لست وحيداً في الشعور بالوحدة

لست وحيداً في الشعور بالوحدة

يمر معظمنا بحالات يشعر فيها بأنه وحيد, ولكن بعض الناس تستمر عندهم هذه الحالة. ما طبيعة هذا الشعور وما عوامله وكيف نواجهه?

إن التغيرات التي تحدث في مراحل النمو المختلفة, تنشئ عدداً متنوّعاً من المشاعر, فبالإضافة إلى الإثارة والمشاركة, فهناك الشعور بالعزلة والوحدة Loneliness, والشعور بالوحدة لا يعني أن تبقى وحيداً, فربما تبقى فترة طويلة من الوقت وحيداً ولكن دون أن تشعر بذلك.

من جهة ثانية, ربما نشعر بأننا وحيدون في مواقف مشابهة, ولكن لا ندري لماذا. إن الطريقة المثلى لتفهّم الشعور بالعزلة والوحدة, هي عن طريق فحص الطرق التي يتعامل بها الفرد خلال تجاربه وحياته اليومية.

ويمكن وصف الشخص بأنه يشعر بالوحدة عندما:

- يشعر بأنه لا يمكن الاختيار.

- عندما يشعر بفقدان المودة والتعاطف اللذين نالهما سابقاً.

- عندما يواجه تغيرات في حياته (مدرسة جديدة - مدينة - عمل...).

- عندما يشعر بعدم وجود مَن يشاركه مشاعره وتجاربه.

- عندما يرى (ذاته) أنها غير مقبولة وغير محبوبة.

سوء فهم

يمكن أن تحدث حالة الشعور بالوحدة, من خلال المعاني التي يقولها الشخص لنفسه في المواقف المختلفة, والتي تؤدي إلى سوء فهم لوجوده وحيداً, فقد يعتبر أن الشعور بالوحدة إشارة للضعف أو عدم النضج, أو أن هناك شيئا خطأ يحسّ به في حال شعوره بالوحدة, وأنه الوحيد الذي يمتلك هذا الشعور وبهذه الطريقة.

فإذا كان تفكير الشخص بهذه الطريقة من سوء الفهم, فإنه سيعتقد بأن الشعور بالوحدة ناتج عن خلل في شخصيته.

ولقد تبين من خلال البحوث أن الأطفال والمراهقين والطلاب الذين يفكرون بالوحدة والعزلة باعتبارها خللاً في شخصيتهم يعانون من الصعوبات التالية:

- صعوبة كبيرة في مواجهة المخاطر الاجتماعية, وفي توكيد ذواتهم, وفي العلاقات الاجتماعية, وفي تقديم أنفسهم للآخرين وتمتّعهم بالأنشطة والحفلات.

- ضعف في مهارة الإفصاح عن الذات, والاستجابة للآخرين.

- التقييم السلبي لأنفسهم وللآخرين, وتوقع رفض الآخرين لهم.

وأغلب هؤلاء الأشخاص يشعرون بالاكتئاب, والغضب, والخوف, وسوء الفهم. إنهم أكثر انتقاداً لأنفسهم وأكثر حساسية للانتقاد, ويلومون أنفسهم والآخرين. وعندما يحدث هذا, غالباً ما تكون تصرّفاتهم وأشكال سلوكهم بداية للشعور بالوحدة, بعضهم - مثلاً - يفتقد الحماس والشجاعة, أو يفتقد الرغبة والدافع, وينعزل عن الآخرين, وبعضهم الآخر يتعامل مع الشعور بالوحدة من خلال الانضمام والانخراط السريع بالناس أو القيام بأنشطة متنوعة, بغض النظر عن تقييم النتائج المترتبة على ذلك. وربما يكتشفون أن علاقاتهم وأنشطتهم غير مُرضية ولا مُشبعة لهم.

الحاجة للأصدقاء

من المهم أن نعرف أن الشعور بالوحدة أو العزلة, هو خبرة شائعة وعامة بين الناس, ووفقاً للمسح الدولي الحديث, فقد تبين أن ربع الراشدين يمرّون بهذه الخبرات, (الشعور بالوحدة المزعجة) وذلك على الأقل كل بضعة أسابيع, وتزيد هذه النسبة عند المراهقين وطلاب المدارس والجامعات.

والشعور بالوحدة ليست حالة دائمة مستمرة, ولا هي سيئة بذاتها دوماً.

ولكن يجب النظر إليها بشكل أكثر دقة كمؤشر لعدد من الحاجات المهمة والضرورية التي لم يتم إشباعها.

إن أي شخص سيسلك ويتصرف تصرّفاً معيناً عندما لاتشبع حاجاته. وفي البداية يجب تحديد هذه الحاجات والرغبات التي لم تشبع وفقاً للظروف والأوضاع المحددة والنوعية. والشعور بالوحدة قد ينشأ عن عدد من الحاجات (وليس بسبب الفشل في إشباع الحاجات فقط), فربما تتضمن الحاجة إلى تطوير دائرة الصداقة أو تعلم عمل أشياء معينة يقوم بها الفرد بذاته ودون أصدقاء, أو ربما يكون أفضل أو أكثر ثقة بذاته بشكل عام.

وهناك طرق عدة للبدء في تحقيق حاجة الفرد للأصدقاء. وهذه بعضها:

- على الفرد أن يتذكر أن شعوره بالوحدة سوف لا يطول (لا يدوم).

- خلال القيام بأعمال يومية, يجب على الشخص أن يتطلع إلى الطرق التي يتعامل فيها مع الآخرين, مثلاً, هل يمكن للشخص أن يأكل مع الآخرين? أن يجلس معهم? أن يجد صديق دراسة أو مشاركة بنشاط معين?

- على الفرد أن يضع نفسه في أوضاع ومواقف جديدة حين مقابلته الآخرين, وكذلك عليه الانشغال بفعاليات تثير الاهتمام.

- الإفادة من النشاطات المتنوعة: النوادي والحفلات والعمل, والإفادة من الآخرين الذين يتفوّقون في خبراتهم.

- يجب العمل على تنمية المهارات الاجتماعية والتعرف على الآخرين من خلال القيام بأعمال متنوعة تجذبهم.

- لا يجوز الحكم على الناس استناداً إلى العلاقات الماضية وبدلاً من ذلك حاول أن ترى أي شخص تقابله من منظور جديد.

- يجب تقييم الصداقات, وصفات الأصدقاء المميزة بشكل واقعي, أكثر من الاعتقاد بأن العلاقة الرومانتيكية سوف تلطف وتحسّن من الشعور بالوحدة (إنهائه).

- تنمو العلاقات الحميمة تدريجياً, كما يتعلم الناس المشاركة في مشاعر الآخرين.

والأمر هناك لا يقتصر على تكوين الصداقات وتطوير العلاقات مع الآخرين, بل إن التخلص من شعور الوحدة يستلزم تطوير الذات أيضاً. فعلى الفرد أن يفكر بذاته ككل ودون تجاهل لحاجاته, وهو يستطيع القيام بذلك بالأخذ في الاعتبار بعض الأمور منها:

- التأكد من اتباع عادات الغذاء الجيدة, والتمرينات النظامية والنوم الدقيق وعدم إهمال الاهتمامات الأخرى.

- استعمل الوقت الذي يكون فيه وحيداً فعلاً, في معرفة ذاته, والتفكير على أنها فرصة لتطوير الاستقلالية.

- التمتع والترويح عن النفس في الوقت الذي يكون فيه وحيداً, والاستفادة من هذا الوقت.

- الإفادة من التجارب الماضية التي حصل فيها على المتعة عند وجوده وحيداً.

- الاستفادة من الأشياء المحيطة بك مثل (الكتب والموسيقى).

- اكتشاف إمكان القيام بأشياء ما بمفردكً والتي اعتدت القيام بها مع الآخرين كـ(الذهاب للسينما والنوادي).

- عدم التـفكّر مـسبقاً بشعوره في الوقت القادم وكيفية تمضية الوقت بإيجاز, ألا يعتبر نفسه شخصاً وحيداً.

 

 

محمد قاسم عبدالله