المفكرون الحقيقيون لعصرنا جي صورمان

المفكرون الحقيقيون لعصرنا

عرض: الدكتور محمود الذوادي

جي صورمان Guy Sormanمؤلف كتاب "المفكرون الحقيقيون لعصرنا" هو صحفي ومؤلف للعديد من الكتب في فرنسا كتب: مثل الثورة الأمريكية المحافظة (1983) والحل الليبرالي (1984) والثروة الجديدة للأمم (1987). والكتاب الذي بين أيدينا هو حصيلة لمقابلات قام بها المؤلف مع نخبة من العلماء والمفكرين في عدد من العواصم والمدن الكبرى في عالمنا اليوم مثل: باريس وبوسطن ودلهي وبكين وبرلين ولندن وطوكيو ومكسيكو.

يقسم جي صورمان مواضيع مقابلاته إلى أحد عشر موضوعا خصص لكل موضوع منها فصلا كاملا يتكون بدوره من مقابلتين أو ثلاث مع مفكرين أو ثلاثة لهما أو لهم اهتمام مشترك في موضوع كل فصل، فعنوان الفصل الأول هو "أصول بدون سر" تتم فيه مساءلة كل من عالم الفيزياء والفضاء الأمريكي كارل ساجان وعالم البيولوجيا والطب البريطاني جايمس لوفلاك.فيساهم الأول بمقابلة بعنوان "الانفجار الكبير، دليل بين" والثاني بمقابلة بعنوان "الأرض كائن حي" أما الفصل الثاني فيتمحور حول موضوع يشد انتباه العلماء ويحدث بينهم كثيرا من الاختلاف منذ عدة سنوات.هذا الفصل هو النظام والفوضى، فالعالم إليا بريججين الروسي المولد والبلجيكي الجنسية يؤمن بأن مظاهر النظام في العالم هي نتيجة لمظاهر الفوضى فيه. وعرفت عنه في هذا الصدد فكرة البني المتداعية.أما رناي توم الفرنسي فهو عالم رياضيات اشتهر "بنظرية الكوارت" وقد اتخذ موقفا مضادا لفكرة "الصدفة". ويأتي الفصل الثالث الذي يحمل عنوان "الإنسان الطارئ" حيث نقرأ ثلاث مقابلات مع ثلاثة علماء بارزين اثنان منهم أمريكيان والثالث ياباني الجنسية. يشارك في هذا الحوار ستيفن جولد وإدوارد ولسن بمقابلتين بعنوان "الإنسان لا ينحدر من الحتم، إنه ابن عمه" و "إننا مساجين مورثاتنا على التوالي".أما العالم الياباني موتو كيمورا فيساهم بمقابلة بعنوان "لقد أخطأ داروين: الصدفة مفتاح التطور" فثلاثتهم مهتمون إذن بعلمي البيولوجيا والمورثات.

مقابلات متكاملة

"الثقافة النسبية" هو عنوان الفصل الرابع من هذا الكتاب.يجري المؤلف هنا حوارين مع شخصيتين فكريتين بارزتين حول موضوع المكتسب والفطري في الطبيعة البشرية. يعطي صورمان لمقابلة مع عالم الانثروبولجيا الفرنسي المعروف كلود لفي ستراوس هذا العنوان "ابحث عن الثابت والأساسي في الطبيعة البشرية" أما عنوان الحوار مع عالم اللسانيات الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي فهو "الأطفال لا يتعلمون الكلام إنهم يعرفون". ويتطرق الفصل الخامس إلى قضية الحرية، التي منها يستوحي عنوانه "الحرية بحذر" فمثل الفصل السابق تشارك هنا ثلاث شخصيات كلها اليوم أمريكية الجنسية.يعنون مؤلف لكتاب مقابلتي عالمي النفس برونو بتلهايم وتوماس زاس كالتالي "نزعة الحكم الشمولي هي انعكاس لقلقنا الفردي" "والجنون ليس عذرا".أما الشخصية الثالثة فهو عالم الذكاء الاصطناعي المشهور مارفن منسكي الذي يعتقد أن الإنسان قادر على صناعة ذكاء صناعي يتفوق على ذكاء الإنسان.

يتخذ الفصل السادس من الكتاب عنوان "الحرب اللامنتهية" كمحور لموضوعه.ويشارك فيه فيلسوف وعالم ذرة.

فالأول هو أرناست نولت الألماني الجنسية والثاني هو إدوار تلر المجري المولد والأمريكي الجنسية.فقد شارك هذا الأخير في اكتشاف القنبلة الذرية.ومنه جاء عنوان مقابلته "تدور رحى الحرب المقبلة في النجوم".أما الفيلسوف نولت المهتم بالفكر السياسي والأيديولوجية الفاشية فقد أتت مقابلته بعنوان "الحرب الأهلية الأوربية بدأت في عام 1917".

يساهم في محور الفصل السابع "روح المقاومة" ثلاثة مفكرين، اثنان ينتميان إلى ما كان يسمى بالعالم الشيوعي وهما، ميلوفان دجيلاس اليوغسلافي الجنسية ويوري الفانسياف المنحدر من روسيا، أما المفكر الثالث فهو الياباني نينجي نكاجامي.فجميعهم يدور حديثهم حول أيديولوجيات وحركات التغيير الكبرى في التاريخ المعاصر.فقلب الأنظمة الشيوعية في نظر دجيلاس يتم بالثورة، والبيريسترويكا هي في رأي الفانسياف عملية دفع للاشتراكية وليست قضاء عليها.أما نكاجامي فيرى أن المجتمع الياباني سيبقى دائما تحت سطوة الفاشية الإمبريالية. دائما تحت سطوة الفاشية الإمبريالية.

يمثل "الحل الليبرالي" عنوان الفصل الثامن للكتاب.وفيه يسائل المؤلف مفكرين هما المنظر الكبير لليبرالية الجديدة فريدريك فون والاقتصاد المتحمس لليبرالية والمعادي لتدخل الدولة.

أجريت المقابلات الثلاث التي يحتوي عليها الفصل التاسع "ثورة جديدة للأمم" من هذا الكتاب مع ثلاث شخصيات تنتمي كلها إلى مجتمعات العالم الثالث، اثنتان من الهند والثالثة من المكسيك. فمن جهة، يبدو الهندي أشيس ناندي متشائما من حاضر عملية التنمية بهذه المجتمعات. وهذا ما يشير إليه عنوان مقابلته بوضوح "شعوب العالم الثالث لم تعد تؤمن بالتنمية" ومن جهة أخرى، يعتقد ابن بلده م.س سوامينذام أن كسب رهان تنمية القطاع الفلاحي في مجتمعات الجنوب يتم بتطوير التقنيات الفلاحية الجديدة والتخلص من الأيديولوجيات الخاطئة. وهذا ما يعبر عنه عنوان حواره مع صاحب الكتاب "تقترن خريطة الجوع بخريطة الأيديولوجيات الخاطئة".

أما المفكر المكسيكي أكتافيو باث فيرى أن "الديمقراطية هي الحل للتخلف" في مجتمعات العالم الثالث.

أما الفصل العاشر فتتمحور مقابلته حول "عودة الإنسان المتدين" يستجوب فيها صاحب الكتاب مفكرين فرنسيين هما روناي جيرار وكلود تراسمونتان. فالأول أستاذ جامعي أخذ شهرته من كتابه "العنف والمقدس"، ويشارك في هذا الفصل بمقابلة بعنوان "الوحي في مسيرته على كل حال" أما المفكر الثاني فيهتم بدراسة فلسفة العلوم من رؤية مسيحية ومن ثم فهو يعتقد أنه لا يمكن فصل العقيدة "الإيمان" عن العقل في البحوث العلمية.ويتجلى هذا واضحا في كتابه "تاريخ الكون ومعنى الخلق".فعنوان مقابلته "الكفر أصبح مستحيلا" يؤكد قناعته بأهمية العنصر الديني في حياة البشر.

ينهي المؤلف فصول هذا الكتاب بالفصل الحادي عشر الذي يحمل عنوان "الحقائق الخالدة" يساهم فيه ثلاثة مفكرين، اثنان منهم من أصل نمساوي والثالث ازياه برلين، من أصل ليتواني. يشارك هذا الأخير بمقابلة بعنوان "نحن لا نعرف أين الميناء فيجب إذن الاستمرار في الإبحار" ويعترف المؤلف بصعوبة تصنيف هذا المفكر.أما مقابلة كارل بوبر، فيلسوف العلوم الشهير، فيعطيها صاحب الكتاب العنوان التالي "التمييز للحق والباطل في كل شيء وفي كل الظروف" وتحمل المقابلة الثالثة للمفكر أرنست جومبريخ عنوان "الجميل والقبيح مبدآن لا يقبلان النقاش" وهو يشير إلى اهتمامه بالفنون ومعايير تقييمها.

خمسة مواضيع

وللتعمق أكثر في أفكار الكتاب يمكن حصر محتوى الأحد عشر فصلا في خمسة مواضيع رئيسية:

1 - طبيعة الإنسان 2 - قضايا الإنسان 3 - قضايا المجتمع 4 - طبيعة العالم/ الكون 5 - قضايا المعرفة. فالفصول الثالث والرابع والخامس تتطرق أساسا إلى طبيعة الإنسان. فبخصوص عمليات وآليات تطور الإنسان عبر التاريخ، فالعلماء جولدو ولسن وكيمورا يختلفون في الرأي شيئا ما. فمن جهة، يعطي ولسن أهمية كبيرة إلى الموّرثات في تحديد معالم السلوك البشري "سنكون إذن سجناء مورثاتنا" ومن جهة ثانية، يرى جولد مثل العديد من العلماء الآخرين أن قانون التطور ينطبق على كل أجناس الكائنات حتى ظهور الإنسان.ومع امتلاك هذا الأخير للمخ أصبحت مسيرة تطوره خاضعة إلى الثقافة أكثر من خضوعها إلى الطبيعة البشرية "فالثقافة عكس الطبيعة، تتعلم وتتأقلم عبر الأجيال".

أما العالم الياباني كيمورا فيرى أن عامل الصدفة Ie hasard هو الذي يتحكم في حركة التطور.

هذه هي الأفكار الرئيسية التي يحتوي عليها الفصل الثالث من الكتاب. أما الفصل الرابع فتتمحور مقابلاته الثلاث حول ما هو فطري وما هو مكتسب عند الإنسان. فعالم اللسانيات تشومسكي يرى أن اللغة مقدرة فطرية يتميز بها الجنس البشري "نحن لا نتعلم لغتنا، إنها فطرية فينا أي موجودة في تركيبتنا البيولوجية" ويتشابه عالم الانثروبولوجيا لفي ستراوس مع تشومسكي نوعا ما إذ إنه يبحث أساسا في ما هو ثابت في الثقافات والمجتمعات البشرية. فكل أصناف المجتمعات الإنسانية تمنع الزواج من الأقارب inceste وهي بذلك تمكن الإنسان من التحول من إنسان بيولوجي إلى إنسان يعيش في المجتمع. فهذا مثال بارز على البنية الثابتة التي يبحث عنها لفي ستراوس.

وفي المقابل يرى المفكر الصيني الأصل زهاو فوزان أن اختلاف الأفراد والمجتمعات يأتي في معظمه من اختلاف ثقافاتهم. أي أن الكثير من سلوكات الناس الفردية والاجتماعية تجد جذورها في أصولهم الثقافية والحضارية. فالتراث الحضاري الكونفشيوسي في الصين لا بد أن يطبع روح المواطن الصيني ويؤثر في سلوكه وإنجازاته الحضارية. ففي الصين تعني حقوق الإنسان تمتع المواطن الصيني بحياة كريمة ويتمثل ذلك في توفير اللباس والغذاء والسكن له. فحقوق الفرد لا يمكن إذن عزلها عن حقوق الشعب الذي ينتمي إليه. فهذه الرؤية ليست بالماركسية ولا بالكونفشيوسية "وإنما هي أساسا صينية".

وفي الفصل الخامس تثار أيضا إشكالية الفطري والمكتسب عند الإنسان.فهل، مثلا، رغبة الناس في المجتمع الكلياني Totalitaire رغبة فطرية أم رغبة تمليها الظروف الاجتماعية؟ يجيب عالم النفس برونو بتلهيام بأن الظروف الاجتماعية تشكل عاملا حاسما في تجلي النزعة الكليانية في شعب من الشعوب. فتدهور وضع العائلة الحديثة هو أحد الأسباب لمشاكل الأطفال. فالمجتمع الكلياني يصبح شبه ضرورة في هذه الحالة "إذ إنه يسمح للفرد بالاندماج في الكل ومن ثم تكليف الآخرين: القائد، الحزب، الأيديولوجيا..." بحل مشاكل قلقه الشخصي.

أما مقولة عالم النفس توماس زاس فهي تبدو غريبة لمعظم الناس إذ إنها تنكر من الأساس ظاهرة الجنون "ليس هناك مرض عقلي، فالجنون غير موجود".

وعند التساؤل لماذا يصم المجتمع بعض أفراده بالجنون، يجيب زاس لأن المجانين يقولون لنا ما لا نرغب في سماعه.فتشخيص الجنون كان دائما ولايزال وسيلة للتخلص من الناقدين.فالمجنون هو ذلك الشخص الذي يتهم النظام ويشكك فيه.إنه ذلك الشخص الذي يثير القلق في محيطه.الجنون في نهاية الأمر لا يمكن تعريفه بأي مقياس موضوعي. وهكذا فالجنون هو وصم اجتماعي أكثر منه حقيقة موضوعية مجردة.وهذا ما دفع بزاس إلى الوقوف ضد إقامة مستشفيات الأمراض العقلية.

يعتبر مارفن منسكي أحد رواد الذكاء الاصطناعي.وهو مقتنع أشد الاقتناع بأن الذكاء ليس حكرا بالفطرة على الجنس البشري بل يرى أنه من الممكن جدا الوصول إلى صناعة ذكاء اصطناعي قد يتفوق على ذكاء الإنسان. فهذا الأخير، في رأي منسكي، ليس إلا آلة مفكرة فالمسألة مسألة وقت إذن حتى يتغلب الإنسان على نقائص الحاسوبات الذكية الموجودة الآن. فلا يحتاج العقل عند منسكي إلى روح إلهية لكي يتجلى ذكاؤه، بل يكفي لبلوغ ذلك صناعة آلة تشبه المخ في هندستها وتصميمها.

يمثل موضوع الفصل العاشر من الكتاب ما أطلقنا عليه، في تقسيمنا لمواضيع محتوى الكتاب، قضايا الإنسان. فمقابلتا المفكرين لهذا الفصل تتمحور حول العامل الديني في حياة الإنسان. ومن هنا جاء عنوان هذا الفصل "عودة الإنسان المتدين" فالمفكران الفرنسيان رواني جيرار وكلود ترسمونتان يؤكدان ما تنبأ به قبلهم الكاتب والمفكر الفرنسي الراحل أندريه مالرو عندما قال: القرن الواحد والعشرون سيكون متصوفا أو لا يكون، ففي رأي جيرار أن الدين بداية كل حضارة إنسانية.التنظيمات هي ذات أصل ديني وتحافظ على آثار تلك الأصول الدينية.أما المفكر ترسمونتان فيرى أن الفيلسوفين الفرنسيين الكبيرين برجسون وتاليار دي شاردان هما اللذان قادا حركة الوفاق بين المسيحية والمعرفة العلمية. إذ إن العقل المتعقلن والتجربة الوضعية يقتربان أكثر فأكثر مع نهاية هذا القرن من أصحاب الديانات الوحدانية. ومن ثم فلا مجال، في اعتقاده، لانتشار الإلحاد في المستقبل القريب على الأقل. ومن فصول طبيعة الإنسان وقضاياه ننتقل الآن إلى الفصول التي يغلب عليها الاهتمام بما سميناه بقضايا المجتمع البشري. وهي الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع. فظاهرة الحرب عرفتها أساسا كل المجتمعات البشرية في القديم والحديث، وهي بذلك مشكل مجتمعي سواء كانت حربا أهلية أو حربا بين أمم.يرى أرنست نولت أن الحرب الأهلية الأوربية بدأت بمجيء الثورة البلشفية الروسية في عام 1917.ففي نظره ما كان للأيديولوجيا الفاشية أن تظهر في أوربا بدون الحدث البلشوفي. ومن ثم فوجودها جنبا إلى جنب على الأرض الأوربية مهد ل "حرب أهلية أوربية" حقيقية.

وبتقدم تكنولوجيا الحروب تغيرت طبيعة انشغال الأمم بهموم الحروب. فالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي سابقا لم يعودا يتحدثان بطريقة تقليدية عن المجابهة العسكرية بينهما. فالعالم النووي الأمريكي إدوارد تلر يتحدث عن أن الحرب القادمة بين بلاده وروسيا ستجري على سطح النجوم وليس على بساط الأرض. فهو يحاول اختراع حاجز دفاع بحيث لا يستطيع أن يخترقه أي صاروخ عدو. أي بناء نظام من الليزر والمحطات الفضائية القادرة على تحطيم أي صاروخ طائر موجه ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

يدور محور المقابلات الثلاث للفصل السابع من الكتاب حول مقاومة بعض أشكال الأنظمة السياسية التي عرفها العصر الحديث كالأنظمة الاشتراكية/ الشيوعية والفاشية.فبالنسبة للمفكر اليوغسلافي ميلوفان دجيلاس كان تبني يوغسلافيا للنظام الشيوعي نتيجة لظروف تاريخيه معينة وليس ضرورة للمجتمع اليوغسلافي.فوحشية النظام النازي ضد معارضيه أدت إلى جعل الشيوعية الحركة السياسية الشرعية الوحيدة لكثير من القارة الأوربية.وهذا ما يفسر كون دجيلاس الرجل الوحيد في العالم الشيوعي الذي مارس الحكم وتركه فيما بعد. أي أنه كان قائدا ومعارضا في نفس الوقت للنظام الشيوعي.

وتركز مقابلتا الفصل الثامن على المسألة الاقتصادية في المجتمع.فحرية الاقتصاد في المجتمع هي مفتاح ازدهاره ورخائه الاقتصاديين بالنسبة للمفكرين فردريك فون هياك وموري روتبار. فالأول يمثل طليعة كل المفكرين الليبراليين المتحدثين في الفكر الاقتصادي.فتفوق النظام الاقتصادي الليبرالي على النظام الاقتصادي الاشتراكي هو حقيقة تاريخية لا مجرد كلام أجوف.فحيثما كانت المبادرة الفردية حرة كان التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي متفوقا في إنجازاته على المجتمعات ذات الاقتصاد المخطط من طرف سلطة مركزية.

أما موري روثبار، وهو أستاذ فون هياك، فهو أكثر تعاطفا مع النظام الاقتصادي الحر "الليبرالي".فهو يذهب إلى حد المناداة بإلغاء الدولة كسلطة منظمة لأنشطة المجتمع "فالدولة هي أوسع وأكبر تنظيم إجرامي في كل الأزمان، فهي أكثر كفاءة من أي منظمة مافيا في التاريخ".ومن ثم فكل تسامح لوجود الدولة ذاتها يمثل عملية تناقض سافرة.فكل الفلاسفة متفقون على أن الحرية تشكل الركن الأساسي للطبيعة البشرية، وأن الليبراليين طبقوا هذا المبدأ على الميدان الاقتصادي.

وتتمحور المقابلات الثلاث للفصل السابع حول كيفية خروج مجتمعات العالم الثالث من حالة التخلف. فالمفكر المكسيكي أكتافيو باث يرى أن الليبرالية الاقتصادية والنظام السياسي الديمقراطي هما وحدهما القادران على وضع حد للتخلف في مجتمعات الجنوب.

أما المفكر الهندي أشيس ناندي فهو يغلب عليه التشاؤم بالنسبة لخروج المجتمعات النامية من مأزق التخلف.

وفي مقابل هذا التشاؤم من وضع العالم الثالث يقف المفكر الهندي م.س سوامينتهان متفائلا بخصوص إمكان كسب رهان الثورة الخضراء (الثورة الفلاحية) في المجتمعات النامية.فبواسطة تحسينها لتقنيات زراعة الأرز أصبحت الهند في عام 1988 قادرة على إنتاج كمية أكبر من الأرز لكل هندي وذلك مقارنة بسنة 1966.علما بأن سكان الهند ازدادوا مائة مليون نسمة في هذه الفترة.فالانفجار الديمغرافي في آسيا لم يؤد إلى المجاعة، بل العكس هو الذي حدث.

ويدور موضوع الفصل الأول من الكتاب حول أصل الخليقة وطبيعة الكون. فكارل ساجان يتحدث عن نظرية بداية الخلق أو الانفجار الكبير. فالحديث حول الخلق الأول لم يعد في نظره أسطورة بل يملك العلماء اليوم نظرية علمية حول هذا الحدث الكبير. وتتلخص في أن هذا الكون له بداية. ومع ذلك فنحن نجهل الكثير من تفاصيل وقوع هذا الحدث. فمثلا لانزال لا نعرف لماذا وكيف وقع هذا الانفجار الكبير كما أننا لا نعرف ماذا كان قبل ذلك. فهناك احتمال كبير أن تاريخ الكون هو حصيلة لسلسلة من التعاقبات بين الامتداد والانقباض. وهو عبارة عن تاريخ دوري يشبه الرؤية الهندوسية.

وتدور المقابلات الثلاث للفصل الحادي عشر، وهو الفصل الأخير من هذا الكتاب، حول فكرة الحقائق الخالدة. فكارل بوبر الفيلسوف الشهير قام بمنهجه الفلسفي بإحداث ثورة في البحث العلمي تشبه إلى حد كبير ما يمكن أن تقوم به نظرية في علم الرياضيات أو علم الفيزياء والتي تكون قادرة على تعديل أسس المعرفة. وتأتي مساهمة بوبر في هذا الشأن متمثلة في كيفية التمييز بين الحق والباطل فيما نتوصل إليه من معرفة علمية.

تقليديا يعتبر الفلاسفة الشيء حقا إذا أمكن التدليل عليه بواسطة الملاحظات أو التجارب المتتالية. يعترض بوبر على هذا المنهج لأن الباحث يميل إلى اختيار الملاحظات المؤيدة لنظريته فقط.. فنظريات أينشتاين مثلا لا يمكن البرهان عليها. فهل هي نظريات باطلة مع ذلك؟.

يجد بوبر الإجابة عن ذلك السؤال في مفهوم "التهديم" فبدلا من أن يقوم العالم بالبحث عن الأدلة التي تؤيد نظريته، عليه في المقابل أن يحاول تهديم الأسس التي بنيت عليها النظرية. إن فشل العالم في ذلك يعتبر دليلا على أن النظرية علمية بحق.

أما المفكر جومبريخ فإنه يعتقد أن ألد أعداء الفن هو غياب التمييز بين الجميل والقبيح وتبني فكرة أن كل شيء نسبي في نهاية الأمر. ففي رأيه لم يكن أحد مقتنعا في القرن التاسع عشر بالمستوى الرفيع للرسامين الثلاثة لتلك الفترة، ,Gauguin, Van Gogh Cezanne. كان ثلاثتهم يعملون في عزلة بعيدين عن مدينة باريس. ولم يكونوا يتلقون أي انتقاد سوى انتقادهم العنيف لأنفسهم.

يهتم المفكر ايزياه برلين بتاريخ الأفكار التي تشكل في نظره مجرى التاريخ. يرى برلين أن القرن العشرين فقير إلى حد كبير على مستوى إنتاج الأفكار. فالقرن التاسع عشر كان أثرى بكثير في رصيد الأفكار. فنشأة الأفكار لا تخضع إلى أي منطق تاريخي. إنها تعتمد كثيرا على ظهور العبقريات التي لا يمكن التنبؤ بها. فالأفكار لها نمط حياتها الخاص بها وهي مستقلة عن أصحابها وعن ظروف نشأتها. يمثل ذلك قانونا ثابتا/ خالدا لعالم الأفكار.

يرى صورمان أن عرض أفكار هؤلاء المفكرين في هذا الكتاب ينتمي إلى ما سماه بالمكتبة الحية. أي تعريف القارئ بأفكار الشخصيات العلمية والفكرية البارزة عن طريق مساءلتها والحوار معها وجها لوجه. وفي هذا الحوار الحي مع أقطاب الفكر الحديث نرى غيابا كاملا لمفكري القارة الإفريقية والوطن العربي. فلا نعرف، مثلا لماذا لم يقع استجواب المفكر العربي والإفريقي الشهير سمير أمين في قضايا التنمية والخروج من التخلف؟ فتمثيل مفكري القارة السمراء والوطن العربي في صفحات هذا الكتاب لا يمكن إلا أن يعزز مبدأ الحياد في اختيار صورمان لمحاوريه من المفكرين

 

جي صورمان

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب