الدنماركي القائد

الدنماركي القائد

ربما لم يعرف القرن العشرون عالما فيزيائيا ـ باستثناء ألبرت أينشتين ـ أكثر تأثيرا من بوهر، ومع ذلك لم ينل بوهر جزءا يسيرا من شهرة أينشتين المدوية في العالم العربي.

وتمثل حياة بوهر الحقيقة التي تقول إن العلماءالعظماء حقا هم بالتساوي عظماء في موضوع بحثهم وعظماء كبشر. فمن اجل تحقيق الانجازات العلمية الكبرى، فانه ليس كافيا ان تمتلك ذكاء غير عادي، يجب على المرء أيضا أن تكون لديه قوة الشخصية غير العادية، الاجتهاد، الشجاعة، الرغبة الشديدة للوصول للحقيقة، والمقدرة على ادراك المشاكل الأساسية والتركيز عليها. هذه هي بعض الشروط الأساسية للنجاح، وهي تؤثر بقوة في نظرة الانسان الكلية للحياة وكيفية قيادته لها.

باستثناء البرت اينشتين فإنه من المرجح أن بوهر كان أكثر الفيزيائيين تأثيرا في القرن العشرين، فإحلاله السببية في الفيزياء الكلاسيكية بما يعرف الآن بـ "نسق بوهر المكمل" في ميكانيكا الكم "والذي بني على اساس الاحتمالات الاحصائية" يكون الآن أحد الأعمدة المزدوجة المهمة للفيزياء الحديثة بجانب نظرية اينشتين للنسبية. فتصور بوهر عن الطبيعة أنها نسق من الحوادث التي تعتمد على المصادفة بالمقارنة بالنموذج الجبري الذي قدمه أينشتين جعل هذين العملاقين في الفيزياء الذرية على خلاف متكرر ـ ولكنه ودي ـ حول معقولية الطبيعة واللمحات الجوهرية للفيزياء الذرية.

ولد نيلز هينريك دافيد بوهر في كوبنهاجن عام 1885. والده كان استاذا لعلم وظائف الأعضاء في كوبنهاجن، وجدُّه كان أكاديميا أيضا، ولكنه لم يكن ذلك الرجل الذي يكتفي بالاستغراق فقط في مجال تخصصه. لقد كان منزل بوهر مفتوحا لأنواع دائمة من الزوار، كثير منهم زملاء لوالده، متخصصون في مجالات تتفاوت ما بين الفلسفة والفيزياء. لقد أصغى نيلز بعناية، حتى وهو ولد صغير إلى مناقشاتهم النشطة المطولة. هذه المناقشات الشفهية نبهته إلى التفكير في آرائه المبهمة في مجالات تتفاوت بين اللاهوت والعلم إلى السياسة و الاقتصاد. لم يعرف بوهر من هذا الأمسيات كثيرا من المعلومات عن العالم فقط ولكن أيضا سمع أشياء كثيرة جعلته يتساءل عن ماهية العالم الطبيعي في الوقت الذي اعلن فيه ماكس بلانك نظريته للكوانتم وكانت فيه ماري كوري وزوجها، وكذلك أرنست رازرفورد يقومون بالفحص الشامل للنشاط الإشعاعي.

انهيار الذرّة

كانت طفولة نيلز بوهر طفولة سعيدة وقضى هو وشقيقه هارولد ـ الذي أصبح بعد ذلك عالما رياضيا متميزا ـ معظم وقت فراغهما في التزحلق وركوب الدراجات ولعب الكرة. وبالرغم من استمتاعهما بهذه الرياضات فانهما أخذا دراستهما بجدية شديدة واكتسبا اهتماما عميقا بالعلوم والرياضيات.

كان نيلز بوهر قد نمَّى ملكاته الذهنية، في وقت دخوله جامعة كوبنهاجن والتي جعلته قادرا على اقتراح نموذج لعالم مادون الذرة. والذي كان ثوريا مثل عمل بلانك أو اينشتين. منذ البداية أظهر بوهر نضجا واضحا كعالم، فمشروعه البحثي الأول، الذي صُمم لقياس التوتر السطحي للماء، أُجري بالدقة والعناية الكاملتين مما جعل الاكاديمية الدنماركية للعلوم تمنحه ميدالية ذهبية في عام 1906 وهو مازال طالبا لم يتخرج بعد.

كانت طريقة بوهر في تناول عمله، حتى في المرحلة الاولى منها، هي التفكير في المشكلة من كل وجهة نظر محتملة وإنعام النظر في أي تناقضات بها لشهور أو حتى لسنين، قائما بإجراء التصحيحات اللازمة حتى يصل إلى ما يعتقد أنه الاجابة الصحيحة، بينما الملكات الذهنية الفائقة لأينشتين أعطته إدراكا بديهيا بالفيزياء قاده إلى نظرية النسبية. كان اقتراب بوهر من المشكلة أكثر ترتيبا، لقد أنشأ وجهة نظره عن العالم من البداية بنفس الطريقة التي يبدأ بها العامل بناءالحائط من قوالب الطوب. لقد كانت قوة بوهر في تصميمه على الاستمرار في التشبث بسؤال ما في الفيزياء، ليرى ما اذا كانت هناك حلول اضافية لهذا السؤال، ليصل إلى حل بعد وقت طويل من اعتبار معظم زملائه انه حل مقنع.

بعد انتهاء بوهر من رسالته للدكتوراه في عام 1911، سافر إلى جامعة كمبردج آملا أن يقوم ببحوث ذرية في معمل كافيندش مع ج ج. طومسون "مكتشف الإلكترون"، ولسوء الحظ كان طومسون قد فقد الرغبة في هذا الموضوع وفشل في تقدير أهمية رسالة بوهر للدكتوراه والتي أطلعه عليها بوهر في ترجمة إنجليزية لها. هذه الرسالة رفضتها جمعية كامبردج الفلسفية لأنها طويلة جدا وتكلفة طباعتها عالية جدا. بحث بوهر وهو مثبط الهمة عن مدير للبحوث يكون متعاطفا مع رغبته واهتمامه بالبحث في مجال النظرية الذرية. وجد بوهر ضالته في أرنست رازرفورد الذي كان قد اقترح في عام 1910 أن الذرة تحتوي على نواة في مركزها مشحونة بشحنة موجبة وأن الإلكترونات تدور حول النواة في المركز. انضم بوهر في الحال إلى رازرفورد في مختبره في مانشستر، مبتهجا بحماس رازرفورد وموهبته في الاتصال.

قام بوهر في خلال فترة من العمل المستمر في مانشستر، في ربيع وبداية صيف عام 1912، بعمل إسهامات عديدة مهمة في الفيزباء الذرية: لقد ساعد في توضيح طبيعة التحول الإشعاعي، وغالبا كان أول من قام بتعريف أساس النظائر النووية، وقام بتطوير نظرية لفقد الطاقة من جسيمات ألفا ( &) عند مرورها في المادة، وظل مهتما بهذا الموضوع طيلة حياته.

وفي نفس الوقت تقريبا ابتدأ بوهر في حل مشكلة استقرار الذرة مستعملا نموذج رازرفورد الذري. ولكن لسوء الحظ كانت قوانين الفيزياء الكلاسيكية لا تسمح بوجود هذا النموذج. فطبقا للنظرية الكهرومغناطيسية فان الإلكترونات التي تدور في مدارات دائرية ـ طبقا لنموذج رازرفورد ـ تفقد طاقة دائما "على هيئة إشعاع" مما يؤدي إلى أن تأخذ مسارا حلزونيا لتسقط في النواة، أي أن الذرة تنهار على نفسها. لم ينزعج رازرفورد لذلك فهو لم يكن عالما نظريا ولكن بوهر جاء بالحل النظري لمشكلة انهيار الذرة. افترض بوهر ببساطة، أن الالكترون عندما يدور في مدار حول النواة فانه لا يفقد طاقة "لا يخرج اشعاعا". لم يكن لهذا الفرض معنى في ظل الفيزياء الكلاسيكية ولكنه اثبت فاعليته. كانت عند بوهر الجرأة الكافية ليضع فرضا ثانيا. يقرر الفرض الثاني ان انتقال النظام الذري من مستوى مستقر إلى آخر هو عملية غير كلاسيكية يصحبها انبعاث كوانتم واحد من الأشعة المتجانسة لها تردد مرتبط بطاقتها طبقا لمعادلة بلانك.

كان لتفسير بوهر لاستقرار نواة الذرة تأثير كبير في دراسة الفيزياء الذرية لأنه اعتمد على واحد من أحجار الزاوية في الفيزياء الحديثة ـ الفعل الكمي لـ "بلانك" ـ وأدخله في واحد من أهم التغيرات الثورية في طريقة رؤية العلماء لمكونات الذرة. قام بوهر في عام1913 بنشراستنتاجاته في ثلاثة مقالات من تقارير الجمعية الملكية الفلسفية. تقبل المجتمع العلمي استنتاجات بوهر بالتدريج ولكن بوهر كان أيضا مدركا تماما الحاجة إلى تحليل أبعد للعلاقة بين "النواحي الكلاسيكية والكمية للظاهرة الذرية". كانت هذه المقالات الثلاثة هي أعظم انجازات بوهر وشكلت الأساس لشهرته المبكرة. وابتداء من عام 1913 علم الفيزيائيون حدود تطبيق الفيزياء الكلاسيكية على الجسيمات الدقيقة، فوصف بوهر الكمي لذرة الهيدروجين فسر بطريقة دقيقة وذكية خطوط الطيف لذرة الهيدروجين والتي كانت سرا مغلقا قبل ذلك. حتى أن اينشتين عندما سمع بذلك قال بسرور شديد ودهشة: "هذا واحد من أعظم الاكتشافات". ومع أن نموذج بوهر للذرة قد تغير كثيرا عند تطبيقه على الذرات الأكثر تعقيدا فإنه موجود في عقول الفيزيائيين كصورة حية لما تبدو عليه الذرات وكرمز للفيزياء.

سريعا، أصبح بوهر وهو مازال شابا الأب الروحي للنظرية الذرية. فبعد رجوعه إلى كوبنهاجن من مانشستر في عام 1916 شغل كرسي الأستاذية الذي أستحدث له في جامعة كوبنهاجن، وبعد أربعة أعوام أصبح بوهر مديرا لمعهد الفيزياء النظرية. لقد أُنشىء هذا المعهد بتمويل من مجموعة من الأفراد القلقين على استبقاء العلماء الدنماركيين المتميزين وعدم رجوعهم إلى بريطانيا ليشتغلوا بالبحوث الذرية. اجتذب معهد بوهر للفيزياء النظرية ـ مثل معهد الدراسات المتقدمة في برينستون ـ قيادات الفيزيائيين في العالم إلى كوبنهاجن وساعد في تأسيس وتنمية العلاقات العلمية التي نجم عنها مجموعة من الاكتشافات المهمة في الفيزياء الذرية. لقد كان الحضور إلى هذا المعهد بالنسبة للفيزيائيين النظريين واجبا ومصدرا للسرور، لمجرد سماع بوهر عندما يتحدث باستطالة، موجها أسئلة كاشفة، ليست حادة أو ذكية ولكنها تتحرك بصبر في اتجاه حقيقة جديدة.

لقد كانت مدرسة كوبنهاجن نتيجة لإبداع شخصه وعقله. كان بوهر إنسانا بسيطا وعطوفا وحكيما، وكان محبا وزوجا محبوبا. كان بوهر يتمتع بملكة خاصة للتمييز، ونفاذ بصيرة مدهش، ولكنه فوق كل ذلك كان موهبة فريدة لإحداث تقدم من خلال الحوار، وأي حوار! خليط مدهش من الدعابات والتفاؤل والجدية إلى أقصى حد. كانت كلماته مليئة بالقوة وصوته ناعما ليس أعلى كثيرا من الهمس. نظرته كانت ثاقبة عندما يرفع بصره من وقت إلى آخر ناظرا في عيني من يحاوره.

جائزة نوبل

في عام 1922 مُنح بوهر جائزة نوبل في الفيزياء، وهو العام التالي لتسلم اينشتين جائزته من مؤسسة نوبل. حصل جوهر على فيض جارف من الدرجات التقديرية والميداليات بعد تسلمه لجائزة نوبل. جعلت الجائزة اسم بوهر معروفا داخل البيوت في أوربا وأمريكا. شجعت هذه الشهرة بوهر على أن يعطي محاضرات عامة وأكاديمية في الفيزياء في كل مكان في القارة الأوربية. جولات بوهر هذه لالقاء المحاضرات أخذته أيضا إلى أمريكا حيث امضى معظم وقته قريبا من برينستون، مما أتاح له الاحتفاظ بصداقات الفيزيائيين مثل ج. روبرت اوبنهايمر وجون سلاتر، ولكن مكانة بوهر كانت أعظم في الدنمارك حيث كان يعتبر بطلا قوميا واسمه كان معروفا لمعظم أطفال المدارس حتى أن أحد صانعي البيرة منح بوهر دارا واسعة ليستعملها مدى الحياة.

لم يكن بوهر مؤيدا للتصريحات العامة ولا للمؤتمرات الصحفية. ومع ذلك لم تكن عنده الرغبة مطلقا للانسحاب إلى البرج العاجي للعلم، بالأحرى، شعر أن من واجبه أن يكون على اتصال بالحياة ونشاط المجتمع الإنساني وعند الضرورة أن يعبر عن آرائه بصراحة. لقد كان بوهر، إلى درجة أكبر من أي عالم آخر، مستغرقا في المشاكل الإنسانية للعلم الذي ابتكره، وتأثيره في المجتمع والسياسة. كانت طريقته في صنع الفيزياء هي: رجل لرجل. لم يكن تأثير بوهر مستمدا من شهرته ولكن من عكسها تماما، حوار رجل لرجل مع قدرة خاصة على إقناع الطرف الآخر. لقد ساعد بوهر انه جاء من بلد صغير محايد، وليس لديه تحيزات قومية ولم يثر أحدا.

رضاء بوهر عن أموره الشخصية ووضعه كقائد لفيزيائيي الكم قاده إلى أن يأخذ في الاعتبار النواحي الفلسفية لنظرية الكم، خاصة السؤال: هل الحوادث العشوائية على المستوى الذري تلغي فكرة العالم الجبري على المستوى الكوني؟

لقد تأثرت آراء بوهر في عشرينيات هذا القرن بتطوير ميكانيكا الكم والذي قام به نخبة من الفيزيائيين أمثال ويرنرهيزنبرج، وبول ديراك، وإروين شرودينجر.

لكن العامل الخطير في تطور آراء بوهر حول السببية كان اكتشاف هيزنبرج في عام 1927 للعلاقات اللاحتمية في الفيزياء الذرية والتي جعلته يستنتج أن هناك تناوبا في دقة القياسات التي يمكن إجراؤها للظاهرة الذرية ناشئا عن الاضطراب في النظام بسبب عملية القياس نفسها.

التسليم بأنه من المستحيل أن نحدد بدقة كلا من الموضع والطاقة لجسيم ألهم بوهر أن يستنتج مبدأ التكميلية "عام 1927" والذي كَرَّس التسليم بالصيغة الإحصائية للسببية. وافق معظم الفيزيائيين على مبدأ بوهر للتكميلية ولكن أينشتين قاومه بحزم وأعطى أسبابا مختلفة للبرهنة على عدم نجاح التناول الإحصائي للظواهر الذرية مما جعل بوهر يدحض بنجاح حجج اينشتين.

استمر بوهر في تطوير مبدأ التكميلية حتى نهاية حياته وكان يعتقد انه اسهامه الرئيسي لفهمنا للطبيعة. لقد اعتقد بوهر أن مبدأ التكميلية له فائدة عامة كبيرة، وحاول لعديد من السنين أن يطبقه على علم وظائف الأعضاء، وعلم النفس وعلوم أخرى.

بين الوضوح والحقيقة

التفاعل بين الفكر واللغة سلب لب بوهر. كان غالبا ما يتكلم عن حقيقة أن أي محاولة للتعبير عن الفكر تتضمن بعض التغيير، بعض التداخل ـ الذي لا يمكن إلغاؤه ـ بالفكرة الأساسية. هذا التداخل يصبح أقوى عندما يحاول الإنسان التعبير عن نفسه بوضوح أكثر. هنا مرة أخرى توجد تكميلية، كما كان يشير بوهر تكرارا، بين الوضوح والحقيقة. ربما يفسر هذا لماذا لم يكن بوهر محاضرا شديد الوضوح.

شجع اكتشاف جيمس شادويك للنيوترون "عام 1932" بوهر على اسهامه التالي الكبير "ابتداء من عام 1934" من خلال أبحاثه في الفيزياء النووية. لقد قام بابتكار التصورات الخاصة بنموذج نقطة السائل للنواة والنواة المركبة والذي جعل من الممكن فهم كيفية تصادم نويتين ببعضهما وتكوين نواة جديدة بخروج تشكيلة مختلفة من الجسيمات. وفي الوقت الذي أكتشف فيه انشطار نواة اليورانيوم "عام 1939" كان بوهر مستغرقا بعمق في دراسته لتركيب النواة.

من الواضح أن هذه الظاهرة أسرت انتباهه وكتب بحثا ـ بالاشتراك مع العالم الاميركي جون ويلر ـ له تأثير حاسم في تطوير الطاقة النووية.

عند انفجار الحرب العالمية الثانية فتح بوهر باب معهده للعلماء الفارين من حكم النازي في الدول المحتلة. وعندما اجتاحت ألمانيا الدنمارك في ربيع عام 1940 رفض بوهر أن يترك وطنه لاعتقاده أن وجوده في الدنمارك مطلوب أكثر من أي عمل ممكن أن يقوم به في انجلترا أو أمريكا. مع ان النازي حاول رشوة بوهر ليعمل لمصلحة المحور فإنه رفض بحزم أن يجري بحوثا يمكن أن تساهم في المجهود الحربي الألماني. في عام 1943 أصبح الاحتلال أكثر ظلما وكان على بوهر أن يهرب بحياته إلى السويد في قارب صغير لأنه تلقى معلومة مسبقة بان النازي كان يخطط ليستخدمه كمثال لما يمكن أن يحصل لهؤلاء الذين رفضوا في التعاون مع الحكومة الألمانية.

داعية السلام

رجع بوهر إلى وطنه ومعهده في خريف عام 1945. وشهدت سنوات ما بعد الحرب انشغال بوهر الشديد بالبحث عن طريق لمنع الحرب النووية وذلك بإنشاء لجنة دولية لتتحكم في تطوير واستعمال الطاقة النووية. لكن التماسات بوهر لم تجد آذانا صاغية واقتراحاته لكل من روزفلت وترومان من أجل افعال صارمة قد أُهملت. لكن في نفس الوقت باشر بوهر توسيع معهده وعمل كمستشار لبرنامج الحكومة الدنماركية لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية. وفي الأعوام من 1950 إلى 1960 كرس بوهر معظم وقته لتخطيط وإكمال مؤسسة الطاقة الذرية الدنماركية للبحوث وأيضا قام بدعم انشاء مركز سيرن (CERN) الأوربي للبحوث في مجال فيزياء الجسيمات.

كان بوهر محظوظا لوجوده عند البداية، أو ربما الإنسانية هي التي كانت محظوظة لوجوده عند نقطة التحول هذه. لقد بدأ اهتمامه بالفيزياء عندما كان تركيب الذرة لغزا غير معروف، وانتهى عندما وصلت الفيزياء الذرية إلى مرحلة النضج ـ عندما استخدمت النواة في الصناعة لانتاج الطاقة الكهربائية، وفي الطب لمعالجة السرطان، وأيضا، لسوء الحظ، في الحرب والسياسة في أكثر الأسلحة التي تخيلها الإنسان تدميرا.

أنهت وفاة بوهر، بأزمة قلبية في 18 نوفمبر ،1962 حياة واحد من أكثر الفيزيائيين الذين عاشوا تقلبا. وبتصور معين فقد عانى بوهر من سلسلة التطورات التاريخية التي بدأت قبل أكثر من تسعة عقود بنظرية بلانك للكم ونظرية أينشتين للنسبية. وبموت نيلز بوهر انتهت حقبة العلماء الكبار الذين صنعوا الفيزياء الحديثة. ولكن بوهر هو الذي ساعد في تشكيل الروح والمؤسسات من أجل استمرار المحاولة العلمية في المستقبل.

 

عزت طه سليم

 
  




اينشتين .. لم يقل عنه بوهر أهمية





رذرفورد.. شاركه بوهر في أبحاثه





كوبنهاجن العاصمة والميناء