ضمن مسلسل العدوان على المقدسات: الصهيونية بدأت بإهانة اليهودية!

ضمن مسلسل العدوان على المقدسات: الصهيونية بدأت بإهانة اليهودية!

حينما قرر الخاقان "بولان"، ملك الخزر، اعتناق الديانة اليهودية في أواخر القرن الثامن الميلادي، وبلغ هذا النبأ أسماع اليهود السفارديم الذين كانوا يعيشون مع العرب المسلمين في الأندلس، ألف الشاعر اليهودي يهوذا هاليفي كتابا بالعربية سماه "الخزري"، قال فيه: "إنه من الممكن معرفة الرب، عن طريق معرفة تاريخ بني إسرائيل". ولم يقل بالطبع "عن طريق تزييف أو تزوير تاريخ بني إسرائيل"!.

والخزر هم شعب كان يعيش في منطقة القوقاز، وينحدر من أصول آرية، أو هندوأوربية، مثل الترك وكثير من شعوب وسط أوربا، كانت "إثل" عاصمة بلادهم تقع على مصب نهر إثل، المعروف حاليا باسم الفولي، في بحر الخزر، الذي يطلق عليه في الوقت الحاضر اسم بحر قزوين، وكانت مركزا تجاريا مهما، ومن بين التجارات الرائجة فيها، أنهم ـ أي الخزر ـ كانوا يبيعون أبناءهم في سوق الرقيق لتجار من العرب أو الروم البيزنطيين، وكانوا شعبا وثنيا، ديانته هي عبادة "فالوس" أي عضو التذكير! وقد أقبل كثير منهم على اعتناق ديانة بعض الوافدين إليهم من التجار، فاعتنق فريق منهم الإسلام، وفريق آخر المسيحية، حتى اضطر ملك الخزر إلى أن يعين له نائبين، أحدهما مسلم والآخر مسيحي، وخشي الخاقان بولان أن يضيع ملكه، بتوزيع الولاء السياسي في بلاده، إما إلى الدولة العباسية المسلمة، أو دولة بيزنطة المسيحية، فقرر أن يعطي شعبه ديانة سماوية محترمة، مثل الإسلام والمسيحية، وتكون في الوقت ذاته مستقلة عنهما، فاختار اليهودية، وجاء من بعده خاقان آخر، تسمى باسم عبراني هو "عبريه"، وقرر ألا يتولى ملك الخزر إلا من يعتنق الديانة اليهودية، فتهود البلاط الملكي كله، وتبعهم في ذلك معظم شعب الخزر. وكفوا منذ ذلك الحين عن بيع أولادهم في سوق الرقيق، الأمر الذين يفخر به بعض مؤرخي اليهود.

التحالف مع بيزنطة

وبقي ملك الخزر قرابة ثلاثة قرون، وامتد حتى وصل إلى نهر الراين في ألمانيا، ومنهم ينحدر يهود روسيا وشرق أوربا عامة، وقد أطلق عليهم اليهود السفارديم اسم اليهود الأشكنازيم، نسبة الى أشكناز بن جومر بن يافث بن نوح عليه السلام، فهم يعتقدون أن هذه السلالة قد سكنت القوقاز من قديم، ويسمون القوقاز في كتابهم المقدس "أرض أشكناز"

وواضح أن هذه النسبة تنفيهم عن النسبة إلى إسرائيل، الذي هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام، الذين هم طبقا لسفر التكوين في التوراة من سلالة عابر بن سام بن نوح. ويبلغ عدد اليهود الأشكنازيم حوالي تسعين في المائة من يهود العالم!.

وقد بدأ تقوض ملك الخزر منذ أكثر قليلا من ألف عام، حينما قاد أمير من زغانة قبيلة صغيرة تسمى "الرس"، كانت تسكن مدينة كييف عاصمة أوكرانيا الحالية، وكانت وقتها مجرد "خاقانية" أو ولاية تتبع الخزر، واعتنق هو وأتباعه الديانة المسيحية، وتحالف مع بيزنطة وساعدته على تدمير ملك الخزر والاستيلاء على مدنهم ـ هو وحلفاؤه ـ الواحدة تلو الأخرى، حتى ظهر إيفان الرهيب، أمير موسكو، وجمع حوله الأمراء الروس واستولى على ملك التتر المسلمين في قازان، عند حوض القوبي الأوسط، وأعلن نفسه قيصرا وأعطى البلاد كلها اسم روسيا.

وفي عهد نيقولا الأول في أوائل القرن التاسع عشر، بدأت سياسة الترويس، أي إجبار الشعوب غير الروسية التي تعيش داخل إمبراطوريتها المترامية الأطراف، على أن يصبحوا روسا، يتكلمون اللغة الروسية ويرتدون الملابس الروسية، ويدينون بالمسيحية على المذهب الأرثوذكسي. وقد عانى من تلك السياسة التتر المسلمون، والخزر اليهود، وحتى المسيحيون الكاثوليك في أوكرانيا وبولندا.

بالنسبة للخزر اليهود، كان القياصرة ورجال الكنيسة، كثيرا ما يدعون أتباعهم من العامة إلى "قتل اليهود أعداء الرب"، في المذابح التي عرفت باسم Pogroms ظنا منهم أن هؤلاء هم من اليهود الذين أسلموا المسيح للصلب طبقا لمعتقداتهم، وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأ ظهور جمعيات "أحبة صهيون" بين يهود الخزر، يتلون فيها التوراة ويحلمون بالفرار إلى الأرض المقدسة موطئ الديانة التي اعتنقوها، ولكن الهجرة الكبرى ليهود الخزر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كانت إلى الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية حيث شكلوا الجالية اليهودية الكبرى في العالم، ذات النفود والثراء الهائلين في تلك الدولة العظمى.

أطماع سياسية

ولكن الأطماع السياسية للدول الاستعمارية هي التي جعلتها تحتضن الحركة الصهيونية بعد أن تحولت إلى حركة سياسية على يد تيودورهرتزل، الذي كان يبحث عن حل لمشكلة يهود روسيا ـ أي الخزر ـ عن طريق إيجاد وطن بديل لهم، وأصر الصهاينة على أن تكون فلسطين هي هذا الوطن، ومن أجل هذه الغاية استباحوا التدليس والغش، وادعاء أن كل يهود العالم هم بنو إسرائيل الذين لحقهم الشتات في أرجاء الأرض، بينما يهود الخزر وهم الغالبية العظمى من اليهود كما تقدم القول، لا تنطبق عليهم هذه المقولة بحال، وقد استنكر الحاخامات في بريطانيا العظمى هذا الادعاء الصهيوني في بداية الأمر، فبنو إسرائيل كانوا من سلالة الأنبياء، فكيف يجوز إلحاق هؤلاء الأدعياء من الذين تهود آباؤهم في زمن متأخر بتلك السلالة المقدسة في الديانة اليهودية؟ ولكن الساسة البريطانيين كانت لهم أطماعهم الخاصة في أن تكون "الدولة اليهودية" في فلسطين أداة لاستدامة سيطرتهم على المنطقة من جانب، وأداة لجذب يهود روسيا إليها بدلا من الولاء للثورة البلشفية في بلادهم من جانب آخر، ومن المعروف أن وعد بلفور صدر في الثاني من نوفمبر عام 1917، في تاريخ مقارب جدا لوقوع تلك الثورة.

بل إن اليهود الشرقيين أنفسهم، الذين عملت الحركة الصهيونية على اجتذابهم إلى مشروعها في الاستيلاء على الأرض المقدسة، ومنهم يهود البلدان العربية، هؤلاء ليس من الثابت انحدارهم من سلالة بني إسرائيل القدماء، حيث من المحتمل أن تكون بعض القبائل العربية قد تهودت قبل ظهور الإسلام، وكذلك الأحباش الذين منهم يهود الفلاشا، فاليهودية إذن ـ في نهاية المطاف ـ هي ديانة يمكن لأي إنسان أو مجموعة من الناس اعتناقها، وادعاء أن كل أتباعها هم من جنس واحد أو قومية واحدة، وتسخيرهم لهذا الغرض في سبيل الاستيلاء على أوطان الآخرين، هو تزييف لتاريخ بني إسرائيل الحقيقي، ولا يمكن أن يكون سبيلا إلى معرفة الرب، كما قال هاليف حينما تهود الخزر. وإذا كانوا هم ومن لف لفهم من المسيحيين البروتستانت يعتقدون أن إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين سوف يكون مقدمة لعودة المسيح، بعودة بني إسرائيل إلى أرضهم، فإن هذه العودة لم تتحقق ولن تتحقق بمن حشدوهم على الأرض المقدسة من الأدعياء!

 

عبدالرحمن شاكر