "عاطفة" مثلا, هي مدمنة شعور بالذنب لكونها تكاد تصدق مسئوليتها عن مقتل زوجها وطفلها في حادثة سيارة كانت هي تقودها. لكن الرجل هو الذي يلوي ذلك الشعور إلى درجة التعذيب: ماكس فون سيدو في ذلك الفيلم يتهمها بأنها تريد قتله بذات الطريقة.

في "صرخات وهمسات" (1972) هناك ثلاث شقيقات. حالة ود وحب وانسجام لا يؤرقها, في الوهلة الأولى, إلا أن إحداهن "انغريد ثولين" مريضة بالسرطان. لكن سريعا ما ندلف إلى التفاصيل, فإذا بذلك الود والحب والانسجام ما هو إلا صور جميلة من الخارج, كما البيت الذي يلتقين فيه.

صانعة المعجزات

هذا العمق في المدلولات قلما نراه في أفلام اليوم. لكن بدءا بفيلم تجاري محض مثل "ملائكة تشارلي" نجد أن في الخلف البعيد من الذات شيئا من ذلك الخوف من المرأة الذي يبدو على غير صورته. إنه الخوف الذي يدفع بالكاتب "إذا لم نقل بالمخرج أيضا" لصياغة صورة قوية راهبة لها تفوق الواقع جاعلا من الرجل ضحية في شتى حالاته.

النظرة الأولى للفيلم "أخرجه McQ ـ 200" هي أنه فيلم أكشن خيالي عن ثلاث نساء "درو بارتمور, كاميرون دياز, لوسي ليو" يجدن أنواع القتال اليدوية واستخدام أنواع السلاح المختلفة وينطلق لتنفيذ مهام محددة يصدرها لهم رجل غامض اسمه تشارلي "لا نراه مطلقا". إنهن ملائكة تشارلي كما ينص العنوان. لكنهن لسن الوحيدات. هناك ملاك رابع اسمه أليكس "بيل موراي" الذي هو نوع من مدير المكتب.

المغامرة هنا هي إنقاذ رجل يمتلك أكبر مؤسسة برمجة كمبيوتر واتصالات فضائية يدعي أنه مخطوف من قبل غريمه وذلك لكي يتخلص من ذلك الغريم ولاحقا من أجل تهديد حياة تشارلي. على فريق تشارلي ذاك أن يتصدى له ولشريكته فيفيان "كيلي ليتش" واستئصال شريكهما.

في القراءة الثانية نجد أن الفيلم يعترف للمرأة بقدرتها على صنع المعجزات التي كانت في الستينيات والسبعينيات حكرا على المرأة. مقدمة الفيلم البوندية هي بمنزلة مخرز في جسد كل المفهوم البوندي "الذي يبدو مفهوما رومانسيا بالمقابل" والأحداث اللاحقة إذ تصور لنا القدرة المتناهية لهؤلاء السيدات في جميع المهام وتحت مختلف الظروف تصور أيضا عجز الرجل عن المضاهاة. طبعا الشرير أريك "سام روكويل" عليه أن يبدو صلبا وقويا, وإلا فإن الفيلم لن يعرف تضادا مثيرا, لكن شريكته فيفيان هي أصلب منه وتتساوى مع كل من تلك البطلات قوة وتجربة.

في المقابل فإن اليكس هو رجل ضعيف. لا قوة له يضاهي بها المتطلبات البدنية والنفسية الجسيمة "ولك أن تتساءل عن سبب وجوده"وعوض أن ينقذ البطل المرأة من الأسر, كما في أفلام الأمس, تتدخل المرأة لإنقاذه هو من وضع مماثل. جزئيا مستخدم للكوميديا, وجزئيا موظف لأن الأصل "التلفزيوني" نص عليه, نجده متعثرا بحاجة إلى كل عون توفره له صديقاته.

الفارق بين النسخة السينمائية والأصل التلفزيوني "من مطلع السبعينيات" شاسع ليس إنتاجيا فقط, بل ظرفيا, صحيح أن المرأة في تلك الحلقات كانت أيضا قوية, لكن قوتها لم تكن عدائية ولم تعكس خوف الرجل منها بل احترامه.

فلسفة عميقة

هذا ما نلحظه تماما في الفيلم الصيني "نمر رابض, تنين مختبيء" Croaching Tiger Hidden Dragon البطلتان يو "ميشيل يوه" وين "زانغ زيي" يجيدان كل ما يمكن عن أن ينتج عن المخيلة البشرية من حركات في فن القتال الشرقي. تستطيعان صعود قمم الأشجار, المشي على الجدران, الوثب عاليا, القفز مسافات شاسعة, واستخدام السيوف والخناجر والرماح والأيدي بمهارة لا تستطيع العين أن تلتقط تفاصيلها.. لكن فوق كل ذلك فإن النظرة إليهما نظرة مليئة بالاحترام.

ظاهريا أيضا, هو فيلم كونغ فو وكراتيه وما بينهما, في العمق, هو قصة حب والصراعات المذكورة فيه ضرورية وتنفيذها "من قبل المخرج الصيني/الأمريكي انغ لي" أشبه بتابلوهات فنية. الاحترام الذي نتحدث عنه يكمن في أن صانعي الفيلم "المقتبس عن رواية صينية قديمة لوانغ دو لو" أخرجا الشخصيتين من شجون العداء للمجتمع, وبالتالي العالم الذي يعيشانه, على عكس "ملائكة تشارلي", فإن القتل يبدو دائما سبيلا مستحيل التحقيق ويتطلب سحر ساحرة شريرة ولا يداويه في الوقت المناسب, إلا جرعة من الحب.

توظيف الفانتازيا

هذا تحديدا ما يدور حوله "رجل العائلة" Family Man"برت راتنر ـ 2000": دراما خفيفة تلجأ إلى الفانتازيا لتمرير رسالتها: جاك "نيكولاس كيج" يودع حبيبته كيت "تيا ليونل" في المطار وهي تطلب منه أن يعدل عن سفره إلى لندن ويبقى في أمريكا ويتزوج بها. لكنه يفضل مستقبله العملي على حب أكيد. بعد سنوات ها هو في منصب رئيسي في إحدى المؤسسات الناجحة يستقبل مكالمة هاتفية من كيت لا يرد عليها في الحال. يشهد حادثا يظهر فيه رجل أسود يثور على صاحب متجر ويشهر سلاحه عليه. يذهب إلى النوم, وحين يفيق يجد نفسه زوجا لكيت وأبا لطفلين ولديه كلب. إنه في بلدة صغيرة يعمل في كاراج والد زوجته. يحاول طبعا العودة إلى حياته السابقة, لكنه لا يستطيع تجاوز بواب البناية الذي لا يتعرف عليه.

على جاك أن يتعامل مع الواقع الجديد الذي كان الواقع الذي سيحدث له منذ سنوات لو أنه استمع لكيت وعاد عن قراره بالسفر. عالمه هذا استكمال من تلك اللحظة, ونحن نعلم أنه يحلم, وهو لا يعلم ذلك إلى أن يفيق من الحلم ليكتشف أنه وحيد غرفته وأن كيت ليست موجودة ولا الأطفال ولا البيت ولا البلدة. إنه لا يزال رجل الأعمال كما كان, لكنه الآن واقع في حب كيت وحياتها من جديد. هذه المرة, وفي إطار الواقع, كيت ليست في حبه بالضرورة.

من بين خيوط اجتماعية عديدة نستلهمها هنا وهناك خيطان مثيران: الأول أن الفيلم يتحدث عن أن المرأة تعيش أيضا عصر اختياراتها المتاحة, فهي تستطيع أن تقول لا لبطل الفيلم, والثاني هي أن اختيارات الرجل التقليدية: العمل, السعي إلى المادة, الشهرة, المال.. إلخ, اختيارات خاطئة "قد نقول إن المرأة العصرية تسعى للأمور ذاتها لكن الفيلم لا يطرح ذلك ما يجعل قولنا محدود الأثر".

إذا كان ذلك صحيحا, فإن الصورة المقترح على الرجل تغييرها, هي أنانيته. والصورة التي ينضح بها فيلم "ما تريد المرأة" Nancy Meyers "نانسي مايرز ـ 2000" تدور حتما حول تلك الأنانية, بل هي تؤكد أن الرجل مثالي في احتوائها.

هنا قصة رجل إدارة آخر اسمه نك "مل جيبسون" يتطلع إلى منصب أعلى مما وصل إليه, لكن رئيس المؤسسة الإعلاناتية التي يعمل فيها "الان اولدا" يجد أن المؤسسة بحاجة إلى امرأة في هذا المنصب الحساس.. امرأة تستطيع وضع خطة لبيع المنتجات النسائية التي تتقدم إلى المؤسسة بغية إدارة حملتها التسويقية.

نك هو "رجل الرجال" "وفي مطلع الفيلم تعريف لماهية هذا الوصف يبتعد كثيرا عن الوصف الحقيقي له لكننا لن نتطرق هنا إلى هذا الجانب", أي, حسب الفيلم. رجل له غراميات كثيرة وارتباطات معدومة. أناني, يحب نفسه, يفوز بأي امرأة يريد "وهناك واحدة ينتظر أن تقع في شراكه حينما يريد", ولديه كبرياء فارغ من حوله تمنعه من قبول العمل تحت إدارة إمرأة إلا اضطرارا.

الفانتازيا التي تتيح للرجل في "رجل العائلة" كشف حقيقة نفسه وتعلم الدرس الحياتي الصعب, هي أيضا الوسيلة التي يعمد إليها "ما تطلبه المرأة" ففي هذه الكوميديا يتعرض نك إلى مس كهربائي وحين يفيق منه يجد أنه يستطيع معرفة ما تفكر به المرأة.. أي امرأة.. كل النساء.

باقي الفيلم مفارقات مبنية للضحك وللدرس في النهاية. على هذا التفصيل الواهن بما أنه يستطيع معرفة ما تفكرفيه المرأة فإنه يستطيع التجسس على ما تفكر فيه مديرته الجديدة "هيلين هانت" وسبقها إلى طرحه والظهور أمامها وأمام رئيسهما بأنه العبقري الحقيقي إلى أن يؤدي ذلك إلى طردها. على وهن هذه الحكاية وتعرجاتها فإن رسالة الفيلم ليست فقط تقديم صورة للرجل الأناني الذي يستخدم كل ذلك في سبيل الحفاظ على مكاسبه الخاصة في مجتمع يعاني من صراع الجنسين.

المطلوب من الرجل أن يكون امرأة ونرى مل جيبسون يحاول في أحد مشاهد الفيلم ظاهريا في مطلع الأمر قبل أن يدفعه الوضع للتخلي عن "رجولته" (حسب تصنيف الفيلم لماهية الرجولة) والقبول بالتغير لصالح ما تطلبه المرأة منه.

تدير الرءوس

والمعركة محسومة في "شوكولا" (لاسي هولستروم) بالنسبة لموضوع الصراع بين الجنسين. لكن بداية, هناك غايات أخرى في هذا الفيلم الذي قامت الفرنسية جولييت بينوش ببطولته بجانب كل من لينا أولين وجوني دب وألفرد مولينا والبريطانية جولي دنش, من بينها أنه يحاول إسدال ستارة رومانسية على قصة حب والتعامل مع صراع الجنسين على أنه أساسا صراع الروح الطيبة ضد تلك الشريرة.

فيين "بينوش" تصل إلى بلدة فرنسية صغيرة في الخسمينيات بصحبة ابنتها أنوك "فيكتوار تيفيسول" وتفتتح سريعا محلا لصنع وبيع الشوكولا. فيما يكتشف محافظ البلدة "مولينا" أن ابنة فيين ليست شرعية يقرر أن "ينظف" البلدة منها مستغلا أخلاقيات العائلات المحافظة وفارضا على الراهب الدعوة إلى طرد "الخاطئة" مستغلا بذلك الورع الديني للمجتمع القروي المحافظ. من ناحيتها, تتسلح فيين بشخصيتها القوية والعفوية وبحيازتها سر صنع شوكولاته قد تدير الرءوس وتغير الأنفس. وبعدأن يتأزم الوضع بينها وبين محافظ البلدة الشرس تربح معركتها, إذ هو أيضا يصاب بروحها الطيبة ويخسر معركته إنما بتفهم ولو متأخرا.

في طيات ذلك, فإن الصراع بين الطيبة المجسدة في المرأة والشر المجسد في الرجل, هو أيضا الصراع بين مفاهيم ذات جوهر ليبرالي يمتد ليشمل الوقوف إلى جانب فيين غير المتدينة ضد المحافظ المتدين.

هذه صورة لامرأة القرن العشرين من تلك التي تحبها المرأة لقدرتها على تجسيد النهاية السعيدة لامرأة تحارب عادات وتقاليد رجعية واستغلالا للدين للحيلولة دون نجاحها في الاستقلال. كما نلحظ هنا, وفي كل ما سبق, هذا النوع من الصياغة لا يحتوي على أي عمق في الشخصيات أو في دوافعها, لا على الصعيد النفسي, ولا على الصعيد الدرامي البحت.

بكلمات أخرى, المعالجات الجادة التي كانت تطرح أيام برغمان على يديه ولاحقا على يدي أندريه تاركوفسكي, وبينهما مايكل أنجلو انطونيوني, اعتادت الغياب لمصلحة سرد من نوع زائد في الثقة عن الحد المطلوب. هنا, وفي غيره من الأفلام, كل واحد متأكد مما يفعله ولا يعاني من أي حيرة تحول بينه وبين ما ارتسم أمامه من منهج. حتى في فيلم تقع أحداثه في الخسمينيات, كما "شوكولا" فإن المرأة المطروحة امرأة العقد الحالي من الزمن.

الصورة الداكنة

الصورة الأكثر تلاؤما مع زمنها والأكثر نصرا للمرأة بالصورة الصحيحة, تأتينا من اقتباس قام به البريطاني ترنس ديفيز لرواية كتبتها اربت وورتون لأحداث تقع في العشرينيات في نيويورك. الفيلم هو "بيت السرور" Hosue Of Mirthمثل "عصر البراءة" "التي خطتها وورتون ونقلها مارتن سكورسيزي إلى فيلم سينمائي" تأتي الرواية لتبحث فيما يشكل عواطف المرأة تجاه من تحب وتجاه ما تريد. طريقان مختلفان يؤديان بها دوما إلى التضحية بواحد منهما لحساب الآخر.

بطلة الفيلم هنا هي ليلى "جيليان اندرسون" وهي امرأة أرستقراطية تتردد من المحامي الشاب لورنس "اريك ستولتز" الذي لا يفكر بالزواج منها. هناك آخرون يريدون الاقتران بها وبعضهم ثري سيؤمن لها مستقبلا رغيدا في ظل ما تعودت عليه من نمط حياة, لكن ليلى لا تريد أن تبيع نفسها مقابل تأمين مستقبلها. تريد أن تقع في الحب ويقع من يريده قلبها في الحب أيضا. تريد الطريق الصعب.

ليلى ستكتشف لاحقا, وبعد أحداث يطول شرحها, أنها خسرت في جميع الحالات. فمن دون زوج ليس لديها معين وبفقدانها عمتها الثرية التي كانت تمدها بمصاريفها ـ ولو امتعاضا ـ لم يبق عندها مورد, ورجل الأعمال الذي كان أقرضها مالا على أساس استرداده منها حين ترث عمتها "شيء لم يحدث إذ اثرت عمتها ترك الإرث في يد قريبة أخرى" أراد شيئا آخر منها في المقابل لا تستطيع أن تهبه اياه.

أن يسوء وضع ليلى وتضطر إلى ترك حياتها السابقة ومحاولة العمل في مصنع حياكة وأشغال يدوية لا تجيدها, ينتبه صديقها المحامي إلى وضعها ويهرع إلى مساعدتها, لكن ليلى آنذاك كانت أصبحت مريضة ومدمنة وتموت في النهاية فقيرة ومعدمة.

ربما الصورة المرسومة عن المرأة هنا داكنة, لكنها في مصلحتها وأفضل من صورة تزيينية لا تقرأ من الصورة إلا الطرف الآخر منها هنا ـ وبفضل أداء رائع من جليان ارمسترونغ ـ تفاعل مع امرأة تدفع ثمنا كبيرا لقاء أخلاقياتها. في أي من لحظات حياتها كانت تستطيع أن تستثمر الفرصة, فتتزوج ثريا أو تلتحق بصحبة ثري آخر, لكنها آثرت الالتزام بموقفها رغم أنها لم تدرك أن نقطة ضعفها في هذا الموقف هو أنها امرأة ارستقراطية غير محصنة لحياة دون ذلك.

الموضوع يتسع ليشمل مفهوم المرأة تجاه الرجل والمجتمع, وإذا ما كان الرجل هو المسئول عن خروجها لحياة العمل وبناء الذات وتحويل بناء الأسرة إلى منهج فعليه أن يدخل في نطاق البناء الأول أساسا. وذلك قد يكون بعض أجزاء الصورة لكنه بالتأكيد ليس كل الأجزاء التي ربما صار من المتأخر لملمتها لكي تقرأ جيدا.

 

محمد رضا

 
 




الممثلة جلي كلوز





لقطة من فيلم "بيت المرح"





ريتشارد جير في فيلم "د. تي والنساء"





المخرج بروتازانوف ليف أولمان في فيلم "أليتا"





مل جيبسون في دوره بفيلم "ما تريد المرأة"





المرأة هي الأكثر تفانيا كما يظهرها فيلم "شوكولا"





المخرج روبرت ألتمان





جانب من الفيلم الشهير "ملائكة تشارلي"