أرقام

أرقام

أطفال الأيدز
"الإيدز ليس مرض الكبار وحدهم, لكنه مرض الأطفال أيضا"

هكذا تقول عدة تقارير دولية تلقي الضوء على الحاضر والمستقبل, وعلى من يفارق الحياة من الأطفال عام "2010", بسبب ذلك المرض اللعين: مرض نقص المناعة.

جاءت هذه النتائج ضمن قراءة أوسع لواقع الأطفال عام "97".. وأذاعتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة تحت عنوان "مسيرة الأمم" وهو عنوان يتكرر في التقرير السنوي الذي تصدره المنظمة.

وقد توقفت طويلا أمام ما جاء في التقرير. التعليم والصحة ووقت الفراغ. أطفال يولدون "تحت الوزن المعتاد", وأطفال يصفهم التقرير بالتقزم لأنهم ينشأون قصار القامة بسبب سوء التغذية, تغذية الأم وتغذية الطفل.

توقفت أمام هذه المؤشرات وقلت: إنها بالفعل مسيرة الأمم, فليس بالسياسة وحدها يحيا الإنسان, وليست بالأرقام العامة حول الاقتصاد العالمي أو الاقتصاد القطري أو حالة المشروعات أو البورصات يكون الحكم على التقدم والتخلف. حياة البشر هي الأهم, والأكثر دلالة. نوعية الحياة وماجرى الحديث عنه طويلا من تقدم أو تخلف في مستوى المعيشة هو الأكثر أهمية. إنها السياسة والاقتصاد عبر أرقام الصحة والتعليم والتلفزيون ووسائل الاتصال والترفيه. وهناك ثلاثة أرقام يمكن التوقف أمامها, كمخاطرتصادف إنسان العصر وهو في سن الطفولة. خطران يتصلان بالفقر وسوء التغذية, وخطر تتعدد مصادره وهو الإيدز.

نصف الأطفال.. أقزام

من يتصور أن تصل نسبة الذين يصابون بالتقزم وقصر القامة إلى ثلثي أو نصف أطفال بلد من البلدان? من يتصور أن يعاني 66% من أطفال أريتريا " تحت سن الخامسة" من التقزم? ومن يتصور أن تصل هذه النسبة إلى 64% في أثيوبيا و63% في بنجلاديش وأن تمتد هذه الظاهرة التي تقاس وفقا للعمر إلى أربعة بلاد عربية هي السودان والعراق واليمن والصومال, فتتراوح نسبة الذين يصابون بالتقزم بين "15 ـ 19%" من الأطفال في هذه المرحلة السنية?

هذا مايشير إليه تقرير مسيرة الأمم وهو يتحدث عن قصر القامة بالنسبة للعمر دون سن الخامسة.

الأرقام بعد ذلك صادمة, بل ومذهلة, ففي "35" بلدا جرى عليها البحث اتضح أن طفلا من كل ثلاثة يصاب بالتقزم! وفي عشرة بلدان "هي الأسوأ" تصل النسبة إلى طفل من بين كل طفلين.

والقضية تبدأ بسوء تغذية الأم أو الطفل, وتنتهي بإضعاف جهاز المناعة عند الطفل, كما تضعف قدرته على التعلم وأداء العمل, بل وينتهي الأمر عند الفتيات بمتاعب في الحمل والوضع بسبب التركيب الفسيولوجي الذي يتسم بضيق حوض المرأة في هذه الحالة.

التقزم مشكلة تواجه أطفال الدول الفقيرة, لكن نقص الوزن عند الولادة أكثر عمومية وانتشارا.

الطبيعي ـ كما يقول الأطباء ويذكر التقرير ـ أن يولد الطفل بوزن لايقل عن 2.5 كيلو جرام, ولكن في البلدان النامية فإن واحدا من كل خمسة أطفال يولد تحت المعدل! يبرز ذلك في بلدان هي الأشد فقرا مثل بنجلاديش والهند وباكستان وسريلانكا, حيث ينتشر سوء التغذية, ويمتد لبلدن أخرى كثيرة من بلاد العالم الثالث.

ويقول الخبراء إن نقص الوزن للأطفال في أعمار تقل عن ثلاث سنوات يجعلهم هدفا للنوبات العصبية والصمم والعمى والشلل الدماغي والإعاقة العقلية والضعف في التطور المعرفي والإدراكي.

وكل ذلك يبدأ بواقعة أن الطفل يولد تحت المعدل!

الإيدز عام 2010

غذاء أقل من ناحية النوع أو الكمية قد يؤدي إلى قصر القامة أو قلة الوزن عند الأطفال, ولكن الإيدز شيء آخر, وإن ظل خطرا جاثما تشير إليه الأرقام في انزعاج.

في مؤتمر حول الإيدز جرى عقده أخيراً في فانكوفر بكندا جرى تقديم بعض الأرقام ذات الدلالة, ففي كل يوم يصاب 8500 شخص بالإيدز, بينهم ألف طفل. وفي عام 1995 فارق الحياة بسبب الإيدز 1.3 مليون شخص بينهم 300 ألف طفل!

وتختلف تقديرات قسم السكان بالأمم المتحدة والمكتب الأمريكي للإحصاءات السكانية حول المستقبل, فالأول يعتبر عام 1995 هو عام الذروة بالنسبة للإيدز, أما المكتب الأمريكي فإنه يعتقد أن المرض يتزايد وأن عام الذروة هو 2010.

على أساس هذين التوقعين, وفي 19 بلدا هي الأكثر تعرضا لمرض نقص المناعة تأتي الأرقام متباينة:

ففي تقدير المكتب الأمريكي أن 105 آلاف طفل رضيع قد فارقوا الحياة في هذه البلدان خلال عام 1995 بسبب الإيدز, لكن قسم السكان بالأمم المتحدة يهبط بالرقم إلى 75 ألفا فقط.

ونفس الخلاف في التقدير يأتي حول توقعات عام 2010 حيث يتراوح رقم الوفيات المتوقعة لأطفال الإيدز بين 83 ألف طفل "تقدير الأمم المتحدة" و"357" ألف طفل, وهو التقدير الأمريكي لنفس المجموعة من البلدان.

في كل الأحوال فإن الصورة مخيفة والأسباب واضحة, فالأطفال يرثون مرض الموت من الأم, أو يكتسبونه من عمليات نقل دم مصاب!

إنه الموت يأتي مبكرا, ليس لانحراف جنسي, وليس لوزر ارتكبه الطفل, لكنه القدر ونوع الأسرة أو نوع الرعاية الطبية.

ويقول تقرير مسيرة الأمم إن الإصابات ـ في حديها الأعلى والأدنى ـ متواضعة, لأن بلدانا تضم نسبة هائلة من أطفال العالم لاتعرف حتى الآن ـ أو لاتكاد تعرف ـ مرض الإيدز.. والبلدان الأبرز في ذلك هما: الصين والهند, بل إن الوباء لم ينتشر في آسيا بشكل عام.

والدراسة التي أجرتها منظمة الطفولة تغطي 19 بلدا من 32 بلدا هي الأكثر تضررا, والكارثة الأكبر في إفريقيا, فمن بين هذه البلدان التسعة عشر توجد ست عشرة دولة إفريقية! ويتوقع مكتب الإحصاء الأمريكي أن تنال بوتسوانا السبق في هذا المضمار عام 2010 فتصل وفيات الأطفال الرضع إلى نسبة "61%" من وفيات الأطفال في هذه المرحلة السنية, بينما تصل النسبة إلى 58% في زيمبابوي و41% في كينيا وتهبط في بلدان آسيوية مثل تايلاند إلى 7%.

وتقديرات الأمم المتحدة أكثر تواضعا, لكنها أيضا, تدق ناقوس الخطر.

هل تحدث اكتشافات تنسف هذه التوقعات? هل يصل الإنسان إلى دواء ناجع يقضي على المرض, وعلى موجة التشاؤم التي امتدت من مصير الكبار إلى مصير الصغار? أم أن العكس يمكن أن يحدث فيزداد المرض انتشارا في بلدان لم يقتحمها بشدة, مثل البلاد العربية والبلدان الآسيوية بشكل عام, وبما ينعكس على الطفولة أيضا?

إن الأطفال هم نقطة البدء في هذا العالم, وأخبار الصحة ليست مجرد أخبار طبية بل هي رحيق السياسة والاقتصاد, والاتجاهات الاجتماعية. سياسة أفضل ووفرة أكثر يلدان طفلا أفضل حالا, له وزن مثالي, وطول قامة معتاد, لايتعرض للتقزم أو التشوه أو التخلف العقلي.

ولكن.. ماذا عن الإيدز الذي يرجع لأسباب غير اقتصادية؟

العلم هو الأمل.

 

محمود المراغي