الإعلام الإسرائيلي وسبل مواجهته

الإعلام الإسرائيلي وسبل مواجهته

من المكتبة العربية

تأليف: الرائد تقي الدين التنير ومحمد عطوي

من خلال الصحافة والإذاعة والدعاية والمؤثرات الدينية يلعب الإعلام الإسرائيلي دوراً متقناً في تشويه صورة العربي وإظهار الإسرائيلي بصورة مثالية. يخلط الأوراق ويسدل غشاوة على العيون ويصم الآذان حتى لا يعود المتلقي قادراً على التمييز بين القاتل والضحية.

من المعروف أن وسائل الإعلام الإسرائيلي لعبت ولاتزال تلعب دوراً أساسيا في تشويه الصورة العربية في الرأي العام العالمي, فقد تمكنت الحركة الصهيونية بما تملكه من إمكانات مادية ضخمة وتقنية حديثة وبما لها من امتدادات في عالم الغرب في تصوير نفسها على أنها حركة تحرر عالمية بينما صورت العرب الذين احتلت أراضيهم على أنهم أمة عدوانية تسعى إلى القتل وتدمير الحضارة وإبراز المواطن العربي على أنه بدائي, متخلف إرهابي, معاد للحضارة والتقدم.

ويحاول مؤلفا الكتاب "الرائد تقي الدين التنير ـ ضابط في الجيش اللبناني وحائز دراسات عليا في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية, والباحث محمد عطوي والمتخصص في الشئون الإسرائيلية" من خلال هذا الكتاب القيم إبراز المخاطر التي تواجه الإعلام العربي وتساعده في تصديه للإعلام الإسرائيلي بمختلف وسائله من خلال تبيان أكاذيبه وترويجاته الإعلامية المضللة التي ينسجها حول الصراع العربي ـ الإسرائيلي وذلك من خلال فضح وكشف عنصرية العدو الصهيوني وكشف جرائمه الوحشية بحق العرب وشعوب المنطقة وخطورة سياساته على الأمن والسلام الدوليين.

الإعلام الصهيوني

يذكر مؤلفا الكتاب أن الجانب الدعائي احتل حيزاً مهما من النشاط الصهيوني. فالاتصال بيهود العالم وتعبئتهم نفسيا وعقائديا كانا من المهام الأساسية للحركة الصهيونية. فمع بداية الهجرة اليهودية إلى فلسطين بدأت المحاولات الصهيونية لإقامة جهاز دعائي يرتكز على الصحافة اليومية بصفة خاصة, وكان في مقدمة الأهداف لتلك المحاولات إيجاد لغة مشتركة بين جموع المستوطنين اليهود الذين قدموا إلى فلسطين وصهر هذه الجموع في بوتقة واحدة.

والسياسة العامة للإعلام الإسرائيلي يتم توجيهها عبر دوائر حكومية مختصة, حيث تتداخل السياسة الإعلامية الإسرائيلية بجانبين مهمين من النشاطات الرسمية, الأول السياسة الخارجية, حيث درجت إسرائيل على جمع مهام وزارة الإعلام في وزارة الخارجية, الثاني: أجهزة الأمن الإسرائيلية, حيث تشرف دائرة الحرب النفسية في وزارة الدفاع الإسرائيلية على الإعلام الإسرائيلي الموجه إلى المنطقة العربية بهدف زرع اليأس في نفس الإنسان العربي وزعزعة ثقته بنفسه وأمته وتاريخها وحاضرها ومستقبلها فضلا عن شن حرب نفسية متواصلة ضد العرب وتحقيق سياسة إسرائيل الهدامة في المنطقة العربية.

الصحافة.. بعد الذهب

من أبرز وسائل الإعلام الإسرائيلي الصحافة, حيث تحتل الصحافة الإسرائيلية مركز الصدارة بين وسائل الإعلام والدعاية في إسرائيل. فقد أدركت الصهيونية خطورة هذه الوسيلة ودورها في تكوين وتوجيه الرأي العام فعمدت إلى استغلالها والسيطرة عليها في أماكن كثيرة من العالم وتوجيهها الوجهة التي تخدم مصالحها, وهو ما أكده الحاخام اليهودي Rerichornr في اجتماع سري أعده اليهود في مدينة براغ سنة 1869 بقوله: "إذا كان الذهب هو القوة الأولى فإن الصحافة هي القوة الثانية ولكن الثانية لا تعمل من غير الأولى وعلينا بواسطة الذهب أن نستولي على الصحافة وحينما نستولي عليها نسعى جاهدين لتحطيم الحياة العائلية والأخلاق والدين والفضائل".

وقد استطاعت الصهيونية عن طريق الصحافة التغلغل والتسلل إلى الحكومات الغربية إضافة إلى تغلغلها في المنظمات والتشكيلات السياسية والاجتماعية ومراكز النفوذ والقوى الضاغطة. وتشير الإحصاءات إلى أن الصهيونية تمتلك ما يقرب من 1035 صحيفة ومجلة على مستوى العالم منها 254 في أمريكا وحدها و158 في أوربا و32 في إفريقيا, وتعتبر الصحافة اليهودية أوسع شبكة صحفية تصدرها مجموعة بشرية في العالم هذا بالإضافة إلى سيطرة اليهود على أكثر وكالات الأنباء العالمية, كما يتغلغل اليهود في جميع وكالات الأنباء الوطنية في أمريكا والدول الأوربية الغربية.

الإعلام في الجيش الإسرائيلي

يشير مؤلفا الكتاب إلى أن الدعاية الإسرائيلية ووسائلها عامة تابعة للجيش, شأنها في ذلك شأن مجتمع إسرائيل الذي يستمد وجوده واستمراره وأمنه من إنجازات الجيش. وعلى هذا الأساس فقد وضع الجيش الإسرائيلي برامجه التدريبية الإعلامية للتوجه الثقافي منطلقا من مبدأين أساسيين أولهما إعداد المواطن الإسرائيلي كجندي وثانيهما عدم التمييز قدر المستطاع بين إعداد هذا المواطن للعمل في الجيش أو في الدولة, إذ إن عمله في الدولة في واقع الأمر مكمل لعمله في الجيش. ويتكون فرع التوجيه الثقافي الذي يتبع مباشرة رئيس الأركان من ثلاثة أقسام وهي: قسم الترفيه, قسم التعليم, قسم الإعلام ويهيمن قسم الإعلام على بقية الأقسام إذ إنه يضطلع بتحقيق التناسق في جيش الدفاع الإسرائيلي ومن واجباته التشديد على بعض القيم المعممة لتوجيه العمل التربوي والثقافي والأيديولوجي في الجيش.

ومن أهم وسائل الإعلام العسكرية في إسرائيل مايلي:

1 ـ محطة الجيش الإسرائيلي: وهي المحطة الإذاعية الوحيدة في إسرائيل التي لا تتبع مكتب رئيس الوزراء كباقي الإذاعات ولكنها تتبع رئيس هيئة الأركان العامة. وقد تأسست إذاعة الجيش الإسرائيلي عام 1950 لإبعاد الجيش عن السياسة أي جعل الجيش فوق التوجهات الحزبية ومنع المؤثرات الحزبية من الوصول للجنود. ومن أهم وظائف إذاعة الجيش الإسرائيلي!: الدعاية لجيش خالص الولاء للصهيونية العالمية ومشروعها الإستيطاني وللدين اليهودي والعرق اليهودي كشعب مختار من الله بالإضافة لتحقيق شيء من التسلية للجنود من خلال إرسال التحيات إلى الجنود من أسرهم وأقاربهم.

2 ـ الحاخامية العسكرية: حيث يعتبر الحاخامات "رجال الدين اليهودي" من أهم وسائل الإعلام المجندة في الجيش الإسرائيلي والحاخامية في الجيش الإسرائيلي إدارة مستقلة تتبع مباشرة رئيس هيئة الأركان وهي لا تقوم فقط بالرقابة على احترام حرمة السبت وغيرها من الشعائر الدينية بل إنها تقوم بدور إعلامي دعائي توجيهي تربوي في صفوف الجيش الإسرائيلي ويعتبر رجال الدين اليهودي "الحاخامات" دعاة حرب لتبرير أي عدوان إسرائيلي ومباركته ومسح القلق والشعور بالذنب لدى الفرد الإسرائيلي بالإيحاء للجندي الإسرائيلي بأنه من خلال العدوان إنما ينفذ تعاليم التوراة والتلمود. ففي عام 1956 على سبيل المثال قدم الحاخام الأكبر في إسرائيل نسخة من التوراة إلى قائد العدوان الصهيوني على سيناء وخاطب جنود الاحتلال الصهيوني بقوله إنكم تدخلون تراباً مقدساً لأن في هذه الأرض "سيناء" تسلم موسى معلمنا الكتاب". كما تقوم الحاخامية العسكرية الإسرائيلية بتنمية أسس العقيدة الدينية في القوات الإسرائيلية وتقيم الطقوس والتقاليد والعبادات بصورة مستمرة ودقيقة ويوجد داخل كل كتيبة في الجيش الإسرائيلي حاخام خاص بها يدير الوعظ والإرشاد انطلاقا من مفهوم العنف الإسرائيلي ويدخل الحاخام الحرب مع أفراد الكتيبة ومهمته الأساسية شن حملة الكراهية والحقد ضد العرب.

وعلى الصعيد الأمريكي حرض إعلام الصهيونية العالمية يهود أمريكا على التسلل إلى مراكز النفوذ والقوى في الحياة الأمريكية حيث قامت إسرائيل بعد كسب ولاء غالبية يهود أمريكا برسم خطة ذكية لإيصالهم إلى قلب مراكز النفوذ في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية والمخابرات وأروقة الكونجرس, وذلك إلى جانب تكثيف وجودهم في المؤسسات والتنظيمات العمالية والإعلامية والسيطرة على مراكز البحوث والدراسات. وبذلك أمكن لإسرائيل الإطلاع على أسرار الحكومة وأجهزة الأمن القومي والتعرف على توجهات رجال الكونجرس والرأي العام الأمريكي, واستخدام تلك المواقع لإبراز وجهة نظرها وكسب دعم أمريكي اقتصادي وسياسي وعسكري لقضاياها. ونتج عن نجاح الصهيونية العالمية في الوصول إلى المراكز المهمة في أجهزة الإعلام والمؤسسات الحكومية الأمريكية إلى اهتمام الإعلام الأمريكي بإسرائيل وأخبارها وتطورات صراعها مع شعوب وحكومات المنطقة العربية وقد أدى اهتمام الإعلام الأمريكي بإسرائيل إلى جعلها أكثر دول العالم قربا من حياة الفرد الأمريكي.

الدعاية الصهيونية

ركزت الصهيونية العالمية وبشكل هائل منذ قيام إسرائيل على الدعاية لتكبير الدور الحضاري لليهود في المنطقة العربية على وجه الخصوص وفي العالم بوجه عام, وكيف أن أبناءها اليهود مجرى الأحداث السياسية والعلمية في العالم مثل ماركس وفرويد وأينشتين والتأكيد على أن إسرائيل حقيقة تاريخية وحجتها في ذلك أنها دولة قائمة ولها حق البقاء, في حين أنها كما يقول المؤرخ "هـ.ج. ويلز" في كتابه تاريخ العالم ليست سوى سطور قليلة متناثرة في كتاب حضارة الشرق الأوسط الضخم الذي سطره العرب وقد تمكنت الدعاية الصهيونية من ربط تصرفات العرب بما كان يفعله النازيون وهذا التزاوج في الصورة يكفي وحده لإثارة النفور ضد العرب لدى الملايين من أهل الغرب الذين لن ينسوا ما أوقعه النازيون من خراب في الإنسان والإنسانية وقد ساعدهم في ذلك عدم وجود دعاية عربية دفاعية أو مضادة لأن الوضع العربي الراهن يفتقر إلى استراتيجية موحدة.

وترتكز الدعاية الإسرائيلية الخارجية كما يشير مؤلفا الكتاب على خمس مرتكزات أساسية:

المرتكز الأول: ادعاء إسرائيل أن الصهيونية ليست سوى تعبير عن إيمانها بالعالمية.

المرتكز الثاني: إظهار إسرائيل بمظهر الدولة المحبة للسلام والراغبة في التعايش مع العرب في مقابل إظهار العرب بأنهم يرفضونها كياناً وحضارة وشعباً الأمر الذي يعطيها تأييد الرأي العام الغربي ودعمه.

المرتكزالثالث: ادعاء إسرائيل بأنها قسم من حضارة الغرب المتمدن ممزوجة بحضارة يهودية أصيلة الأمر الذي يعطيها صورة فريدة تجعل الغرب راغباً في دعمها ومساعدتها على حقها التاريخي في الوجود.

المرتكز الرابع: تظهر الدعاية الصهيونية إسرائيل كدولة تؤمن بالمساواة بين الشعوب وبين أبناء الشعب الواحد لذا تطرح إسرائيل نفسها معيناً ومؤيدا للشعوب والأقليات المضطهدة مثل الأكراد ـ الأقباط.

المرتكز الخامس: إظهار العرب بصورة رديئة وسيئة سواء على صعيد الأفراد أو المجتمعات فهي مثلاً تصور الإنسان العربي بمظهر المتآمر, الجبان, الغبي, الإرهابي, المتخلف.. وغير ذلك .

وتصف الدعاية الصهيونية النظم السياسية العربية بالديكتاتورية والتسلطية.. إلخ.

كما تتهم الدول العربية بالعنصرية والتفرقة الدينية وتعطي مثلاً على ذلك وضع الأقباط في مصر حيث تصفهم بأنهم مواطنون درجة ثانية بالمقابل تبرز الدعاية الصهيونية الشعب الإسرائيلي بصورة مثالية, فالمواطن الإسرائيلي هو دائما ذكي ـ شجاع, محب للسلام ذو أخلاق عالية وأن إسرائيل هي واحة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.

مواجهة الإعلام الإسرائيلي

وحول سبل مواجهة الإعلام الصهيوني يؤكد مؤلفا الكتاب على أهمية أن ينشط الإعلام العربي الخارجي وأن يوظف جميع إمكاناته ووسائله من مكاتب إعلامية تابعة للسفارات العربية في الخارج والمكتبات ودور النشر, والصحف, ومراكز البحث العلمي, والمعارض.. وغيرها, للدفاع عن الشخصية العربية ودحض الافتراءات التي تلصق بها والعمل على تعريتها وكشف أهدافها ومروجيها والعمل على قيام تعاون وثيق مع قيادات الرأي العام العالمي وعلى جميع الأصعدة بما يعود بالنفع على العرب والقضية العربية العادلة والمحقة وضرورة إنشاء مجالس ولجان من المفكرين والصحفيين وكبار المثقفين العرب لتسيير الإعلام العربي داخليا وخارجيا, على أن يكون الإعلام العربي المحلي موحداً في العالم العربي بأسره بحيث يئول إلى تعبئة الأمة نفسيا حول هدف إيجابي موحد وهو مقاومة إسرائيل. أما الإعلام الخارجي فيجب أن يوكل به إلى نخبة من أهل الفكر والمعرفة والخبرة والاختصاص حتى يكون أكثر فاعلية. ويقترح مؤلف الكتاب أهمية قيام وكالة عربية دولية للأنباء لأنه في حالة وجودها فإنها ستفوق بفاعليتها وتأثيرها كل الوسائل الإعلامية الأخرى وهذا يتطلب مساعدة مالية عامة وعاجلة من الحكومات العربية لأن معدل ميزانية وكالة أنباء دولية وعالمية يتعدى مئات الملايين من الدولارات سنويا.

 

 

أيمن حمودة

 
 




 





غلاف الكتاب