هل الإنسان بريء من تقلبات الطقس؟

هل الإنسان بريء من تقلبات الطقس؟

هذه رؤية من منظور فلكي ترصد تغيرات المناخ التي يُزعم أنها بفعل غازات التسخين الأرضي بينما لها أسباب أخرى.

انتشرت في العقود الثلاثة الماضية معلومات حول ارتفاع درجة حرارة الأرض كنتيجة حتمية لطرح بعض الغازات الناتجة عن النشاط الصناعي البشري. فكان ذلك منبهاً لضرورة الحفاظ على البيئة الأرضية والحرص عليها. وعلى إثر ذلك قام علماء المناخ بوضع نماذج رقمية محاكية لمناخ الأرض ليدرسوها بواسطة الحواسيب الإلكترونية الضخمة حتى يتمكنوا من وضع تنبؤات تحدد الخطر والآثار التي يمكن أن تنجم عنه. فماذا كانت النتائج؟ إنها الكارثة، فقد أشارت التوقعات إلى ارتفاع شامل لدرجات الحرارة على سطح الأرض يرافقه ذوبان في جليد القطبين وبالتالي ارتفاع منسوب مياه البحار إلى حد ابتلاع بلاد كاملة.

الشمس وشعاعها

غير أن التوقعات لم تتطابق مع الواقع: فلم ترتفع درجة حرارة الأرض إلى الحد الذي كان متوقعا لها في هذه الفترة من التسعينيات، ولم يرتفع منسوب المياه "لحسن الحظ" ولو حتى سنتيمترات قليلة.. لذا فقد أعاد العلماء الكرة من جديد وأدخلوا عوامل أخرى في حواسيبهم، تؤثر في المناخ الأرضي، لم يولوها اهتماما كافيا في دراساتهم السابقة وتؤدي لتغير درجة حرارة الأرض غير الصناعات البشرية.

ومما يعمق القناعة في ذلك تعاقب آلاف الفترات التي تغير فيها مناخ الأرض بشكل جذري: فترات باردة جدا "العصور الجليدية" وأخرى حارة "العصور بين الجليدية". أي أن درجة حرارة الأرض كانت ترتفع في الماضي البعيد، وتنخفض من دون أن يكون هناك للنشاط البشري وجود.

وبما أن الدراسة الحقيقية للتغيرات المناخية الأرضية هي تلك التي تأخذ أيضا في عين الاعتبار دراسة الأسباب الطبيعية المؤثرة في المناخ وآلية تأثيرها، فإنه من الطبيعي جدا أن تتوجه الأنظار إلى الشمس، المصدر الوحيد للطاقة الأرضية، كمسبب لتقلبات مناخ كوكبنا على مر العصور. إن دور الشمس في تعاقب فترات مناخية مختلفة على سطح الأرض أمر مثبت: فالأرض لا تتلقى من الشمس الكمية نفسها من الإشعاعات. لكن لننظر أولا إلى مسألة حدوث الفصول على سطح الأرض. فكما هو معروف فإن ذلك يتم بسبب ميل محور دورانها حول نفسها "بزاوية تقدر بـ 23.5 درجة" أي أن الارض أثناء دورانها حول الشمس تقدم أحد نصفيها بينما يتراجع النصف الآخر، فتارة يكون نصف الكرة الشمالي متجها إلى الشمس وتارة النصف الجنوبي. ففي يناير مثلاً يكون نصف الكرة الأرضية الجنوبي متوجها باتجاه الشمس فتسقط أشعة الشمس على سطحه عمودية "مركزة" فيكون الفصل صيفاً.

أما نصف الأرض الشمالي، فيكون مائلاً بعكس اتجاه الشمس، فتسقط أشعة الشمس على سطحه مائلة "غير مركزة" فيكون تأثيرها الحراري خفيفاً، ويكون الفصل شتاء. ويحصل عكس ذلك في شهر يوليو. وهكذا فإن تعاقب الفصول يحدث بسب تبدل تركيز الأشعة الشمسية على سطح الأرض.

إن كوكبنا في دورانه حول الشمس يسبح في الفضاء راسما مدارا إهليلجيا وليس دائريا: فيكون حيناً قريبا من الشمس وحينا آخر بعيداً عنها. فأثناء شتاء نصف الكرة الشمالي، تكون الأرض في أقرب نقطة إلى الشمس وهذا ما يجعلها تتلقى كمية أكبر من الطاقة.

وبعد نصف دورة أي بعد ستة أشهر، تجد الأرض نفسها في أبعد نقطة عن الشمس "يكون الفصل صيفاً في النصف الشمالي من الأرض وشتاء في نصفها الجنوبي" وكنتيجة حتمية ستتلقى الأرض كمية أقل من حرارة الشمس وهذا يجعل شتاء النصف الجنوبي من الأرض بارداً وأكثر قسوة من شتاء النصف الشمالي وفصول الصيف بالعكس!!. ومما يزيد الفروق الحرارية أيضا أن تفلطح مدار الأرض يزيد وينقص بفترات زمنية طويلة ومتكررة "حوالي 400000 سنة" حيث تبتعد الأرض "أو تقترب" من الشمس أكثر مما هي عليه الآن نتيجة تغير التفلطح ويترجم ذلك بطبيعة الحال بكمية أقل أو أكثر من الأشعة الشمسية.

ومن جهة ثانية تدور الأرض حول نفسها بشكل مائل. وهذا المحور الذي تدور حوله يميل بحد ذاته فيزيد ميله وينقص كل 41000 سنة بمقدار 1.5 "درجة ونصف" مما يجعل مناطق معينة من الأرض تتلقى كميات متغيرة من الحرارة: فإن كان الميل أقل تلقت المناطق التي تقع على خطوط عرض عليا "شمال أوربا، كندا..." كمية أقل من الأشعة الشمسية وكان الشتاء أطول وأقسى وفروق الحرارة بين الصيف والشتاء ضئيلة.

ويقدر النقص في درجات الحرارة بأكثر من 5 درجات مئوية عن المعدل الحالي. وهذا مما يجعل الجليد ينتشر على سطح الارض دون أن يذوب، أما إن كان ميل محور دوران الأرض حول نفسها أكبر، فإن الحرارة التي تتلقاها تلك المناطق ستكون أقل شتاء ولكنها ستكون صيفا أكبر بكثير من المعدل الحالي مما يؤدي لذوبان جليد العصر الذي سبق.

كما أن محور دوران الأرض حول نفسها يرسم دائرة مع الزمن. أي أن كوكبنا أثناء دورانه حول نفسه يتأرجح "كما تتأرجح الدوامة عندما تنتهي من الدوران" ولكن ببطء شديد، اذ يلزم محور الأرض حتى يرسم "يتأرجح" دورة كاملة، زمناً قدره 26000 سنة تسمى هذه الظاهرة مبادرة الاعتدالين إذ إنها تؤدي لتغير نصف الكرة الأرضية المتوجه باتجاه الشمس، وهذا ما يؤدي إلى تغير مواعيد بداية الفصول فتتقدم الفصول يوما واحدا كل سبعين سنة. ولهذا لم يعد الاعتدال الربيعي يحدث في 21 مارس ولنفس السبب لم يكن فصل الصيف في النصف الشمالي من الأرض قبل 13000 سنة يحل في يونيو، بل في ديسمبر.

تغيرات وثورات

وعلى هذا لابد أنه مرّ على الأرض حين من الدهر كان فيه أحد نصفيها في فصل الشتاء في ابعد نقطة، من مدار الأرض، عن الشمس وميل المحور أقل ما يمكن عندما يكون هذا المدار آخذاً القيمة القصوى للتفلطح. وفي هذه الحالة، ستكون كمية الحرارة التي تتلقاها الأرض من الشمس في حدها الأدنى وتتعرض الأرض لأقسى فترة من العصور الجليدية: فيعم الجليد مناطق خطوط العرض العليا كأواسط وشمال اوربا، أما المناطق المدارية والقريبة منها فتكون غزيرة الأمطار بشكل غير عادي.

وهكذا فإن تلك الأسباب الفلكية لا تغير فقط مناخ الأرض، بل وتغير من طبيعتها وتؤثر بالتالي في حياة الإنسان بشكل جذري. فتلك الأسباب هي نفسها التي حولت الجنان الخضراء التي كانت موجودة في شبه الجزيرة العربية وأواسط إفريقية قبل 4200 سنة الى صحارى كما هي اليوم، وهي التي أجبرت سكان تلك المناطق على اتباع أنماط معيشية جديدة فحولتهم من صيادي سمك وطيور مائية إلى الرعي والزراعة والتنقل طلباً للماء والكلأ. والأدلة الجيولوجية على ذلك كثيرة فالرسومات التي اكتشفت في بعض الكهوف في الصحراء الكبرى وهي عن الأسماك النهرية سهلت كثيراً عمل الجيولوجيين لإثبات ذلك.

وهناك أسباب تتعلق بطبيعة الشمس تؤدي لاختلاف كمية الحرارة التي يتلقاها كوكبنا بين حقبة وأخرى. فكما هو معلوم الآن، تبدي شمسنا فترات يتزايد فيها نشاطها وفترات أخرى يقل فيها هذا النشاط. والبقع السوداء التي تظهر على سطح الشمس "وقد رصدها لأول مرة الصينيون القدماء" هي علائم الثورانات الشمسية التي تدل على ازدياد التفاعلات الشمسية وبالتالي على توليد حرارة أكبر. ويحصل العكس في الفترات التي يقل فيها النشاط الشمسي.

لاحظ الفلكيون أن عدد تلك البقع يزداد ويتناقص في فترات زمنية معينة، حيث يمر العدد بقيمة عظمى ثم ينخفض إلى قيمة دنيا، بفارق زمني يفصل بين القيمتين قدره أحد عشر عاماً.

لكن قياساتهم فيما يخص الاختلاف في كمية الطاقة أدت إلى فوارق طفيفة جداً ويمكن إهمالها.

لكن هناك أدوارا أخرى للنشاط الشمسي أطول بكثير من أحد عشر عاماً بل يزيد بعضها على مائة سنة يكون فيها النشاط الشمسي غير طبيعي البتة، اذ قد لا يوجد على سطح الشمس، مثلاً، ولا حتى بقعة واحدة وذلك خلال عشرات السنين وبالطبع فإن هذا شيء استثنائي لأنه وإن كان مثبتاً نظرياً، فإن الأرصاد الفلكية الوحيدة التي تثبت ذلك تعود إلى القرن السابع عشر. حيث تشير السجلات التاريخية إلى أن فلكيين فرنسيين، كانوا يرصدون الشمس طيلة 50 عاماً، لم يلحظوا وجود أي بقعة على سطحها. وليس مصادفة أن تكون درجة حرارة الأرض في تلك الفترة منخفضة بشكل غير طبيعي وخصوصاً في المناطق العليا على خطوط العرض.

قرائن جيولوجية

وتقوم الأدلة الجيولوجية هنا بإثبات حدوث "تقلبات" في المناخ نتيجة تغيرات النشاط الشمسي. فقد أجرى علماء فرنسيون دراسات على جليد استخرجته البعثات الروسية إلى القطب المتجمد الجنوبي من على عمق 2000م ويقدرعمره بـ 150000 سنة.

أثبتت تلك الدراسات وجود فترات مناخية مختلفة، كما لوحظ وجود صلة بين هذه الفترات والنشاط الشمسي الذي يتكرر بأدوار تزيد على 100 عام، وأدوار أطول بكثير من 13000 سنة و19000 أو حتى 41000 عام. وهذا ينطبق أيضاً على نتائج توصل إليها الأمريكان في جليد غريئنلندة والرسوبيات البحرية في شمال المحيط الأطلنطي. وحتى من خلال دراسة تركيز بعض العناصر المشعة كالكربون C14 والبريليوم التي يتغير تركيزها تبعا للنشاط الشمسي. ومن خلال ملاحظة تكرار فترات مناخية مرتبطة بالنشاط الشمسي يتوقع علماء المناخ الكوكبي حدوث تغير خلال العقدين القادمين يتوقع أن يساهم في تقليص الفروقات الحرارية. يشار هنا إلى أنه قد حصل انخفاض في كمية الطاقة التي تتلقاها الأرض من الشمس اعتباراً من عام 1978 بمقدار 0.25 وات/م2 وهي لا تزال غير ملحوظة.

براءة البشر

تلك أسباب تؤثر في إحداث الانقلابات المناخية وبشكل آخر في رفع درجة حرارة الأرض وانخفاضها أيضاً. إذن هل يمكن تبرئة الإنسان من المساهمة في تسخين الجو الأرضي؟ طبعا لا، فالغازات التي تُطرح في الجو تسبب أيضاً رفع درجة حرارة كوكبنا، ولكن لا يعرف بعد قدر مساهمتها في هذه الظاهرة. كما أن الغموض لا يزال يلف دور المحيطات فيها. فالمعطيات كثيرة جداً وتحتاج إلى زمن كي تدرس بشكل كاف لإعطاء نتيجة نهائية وتبرئة الإنسان أو إدانته بشكل قطعي.

 

عبدالقادر حمدو

 
  




هل الإنسان برئ من تقلبات الطقس





الاعصار " هوجو " .. نموذج من كوارث المناخ المتزايدة





فيضان كارثي يغمر إحدى قرى الشواطئ المنخفضة





الحرائق .. نتاج تقلبات الطقس المحتدمة





دمار من زلزال وعواصف .. من المسئول؟