هل العرب واليهود أقرباء حقاً؟
هل العرب واليهود أقرباء حقاً؟
وردت عبارة في مقال للدكتور محمد نعمان جلال بعنوان "الصين الحديثة في رواية مهمة" العدد (506) يناير 2001 ما يلي "العرب واليهود أبنـاء عـمومة وبينـهما صلة رحم" متحدّثاً عن رواية صدرت بالصين وترجمت إلى لغـات عـدة ولم تترجم إلى العربية?! علماً أنها تُرجمت إلى اللغة العبرية!! يبدو أن الأسطورة التاريخية الإسرائيلية التي تقول إن العبرانيين والإسماعيليين (العرب) ذوو قربى وبين بعضهم مودة وصلة رحم. فهل نحن أقرباء اليهود فعلاً? لنرجع إلى الجذور للعبرانيين حسب ماذكرته كتـب التاريخ التي تكاد تجمع أن العرب والعبرانيين أقرباء, وهم من الجنس السامي, وهناك دلائل تشير إلى تلك القربى من حيث إن اللغة قريبة الشبه بين العربية والعبرية وأسماء أعضاء الجسم ولفظ الأعداد والتشابه في بعض الكلمات. وكل من لفظي عربي وعبري يعطي المعنى نفسه وهو العبور (عيبر) العربي عبر الصحراء, والعبري عبر النهر, ويقال نهر الأردن أو نهر الفرات. والسؤال الذي يطرح نفسه مَن هم اليهود? ومن أين جاءوا? حسب روايات الكتاب اليهود وتعبير التوراة إنهم من سلالة إبراهيم الخليل, فهو أب لشعبين عظيمين هما: الإسمـاعيليون (العرب) والعبرانيون. هل هذا الكـلام صحيـح? ولا تزال الروايات التي بين أيدينا الدالة على تقسيم الأجناس البشرية هي من التوراة التي تقول إن أبناء نوح هم سام وحام ويافث!! من هنا لابد من التصحيـح أو الدعوة للدراسة الموضوعية بعيداً عن التوراة لنصل إلى الحقيقة, ولابد من التـفريق بين الدراسة الأسطورية التي يعتمدها الكتاب المقدس لدى اليهود, والتاريخ العلمي الدقيـق وهو ما أقرّته الدراسات العلمـية التـجريبية, وقد انبثق عن هـذا العلم علوم كثيرة لها قيمتها في حياة الإنسـان وثقافته العامة كتـاريخ أدب اللغة والنقد الفني والنـقد الأدبي وعلم مقـارنة اللـغات مقـارنة لفـظية ومعنوية وتاريخ آداب اللغات المقـارن وعلم الاشتقاق المعروف بالأتيمولوجيا دراسة حقيـقة الظـواهر اللغوية ومعرفة القـوانين التي تسري على هذه الظواهر ومعرفة الصلات التي تربط هذه الظواهر بعضها ببعض بظواهر طبـيعية أم فيزيولوجية أم تاريخية أم جغرافية أم اجتـماعية ونفسية. اعتبارات سياسية إن علم اللغات نقل التاريخ القديم من قاعدته الأسطورية إلى قاعدة جديدة ترتكز على الآثار والعاديات والوثائق التاريخية المدوّنة والمخططات مما أدى إلى تغيير وجه التاريخ العام تغييراً كلياً. لقد اعتبر قرابتهم للعرب على أسس لغوية, فمن أين جاءت هذه القرابة? علماً أن الباحث الألماني نولدكه في كتابه (اللغات السامية) قال إن ترتيب الأمم في سفر التكوين مبني على اعتبارات سياسية وثقافية وجغرافية لا على ظواهر لغوية أو تاريخية, ويعترض على ادّعاءات اليهود بقوله: 1 - إن هناك أقواماً ساميين على ما ذكرته التوراة لا يتكلمون اللغة السامية كالعيلاميين والليديين, فهم ساميون بنص التوراة ولغاتهم ليست من اللغات السامية لأنه ليس هناك قرابة بينها وبين اللغات السامية. 2 - إن هناك لغات سامية والناطقون بها غير ساميين ولا يجمعهم بالأمم السامية أصل قريب مثل الأحباش, فلغتهم سامية وهم من الجنس الحامي. ولم يجد علماء اللغة العرب تسمية جديدة لهذه اللهجات أو اللغات سوى ما ذكرته كتب اليهود الجنس السامي - اللغات السامية حسب ما سمّاها شلوتزر, ورضي الجميع بهذه التسمية حتى الآن. 3 - إن هناك ألفاظاً حامية كثيرة تشبه ألفاظاً عبرية لاسيما الألفاظ السامية المشتقة من أصل ذي حرفين. وهناك فروق كثيرة بين الكتلة الحامية في المادة اللغوية والأساليب وتركيب الجمل وقواعد اللغة. وإن تأثر العبرية بالعربية وارد بسبب قربهم من الجوار العربي في الأندلس والشرق. كما حصل في مصر عندما افتتح الهكسوس الساميون مصر أثروا في اللغة المصرية القديمة تأثيراً ملحوظاً واختلطوا بالمصريين اختلاطاً شديداً حتى ظن بعض العلماء أن المصريين من الأمم السامية. 4 - هناك اختلاف بين العربية والعبرية في أداة التعريف, فهي في العبرية (هاء) في أول الاسم, وفي العربية "أل" أو "هل" في بعض اللهجات. وفي الدلالة على الجمع في العبرية حرفا "يم" للمذكر لكن في العربية "واو" و "نون". وأيضاً اختلاف في النطق فـ"الثاء" في العربية قد تكون شيناً في العبرية, والعكس صحيح, وأيضاً "الدال" تكون "ذال" و"الصاد" "ضاد" و"العين" "غين". 5 - اليهود ليس لهم وطن, بل أمم صحراوية لا تستقر في مكان, ترحل بإبلها وماشيتها بحثاً عن الكلأ والمرعى. فأين الحق الإلهي لهم في فلسطين? والآن يدّعون أن لهم نصيباً في اليمن والمدينة المنورة, وإن لهم أملاكا?! 6 - وإذا كان العرب والعبريون من أصل إبراهيم الخليل - كما تزعم التوراة - فإن التوراة تقول إن لإبراهيم ذرية أخرى تسمى قطورة أين هم الآن? أيّ قرابة وأيّ صلة?! إن ادّعاءات اليهود كثيرة للتضليل بأنهم ساميون وأقرباء للعرب, ويحاولون بشتى الطرق والوسائل للوصول إلى القناعة عن طريق دلالات لغوية أو معنوية أو تاريخية أو دينية, ولا ننسى أن القرآن الكريم قد أوضح هذه النقطة بالذات بقوله تعالى في سورة آل عمران آية 66 كيف يكون اليهود أقرباء للعرب وذوي صلة, وقد خاطبنا الله عز وجل في سورة المائدة آية (50) فارق شاسع كيف نكون أقرباء وقد قال شاعرهم شاءول تشرنخوفسكي "إن العرب رجال الصحراء التوّاقين للمغانم الظمأى للدماء". مادام الحديث عن اللغة, فإن لغتهم التي يتكلمون بها الآن بعيدة عن العبرية الأصيلة, فهي تهمل القواعد الأساسية للغة وخاصة في المحادثة , وأساليب الكتابة الآن تشبه الأوربية الحديثة. وهي أبعد ما تكون عن الأساليب الشرقية السامية. ومَن يطالع الصحف العبرية العصرية, يرى فارقا واسعا وشاسعا بين العبرية الحديثة وأساليبها التي لا هي شرقية ولا غربية. واليوم يجبر اليهود كل مهاجر أن يتعلم العبرية بالقوة, ولكنهم لم يفلحوا. أما المنظمات اليهودية وخاصة منظمة "البوندا" في أمريكا فإنها تطالب بجعل لغة "الإيديش" لغة سقومية لجميع اليهود بدل العبرية. والإيديش لغة ألمانية وسلافية وبولونية مشوبة بالعبرية والآرامية, وأنصار هذه اللغة يطالبون الحكومة الصهيونية باتخاذها لغة قومية للشعب اليهودي بدلا من العبرية. والفكرة قديمة من اليهود الألمان لطمس معالم اللغة العبرية وإنشاء مدارس لتعليم الألمانية. وخاصة إسهام شركة "عزرا" بذلك. ومدارس الأليانس الفرنسية سعت لتعليم اليهود الفرنسية لإبعادهم عن العبرية. وأختم كلامي بما قاله الناقد يهوذا الحريزي في كتابه "تحكموني" في أسلوب حماسي مشيراً إلى أن أمة العرب ليس لهم صلة بالعبريين: "إن بني شعبنا بعد جلائهم عن أرض كنعان قد قطن الكثيرون منهم مع بني يعرب في أوطانهم, حيث تعلموا منهم صناعة الشعر, وما كانوا يعرفون الشعر الموزون في اللغة العبرية: أما أسفار أيوب والأمثال والمزامير, فجملها قصيرة وأبياتها سهلة بسيطة وهي بعيدة عن أن تكون نظماً جميلاً موزوناً مقفّى". وقال إسرائيل ولنفسون "إن الشعر العربي طبيعة وعند باقي الأمم صناعة", فلو كان اليهود يقربون العرب لكان شعرهم من طبيعتهم.
|